أطلقت بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا في نهاية 2014 حوارا سياسيا يضم الفرقاء السياسيين والأطراف المؤثرة على الساحة لحل الأزمة الليبية، توصلوا خلاله إلى توقيع بعضهم على مسودة للاتفاق السياسي في 17 ديسمبر 2015 بمدينة الصخيرات المغربية.
ولكن مسودة الاتفاق لم تحظى بموافقة ورضا جميع الأطراف كما كان متوقعا، وانسحبت أطرافا رافضة للمسودة من جلسات الحوار، وعلق بعض المعارضين لها مشاركتهم، واستمر غالبية المشاركين في مسار الحوار السياسي الذي أكد المجتمع الدولي أنه لا بديل عنه لحل الأزمة الليبية.
ومنذ ذاك الحين مرّ الاتفاق السياسي الليبي الموقع في الصخيرات بمحطات عديدة لتعديل بعض المواد التي تضمنتها المسودة من أجل ضمان موافقة وقبول معظم أطراف الصراع في البلاد على المسودة، وزيادة نسبة نجاح الحوار الأممي بين الفرقاء الليبيين.
مقترحات الحمامات
وشهد الاتفاق السياسي الموقع بالصخيرات في 2017، بمواقف وتغيرات عدة، بدأت بجولة جديدة لأعضاء لجنة الحوار السياسي في 23 يناير واستمرت لثلاثة أيام بمدينة الحمامات التونسي، اتفق خلال المشاركون على 6 مقترحات لتعديل الاتفاق السياسي.
وكان من بين هذه المقترحات إعادة تشكيل المجلس الرئاسي على أن يكون من ثلاثة أعضاء يتولون الاختصاصات المنصوص عليها في الاتفاق السياسي، وتتخذ القرارات بينهم بالتوافق، واختيار رئيس لحكومة الوفاق الوطني من غير أعضاء المجلس الرئاسي، يتولى الاختصاصات التنفيذية مع وزرائه.
واقترحت اللجنة أن يتولى منصب القائد الأعلى للجيش الليبي ويمارس مهامه مجلس يتكون من رئيس مجلس النواب، ورئيس المجلس الأعلى للدولة، وعضو من المجلس الرئاسي يسميه المجلس الرئاسي، على أن يتم اتخاذ القرارات بينهم بالتوافق.
بعد أن رأت بعض الأطراف إخفاقات وفشل الحوار السياسي تلوح في الأفق، قدم بعضهم مقترحات بديلة للحوار لحل الأزمة السياسية للبلاد
إلا أن الصيغة النهائية لهذه المقترحات لم تحظ بتوقيع جميع الحاضرين، فضلا عن غياب وفد مجلس النواب عن الجلسة، بدعوى انتخاب ممثلين جدد للمجلس في الحوار السياسي، معلقا مشاركته في الحوار إلى أشعار آخر.
لقاء الفرقاء
ففي مبادرة لجمع الأطراف المؤثرة في الساحة الليبية على طاولة الحوار ودعم الاتفاق، استضافت العاصمة الإيطالية روما في 21 من أبريل 2017، اجتماعا هاما جمع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح مع رئيس المجلس الأعلى للدولة عبدالرحمن السويحلي، بهدف تقريب جهات النظر بشأن النقاط الخلافية بين الطرفين.
وفي مطلع مايو احتضنت العاصمة الإماراتية أبوظبي لقاء رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج وقائد عملية الكرامة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بهدف إنهاء الأزمة الليبية وتوحيد البلاد، ويعد هذا اللقاء بين الطرفين الأول بينهما في 2017، والثاني من نوعه بعد اجتماعهما في يناير 2016 بمدينة المرج شرقا.
واحتضنت العاصمة الفرنسية باريس في 25 يوليو الماضي اللقاء الذي ربما يعد الأهم والأبرز بين الفرقاء الليبيين في 2017، الذي جمع أيضا رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج المدعوم دوليا، واللواء المتقاعد خليفة حفتر، اللذين قاما بمحادثات واسعة قادها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وأعلن الطرفان الليبيان خلال هذا اللقاء، التزامهما بوقف إطلاق النار وتفادي اللجوء إلى القوة المسلحة في جميع المسائل الخارجة عن نطاق مكافحة الإرهاب، والعمل على إجراء انتخابات في أقرب وقت ممكن تحت إشراف الأمم المتحدة.
في مبادرة تعد المحطة الأهم والأبرز في مسار الحوار والاتفاق السياسي الليبي، أعلن رئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا غسان سلامة، في 21 سبتمبر الماضي، عن مبادرة الأمم المتحدة بعنوان “خطة العمل الجديدة من أجل ليبيا” لحل الأزمة في البلاد
مقترحات بديلة
وبعد أن رأت بعض الأطراف إخفاقات وفشل الحوار السياسي تلوح في الأفق، قدم بعضهم مقترحات بديلة للحوار لحل الأزمة السياسية للبلاد، وعلى هذا النحو أعلن رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج، عن خارطة طريق من أجل للخروج من الأزمة الراهنة وفقا لمبادئ عامة ورؤيته للمرحلة.
وتضمنت مبادرة السراج إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مشتركة في مارس 2018، والإعلان عن وقف جميع أعمال القتال في البلاد، إلا ما يخص مكافحة الإرهاب، إضافة إلى تشكيل لجان مشتركة من مجلس النواب ومجلس الأعلى للدولة للبدء في دمج مؤسسات الدولة المنقسمة، إلا أن هذه المبادرة لم تلق استحسان المتصارعين، ولم تحظى بالدعم المطلوب.
المحطة الأهم
وفي مبادرة تعد المحطة الأهم والأبرز في مسار الحوار والاتفاق السياسي الليبي، أعلن رئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا غسان سلامة، في 21 سبتمبر الماضي، عن مبادرة الأمم المتحدة بعنوان “خطة العمل الجديدة من أجل ليبيا” لحل الأزمة في البلاد، والمكونة من ثلاث مراحل، وذلك خلال انعقاد جلسة للأمم المتحدة حول ليبيا.
وتتضمن المرحلة الأولى من خطة العمل التي حظيت بدعم أممي ودوليا واسع، تعديل الاتفاق السياسي الليبي، موضحا أنه سيعقد اجتماعا خلال أسبوع – وفقا للمادة (12) من الاتفاق السياسي – في مكاتب بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا للجنة صياغة، لوضع هذه التعديلات.
وتشمل المرحلة الثانية من الخطة عقد مؤتمر وطني شامل تحت رعاية الأمين العام للأمم المتحدة يهدف إلى فتح الباب أمام أولئك الذين جرى استبعادهم، وأولئك الذين همشوا أنفسهم، وتلك الأطراف التي تحجم عن الانضمام إلى العملية السياسية، ويجمع المؤتمر أعضاء مجلسي النواب والأعلى للدولة وغيرهم كثير ممن تمثيلهم ضعيف أو غير ممثلين على الإطلاق في هاتين الهيئتين.
في منتصف أكتوبر، بدأت اجتماعات الجولة الثانية من جلسة الحوار للجنة الصياغة المشتركة لمجلسي النواب والأعلى للدولة بتونس، بحضور غسان سلامة، والتي شهدت توقفا لعدة أيام بعد نشوب خلافات بين لجنتي الحوار
وتنص المرحلة الأخيرة من خطة غسان سلامة، على أنه “في غضون سنة من الآن، يجب الوصول إلى المراحل النهائية للعملية، ويشمل ذلك إجراء استفتاء لاعتماد الدستور، يلي ذلك وفي إطار الدستور، انتخاب رئيس وبرلمان، ويكون ذلك نهاية المرحلة الانتقالية”.
العودة إلى الحوار
وكما أعلن المبعوث الأممي في خطته، بدأت في 26 سبتمبر، أولى جلسات الحوار لتعديل الاتفاق السياسي، بين لجنتي الحوار التابعة لمجلسي النواب والأعلى للدولة، في تونس، تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة، ولم تحمل هذه الجولة أي تغيرات جديدة على الاتفاق السياسي.
وعقب هذه الجولة قرر مجلس النواب، بالإجماع إلغاء المادة الثامنة من الأحكام الإضافية من اتفاق الصخيرات، وتعديل نص المادة الثامنة من الاتفاق، بحيث تؤول المهام المتعلقة بالمناصب العسكرية والأمنية للمجلس الرئاسي بإجماع أعضائه الثلاثة، وبمصادقة البرلمان، كما اتفق على أن يتكون المجلس الرئاسي من رئيس ونائبين، ويكون رئيس حكومة الوفاق منفصلا عن المجلس الرئاسي.
وفي منتصف أكتوبر، بدأت اجتماعات الجولة الثانية من جلسة الحوار للجنة الصياغة المشتركة لمجلسي النواب والأعلى للدولة بتونس، بحضور غسان سلامة، والتي شهدت توقفا لعدة أيام بعد نشوب خلافات بين لجنتي الحوار، أدت إلى تعليق لجنة حوار البرلمان مشاركته في الجلسات لأيام، لتبقى نقاط الاختلاف قائمة بين الطرفين.
تحفظ المجلس الأعلى للدولة، على مقترح رئيس البعثة الأممية إلى ليبيا غسان سلامة، مطالبا بعقد توازن في آلية اختيار المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني بينه وبين البرلمان
مقترح تعديل السلطة التنفيذية
وواصل سلامة جهوده لحل الأزمة الليبية، وقدَم في منتصف نوفمبر الماضي إلى مجلس النواب، مقترحا بتعديل مواد السلطة التنفيذية في الاتفاق السياسي الليبي، التي وافق عليها الأخير، في جلسته التي عقدت في 21 من الشهر ذاته، بغالبية أعضائه.
وينص مقترح سلامة الذي يتكون من 14 مادة، على تشكيل مجلس رئاسة الدولة من رئيس ونائبين، ويتَّخذ كافة قرارته بالإجماع، وتتكون السلطة التنفيذية من كل من مجلس رئاسة الدولة (الرئاسة)، ومجلس الوزراء (الحكومة)، التي تشكَّل على أساس الكفاءة وتكافؤ الفرص، ويكون مقرها الرئيسي بطرابلس، ويمكن أن تمارس أعمالها من أي مدينة أخرى، ويستمر كل من مجلس رئاسة الدولة ومجلس الوزراء في أداء مهامهما إلى حين إجراء انتخابات نيابية ورئاسية.
في الجهة المقابلة، تحفظ المجلس الأعلى للدولة، على مقترح رئيس البعثة الأممية إلى ليبيا غسان سلامة، مطالبا بعقد توازن في آلية اختيار المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني بينه وبين البرلمان، مؤكدا على ضرورة مشاركته باتفاق مع مجلس النواب في اختيار المجلس الرئاسي، وفق أي آلية كانت وعلى قدم المساواة التامة بينهما، بحيث لا ينفرد أحدهما بحق الاختيار دون موافقة ومشاركة الطرف الآخر.
وشدد الأعضاء في جلسة اليوم على، أهمية إبقاء اختصاصات المجلس الرئاسي، الرئاسية والسيادية، المنصوص عليها في الاتفاق السياسي، مشيرا إلى أهمية اختيار رئيس الحكومة من قبل المجلس الرئاسي وبالإجماع ويقوم بتشكيل حكومته في مدة محددة وتحال إلى مجلس النواب عن طريق المجلس الرئاسي.
سيترقب الليبيون ما الذي سيحل بالاتفاق السياسي خلال العام الجديد، وخاصة بعد أن بدأ معظم الأطراف المتصارعة يتجه نحو إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية التي دعت إليها الأمم المتحدة ودول أخرى
ورغم موافقة مجلس النواب على مقترح المبعوث الأممي إلى ليبيا القاضي بتعديل مواد السلطة التنفيذية في الاتفاق السياسي، إلا أنه البرلمان لم ينجح إلى الآن في عقد جلسة مكتملة النصاب للتصويت فيها على تعديل الإعلان الدستوري وتضمين الاتفاق السياسي الليبي، وتضمين مبادرة غسان سلامة المتعلقة بالسلطة التنفيذية في الاتفاق.
حفتر يعيق الاتفاق
وفي الذكرى الثالثة لتوقيع مسودة الاتفاق السياسي الليبي، بين أطرافا سياسية محلية في 17 كانون الأول/ ديسمبر عام 2015، بمدينة الصخيرات المغربية، ظهرت دعوات أطلقتها بعض الأطراف السياسية حول انتهاء صلاحية الاتفاق السياسي أبرزها قيادات من عملية الكرامة بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
وفي 17 ديسمبر الماضي، أعلن حفتر، عن انتهاء صلاحية الاتفاق السياسي الليبي مع بلوغ يوم “17 ديسمبر” 2017، وفقدان كل الأجسام المنبثقة عنه بصورة تلقائية شرعيتها المطعون فيها منذ اليوم الأول من مباشرة عملها، ولكن الأطراف الدولية والأممية رفضت وحذرت بالمساس بالاتفاق السياسي، ليخضع حفتر كما كان مرجحا للأوامر الدولية.
وسيترقب الليبيون ما الذي سيحل بالاتفاق السياسي خلال العام الجديد، وخاصة بعد أن بدأ معظم الأطراف المتصارعة يتجه نحو إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية التي دعت إليها الأمم المتحدة ودول أخرى.
المصدر: ليبيا الخبر