تعمل السلطة التنفيذية في تونس بشقيها في قصري “قرطاج” و”القصبة” على إعادة ترتيب الأوراق السياسية، وإحياء “وثيقة قرطاج” وجمع الموقعين عليها لمنح حكومة يوسف الشاهد ثقتهم مجددًا في ظل ارتفاع منسوب الاحتقان الاجتماعي في البلاد والدعوات إلى النزول للشارع والتظاهر الصادرة عن بعض الأحزاب والمنظمات رفضًا للإجراءات الحكومية الأخيرة المتعلّقة بالزيادة في الأسعار.
اجتماع “استثنائي”
أمس الجمعة، ترأس الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، اجتماع الأطراف السياسية والاجتماعية الموقِّعة على “وثيقة قرطاج”، وحضر الاجتماع الذي دعا إليه الرئيس، كلاً من: حركة النهضة ونداء تونس والمسار الديمقراطي الاجتماعي وحركة مشروع تونس، وحزب الاتحاد الوطني الحر (غير ممثل في الحكومة)، وحزب المبادرة، وحزب آفاق تونس (غير ممثل في الحكومة)، وحركة الشعب.
إلى جانب ذلك حضرت 3 منظمات وطنية هي: الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال) والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة (مجمع رجال الأعمال) والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (نقابة الفلاحين)، بينما اعتذر “الحزب الجمهوري” الذي انسحب مؤخرًا من الحكومة والوثيقة، عن قبول الدعوة بسبب ما اعتبره “فشل حكومة الوحدة الوطنية في فض الملفات الاجتماعية والاقتصادية، وعدم جدوى الحضور لتناول نفس المشكلات بنفس المنوال التنموي”.
وقعت على وثيقة قرطاج يوم 13 من يوليو/تموز 2016، 9 أحزاب و3 منظمات وطنية
وانبثقت “وثيقة قرطاج” التي عرفت أيضًا بوثيقة أولويات حكومة الوحدة الوطنية، في شهر يوليو/تموز من العام 2016 عن مبادرة سياسية للرئيس الباجي قائد السبسي، وتضمنت أولويات حكومة الوحدة التونسية التي تشكلت في أغسطس من العام 2016 برئاسة يوسف الشاهد، خلفًا لحكومة الحبيب الصيد التي سقطت بعد حجب البرلمان ثقته عنها في 30 من يوليو/تموز 2016.
ووقعت على وثيقة قرطاج يوم 13 من يوليو/تموز 2016، 9 أحزاب هي حركة نداء تونس وحركة النهضة الإسلامية وحركة مشروع تونس وحزب الاتحاد الوطني الحر وحزب آفاق تونس والحزب الجمهوري وحزب المسار الديمقراطي الاجتماعي وحركة الشعب وحزب المبادرة الوطنية الدستورية.
السبسي والشاهد يستدعيان وثيقة قرطاج لتدارك الوضع
كما وقعت عليها أيضًا ثلاث منظمات وطنية هي الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري.
لكن هذه الوثيقة لم تصمد كثيرًا، حيث انسحب منها حزبا الاتحاد الوطني الحر (عاد إليها مؤخرًا) والجمهوري، فيما كثفت بقية الأحزاب والمنظمات الوطنية من الانتقادات الموجهة لها، حتى إن بعضها لوح في أكثر من مناسبة بإمكانية الانسحاب منها.
إعادة تشكيل حزام سياسي داعم للحكومة
اجتماع الرئيس التونسي بالموقعين على وثيقة قرطاج، الهدف منه حسب عديد من المتابعين للشأن السياسي في البلاد، بث الروح من جديد في هذه الوثيقة المتآكلة، وإعادة تشكيل حزام سياسي قوي لدعم خيارات الحكومة الاقتصادية والاجتماعية، في هذا الوقت الذي يعيش فيه المشهد السياسي في البلاد ارتباكًا واضحًا.
ويهدف اجتماع الموقعين على وثيقة قرطاج، إلى رأب الصدع بين الشركاء في الحكم بدفع سياسة الحوار وتغليب المصلحة الوطنية، خاصة بعد خروج حالة التوتر بين الأحزاب الحاكمة إلى العلن منذ إعلان بعض الأحزاب انسحابها من الحكومة تنديدًا بسياسة التوافق بين حزبي النهضة والنداء، ومعارضة اتحاد الشغل ومنظمة أرباب العمل لسياسات الحكومة.
يقع على عاتق يوسف الشاهد، تحويل الائتلاف الحزبي الحاكم إلى جسم حكومي متضامن
وفي شهر ديسمبر الماضي، فقد الحزام السياسي لحكومة يوسف الشاهد حزب آفاق تونس الذي أعلن انسحابه من الحكومة، و”القطع مع المنظومة السياسية الحاليّة المنبثقة عن وثيقة قرطاج لحيادها عن الأهداف التي وضعت من أجلها”، ليكون الحزب الثاني بعد الحزب الجمهوري الذي ينسحب من تشكيلة هذه الحكومة التي تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة.
ويقع على عاتق يوسف الشاهد، تحويل الائتلاف الحزبي الحاكم إلى جسم حكومي متضامن يمتلك رؤية واضحة قادرة على تحرير القرار الحكومي من الارتهان لمواقف الأحزاب وتصوراتها وخياراتها المتباينة التي ظهرت بأكثر وضوح خلال مناقشة قانون المالية ومشروع قانون المصالحة الإدارية.
مواجهة الاحتقان الاجتماعي
إعادة تشكيل حزام سياسي قوي لحكومة يوسف الشاهد، تسعى من خلاله الأطراف الماسكة بحكم البلاد إلى مواجهة حالة الإحباط واليأس الاجتماعي التي تشهدها تونس، خلال الأشهر الأخيرة الذي ازدادت حدته هذه الأيام، وتشهد تونس في هذه الفترة جدلاً محتدمًا بسبب بدء تطبيق قانون المالية للعام الحاليّ، مما نتج عنه زيادة في أسعار العديد من المواد الاستهلاكية اليومية بعد إقرار القانون لإجراءات ضريبية جديدة، تعتبرها الحكومة التونسية مهمة للحد من عجز الموازنة الذي بلغ 6% في العام 2017، وتجاوز الأوضاع الاقتصادية الصعبة في البلاد.
تخوف من نزول المعارضة إلى الشارع
وكانت أحزاب معارضة على غرار ائتلاف الجبهة الشعبية وحركة الشعب وحزب البناء الوطني، قد نددت مؤخرًا بقانون المالية وما حمله من زيادات في الأسعار، داعية إلى الاحتجاج ضد سياسة الحكومة والدعوة إلى سحب قانون المالية أو مراجعته.
في هذا الشأن، وجه الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية اليسارية حمة الهمامي، الدعوة إلى الأحزاب والقوى السياسية والمدنية التي عارضت قانون المصالحة الاقتصادية، للتشاور وتحديد الخطوات للتصدي لقانون المالية لسنة 2018 والعمل على تعليقه “لما تضمنه من إجراءات خطيرة” على حد تعبيره.
في مقابل ذلك، انتقد حزبا النداء والنهضة التضارب في مواقف الأحزاب المنافسة، لجهة مصادقتها على فصول الموازنة تحت قبة البرلمان ثم التنديد بها ومحاولة تأجيج الشارع وتأليب التونسيين على الحكومة، وطالت الزيادات أساسًا المحروقات وبطاقات شحن الهواتف والإنترنت والعطور ومواد التجميل، فيما طمأنت الحكومة المواطنين بأن أسعار المواد الأساسية لن تتأثر بالزيادات التي تم إعلانها.
تسعى بعض الأطراف السياسية إلى توظيف الإجراءات الحكومية الأخيرة وقانون المالية للسنة الحاليّة واستثمارها سياسيًا خدمة لمصالحها الانتخابية
ويتوقع المختصون أن تؤثر حزمة الضرائب الجديدة – التي تعتبر الأقسى على الإطلاق في تاريخ البلاد وتأتي في سياق برنامج الإصلاح الذي بدأته الحكومة قبل عام لردم الفجوة الكبيرة في عجز الموازنة – بشكل غير مسبوق على كل مناحي حياة المواطنين الاستهلاكية، وأن تزيد من استنزاف القدرة الشرائية للمواطنين بشكل أكبر.
ويحذر بعض الخبراء والمراقبين للشأن العام في البلاد، من مخاطر انفجار الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في مرحلة توحي فيها كل المؤشرات المالية بأن عام 2018 سيكون صعبًا، ومحاولة بعض الأطراف السياسية توظيف الإجراءات الحكومية الأخيرة وقانون المالية للسنة الحاليّة واستثمارها سياسيًا خدمة لمصالحها الانتخابية، خاصة أن الانتخابات المحلية لم يعد يفصل البلاد عنها إلا أقل من 4 أشهر فقط.