“مع كل يوم يمر، يرى الأطفال آمالهم وأحلامهم المستقبلية تتحطم.. إذْ أنَّ منازلهم ومدارسهم ومجتمعاتهم يجري تدميرها، وحياتهم أصبحت مهددةً بشكل متزايد بسبب الأمراض وسوء التغذية”، هذا ما قاله جوليان هارنيس، ممثل اليونيسف في اليمن في معرِضِ حديثه عن الأوضاع الإنسانية في اليمن.
وهكذا أيضاً يستقبل اليمنيون عامهم الجديد (2018)، وهم مثقلون بأزماتٍ متراكبة، يمسك بعضها برقاب بعض، بلغت ذروتها خلال العام المنصرم (2017) الذي كان أشد وطأة على اليمنيين من غيره، في متولية الحرب الدائرة في البلاد منذ نهاية مارس 2015.
حرب اليمن الطويلة جداً، خلقت واحدةً من أكثر المآسي الإنسانية على مستوى العالم، حين هبّتْ رياحها بما لا يشتهي الوطن المنكوب، الذي أضحى قرابة ثلثيه لا يشبعون من جوعٍ ولا يأمنون من خوف.
كوكتيل من الأزمات الإنسانية القاصمة
على المستوى الإنساني يتخبط اليمن في كارثة حقيقية، تصفها المنظمات الأممية أنها الأسوأ في العالم، تمثلت في المجاعة، وانتشار الأمراض الفيروسية والأوبئة كالكوليرا والدفتيريا وغيرها من الأوبئة بالتزامن مع وضع اقتصادي صعب وتهاوٍ فضيع في قيمية العملة المحلية (الريال) إلى أدنى مستوى في تاريخه أمام العملات الأجنبية.
جائحة المجاعة والبؤس المطبق أخذت في الاتساع أكثر، نتيجة الكساد الاقتصادي الكبير الذي أحدق بخزينة البلاد، وما نجم عنها من انقطاعٍ لمرتبات الموظفين في القطاع العام منذ أغسطس 2016، وانقطاع الخدمات، والكهرباء، ونقص حاد في مياه الشرب، وارتفاع أسعار المشتقات النفطية إلى مستويات خيالية تصل أحياناً إلى 1400%، ما ترتب عليها زيادة طردية في أسعار السلع الغذائية الأساسية التي صارت بعيدة عن متناول السواد الأعظم من اليمنيين المسحوقين تحت خط الفقر وضغط الحاجة.
ووفق تقديرات الأمم المتحدة، يعاني سكان 20 محافظة (من أصل 22 محافظة يمنية) من انعدام الأمن الغذائي الشديد الذي وصل إلى مستوى “الطوارئ”، وفقا لمقياس مكون من خمس نقاط، تصنف المرحلة الثالثة فيه بالأزمة بينما تصنف الرابعة بأنها حالة طوارئ والخامسة مجاعة أو كارثة.
كما تقول منظمة الصحة العالمية إن 45% من المرافق الصحية في اليمن، لا تعمل سوى بنصف طاقتها المحددة، بسبب شحة المستلزمات الطبية، وتضرر نحو 275 مرفقا صحياً، ما تسبب بحرمان حوالي 16.4 مليون شخص من خدمات الرعاية الصحية الأساسية.
وفاقم من تدهور الوضع الصحي في اليمن تفشي مرض الكوليرا الذي أعلنت منظمة الصحة العالمية مؤخراً، عن تجاوز حالات الاصابة المسجلة به حاجز المليون اصابة منذ نهاية مارس من العام الماضي، حيث حصد الوباء الذي لم ينته بعد، أرواح أكثر من 2200 شخص، في وقت بدأ فيه مرض الدفتريا بالانتشار على نطاق واسع، مخلفا حتى الآن 34 حالة وفاة، حسب المنظمة الدولية.
ورغم أن المساعدات التي تقدمها بعض المنظمات والهيئات الإغاثية، كمركز الملك سلمان والأمم المتحدة، وهيئات الهلال الأحمر والصليب الأحمر، ساعدت نسبياً في تدارك الوضع من الانهيار الكامل، إلا أن ذلك ظل جزءاً ضئيلاً في هامش الكارثة الإنسانية التي ترزح البلاد تحت وطأتها المهلكة.
الفرار من حَرّ الجوع إلى جحيم الحرب
التفاعل الخطأ بين ثالوث المجاعة والحرمان والبطالة، التي يذوق ويلاتها السكان في مناطق الصراع، خصوصاً أولئك الذين فقدوا مصادر دخلهم، دفعت بعدد غير قليل منهم إلى حمل السلاح والانخراط في الحركات المسلحة، التي تستثمر في أوجاع الناس عن طريق استمالة الشباب والمراهقين بقليل من المال وقطع السلاح.
تماماً كما هو الحال عند جماعة الحوثي، التي استقطبت منذ بداية العمليات العسكرية للتحالف العربي، عشرات الآلاف من المقاتلين، خصوصا من المحافظات الشمالية مثل: صعدة، وحجة، وذمار، وعمران، غالبيتهم العظمى من المراهقين وصغار السن، يُزَج بهم يومياً في معمعة الحرب.
وأكدت دراسة نُشِرت مؤخراً، أعدّها “مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية” أن الرواتب التي تُدفع للمقاتلين المشاركين في النزاع (من جميع الأطراف) أغرت كثيراً ممن وجدوها حلاً للبطالة المستشرية للقادرين على القتال الذين وجدوا في الحرب وسيلة لمنع أسرهم من الموتِ جوعاً.
كل 10 دقائق يموت طفل في اليمن
ويعدُ الأطفال أكثر الفئات الاجتماعية تضرراً من جائحة الجوع التي تطوي البلاد طولاً وعرضاً، كونهم أسرع استجابة لأمراض سوء التغذية، وحمى الضنك، والملاريا، وأمراض البرد، بالإضافة للأمراض الناجمة عن شرب المياه الملوثة، في ظل وضع صحي متهالك وشحةٍ في توفر الأدوية والرعاية الصحية اللازمة، مما يفاقم معاناة الأطفال الجوعى ويجعل حياة الألاف منهم على المحك.
فيما تقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” إن 2.2 مليون طفل يمني من إجمالي الأطفال البالغ عددهم 9.6 مليون يعانون من سوء التغذية، ويموت طفل يمني على الأقل كل 10 دقائق نتيجة لأمراض كان يمكن الوقاية منها، بحسب المنظمة ذاتها.
وبحسب “يونيسف” أيضاً، فإن 10 ملايين طفل يمني أصبحوا يواجهون خطر الإصابة بسوء التغذية، منهم نصف مليون طفل يواجهون سوء التغذية الأكثر خطورة، طبقاً لتصريح مديرة برنامج الطوارئ في منظمة الأمم المتحدة للطفولة “أفشان خان”، وفوق هذا كله، هناك نحو مليوني طفل في سن الدراسة مشردين خارج مقاعد التعليم.
التحالف العربي ليس أكثر رأفة بالمدنيين
التحالف العربي لم يكن أكثر رأفة بالمدنيين، فقد هجرت الإمارات العربية آلاف السكان في مديرية المخا الواقعة على الساحل الغربي من محافظة تعز، بعد تحريرها من المقاتلين الحوثيين، والتي يقدر عدد سكانها بحوالي 10 آلاف نسمة، ومنعت الصيادين من الوصول إلى الساحل لمزاولة عملهم، وصاروا مجبرين على العيش في مخيمات للاجئين في أوضاعٍ صعبة وفقر مدقع.
يضاف إلى ذلك، الغارات الجوية التي حصدت مئات الضحايا المدنيين، خلال العام الفائت، جعلت اليمنيين بين جحيمين، ووفقاً لمكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فإن الحرب اليمنية تقتل شهريا ما لا يقل عن 100 مدني، معظمهم بالضربات الجوية للتحالف الذي تقوده السعودية.
وفي نهاية ديسمبر الفارط، قالت الأمم المتحدة إن زهاء 109 مدنياً قتلوا وأصيب العشرات بغارات جوية منسوبة للتحالف بقيادة السعودية، خلال 10 أيام فقط من الأعمال القتالية المتصاعدة في اليمن.
ورغم أنه لا توجد إلى الآن احصائية دقيقة عن عدد الضحايا المدنيين الذين قضوا في هجمات القصف التي لم يعترف التحالف سوى بعدد قليل منها، إلا أن الأشهر الستة الأخيرة شهدت تزايداً ملحوظاً في عدد القتلى المدنيين جراء الضربات الجوية المنسوبة إلى مقاتلات التحالف العربي الذي تقوده السعودية، وهو الأمر الذي دفع بالأمم المتحدة إلى التنديد بما وصفتها “الهجمات العشوائية” التي تستهدف المدنيين في اليمن.
كما أدى تشديد الحظر على الأجواء والموانئ اليمنية، الذي انتهجته السعودية، إلى تأزيم الحالة الإنسانية، وجعل عملية نقل الحالات المرضية الحرجة إلى الخارج للعلاج أمراً في غاية المشقة، خاصة بعد اغلاق مطار صنعاء أمام المسافرين والمرضى الذين يضطرون إلى قطع مئات الأميال للوصول إلى مطار عدن أو مطار سيئون، ناهيك عن الإجراءات العسيرة التي تقيد اليمنيين في داخل وطنهم وخارجه.