ترجمة وتحرير: نون بوست
يعتبر مؤلف كتاب “نار وغضب داخل بيت ترامب الأبيض”، مايكل وولف، الذي أثارت مقتطفات من كتابه جدلا كبيرا على الإنترنت، من الصحفيين الذي يملكون خبرة واسعة في هذا المجال. فقد كتب في العديد من الصحف المشهورة على غرار نيويورك، وفانيتي فير، وهوليوود ريبورتر. وبما أنه من المؤرخين الإخباريين الذين يتقصون أخبار أصحاب السلطة والمال، ألف وولف كتابا عن روبرت مردوخ، نُشر سنة 2008.
بعد صدور هذا الكتاب، فتح تحقيق داخل مؤسسة مردوخ للأنباء التي سمحت بدخول وولف إلى مكاتبها. وعلى إثر ذلك، تم توجيه أصابع الاتهام إلى غاري جينسبرغ، وهو مسؤول سابق في إدارة كلينتون خدم لسنوات كمستشار سياسي مقرب لمردوخ. بعد ذلك، فقد جينسبيرغ وظيفته، وأصبح يعمل في شركة تايم وورنر.
لكن، كما أشار وولف في مقدمة النسخة الورقية من الكتاب، كان مردوخ الشخص المسؤول الأول عن الفرص والأبواب التي فتحت أمامه. وفي هذا السياق، أورد وولف في كتابه “لم يكن مردوخ ذا صدر رحب فقط عندما أجريت معه الحوارات، بل كان يفتح أيضا كل باب طُلب منه أن يُفتح”.
في المقابل، إذا تم القيام بتحقيق مماثل في شارع 1600 بنسلفانيا عن كتاب وولف الجديد، فإن الأمر لن يستغرق وقتا طويلا لتحديد هوية الجاني. وبعد ظهر يوم الأربعاء، أصدر المكتب الصحفي للبيت الأبيض بيانا باسم ترامب مفاده أن “ستيف بانون لا علاقة له بي أو برئاستي”. “فعندما عُزل من منصبه، لم يفقد وظيفته فقط، بل عقله كذلك… فضلا عن أن ستيف يتظاهر أنه في حالة حرب مع وسائل الإعلام، التي كان يصفها بحزب المعارضة، غير أنه قضى وقته في البيت الأبيض في تسريب معلومات كاذبة إلى وسائل الإعلام ليُعطي نفسه أهمية أكبر مما كان عليه. وهذا هو الأمر الوحيد الذي يجيد فعله”.
يحتوي الكتاب على عدد لا يحصى من التعليقات الأخرى التي تدين ترامب وأسرته
في البيان ذاته، قال ترامب “نادرا ما كان ستيف يحظى بلقاء منفرد معي، وهو يتظاهر بأنه كان يتمتع بالتأثير من أجل خداع قلة من الناس غير المطلعين ومساعدتهم على تأليف كتب كاذبة”. في الواقع، كان السبب الذي يقف وراء العداء الذي أبداه ترامب تجاه بانون واضحا.
تجدر الإشارة إلى أن كتاب وولف “نار وغضب”، اقتبس المفردات التي اعتمدها المستشار السياسي الأقدم، بانون، في وصف الاجتماع الذي عقد خلال شهر حزيران/ يونيو سنة 2016، في برج ترامب وجمع بين دونالد ترامب، وجاريد كوشنر، وبول مانافورت، ومجموعة من المسؤولين الذي كانوا على علاقة مع روسيا؛ معتبرا إياه “خيانة” و”متعارضا مع المصلحة الوطنية”، فضلا عن أنه قال إنه كان يجب أن يتم إبلاغ مكتب التحقيقات الفدرالي عنه.
علاوة على ذلك، يحتوي الكتاب على عدد لا يحصى من التعليقات الأخرى التي تدين ترامب وأسرته، والتي وردت على لسان بانون ومستشارين آخرين في إدارة ترامب. وقد افتُتح الكتاب، الذي حصلت على نسخة منه من الناشر هنري هولت، يوم الأربعاء، بتناول المستشار المصرفي السابق (بانون) العشاء مع الرئيس الراحل لشركة فوكس نيوز، روجر آيلز، الذي عُقد في أوائل شهر كانون الثاني/ يناير. وانتهى بمقطع عن بانون وهو يقف خارج مقر برايت بارت، وهو موقع إخباري محافظ عاد إليه بعد عزله من البيت الأبيض خلال شهر أغسطس/ آب.
أما في الفهرس، كان الجزء المخصص لبانون أطول من أي جزء آخر باستثناء جزء ترامب. في الواقع، لم يكن بانون مصدر معلومات وولف الوحيد، حيث يستند الكتاب إلى “المحادثات التي أجراها على مدى ثمانية عشر شهرا مع الرئيس، ومعظم كبار موظفيه، فضلا عن أن بعضهم تحدث معي عشرات المرات، ومع كثير من الناس الذين تحدثوا معي بدورهم” وذلك وفقا لما جاء على لسان وولف في ملحوظة المؤلف.
تحظى الصورة الشاملة التي استخلصها وولف من البيت الأبيض، الذي عانى بشدة من اختلالات وظيفية خلال الأشهر الستة الأولى من رئاسة ترامب، بجانب كبير من المصداقية وتعكس أهم ما تناولته وسائل الإعلام في تلك الفترة
وفقا للكاتب، كانت فكرة الكتاب قائمة على ما سيحدث في المائة يوم الأولى لفترة رئاسة ترامب. وفي هذه الإطار، قال وولف إن “الرئيس نفسه شجّع هذه الفكرة. ولكن بالنظر إلى وجود العديد من الإقطاعيات في البيت الأبيض التي غدت في صراع مفتوح منذ الأيام الأولى للإدارة، لم يكن هناك شخص واحد قادر على تحقيق ذلك الهدف. وبالمثل، لم يكن هناك من يقول لي “اذهب بعيدا”، إلا أنه أصبح يُنظر إليّ بصفة مستمرة مثل المتطفل أكثر من أن أكون من الضيوف المدعوين”.
في سبيل تحقيق غايته، كان لوولف عدة طرق للحصول على المعلومات وتحري الدقة. ففي بعض الفقرات، كان يقوم بتجسيد مشاهد كاملة، وسرد حوارات، دون تحديد مصادره. وفي البعض الآخر، كان وولف ينقل على لسان مساعدي ترامب الحاليين والسابقين تعليقات حوله. فعلى سبيل المثال، بالنسبة لستيفن نوشين ورينس بريبوس كان ترامب شخصا “غبيا”. أما بالنسبة لغاري كوهن، فقد كان يُعتبر “أحمقا”، أما ماكماستر فكان يرى أن ترامب رئيس “مغفل”. في الحقيقة، لا زالت القائمة الأوصاف تطول.
في شأن ذي صلة، نفى شخصان كان قد أدليا بتعليقات في الكتاب، وهما توم باراك، الذي كان صديقا قديما لترامب، وكاتي وولش، التي كانت مساعدة سابقة في البيت الأبيض، أن يكونا قد صرحا بهذه التصريحات السلبية عن ترامب. وبدلا من ذلك، قالا إن وولف هو من قام بنسب تلك الأقوال لهما.
في هذا الإطار، أفادت الناطقة باسم البيت الأبيض سارة هكابي ساندرز “نحن نعرف أن الكتاب يحتوي على الكثير من الأمور التي نعتبرها غير صحيحة”. مع ذلك، تحظى الصورة الشاملة التي استخلصها وولف من البيت الأبيض، الذي عانى بشدة من اختلالات وظيفية خلال الأشهر الستة الأولى من رئاسة ترامب، قبل تعيين جون كيلي رئيسا للموظفين وعزل بانون في وقت لاحق، بجانب كبير من المصداقية وتعكس أهم ما تناولته وسائل الإعلام في تلك الفترة.
يبدو أن ترامب لم يكن عازفا عن القراءة فحسب، بل لم يكن يستمع أيضا، حيث فضل أن يكون هو نفسه الشخص الذي يتحدث
إلى جانب ذلك، يوجد في الكتاب الكثير من التفاصيل الأخرى التي يصعب تصديقها ولكنها في الوقت ذاته تمثل دليل إدانة إذا كانت صحيحة. ففيما يخص العداء بين بانون و”جارفانكا”، وهو المصطلح الذي كان يستعمله بانون لوصف حلف إيفانكا ترامب وجاريد كوشنر، أشار وولف إلى أنه خلال اجتماع في المكتب بيضاوي، دعا بانون إيفانكا “بالكاذبة اللعينة”، مادفع ترامب لمواساة ابنته قائلا: “قلت لك يا ابنتي أن هذه المهمة صعبة”. من جانب آخر، نقل وولف عن بانون قوله بعد أن قرر ترامب سحب الولايات المتحدة من اتفاق المناخ في باريس، الذي كانت تعارضه إيفانكا: “لقد انزاحت عن طريقنا”.
ما يبدو معقولا بالقدر ذاته، تصوير وولف لترامب على أنه شخصية أحادية البعد، لم يكن لديه أي تصور حول إمكانية فوزه في انتخابات سنة 2016، وامتلاكه أدنى فكرة عما يجب القيام به بعد خروجه منتصرا من الحملة الانتخابية. كما لم يكن ترامب مهتما عمليا أو على استعداد لاكتساب المهارات والمعلومات اللازمة للاضطلاع بدور الرئيس. في هذا الصدد، كتب وولف “يمكن القول إن ذلك مثل المسألة المركزية في رئاسة ترامب. ففي الواقع، لم يعالج رئيس الأركان المعلومات وفقا لأي معنى متعارف عليه، أو أنه بطريقة ما لم يعالجها على الإطلاق”.
في سياق متصل، تابع وولف في كتابه أن ترامب لم يكن يطالع، بل حتى أنه لم يستخلص العبر، وفي حال كان الكتاب مطبوعا، فقد لا يكون له وجود أيضا. ويعتقد البعض أنه بالنظر لكل الأسباب العملية، لم يكن ترامب أكثر من شبه أمّي، في حين يخال البعض الآخر أنه يعاني من عسر القراءة، وبالتأكيد أن فهمه كان محدودا. وخلص آخرون إلى أنه لم يقرأ لأنه لم يضطر لذلك، ومثّل ذلك في الواقع إحدى سماته الرئيسية كشعبوي، فقد كان مهتما تماما بالتلفزيون في فترة ما بعد محو الأمية.
لكن، يبدو أن ترامب لم يكن عازفا عن القراءة فحسب، بل لم يكن يستمع أيضا، حيث فضل أن يكون هو نفسه الشخص الذي يتحدث. علاوة على ذلك، كان ترامب يثق بخبرته الخاصة، مهما كانت ضئيلة أو ليست ذات صلة، أكثر من خبرة أي شخص آخر. والأكثر من ذلك أن ترامب كان له اهتمام على مدى قصير للغاية، حتى وإن كان يعتقد أنك شخص تستحق الاهتمام.
يُعتبر ترامب في نهاية المطاف، وفقا لما أفاد به وولف، مؤديا مهووسا بنفسه أكثر من كونه سياسيا، كما يتمثل هدفه الأساسي في احتكار اهتمام الجمهور
تأكيدا لما جاء في التقارير الإخبارية منذ فترة طويلة، أشار وولف إلى أن ترامب في كثير من الأحيان كان ينسحب في وقت مبكر من المساء إلى غرفة نومه، حيث يمتلك ثلاث شاشات تلفزيون، ويقاطع مشاهدته لها فقط للتحدث هاتفيا مع أصدقائه والمقربين منه، وبعضهم من أصحاب المليارات. فضلا عن ذلك، تكشف قصص جديدة وغير مؤكدة عن التحيز الجنسي لترامب ونرجسيته.
في إحدى الاجتماعات، قال وولف إن الرئيس أشار إلى مديرة اتصالاته، هوب هيكس، على أنها “سيدة فاتنة”. وفي اجتماع آخر، وصف ترامب وزيرة العدل بالوكالة، سالي ييتس، التي أقالها في وقت مبكر من ولايته بعد رفضها الدفاع عن قراره الخاص بحظر السفر، بأنها “امرأة حقيرة”.
من جانب آخر، يُعتبر ترامب في نهاية المطاف، وفقا لما أفاد به وولف، مؤديا مهووسا بنفسه أكثر من كونه سياسيا، كما يتمثل هدفه الأساسي في احتكار اهتمام الجمهور (ونقل وولف عن بانون قوله إن “هذا الرجل لا يأخذ قط استراحة من كونه دونالد ترامب”). وعلى الأرجح أن هذا الوصف يقلل من تفاني ترامب في كسب المال، والأمر ذاته بالنسبة لعنصريته وعدائه للمهاجرين، التي تعود كلتاهما إلى عقود خلت.
على أية حال، حتى الرؤساء المُؤدون يجب عليهم اتخاذ القرارات، حيث كرس وولف جزء كبيرا من الكتاب لأكثر القرارات المصيرية التي اتخذها ترامب إلى غاية الآن، على غرار إقالة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، جيمس كومي، في أيار/ مايو الماضي. وإذا كان طرد ترامب لكومي يرقى إلى عرقلة العدالة، فإن ذلك يمثل محورا رئيسيا للتحقيق الذي يجريه المستشار الخاص، روبرت مولر، حول سلوك الرئيس.
في الوقت الذي كان فيه الرئيس يفكر في التخلص من كومي من عدمه، قام جاريد وإيفانكا “بتشجيعه بحجة أن كومي الذي ربما كان خيّرا فيما مضى، أصبح الآن لاعبا خطرا ولا يمكن السيطرة عليه، والذي سيكون ربحه حتما خسارة بالنسبة لهم”
وفقا لما أشار إليه وولف، تم رسم خطوط المعركة داخل البيت الأبيض بشكل واضح، حيث أن بانون، ورينس بريبوس، الذي شغل منصب كبير موظفي البيت الأبيض قبل جون كيلي، ومستشار البيت الأبيض، دونالد ماكغان، عارضوا بشدة طرد كومي. وفي هذا السياق، كتب وولف أن “ماكغان حاول أن يشرح أن كومي في الواقع لم يكن يدير بنفسه تحقيق روسيا، وحتى في غياب كومي سيمضي التحقيق قدما على أية حال”. وضمن اجتماع في المكتب البيضاوي، قال بانون لترامب إن “القصة الروسية تعد قصة من الدرجة الثالثة ولكن إذا طردت كومي فستصبح أكبر قصة في العالم”.
على الجانب الآخر من القضية، وفقا لما أفاد به وولف، كان يقف بعض من المقربين من ترامب من خارج البيت الأبيض، بما في ذلك كريس كريستي ورودولف جولياني، الذي “شجعه على تبني وجهة نظر مفادها أن وزارة العدل قد عقدت العزم ضدّه، كما كان كل ذلك جزءا من مؤامرة أوباما للاحتفاظ بمنصبه”. وواصل وولف أن الأهم من ذلك تمثل في قلق تشارلز كوشنر، والد جاريد، الذي “كان من خلال ابنه وزوجته يسيّر المعاملات التجارية لعائلة كوشنر في إطار السعي وراء ترامب”.
أما في الوقت الذي كان فيه الرئيس يفكر في التخلص من كومي من عدمه، قام جاريد وإيفانكا “بتشجيعه بحجة أن كومي الذي ربما كان خيّرا فيما مضى، أصبح الآن لاعبا خطرا ولا يمكن السيطرة عليه، والذي سيكون ربحه حتما خسارة بالنسبة لهم”. لكن كتاب “نار وغضب” أكد أيضا أن المحرك الرئيسي وراء طرد كومي كان ترامب نفسه.
في النهاية، فصل ترامب جميع مستشاريه تقريبا من عملية صنع القرار النهائية. فقد كان جاريد وإيفانكا يحثان الرئيس على القيام بذلك، ولكنهما لم يكونا على علم بأن العواقب ستكون وخيمة. فعلى سبيل المثال، لم تعلم هوب هيكس بأمر طردها، تماما مثلما كان الحال بالنسبة لستيفن بانون، مهما كان قلقا من إفساد الرئيس للأمور، والأمر سيان لكبير موظفيه، وسكرتيره الصحفي. في المقابل، كان الرئيس، وهو على وشك بدء حرب مع مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل والعديدين في الكونغرس، يزداد شرا.
لن تكون هناك بالتأكيد ولاية ثانية، أو حتى محاولة للتقدم لها، إذ قال بانون في سفارة بريتبارت إنه ‘لن ينجح في ذلك، فقد خسر موظفيه'”
بعد ثمانية أيام من طرد ترامب لكومي، عيّن وزير العدل، رود روزنشتاين، روبرت مولر لتولي تحقيق روسيا. وعلى الرغم من أن نتائج تحقيق مولر لم تُعرف بعد، في الوقت الذي يصر فيه محامو ترامب على أن التحقيق سيبرئ الرئيس من أي إثم، إلا أن وولف كان بالتأكيد على حق عند تأكيده على أهمية القرار للتخلص من ذلك “الفأر”، وهي الكلمة التي يشير بها ترامب إلى كومي.
مع اقتراب نهاية الكتاب، يروي وولف أنه، بعد خمسة أشهر من طرد كومي، كان بانون يتنبأ بانهيار رئاسة ترامب. وأثناء حديثه في مقر شبكة بريتبارت الإخبارية، التي يشير إليها بانون بسفارة بريتبارت، قال بانون إن هناك فرصة نسبتها 33 بالمائة كي يؤدي تحقيق ميلر إلى اتهام ترامب، وفرصة بنسبة 33 بالمائة كي يستقيل ترامب “ربما في أعقاب تهديد من مجلس الشيوخ للعمل بالتعديل الخامس والعشرين”. بالإضافة إلى فرصة نسبتها 33 بالمائة كي “يعرج ترامب إلى غاية نهاية ولايته. وعلى أية حال، لن تكون هناك بالتأكيد ولاية ثانية، أو حتى محاولة للتقدم لها، إذ قال بانون في سفارة بريتبارت إنه ‘لن ينجح في ذلك، فقد خسر موظفيه'”.
المصدر: نيويوركر