قبل قرابة الأسبوعين، أعلنت الحكومة اليونانية إن الفائض الأولي في الميزانية تجاوز التوقعات، وسيتيح لها تعزيز الإنفاق الاجتماعي على المواطنين المتضررين من إجراءات التقشف.
وقال حينها رئيس وزراء اليونان أنطونيس ساماراس إن الفائض الأولي للميزانية تجاوز التقديرات الأولية كثيرا، حيث وصل إلى أكثر من 1.5 مليار يورو (2.1 مليار دولار) أي ثلاثة أمثال التقديرات الأولية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي توقعت الحكومة فائضا بقيمة 344 مليون يورو عن عام 2013 كاملا، رغم أنه كان من المفترض أن تحقق اليونان فائضا بداية من العام الجاري وفقا لبرنامج الإنقاذ وقيمته 240 مليار يورو، غير أن أثينا حققت فائضا في 2013 قبل عام من الموعد المحدد.
ولم تكتفي اليونان بتحقيق فائض في الموازنة للمرة الأولى منذ نحو 66 عامًا، وإنما تشير التوقعات إلى تحقيقها ارتفاعًا في النمو الاقتصادي بنهاية عام 2014 للمرة الأولى منذ نحو 7 سنوات.
فما الذي فعلته أثينا لتخرج من كبوتها وتحقق تلك المعجزة الاقتصادية بعد ست سنوات من الأزمة الاقتصادية الطاحنة؟
كانت اليونان منذ 3 سنوات أكثر دول العالم اقترابًا من حافة الافلاس الفعلي.
تمثلت أزمة اليونان الكبرى في الاقتراض، حيث ارتفع قيمة الديون السيادية على أثينا لدرجة أعلنت معها اقترابها من العجز عن السداد، وهو ما كان يهدد انذاك بأزمة مالية عالمية كبرى.
ومع منتصف عام 2010 طلبت اليونان رسميًا من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي الحصول على مساعدات عاجلة لتتمكن من سداد فوائد وأقساط الديون في مواعيدها المقررة. وتلقائيًا.. ارتفعت قيمة التأمين على الديون السيادية لليونان، وصعدت أسعار الفوائد على الديون، ما عزز من الأزمة المالية الطاحنة لأثينا.
لجأت اليونان للاتحاد الأوروبي التي تتمتع بعضويته في محاولة لإنقاذ الوضع قبل أشهر قليلة من حلول موعد سداد أقساط ديونها. واختلف رأي زعماء الاتحاد الأوروبي انذاك بين مساعدة اليونان أو إقصائها بعيدًا عن الاتحاد لمنع تأثر الدول الأوروبية بهذه الأزمة، ليختاروا في النهاية تقديم المساعدة لأثينا. واتفق زعماء أوروبا – بدعم من صندوق النقد الدولي – على تقديم حزمة مساعدات إلى اليونان بقيمة 110 مليار دولار على مدار 3 سنوات.
وشملت حزمة المساعدات دعم مالي مباشر، بالإضافة إلى برنامج لمبادلة الديون، وشطب جزء من ديون أثينا لدى دول وجهات تابعة للدول الأوروبية.
كما منحت أوروبا اليونان حزمة مساعدات ثانية في منتصف 2012، لاستكمال خطة الانقاذ، وفي محاولة لتقليص العجز في الموازنة بنحو 150 بالمئة من الناتج القومي للبلاد. ولم يكن هدف أوروبا يقتصر على مساعدة اليونان فحسب، وإنما مساعدة مؤسسات الاتحاد الأوروبي كذلك ومنعها من الانهيار حال إعلان اليونان عجزها عن السداد وما قد ينطوي عليه من افلاس عدد من البنوك والمؤسسات الأوروبية.
ورغم ذلك اشترط الاتحاد الأوروبي اجراءات تقشفية يونانية صارمة، لكبح جماح عجز الموازنة.
ووفقًا للخطة الأوروبية كان على اليونان تقليص عجز الموازنة من نحو 9 بالمئة من الناتج القومي إلى 3 بالمئة فحسب بنهاية عام 2014. وأجرت أثينا – تحت رقابة صارمة من الاتحاد الأوروبي – اجراءات تقشفية واسعة شملت تخفيض في كل بنود الانفاق العام، من ضمنها تقليص الرواتب ومكافآت العمل الاضافي للموظفين الحكوميين وتكاليف السفر وغيرها من المصروفات الحكومية.
كما قلصت اليونان من برنامج المعاش للموظفين، وقامت بتسريح الآلاف من الموظفين الحكوميين من وظائفهم. وقامت الحكومة برفع الضرائب على السيارات والوقود وبعض السلع الترفيهية، في محاولة لخفض العجز. وشهدت البلاد عدة تظاهرات شعبية غاضبة من الاجراءات التقشفية الصارمة والكبيرة، والتي اعتبرها اليوناين تدخلا أوروبيًا في شئونهم، وتقليصًا من السيادة الوطنية، بالإضافة لكونها زادت معاناة الشعب.
رغم الغضب الشعبي الذي ظهر بين الشعب اليوناني خلال الأعوام الماضية جراء الاجراءات الاقتصادية الصارمة، إلا أن الواقع يؤكد نجاح الخطة في تحقيق الهدف منها.
فقد تراجع العجز في الميزان التجاري ليشهد تحقيق فائض بنهاية شهر يناير الماضي، للمرة الأولى منذ 66 عامًا. كما تشير التوقعات إلى انتهاء فترة الكساد والتراجع الاقتصادي بنهاية العام الحالي، ليعاود الاقتصاد تسجيل نسب نمو إيجابية من جديد.
وجاءت المعجزة التاريخية اليونانية – كما أطلق عليها أحد المصرفيين اليونانيين في حديثه مؤخرًا لبلومبيرج – بسبب تجرع الدواء المر في شجاعة.
فقد أدى الوضع الاقتصادي المتأزم واتساع الفجوة بين الإيرادات والمصروفات إلى السعي لتقليص الهوة بالعمل على الجانبين في آن واحد. فاتجهت أثينا إلى تقليص المصروفات بشدة بتخفيض الانفاق الحكومي الغير ضروري، مع الاهتمام بزيادة الموارد. وقلصت اليونان من وارداتها من السلع والخدمات بنحو 6.1 بالمئة، بينما تمكنت من زيادة صادرتها بنسبة 1.6 بالمئة بنهاية شهر يناير الماضي.
وكان دخل السياحة أحد أهم الموارد التي ساهمت في الوصول لتحقيق فائص في ميزان المدفوعات اليوناني، حيث ارتفعت على اساس سنوي بنحو 16 بالمئة بنهاية شهر ديسمبر الماضي.
المصادر: موقع مصراوي + نون بوست