عبر وسيط دولي ولعلها المرة الأولى التي ترسل حركة حماس برسالة للاحتلال الإسرائيلي تحذره من انفجار الوضع في قطاع غزة إذا استمر الاحتلال بحصاره وسعيه لإفشال المصالحة.
حملت الرسالة مضامين مختلفة أولها تحول القسام نحو إستراتيجية التحذير لوضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليته وتحميل الاحتلال مسؤولية تفجر الأوضاع في القطاع، إضافة لتخفيف الضغط عن حركة فتح للمضي في المصالحة الفلسطينية ورفع الحصار عن قطاع غزة.
وكان القسام خلال حرب 2014 اتبع أسلوبًا جديدًا في إرسال رسائل تحذيرية منها رسالته لشركات الطيران الأجنبية “بوقف رحلاتهم إلى الكيان بسبب المخاطر المحدقة بالمطارات كافة”، ليضع نفسه في خانة الجيوش النظامية وليس كميليشيا مقاتلة، ويتعامل بصرامة أكثر مع حالة الحرب.
وأشار مصدر خاص لـ”نون بوست” أن يحيى السنوار قائد حركة حماس في غزة الذي أمضى أكثر من عشرين عامًا في التفاوض مع مصلحة سجون الاحتلال الإسرائيلية داخل السجون وبشكل مباشر لا يمانع إجراء اتصالات مباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي وقادته والتعامل معهم بشكل ندّي.
محمود مرداوي الكاتب المختص في شأن الاحتلال الإسرائيلي وأحد محرري صفقة شاليط رأى في رسالة القسام أنها تغيير لقواعد الحرب، وأن القسام بات على دراية أكبر في آلية التفاوض، وقال لـ”نون بوست”: “القسام لا يريد الحرب لمجرد الحرب، بل لانتزاع حقوق وإنجازات على أرض الواقع، لذلك أرسل رسالة واضحة في حال بقيت الأمور على ما هي عليه من حصار ومصالحة معطلة وواقع اقتصادي صعب، فالتوجه للحرب مسألة وقت”.
قال مرداوي: “الجمهور في غزة كان متخوفًا من الحرب بشكل كبير، لكنه اليوم يرى أن لا شيء يخسره من الحرب سوى الواقع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه، لذلك يرى في الحرب الخلاص”
وتوقع مرداوي جولة قصيرة من الحرب يرسل فيها الطرفان رسائل لجمهورهما عبر المآسي المتحققة بعد أسبوع دامٍ، لتمهيد الطريق لتنازلات من كلا الطرفين يكون فحواها الرئيسي ضبط الأمن في غزة مقابل الانفراج الاقتصادي.
وكانت المقاومة الفلسطينية ليلة أمس أطلقت أربعة صواريخ في أوقات متفرقة على مناطق مختلفة من الأراضي الفلسطينية المحتلة المحاذية لقطاع غزة أحدها سقط في موقع “أشكول” العسكري جنوب قطاع غزة.
وعن جهوزية الجبهة الداخلية الجماهيرية في غزة لتقبل حرب جديدة قال مرداوي: “الجمهور في غزة كان متخوفًا من الحرب بشكل كبير، لكنه اليوم يرى أن لا شيء يخسره من الحرب سوى الواقع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه، لذلك يرى في الحرب الخلاص”.
ودار الحديث مؤخرًا عن خطة طرحها الاحتلال الإسرائيلي بمشاركة أوروبيين وفلسطينيين عارضتها أجهزة مخابرات الاحتلال تنص على منح تصاريح دخول لـ6 آلاف عامل فلسطيني من قطاع غزة للعمل في المستوطنات المحاذية لقطاع غزة، وربط ميناء أسدود بغزة عبر سكة قطار، إضافة لتوسيعات على معبر بيت حانون ليستقبل بضائع أكثر وللتقليل من الضغط على معبر كرم أبو سالم جنوب قطاع غزة.
القسام خطوة للخلف وخطوتين للأمام
رد حماس في رسالة سابقة على طلب المخابرات المصرية منها ضبط حالة إطلاق الصواريخ من غزة أنها “لم تعد مسؤولة عن قطاع غزة وهناك حكومة توافق” هو تراجع للقاعدة التي رسخها الاحتلال الإسرائيلي منذ حرب2008 أن حركة حماس عنوان قطاع غزة، ولا يعني ذلك ترك حركة حماس للفصائل مواجهة الاحتلال الإسرائيلي منفردة بقدر ما هو فرض قواعد اشتباك جديدة على الأرض.
محمد العيلة: “الاحتلال يخشى من حدوث أي مشاغلة عسكرية مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة قد تؤدي إلى تحسين مرحلي للبيئة الفلسطينية والإقليمية، وحتى الدولية لصالح الطرف الفلسطيني، مما يعني تبديد الفرصة القائمة لتنفيذ مخططاته
يرى الباحث في المركز العربي لدراسة الأبحاث والسياسات محمد العيلة أن حركة حماس لا ترغب في التصعيد العسكري وهو ما يتلاقى مع رغبة الاحتلال الإسرائيلي، وفق تصريحات قادة جيشه المختلفة، وحديثهم عن الانعكاسات الإيجابية لحالة الهدوء في غزة على التنمية في مستوطنات غلاف غزة.
وقال العيلة لـ”نون بوست”: “القرار الإسرائيلي الحاليّ متأثر بالبيئة الخارجية، حيث إن هنالك بيئة دولية وإقليمية وفلسطينية مواتية بشكل غير مسبوق لحسم بعض الملفات العالقة، مثل موضوع القدس والاستيطان وفرض واقع جديد دون الحاجة لاستخدام الأدوات التقليدية خاصة العسكرية”.
وأضاف العيلة: “الاحتلال يخشى من حدوث أي مشاغلة عسكرية مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة قد تؤدي إلى تحسين مرحلي للبيئة الفلسطينية والإقليمية، وحتى الدولية لصالح الطرف الفلسطيني، مما يعني تبديد الفرصة القائمة لتنفيذ مخططاته”.
الاحتلال يتجنب التصعيد من مصادر مختلفة
وتوالت التصريحات في المستوى السياسي للاحتلال الإسرائيلي ضد التصعيد ورغبة الهدوء في غزة، حيث قالت الوزيرة السابقة وزعيمة حزب “الحركة” في الاحتلال الإسرائيلي تسيبي ليفني: “استخدام مزيد من القوة العسكرية مع قطاع غزة لن يفيدنا بشيء، ويجب إيجاد إستراتيجية سياسية جديدة للتعامل مع القطاع”.
الشكل الجديد الذي يتعامل به القسام مع الاحتلال الإسرائيلي عبر الدخول بمفاوضات تنتزع تسهيلات على أرض الواقع قبل اندلاع الحرب قد يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته
وأشارت ليفني لموقع واللا العبري أن الحكومة “الإسرائيلية” لا تملك سياسة واضحة للتعامل مع غزة، في حين قال وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان لصحيفة معاريف: “بعض قيادات المعارضة في “إسرائيل” تحاول جرنا لخوض حرب ضد حركة حماس بقطاع غزة”، وتزامن تصريح ليبرمان مع تصريح رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي غادي أيزنكوت الذي قال: “لا نقبل الأصوات التي تدعو إلى شن هجوم قوي على غزة ردًا على إطلاق الصواريخ”.
وعلى ما يبدو أن الشكل الجديد الذي يتعامل به القسام مع الاحتلال الإسرائيلي عبر الدخول بمفاوضات تنتزع تسهيلات على أرض الواقع قبل اندلاع الحرب قد يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته، في الوقت الذي تتسارع فيه التقارير الدولية للتحذير من كارثة إنسانية وشيكة في قطاع غزة، يحاول القسام فرض معادلة جديدة مفادها “السلاح ليس على حساب رفع الحصار”.