بعد 9 أيام من أداء اليمين الدستورية كرئيس لولاية خامسة، اختار الرئيس الروسي الصين لتكون أول وجهة خارجية له، وفي رحلته يوم الخميس 16 مايو/أيار الماضي لصديقه شي جين بينغ في الصين، اصطحب معه وزراء الدفاع والاقتصاد والخارجية ومسؤولين الأجهزة الأمنية و20 رجلًا من حكام المقاطعات الروسية إلى جانب أقوى الرؤساء التنفيذيين في البلد ورؤساء الشركات الروسية.
ورغم أن شي جين بينغ غير معروف بإظهار الدفء المفرط في استقبال الرؤساء، فقد بسط لبوتين السجادة الحمراء واستقبله في حفل مليء بالأبهة والاستعراض، إذ شهد إطلاق 21 طلقة تحية، وفرق موسيقية عزفت ألحان تعود إلى الحقبة السوفييتية، وحرس شرف، وأطفال روس وصينيين يقفزون ويلوحون بشكل متزامن، بجانب المسؤولون الذين وقفوا جانبًا وهم يصفقون.
وبدأ شي جين بينغ حفل استقباله المهيب بتهنئته بوتين بفترة ولايته الخامسة التي ستبقيه في السلطة حتى عام 2030، وقال شي لصديقه العظيم كما أسماه: “أتمني أن تحقق روسيا تقدمًا جديدًا في ظل قيادتك”، ثم في خطوة نادرة للغاية، ربت الزعيم الصيني على كتف بوتين واحتضنه مرتين في مشهد لا يبدو مرتجلًا ولكنه مصمم بعناية.
وبدلًا من النأي بنفسه عن بوتين، تعمد إظهار تلك المودة أمام الكاميرات كي يرى العالم ذلك، وللتأكيد على قرب العلاقة مع صديقه القديم مثلما أطلق عليه، لكن ريتشارد ماكغريغور الباحث في معهد لووي، اعتبر العناق رسالة “ازدراء لواشنطن” أكثر من مجرد تصوير التوافق الشخصي بين الزعيمين.
ثم بعد الترحيب الحار الذي استمر قرابة النصف ساعة على الأنغام العسكرية، تجول الزعيمان في نزهة تحت أشجار الصفصاف في حدائق مجمع تشونغنانهاي، وقبل أن يوقعا على أي وثائق، جلسا بشكل منفصل مع مترجمين فقط لاحتساء الشاي على الكراسي المصنوعة من الخيزران.
بدأ بوتين الحديث عن اهتمامه بالفنون القتالية والفلسفة الصينية، وقال إن بعض أفراد عائلته يتعلمون اللغة المندرينية، ثم تعهد الزعيمان ببدء حقبة جديدة من التعاون بين بلديهما من أجل المضي قدمًا لإعادة تشكيل نظام عالمي لا يهيمن عليه الغرب، إذ يتشارك الثنائي في رؤية ترى أن النظام العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة في حالة انحدار.
بعد ذلك حضر الثنائي حفلًا موسيقيًا أقيم على مسرح بكين الوطني بمناسبة مرور 75 عامًا على اعتراف الاتحاد السوفيتي بجمهورية الصين الشعبية، التي أعلنها ماوتسي تونغ عقب انتصار الشيوعيين في الحرب الأهلية الصينية عام 1949، وفي أثناء الحفل استمال بوتين الصينيين، وقال بعاطفة جياشة “أشعر بأنني في بيتي”.
ولإظهار التاريخ والعلاقات المشتركة بين البلدين، توجه بوتين في اليوم التالي إلى مدينة هاربين في شمال شرق الصين، وهي مدينة معروفة بعلاقاتها الثقافية والتاريخية الغنية مع روسيا وتتميز بعض مبانيها بالهندسة المعمارية الروسية ذات الطراز الأرثوذكسي.
بوتين يضع الزهور عند نصب تذكاري للجنود السوفييت
وفي هاربين بدأ بوتين يومه بوضع الزهور عند نصب تذكاري للجنود السوفييت الذين سقطوا في القتال ضد اليابانيين خلال الحرب الصينية اليابانية الثانية، عندما احتلت اليابان أجزاء من الصين.
وقبل العودة إلى موسكو، حضر بوتين معرضًا تجاريًا، وافتتح المنتدى الروسي الصيني للتعاون الإقليمي، ثم زار جامعة هاربين المشهورة بأبحاثها في مجال الصواريخ والقذائف وتكنولوجيا الفضاء، وفي الختام زار كاتدرائية القديسة صوفيا الواقعة وسط مدينة هاربين.
التلويح بالأصابع: ما وراء زيارة بوتين
تأتي زيارة بوتين للصين بعد أسابيع من سفر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى الصين من أجل الضغط على الأخيرة لتقويض الشراكة “بلا حدود” مع موسكو، التي تم الإعلان عنها عندما زار بوتين بكين في فبراير/شباط 2022 قبل أيام من إرسال قواته إلى أوكرانيا.
كذلك قبل عدة أيام من زيارة بوتين للصين، سافر كبار الدبلوماسيين الأمريكيين إلى بكين من أجل تحذير شي جين بينغ بشأن ما قيل عن غضه الطرف عن دعم الشركات الصينية للجيش الروسي.
ومن بداية مايو/أيار من هذا العام، فرضت واشنطن تعريفات جمركية جديدة وباهظة على مجموعة من المنتجات الصينية، بجانب فرض عقوبات جديدة على البنوك والشركات الصينية التي اتهمتها واشنطن بمساعدة المجهود الحربي الروسي.
ومع ذلك، خيب شي جين بينغ آمال الزعماء الغربيين الذي حاولوا الضغط عليه وإقناعه بأن دعمه لبوتين يضر بمصالح الصين، فلا يبدو أن الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية التي تعرض لها الزعيم الصيني طوال الأشهر القليلة الماضية قد نجحت في التأثير على علاقته العميقة مع بوتين، بل من الواضح أن الثنائي أرادا أن يُظهرا قوة علاقتهما على العلن، ولا نبالغ إن قلنا إن البلدين يعيشان أفضل الأوقات في تاريخهما.
لكن ما السبب الذي جعل الصين المحطة الأولى لبوتين في فترة ولايته الجديدة؟ من الواضح أن بوتين يريد إرسال عدة رسائل عن أولوياته في الفترة المقبلة، منها حرصه على تعزيز العلاقات مع شريك وثيق مثل شي جين بينغ، وإثبات أن روسيا ليست وحدها ولديها أصدقاء أقوياء في العالم رغم العزلة التي تواجهها بسبب الحرب في أوكرانيا. ولا شك أن تلك الزيارة تحمل أهمية ورمزية كبيرة بالنسبة لبوتين.
ويقول المحللون إن الشيء الرئيسي الذي يريده بوتين من زيارته للصين هو أن يضمن مساعدة الأخيرة على المستويين الاقتصادي والتكنولوجي، إذ يحاول توفير الإيرادات التي تحتاجها روسيا لمواصلة حربها في أوكرانيا من خلال بيع المزيد من الغاز إلى الصين، والتعويض عن الأسواق التي خسرتها شركة غازبروم في أوروبا، بجانب شراء معدات التصنيع والتكنولوجيا الصينية.
وفي المقابل، يسعى شي لمعرفة إستراتيجية بوتين في أوكرانيا، وضمان أنه لن ينفذ التهديدات النووية التي أطلقها من قبل، إذ أوضحت الصين أكثر من مرة أن أي تحرك نووي من جانب روسيا هو خط أحمر بالنسبة لها.
ويؤكد الاجتماع الأخير بين بوتين وشي أنهما قد توافقا بشكل كبير، إذ وقعا بيانًا مشتركًا بشأن شراكتهما الإستراتيجية الجديدة و”العصر الجديد” الذي يسعيان إلى تحقيقه، وتضمن بيانهما المطول الذي جاء في 7000 كلمة، اصطفافهم معًا بشأن مجموعة من القضايا الجيوسياسية، مثل تايوان وأوكرانيا وكوريا الشمالية، وإدانة ما وصفوه بالسلوك الأمريكي العدواني المتزايد، والدفاعات الصاروخية الأمريكية العالمية التي تهدد روسيا والصين، وكذلك إدانة الدعم الأمريكي لـ”إسرائيل” في حربها الحالية على غزة.
وبينما انتقد بيان بوتين وشي التحالفات العسكرية الأمريكية، تعهدا في نفس البيان بتعزيز علاقاتهم في مجموعة من القضايا الدفاعية والعسكرية، بجانب التعاون في مشاريع الطاقة والفضاء ومجالات التكنولوجيا النووية السلمية، بما في ذلك الطيران المدني والإلكترونيات والصناعة الكيميائية وبناء السفن والمعدات الصناعية والتدريبات المشتركة.
ورغم أن هذه التعهدات غامضة وغير مفصلة، أو لا يزال غير واضح ما حدث في المناقشات خلف الأبواب المغلقة، فإنها تشير إلى المستوى غير المسبوق للشراكة الإستراتيجية بين البلدين وأنهما يسعيان للمزيد من التنسيق والتقارب في السنوات المقبلة، ويبدو أن بوتين غادر الصين مع الكثير من المكاسب هذه المرة.
هوس أم منطق: شراكة إستراتيجية شاملة
إذا نظرنا لجذور العلاقة بين موسكو وبكين، نجد أن الصينيين والروس لم يكن لديهم تراث ثقافي مشترك أو تقارب حقيقي مع بعضهم البعض رغم أنهم جيران، بل شهد البلدين خلافات تاريخية وهناك مسافة ثقافية بين المجتمعين، وقد كان الاتحاد السوفييتي على شفا الحرب مع الصين في عام 1969 بسبب نزاع على طول حدودهما الشرقية.
لكن عندما وصل فلاديمير بوتين إلى السلطة، سرعان ما وقع معاهدة واسعة النطاق مع نظيره جيانغ زيمين لتعزيز العلاقات بشكل أكبر، ومهد الطريق لتسوية النزاعات وقضية الحدود بشكل نهائي. وفي العام 2006، تم ترسيم الحدود أخيرًا، ومنذ ذلك الوقت، حافظ البلدان على السلام على طول حدودهما التي يزيد طولها على 4000 كيلومتر، وهو أمر بالغ الأهمية لكل من بكين وموسكو.
من الممكن القول إن ما يجمع روسيا والصين هو أن كلا منهما لديه خلفية شيوعية ومشاعر مماثلة للولايات المتحدة والدول الغربية، وكلاهما يرى بأنهما لا يعاملا كلاعبين رئيسيين في العالم، وكلاهما ينظران إلى العقوبات على أنها غير عادلة، خاصة أن الحرب الأوكرانية جعلت العديد من الصينيين يقتربون أكثر من الروس، لأن كلا البلدين تعرضا لعقوبات شديدة من الغرب.
وقد أوضح البلدان في بيانهما الأخير أنهما يريدان إعادة تشكيل النظام الدولي بما يتماشى مع رؤيتهما للكيفية التي ينبغي أن يكون عليها العالم، وبالتالي فإن العلاقة أعمق من زواج المصلحة.
ورغم أن الصين وروسيا لم يوقعا على معاهدة رسمية للدفاع المشترك، فإنهما متحالفان إستراتيجيًا في الكثير من النواحي، فقد بلغت المناورات العسكرية المشتركة بينهما ذروتها في الآونة الأخيرة، حيث أجرت قواتهما الجوية والبحرية سلسلة من المناورات الحربية في بحر اليابان وبحر الصين الشرقي وخليج عمان، بجانب التدريبات البرية المشتركة في أراضي كل منهما. وليس هذا فحسب، فعلى مدى العامين الماضيين، أصبحت الصين الشريك التجاري الرئيسي لروسيا.
وبالنسبة للصين، فأكثر ما يقلقها هو تطويقها بحريًا عبر شبكة القواعد الأمريكية العسكرية في المحيطين الهندي والهادي، ويمكن أن نقرأ مدى امتعاض الصين من هذا الأمر من خلال بيانها الأخير مع موسكو، الذي أشار بوضوح إلى أن الولايات المتحدة وحلفائها يعزلونها إستراتيجيًا عن محيطها.
وكذلك انتقد بوتين الخانق الإستراتيجي لروسيا وتوسع حلف شمال الأطلسي، وأدان ما وصفه بـ”التحالفات المغلقة في المنطقة”، في إشارة إلى اتفاقية أوكوس بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة التي تعتبرها موسكو مصممة ضدها.
🚨⚡️لافروف:
تصرفاتنا في الصين وغيرها تثير غضب الهيمنة السابقة وأتباعها pic.twitter.com/7r9Duz5wWY
— الموجز الروسي | Russia news 🇷🇺 (@mog_Russ) May 18, 2024
ويجادل الكثيرون بأن العلاقة بين الصين وروسيا مدفوعة بهوسهما المشترك بالقوة الأمريكية أو العداء تجاه الغرب، لكن هذا إن صح فهو جانب واحد فقط، إذ إن هناك بالفعل عوامل أخرى تجمع بينهما، وربما استعداء الولايات المتحدة الصين وروسيا قد دفع البلدين إلى تقوية علاقتهما.
بحسب الخبير الإستراتيجي الأمريكي مايكل بيلسبري، الذي ساعد واشنطن في صياغة سياسة الصين لعقود من الزمن، فقد ارتكب بايدن خطأ فادحًا من خلال دفع الصين إلى القيام بشراكة إستراتيجية مع روسيا، ويضيف: “رؤية الصين وروسيا وهما يجتمعان معًا بهذه الطريقة أمر صادم”.
أما بالنسبة لبوتين، فبعد أن فرض الغرب أشد العقوبات في التاريخ الحديث على موسكو بسبب حربها في أوكرانيا، لم يكن أمامه خيار سوى النظر شرقًا للتحايل على العقوبات وإيجاد طرق بديلة عن الأسواق الغربية، إذ إن الصين توفر له فناء خلفي آمن على الحدود الشمالية، والأهم أن لديها قوة تكنولوجية وتصنيعية خاصة في مجال الطاقة.
وقد قام بالفعل وسط العقوبات الغربية بتحويل صادرات موسكو من الطاقة إلى الصين من أجل استيراد الأدوات التقنية التي لها استخدامات مدنية وعسكرية، ولا يزال بوتين يسعى للوصول إلى أدوات أكثر تطورًا.
🚨⚡️الرئيس بوتين خلال كلمته في معرض “إكسبو” الروسي الصيني الثامن في مدينة هاربين بالصين:
▪️ الشراكة بين روسيا والصين، تضمن بشكل موثوق أمن الطاقة وترفع مستوى رفاهية الشعوب.
▪️ روسيا قادرة على تزويد الاقتصاد الصيني بالطاقة الصديقة للبيئة وبأسعار معقولة.
▪️روسيا تدعم عزم… pic.twitter.com/uEwJG6MXX4
— الموجز الروسي | Russia news 🇷🇺 (@mog_Russ) May 17, 2024
وفي حين تتمتع روسيا بمساحة هائلة من الأراضي وتمتلك وفرة من الموارد الطبيعية رغم اقتصادها الضعيف وتقلص عدد سكانها، فالصين على العكس تمامًا، إذ تمتلك كل القوى البشرية والتكنولوجيا التي تحتاجها روسيا، وفوق ذلك، تطمح أن توفر لها روسيا طريقًا إلى القطب الشمالي، وهي المنطقة التي تنظر إليها من منظور إستراتيجي وتجاري.
واستفادت الصين بالفعل من احتياج الروس للمال والتكنولوجيا واستطاعت الحصول على فرص الاستثمار في روسيا، والأهم شراء النفط الخام والهيدروكربونات من موسكو بأسعار مخفضة، لدرجة أنه في العام الماضي تفوقت روسيا على السعودية وأصبحت أكبر مورد للنفط إلى الصين.
🚨⚡️الرئيس بوتين:
العلاقات الروسية مع الصين لا مثيل لها مع أي دولة أخرى pic.twitter.com/Kc8eXdN022
— الموجز الروسي | Russia news 🇷🇺 (@mog_Russ) May 17, 2024
لذا يرى الغربيون أن الصين، من خلال شراء كميات هائلة من النفط الروسي، منحت موسكو شريان الحياة الاقتصادي في ظل العقوبات الغربية، وليس هذا فحسب، فمع مغادرة العديد من العلامات التجارية الغربية لموسكو، تدخلت الشركات الصينية لملء الفراغ.
لقد جاءت موجة عارمة من البضائع الصينية لموسكو، وأكثر من نصف مليون سيارة صنعت في الصين بيعت لروسيا في العام الماضي، ومن المثير للاهتمام أن أكبر 6 علامات تجارية أجنبية للسيارات في روسيا أصبحت الآن جميعها صينية، وذلك بفضل رحيل الشركات الغربية التي كانت مهيمنة ذات يوم، وهذه قصة مماثلة تكررت أيضًا في سوق الهواتف الذكية، حيث احتلت شركتا Xiaomi وTecno الصينيتان مكانة Apple وSamsung.
وبكل سهولة، يمكن للصين أن تغمر روسيا بالسلع الاستهلاكية الرخيصة والمبهرة، وبالفعل يشعر الروس بالارتياح والحماس لأن المنتجات الصينية قدمت بديلًا منخفض التكلفة عن العلامات الأوروبية التي استخدموها قبل حرب أوكرانيا.
بجانب ذلك، ينمو النفوذ الثقافي الصيني أيضًا داخل روسيا، وبدأ العلماء الروس العمل مع الشركات الصينية خاصة في مجالات الفضاء والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، كما أصبح أفراد النخبة الروسية يرسلون أبناءهم للدراسة في الجامعات الصينية بعد أن أصبح الوصول إلى الجامعات الغربية متعثرًا، ففي العام الماضي، ذهب 12 ألف طالب روسي للدراسة في الصين، أي ما يقرب من 4 أضعاف عدد الطلاب الذين ذهبوا إلى الولايات المتحدة.
ويمكننا أن نقرأ السرعة التي يحدث بها التكامل الاقتصادي والسياسي والثقافي بين البلدين من خلال مستوى التجارة الثنائية بينهما في العام الماضي. فرغم العقوبات الغربية، وصل مستوى التجارة في عام 2023 إلى رقم قياسي، إذ بلغ 240 مليار دولار بزيادة 26.3% عن العام السابق، وزيادة أكثر من 64% منذ الغزو الروسي لأوكرانيا.
سمح شي للشركات الصينية بزيادة التجارة مع روسيا، واستحوذت الصين على 30% من صادرات روسيا وما يقرب من 40% من وارداتها. ويوم اللقاء بينهما، قال بوتين إن أكثر من 90% من المعاملات التجارية التي تتم حاليًّا مع الصين، تتداول بالروبل واليوان وليس الدولار أو اليورو.
ويقول المحللون إن هيمنة الدولار في التجارة العالمية ظلت القضية الأكثر صعوبة بالنسبة لآمال الصين في تقليص النفوذ الأمريكي. ولذا يرى شي ين هونغ، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة رنمين ببكين، أن الصين تحاول تقليل الاعتماد على الدولار، وبالتالي لدى الرئيس الصيني أسباب وجيهة لعدم الاستسلام للضغوط المتزايدة من بروكسل وواشنطن لفرض عقوبات على روسيا، فالعلاقة تبدو مربحة مع بوتين.
وفي مقال نشر قبل أيام، كتب ألكسندر غابويف مدير مركز كارنيغي أوراسيا: “لم يسبق أن كانت روسيا بعيدة كل البعد عن أوروبا إلى هذا الحد، ولم تكن في تاريخها بأكمله متشابكة مع الصين إلى هذه الدرجة”.
في الواقع، فإن الزعيمان يبدوان رائعين معًا، إنهم أعز الأصدقاء منذ ما يزيد على 15 عامًا، وشي نفسه وصف بوتين أكثر من مرة بأنه “صديقه الحميم وأفضل صديق لديه”، كما تفاخر بوتين كذلك بصداقته الوثيقة مع شي، ويمكننا بالفعل أن نرى المصافحات الدافئة والابتسامات المشرقة حين يجتمع الثنائي، فغالبًا ما يكونان هادئين ولا توجد لغة جسد متوترة وما إلى ذلك.
إن بوتين (71 عامًا) وشي (70 عامًا) تجمعها الكثير من السمات المتشابهة، لقد واجهوا صعوبات في شبابهم، وقاتل كلا الأبوين في الحرب العالمية الثانية، والاثنان لديهما طموح شخصي وأهداف استبدادية توسعية، ويريدان استرجاع إرث الماضي والعظمة التاريخية لبلادهما.
كما ينظران إلى العالم بنفس الطريقة ويكرهان الحكم في عالم يهيمن عليه قطب واحد، ولذا يعبران عن اعتراضاتهما تجاه الهيمنة الغربية بنفس العبارات، وإذا كان بوتين قد اعتبر تقدم عمره عاملًا مهمًا في اتخاذ قراراته الأخيرة، فإن ذلك واضحًا أيضًا على شي جين بينغ.
ربما الشراكة بين بوتين وشي بينغ ليست متساوية تمامًا، إذ إن روسيا أصبحت أكثر اعتمادًا على الصين، لكن بحسب آنا روزنبرغ رئيسة قسم الجغرافيا السياسية في معهد أموندي، فقريبًا ستحتاج الصين إلى روسيا أكثر من أي وقت مضى.