حتى بمعرفة صاحب الحدث – الرئيس الإيراني في هذه الحالة – ومكان الحدث – إيران في هذه القضية – لم يكن ليأخذ حادث سقوط مروحية الرئيس كل هذه الضخامة في التأثير، لولا أن الثغرات في القصة، التي لم تُكشف كل خباياها حتى الآن، فتحت المجال لبعد مواز من التأويلات والتفسيرات!
هل تم إسقاط الطائرة بصاروخ؟ هل تم التشويش عليها؟ لماذا لم يتم العثور عليها حتى بعد ساعات من سقوطها؟ أين كانت حماية طائرة الرئيس؟ ما مصير الطائرتان الأخريان؟ هل للإسرائيليين دور في الأمر؟
سيل لا ينتهي من الأسئلة.. قابلها إجابات زادت الغموض في ظل تضارب المعلومات وتعاكسها أحيانًا.. وكل هذا في بلد يوشك أن يكون نوويًا!
ما القصة هنا؟
تحطمت مروحية تقل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي شمالي البلاد أمس الأحد، بحسب وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وبعد ساعات طويلة من البحث، وجدت فرق الإنقاذ طائرة الرئيس وعثرت على جثامين من كان فيها وأبرزهم وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان وعدد من المسؤولين الذين كانوا على متن المروحية. لا يُعرف حتى الآن سبب سقوط المروحية إلا أن هناك العديد من الفرضيات المحتملة لتفسير الحادث.
أولًا: فرضية التدخل الإسرائيلي
كان التلفزيون الإيراني أول من تحدثت عن فرضية التدخل الإسرائيلي، وورد على لسان أحد محلليه أن عملاء “إسرائيل” ينشطون في أذربيحان القريبة من منطقة سقوط الطائرة، لكن كيف لـ”إسرائيل” إسقاط الطائرة؟
الاحتمال الأول أن يكون الإسقاط عسكريًا، بمعنى أن الطائرة سقطت بصاروخ من طائرة مقاتلة، قد تكون شبحية كالأنواع التي تمكلها “إسرائيل” من طراز F-22 Raptor أو طائرة الجيل الخامس F-35 أو طائرة مسيرة. لكن هذا الاحتمال مستبعد كونه يحتمل مخاطر كبيرة، ففضلًا عن احتمالية العثور على حطام أحد الصواريخ أو كشف الطائرة في الرادار، يحتمل هذا الخيار تصعيدًا كبيرًا يمثل إعلان الحرب الشاملة، وهو ما يخرج عن نطاق السياسة وحتى القدرة الإسرائيلية الآن في ظل الحرب في غزة، كما أنه لم يكن واردًا حتى في الظروف الاعتيادية للمنطقة.
الاحتمال الآخر، أن تكون طائرة الرئيس الإيراني قد تعرضت للتشويش، وهذه الفرضية وإن كانت بدورها تحتمل مخاطر ليست بالهينة، إلا أنها قابلة للتطبيق، خاصة مع قدرة “إسرائيل” على تحميل طائراتها الشبحية أجهزة تشويش والاقتراب من خط سير موكب رئيسي الجوي.
يقول المحلل العسكري مخلد حازم، وهو طيار سابق في الجيش العراقي، إن عمليات التشويش بالطائرات يمكنها إسقاط الهدف شريطة الاقتراب منه إلى مسافة معينة تعنمد على نوع الطائرة والسلاح المستخدم في التشويش.
“تتضمن عمليات التشويش استخدام تقنيات الأقمار الصناعية لتحديد الهدف وهو على الأرض عن طريق الرصد وتحديد المكان، وبالتالي تعطى إشارات إلى الأجهزة الالكترونية الموجودة في مراكز عمليات متخصصة بهذا المجال، ويتم توجيه طائرات خاصة بالتشويش قريبة للتعامل مع إشارات الأقمار الصناعية، ويتم التشويش على الهدف ما يتسبب بعطل كل الأجهزة في الطائرة سواء ملاحية أم اتصالات، وبذلك يفقد الطيار السيطرة ويصطدم بالأرض أو بجبل – في حالة الرئيس الإيراني – أو بأي جسم قريب” يقول حازم.
ثانيًا: نظرية الاغتيال الداخلي
يتداول محللون هذه النظرية باعتبار أن رئيسي كان مرشحًا لخلافة المرشد الإيراني الحاليّ علي خامنئي لمنصب المرشد الأعلى للثورة الإسلامية كما أورد تقرير لرويترز، وهو منصب تتداخل فيه الكثير من الحسابات باعتباره المنصب الأكبر من حيث الصلاحيات في الجمهورية الإيرانية. هناك العديد من الأسباب التي قد تعزز هذه الفرضية:
– توجد العديد من المؤسسات في إيران، وهي ليست بالضرورة على وفاق تام في السياسة الخارجية والداخلية، فهناك المخايرات والجيش والحرس الثوري، وكلها لديها سياسات ووكلاء، صحيح أن الأهداف تتوافق، لكن الوسائل ومجيء رئيسي قد يرجح طرفًا على الآخر.
– ثمة العديد من علامات الاستفهام على هذه الرحلة، فهي أولًا بهليكوبتر مدنية وليست عسكرية، الرئيس يسافر بعد لقاء رئاسي جمعه مع الرئيس الأذري إلهان علييف، من غير المعقول أن هيئة الرئاسة أو سكرتارية الرئيس للمعلومات أو التشريفات أو أيًا تكن الجهة المسؤولة عن تنسيق رحلة الرئيس، قد أغفلت عنصري المناخ والتضاريس في الترتيبات، وهي أشياء لا ينساها حتى الإنسان العادي في أي رحلة.
– الأنباء المتضاربة عن الطائرات المرافقة للرئيس، والحقيقة أن كلا الاحتمالين يفتح مزيدًا من الشكوك، فقد كان هناك أنباء عن وجود 3 طائرات وصلت اثنتان منهم بسلام، وقد بدا الأمر غريبًا أن موكبًا رئاسيًا ينسى طائرة الرئيس، ففجأة تختفي بين الضباب ويكمل مسيرته ثم يتذكر أنها فقدت في منتصف الطريق!
والاحتمال الآخر أن الطائرة كانت تسافر وحيدة وهذا احتمال أكثر سوءًا، فكيف تسافر طائرة تحمل هذا العدد من المسؤولين الكبار دون وجود مرافقة أو حماية جوية؟
ثم إن فرق الإنقاذ والحرس الثوري قضت ما يقارب يومًا في البحث عن الطائرة، وهو أمر غير معقول في طائرة تقل رئيس البلاد، تسير في خط يُفترض أنه معروف سلفًا!
ثالثًا: فرضية التحطم بسبب خلل فني
الفرضية الثالثة قد تكون هي المرجحة إلى أن يتم الإعلان عن السبب الرسمي. أوردت تقارير صحفية أن الرئيس الإيراني كان يستقل طائرة هليكوبتر من طراز Bell 212، وهي طائرة مدنية بدأت العمل في أواخر الستينيات. يقول الكولونيل في القوات الجوية لايتون نيوتن، إن صعوبة الحصول على قطع الغيار بسبب العقوبات الأمريكية يمكن أن يكون له دور في وقوع الحادث، فالمروحية تم تصنيعها لأول مرة في الولايات المتحدة ثم في كندا وكلاهما تفرض عقوبات على إيران.
“جرى استخدام هذه المروحية لأول مرة خلال الفترة الأخيرة من حكم الشاه عام 1976 استخدامًا تجاريًا، وكانت لها دور قبل ذلك في الجيش الأمريكي، لذا فإن البداية الفعلية لهذا النوع من المروحيات ربما كانت في وقت مبكر من أواخر الستينيات، وفي هذه الحالة بالذات، أعتقد أن هذا التقاء قطع الغيار، بسبب العقوبات، بالإضافة إلى الطقس الذي كان سيئًا للغاية خلال الأيام القليلة الماضية في هذا الجزء بالذات من شمال غرب إيران. أعتقد أن كل ذلك ساهم في سلسلة من الحوادث وسلسلة من القرارات التي اتخذها الطيار، وربما حتى الرئيس نفسه عندما يتعلق الأمر بقيادة هذه الطائرة” يضيف الكولونيل نيوتن.
على أية حال، تبقى هذه فرضيات تنتظر تأكيد نتائج التحقيقات الرسمية من طهران، مع الإقرار بأن تلك النتائج المنتظرة من السلطات الإيرانية قد لا تفسّر بالفعل حقيقة ما جرى، إذ قد تجد نفسها تخفي الحقائق عليها لأسباب سياسية -داخلية أو خارجية-، ولطالما انتهت حوادث الطائرات كألغاز استحال حلها.