أخيرًا وبعد ليلة طويلة عاشتها إيران والعالم، أعلن التلفزيون الرسمي الإيراني العثور على حطام الطائرة التي كانت تقل الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، والوفد المرافق له، وأكد البيان أن جميع من كانوا على متن الطائرة قد لقوا حتفهم.
وكانت وسائل الإعلام الإيرانية قد أفادت في وقت سابق من مساء أمس الأحد إن مروحية الرئیس الإيراني، إبراهيم رئيسي، والوفد المرافق له، تعرضت لحادث “هبوط صعب” في محافظة أذربيجان الشرقية شمال غرب إيران، والمروحية التي تعرضت للحادث كانت تقل بالإضافة للرئيس، ووزير خارجيته حسین أمير عبد اللهيان، ومحافظ آذربيجان الشرقية مالك رحمتي، وإمام جامع تبريز آیة الله آل هاشمي، وبعض المسؤولين الآخرين.
خلال زيارته لمحافظة أذربيجان الشرقية، افتتح الرئيس الإيراني مع الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف جسرًا حيويًا يربط البلدين، وبعد انتهاء حفل الافتتاح عاد الرئيس الإيراني، رفقة الوفد المرافق له، عبر طائرة هليكوبتر من طراز بل 412، ترافقها طائرتان أخرييان، لتختفي طائرة الرئيس، في وقت نجحت فيه الطائرتان الأخرييان في الوصول إلى مدينة تبريز.
تنقل الرئيس الإيراني بطائرة هليكوبتر تعود لحقبة ستينيات القرن الماضي، ويمتلكها الهلال الأحمر الإيراني، يظهر بما لا يقبل الشك أن النظام الإيراني يواجه قصورًا كبيرًا في تأمين سلامة الشخصيات رفيعة المستوى في البلاد
ورغم غياب رواية إيرانية رسمية واضحة عن أسباب سقوط طائرة الرئيس الإيراني، فإن الثابت حتى هذه اللحظة أن سوء الأحوال الجوية والوعورة الجغرافية في مكان الحادث، السبب الرئيس وراء سقوط وتحطم الطائرة، ما يطرح بدوره العديد من التساؤلات عن الطريقة التي تعاطى بها النظام الإيراني مع عملية تأمين سلامة الرئيس الإيراني، سواء على المستوى الأمني أم اللوجستي.
فتنقل الرئيس الإيراني بطائرة هليكوبتر تعود لحقبة الستينيات من القرن الماضي، ويمتلكها الهلال الأحمر الإيراني، يظهر بما لا يقبل الشك أن النظام الإيراني يواجه قصورًا كبيرًا في تأمين سلامة الشخصيات رفيعة المستوى في البلاد.
إن الحديث عن ظروف وملابسات الحادث يظهر الجانب المهم من الرواية، لكن الأهم هو التساؤل عن مدى قدرة النظام الإيراني على التعامل مع مثل هذا الحادث، خصوصًا أنه حاول طيلة الفترة الماضية، إظهار نفسه بمظهر النظام القادر على مواجهة التحديات التي فرضتها العقوبات الأمريكية على إيران، وتحديدًا على مستوى الصناعات الدفاعية، إذ تظهر عملية استعانة إيران بالتكنولوجيا التركية، عبر استخدام طائرة دون طيار من نوع “أكينجي”، للبحث عن مكان سقوط طائرة الرئيس الإيراني، مدى العجز الذي يواجهه النظام الإيراني على مستوى البنية التحتية التكنولوجية في البلاد.
مشهد مرتبك
أظهرت حيثيات سقوط طائرة الرئيس الإيراني ارتباكًا واضحًا عاشه النظام الإيراني، إذ ظهرت بعد ساعات من سقوط الطائرة، عدة روايات إيرانية متضاربة حول حقيقة ما جرى، منها ما تحدث به معاون وزير الخارجية الإيراني مهدي صفري، أو ما صدر عن الهلال الأحمر الإيراني، أو التنافس المستمر بين وكالة مهر ووكالة تسنيم، حول إنتاج رواية خاصة بما جرى.
ورغم أن مثل هذا الارتباك، وفر فرصة للنظام الإيراني لاتخاذ إجراءات أمنية عاجلة لتأمين الوضع الداخلي، عبر نشر قوات الحرس الثوري في طهران وباقي المحافظات، فإن التحول المهم كان في خروج المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، في بيان مقتضب، يوضح من خلاله قدرة النظام على التعاطي مع هذا الواقع.
إذ قدم خامنئي في خطابه القصير، رسائل مهمة للداخل والخارج، فعلى الصعيد الداخلي حاول خامنئي إظهار أن الأمور مسيطر عليها، وأن النظام يمارس مهامه عبر مؤسساته الدستورية، أما على الصعيد الخارجي فحاول التأكيد على تماسك النظام، وأنه مهما كان مصير الرئيس، فإن النظام لن يتأثر بما سيجري.
التحدي الأبرز الذي يواجهه خامنئي في هذا الإطار، يتمثل في إمكانية إنتاج رئيس يشبه رئيسي في السلوك والتصور، فرئيسي هو النسخة المحدثة عن خامنئي
مما لا شك فيه أن قدرة النظام الإيراني على تجاوز ما يجري كبيرة، بالنظر إلى سجل إيران الحافل في هذا السياق، ففي عام 1981 تمكنت إيران من تجاوز حادث تفجير مقر مجلس الوزراء الإيراني في طهران، راح ضحيته الرئيس الإيراني الأسبق محمد علي رجائي، ورئيس وزرائه محمد بهنر، إلى جانب تفجير آخر استهدف مبنى الحزب الجمهوري الإسلامي راح ضحيته 73 رجل دين في إيران، وكان أهمهم أية الله محمد بهشتي، الذي كان يعتبر الشخصية الثانية في إيران بعد المرشد الأعلى الإيراني الخميني.
إلاّ أنه من جهة أخرى، فإن التحديات التي سيواجهها النظام الإيراني ستكون كبيرة جدًا، وتحديدًا على الصعيد السياسي والاقتصادي، فعلى الصعيد السياسي سيكون النظام الإيراني مطالب بتأمين موقع الرئاسة بعد وفاة رئيسي، أما على الصعيد الاقتصادي فسيكون النظام مطالب بتأمين الوضع الاقتصادي، خصوصًا أنه مع الساعات الأولى لسقوط طائرة الرئيس الإيراني، تعرض التومان الإيراني لهبوط حاد أمام الدولار الأمريكي.
خيارات صعبة
إن السؤال الأهم اليوم هو: كيف سيتعامل النظام الإيراني مع تداعيات ما يجري؟ فالعثور على الرئيس الإيراني ميتًا يعني أننا سنكون أمام شغور لمنصب الرئاسة، ورغم أن المادة 131 من الدستور الإيراني لعام 1979، حددت مسارًا واضحًا في كيفية التعامل مع شغور منصب الرئاسة في حالة العجز أو المرض أو الوفاة، عبر البدء بمرحلة انتقالية يديرها نائب الرئيس ورئيس السلطة القضائية ورئيس مجلس الشورى، مدتها 50 يومًا من أجل الإعداد لانتخابات رئاسية جديدة، فإن قدرة النظام للإعداد لمثل هذه الانتخابات صعبة جدًا، بالنظر للانتخابات الرئاسية الماضية.
إن التحدي الأبرز الذي يواجهه خامنئي في هذا الإطار، يتمثل في إمكانية إنتاج رئيس يشبه رئيسي في السلوك والتصور، فرئيسي هو النسخة المحدثة عن خامنئي، فهو يؤدي دور الرئيس، وليس رئيسًا بالمعنى الحرفي، إذ لا يمكن مقارنة أهمية موقع الرئاسة في زمن رئيسي، مع موقع الرئاسة في زمن رفسنجاني وخاتمي ونجاد وروحاني، ففترة رئاسة رئيسي كانت الأقل صدامًا مع المرشد الأعلى والحرس الثوري.
الوضع الذي يحيط بالنظام الإيراني في الوقت الحالي صعب جدًا، ولا يقل أهمية عن الوضع الذي أحاط به في مرحلة ما بعد اغتيال قائد قوة القدس قاسم سليماني
ولعل هذا ما يظهر اهتمام المرشد الأعلى والحرس الثوري برئيسي، خصوصًا على مستوى حفظ التوازن بين مؤسسات النظام الإيراني، أو حتى المساهمة بترسيخ رؤية المرشد الأعلى والحرس الثوري على صعيد السياسات الداخلية والخارجية، والنقطة المهمة التي تجدر الإشارة إليها، هي أن مقتل وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، سيجعل النظام مجبرًا على إيجاد بديل يوازن شخصيته وتأثيره، ورغم أن النظام الإيراني لا يعالج مسألة خلو منصب وزير الخارجية، فإنه بالمقابل هناك بدائل سياسية جاهزة أمام المرشد الأعلى، والحديث هنا عن أسماء مهمة أبزرها علي باقري كني مساعد وزير الخارجية الإيراني.
مما لا شك فيه أن الوضع الذي يحيط بالنظام الإيراني في الوقت الحالي صعب جدًا، ولا يقل أهمية عن الوضع الذي أحاط به في مرحلة ما بعد اغتيال قائد قوة القدس قاسم سليماني، إذ إن استمرار عملية سقوط الشخصيات الموثوقة من المرشد الأعلى، سيصيب النظام الإيراني بتصدعات كبيرة، خصوصًا في سياق الإعداد لمرحلة ما بعد خامنئي، وفي مثل هذا الواقع ستكون إيران على موعد مع استحقاقات سياسية وأمنية كبيرة في المرحلة المقبلة، مهما كان الوضع الذي سيفرض نفسه على الداخل الإيراني بعد الإعلان عن وفاة رئيسي.