هل حان خريف إيران؟

اندلعت المظاهرات الغاضبة ضد النظام الإيراني في معقله الكبير مدينة مشهد، وامتدت في اليوم التالي لتشمل مدن شيراز وأصفهان ناهيك عن المناطق المهمشة في كرمنشاه غربي البلاد، وهذا مؤشر كبير على فشل نظام الحكم الإيراني في إرضاء الناس في مناطقه الأساسية، فلو كانت المسألة هي الأهواز جنوبًا أو كرمنشاه غربًا أو بلوشستان شرقًا أو الأذريين شمال غرب لقيل بأن تلك المناطق التي يوصف ساكنوها بالأقليات المهمشة لا تؤثر في استقرار النظام في طهران، فهذه المناطق يتقصد النظام تهميشها لاعتبارات رخيصة تتعلق بالقومية.
لكن مدن مشهد وشيراز وأصفهان التي يسكنها الشعب الفارسي توصف بالركيزة الأم لنظام الحكم، لذلك فإن اهتزازها يزلزل النظام بقوة، ويكشف عن الأمراض الداخلية الخطيرة التي تعاني منها الدولة في إيران وأنها فعلًا تنفجر من الداخل.
وخطورة الأوضاع وانتشار التظاهرات كالنار في الهشيم في مدن إيران دفع أركان النظام بما في ذلك الحرس الثوري والجيش لإصدار بيانات تتهم الغرب والخارج بإثارة المتظاهرين ضد الدولة، وذلك من باب التغطية بالخارج على الفشل الذريع للدولة داخليًا، وهي أسطوانة مشروخة قد مقتتها الأمة من إحداثيات الثورة السورية التي هبت فيها إيران لإنقاذ عميلها بشار.
ظهور الصراع بين سلطة الدين وسلطة الحكم، حيث إن خامنئي طالب روحانى بالإصلاح وألا يكون سببًا في انقسام إيران، وإذا لم يفعل فيكون العقاب إزاحته من كرسي الحكم، ونجد هنا ظهورًا للدولة الدينية
احتلت أمريكا العراق سنة 2003 وسلمته لإيران، فأصبح النفوذ الأمريكي والإيراني لا ينفكان عن حكومات بغداد، في دليل ساطع على كذب الحكومة الإيرانية بعدائها لـ”الشيطان الأكبر”، ومن أجل أمريكا دفعت إيران أموالها بسخاء في دعم نظام المجرم بشار وضرب نفوذ بريطانيا في اليمن وتثبيت نفوذ أمريكا في لبنان، حتى تحالفت إيران مع كل ما هو غير مسلم من إيزيديين ونصارى وروسيا وجماعة عون في لبنان والنظام البعثي في دمشق، وكان كل ذلك تحت شعارات “الثورة الإسلامية”، وكان ضجيجها وصراخها يوحي لها بأن الأمر مقنع.
وعلى الرغم من إدراك المسلمين خارج إيران لشدة عفن السياسة الإيرانية ورائحتها النتنة التي تشتم من المجازر الفظيعة التي تقوم بها دفاعًا عن المصالح الأمريكية في سوريا ولبنان واليمن، فإن هبة الشعب الإيراني قد أثبتت أن أهل إيران أيضًا لم تنطل عليهم هذه الكذبة الكبرى.
ومن أجل ثني الشعب الإيراني عن المظاهرات التي يمكن أن تتطور إلى ثورة، فيعجز النظام الإيراني عن خدمة نفسه وأمريكا، فقد تبنى المسؤولون الأمريكان بمن فيهم الرئيس ترامب تظاهرات إيران، ومجدها، كما مجّد من قبله أوباما ثورة سوريا وهو يقتلها، حتى يضفي صورة كريهة للتظاهرات الإيرانية بأنها تابعة لأمريكا.
ولعل ما يجب على النظام الإيراني إدراكه اليوم أن وقت الحساب قد دنا، فصرخات أرامل الشام وأطفالهم تحت نار إيران ومليشياتها لعنات ستطارد نظام الحكم في إيران في الدنيا والآخرة، ولن يفلت كل حاكم في الشرق من انتقام شعوبهم على خدمتهم كلهم لأمريكا والغرب.
إما ينتصر الإصلاحيون الإيرانيون، وتتساقط قوة رجال الدين كأوراق الخريف،ويرفضون ثيوقراطية الدولة كما رفضها هيجل في ألمانيا، وتتجه إيران نحو دولة مدنية جديدة، أو يستمر الحكم الثيوقراطى لإيران، وصراعتها لحساب الغير لبقائهم فى أماكنهم
أمريكا والصهاينة يحركون الشرق والعرب كأحجار الشطرنج، ويريدون أن يرسلو رسالة مفادها القدس مقابل إيران، ونجد أن الشرق مستعد لذلك مقابل أمن واستقرار المنطقة.
ظهور الصراع بين سلطة الدين وسلطة الحكم، حيث إن خامنئي طالب روحانى بالإصلاح وألا يكون سببًا في انقسام إيران، وإذا لم يفعل فيكون العقاب أزاحته من كرسي الحكم، ونجد هنا ظهورًا للدولة الدينية، يشير مفهوم الدولة الدينية إلى شكلٍ من أشكال الحكم يكون فيه لرجال الدين السلطة العليا واليد الطولى في إدارة شؤون الدولة وسن القوانين، ويعرف هذا المفهوم بالثيوقراطية المشتقة من كلمتين ثيو وتعني حكم وقراطية وتعني الدين.
فيعني هذا المفهوم حكم رجال الدين أو حكم الدين، وهذ الصراع قادر على إحداث خريف إيرانى، وإصلاح يقوده الإصلاحيون، ويزيح السلطة الدينية، وهذا بمثابة، إحداث فوضى وشق في المجتمع الإيرانى، لأن هذا الصراع من أقوى وأخطر الصراعات، فإما ينتصر الإصلاحيون الإيرانيون وتتساقط قوة رجال الدين كأوراق الخريف، ويرفضون ثيوقراطية الدولة كما رفضها هيجل في ألمانيا، وتتجه إيران نحو دولة مدنية جديدة، أو يستمر الحكم الثيوقراطى لإيران، وصراعتها لحساب الغير لبقائهم فى أماكنهم.
وكم يقول إسلامي حفيظ في مقاله الدولة الدينية، الدولة العلمانية، الدولة المدنية، نشر في موقع مغرس يوم 16-8-2011، الدولة الدينية بما هي كذلك فهي مرادفة للاستبداد ولمصادرة الحريات ونقيض للديمقراطية والمواطنة، ويمكن التمييز في الدولة الدينية بين دولة دينية ثيوقراطية صلبة (حكم طالبان وإيران نموذجًا) ودولة دينية ثيوقراطية مرنة (كالمغرب) ولكن هذه الدول تجتمع في تحكيم الدين في الشأن السياسي “المغرب دولة إسلامية، إمارة المؤمنين، البيعة، الراعي والرعية، قدسية الحاكم الصريحة أو الضمنية”.