في الماضي كان يتعين على المراسل أو المحرر أن يذهب بنفسه إلى المصدر الذي يتحرى منه الأخبار، ويسأل الشهود أو يسأل المصادر بنفسه، أو يشاهد الحدث وبعدها يكتب عنه، كانت تلك الطريقة التقليدية في نقل الأخبار في مختلف أنحاء العالم حتى نهاية القرن العشرين، ليكون تأثير القرن الواحد والعشرين على الصحافة تأثيرًا جذريًا.
لقد أصبح مفهوم “المواطن الصحفي” أكثر شيوعًا في بدايات القرن الواحد والعشرين، حيث استطاع كل مواطن أن يكون صحفيًا من خلال أدواته القليلة التي يمتلكها من خلال هاتفه النقال أو جهاز الحاسوب، أو من خلال حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة التي بدأت في الظهور في نهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين.
فإن كان المواطن في المكان الصحيح والوقت المناسب، يمكن لأي صورة التقطتها أو أي عبارة غردها أو نشرها على منصاته المختلفة أن تجعله مواطنًا صحفيًا ومصدرًا للعديد من وكالات الإعلام ومصادر الصحافة الرقمية.
ربما كان هذا التغيير الجذري في عملية نقل الأخبار بمثابة تهديد للصحافة التقليدية ولو قليلًا، إذ إن المصادر القليلة الموثوق فيها تنوعت وزادت وتباينت بين الأفراد والمؤسسات ووكالات الإعلام وأيضًا مواقع التواصل الاجتماعي والمدونات الفردية، بدأت الصحافة التقليدية تخسر الكثير من الأموال، حيث أثر ذلك بشكل جذري على المؤسسات الصحافية، فانخفضت أسعار أسهم شركاتها في السوق، وبدأت في تسريح أعداد كبيرة من موظفيها، وانخفضت معدلات الوظائف الصحفية بشكل متضاعف عن معدلات ما قبل عصر الشبكة العنكبوتية، لتتحول المؤسسات الصحافية الكبرى شيئًا فشيئًا للإذاعة التليفزيونية بشكل شبه رئيسي وتقل عدد دور نشر الصحف بشكل ملحوظ ومن ثم تتحول إلى رقمية.
أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرًا وسيلة شديدة الأهمية لكل مواطن صحفي ووكالات الإعلام التي تحولت من تقليدية إلى رقمية، فكانت الوسيلة الأهم للوصول للجماهير، ووسيلة النشر الأكثر تأثيرًا على نطاق واسع.
إلا أن الوكالات الإعلامية وبالأخص الرقمية منها ليست نموذجًا متجانسًا بشكل كامل، فلكل منها نموذجه الخاص، ولكل منها احتياجه الخاص بالنسبة لمواقع التواصل الاجتماعي وعلى رأسها فيسبوك و تويتر، ولهذا أصبحت تلك المواقع، وبالأخص فيسبوك شديد الاهتمام بالصحافة في السنوات الأخيرة، وعلى الجانب الآخر أصبحت المحطات الإعلامية شديدة الاهتمام به وذلك لأنه فرصة ذهبية لتعويض خسائر الصحافة التقليدية.
كان هذا التغيير الجذري في عملية نقل الأخبار بمثابة تهديد للصحافة التقليدية ولو قليلًا، إذ إن المصادر القليلة الموثوق فيها تنوعت وزادت وتباينت بين الأفراد والمؤسسات ووكالات الإعلام وأيضًا مواقع التواصل الاجتماعي والمدونات الفردية
مشروع فيسبوك للصحافة
لقد عقدت فيسبوك اجتماعات مطولة وكثيرة على مدار العام الماضي مع كثير من الوكالات الإعلامية ومؤسسات النشر، كانت نتيجتها الاتفاق على العمل في مشروع فيسبوك للصحافة من خلال ثلاثة محاور
لم يكن فيسبوك أكثر اهتمامًا بالصحافة من ذي قبل، بعد أن انطلق مشروعه بعنوان “مشروع فيسبوك للصحافة” في مثل هذه الأيام منذ عام مضى، حيث في تعريف شركة “فيسبوك ميديا“، وهي مؤسسة فرعية من شركة فيسبوك تعني باستخدام الوكالات الإعلامية والأيقونات المشهورة لمنصة فيسبوك، عن المشروع أنه مشروع يهدف إلى تعزيز هدف فيسبوك الأساسي في توفير منصة آمنة وموثوقة للمشاركة والتواصل ومناقشة المعلومات الهادفة والصحيحة.
وكجزء من مسؤولية الشركة أن تحد من انتشار الأخبار المزيفة بعدما تم اتهام شركة فيسبوك في نشرها في الانتخابات الأمريكية في العام الماضي، وجب تبني هذا المشروع من شركة فيسبوك.
هذا المشروع إعلان لعلاقات وروابط قوية بين صانعي الأخبار وفيسبوك الذي تبنى محاولة إنقاذ الصحافة التقليدية من حيث المصداقية، وعلى الرغم من الجدل والانتقادات المتباينة للمشروع بأنه ليس من مسؤولية شركات مثل فيسبوك أن تتبنى محاولة إنقاذ الصحافة، فإن المشروع يعمل منذ عام بالفعل بالتعاون مع شركات ومؤسسات الإعلام والنشر على تقديم المعلومات التي يحتاجها الجماهير بالطريقة التي يفضلها القارئ في عصر الصحافة الرقمية.
لقد عقدت فيسبوك اجتماعات مطولة وكثيرة على مدار العام الماضي مع كثير من الوكالات الإعلامية ومؤسسات النشر، كانت نتيجتها الاتفاق على العمل في مشروع فيسبوك للصحافة من خلال ثلاثة محاور، الأول هو التعاون مع المؤسسات الإعلامية للعمل على تحديد نماذج جديدة لرواية الأخبار بحسب تفضيل الجمهور التي كان منها مقاطع الفيديو 3560 درجة و المقالات الفورية، أو نشر الإعلانات من خلال مقاطع الفيديو لدعم النماذج التجارية الناشئة.
أما المحور الثالث فيعتمد على عمل فيسبوك على تنمية المعرفة بالأخبار، وهو مشروع يشبه في طريقة عمله محو الأمية بالنسبة للكتابة والقراءة ولكن في حالتنا هنا محو أمية الأخبار
أما عن المحور الثاني فكان عن تدريب الصحفيين وتقديم الدعم لهم من خلال بعض الأدوات المساعدة على نشر المحتوى من خلال فيسبوك، فكان من بين ذلك بعض الدروس التي تقدمها شركة “فيسبوك ميديا” من خلال الإنترنت التي تساعد على تدريب الصحفيين كيفية استخدام أدوات فيسبوك وكيفية تطويع المنصة لصالح خدمة أخبارهم وقصصهم التي قررت الشركة التركيز عليها في الشهور المقبلة لتتوسع أكثر فيها وتقدمها بلغات مختلفة لتصل إلى جمهور أعرض.
كانت أداة “CrowdTangle” من بين الأدوات التي أصبحت مجانية للصحفيين في بداية العام الماضي، وهي أداة تساعد الناشرين على تقييم أدائهم على المنصة، حيث توفر تحليلات مفيدة للناشرين من خلال أداء محتواهم على المنصات الاجتماعية، وبناءً على ذلك يستطيع مقدمو المحتوى إعادة النظر فيما يجب عليهم التركيز فيه بحسب تفضيلات القارئ.
أما المحور الثالث فيعتمد على عمل فيسبوك على تنمية المعرفة بالأخبار، وهو مشروع يشبه في طريقة عمله محو الأمية بالنسبة للكتابة والقراءة ولكن في حالتنا هنا هو محو أمية الأخبار، أي تدريب كل من الصحافيين والقراء على معرفة الأخبار المزيفة من الموثوقة، وكيفية الوصول إلى المصادر الصحيحة وما هو نوع المحتوى الذي يجب تصديقه ومتابعته.
هل سيكون للصحافة رأي في ذلك؟
لدى بعض المحطات الإعلامية مخاوف من مشروع فيسبوك للصحافة، فهي ترى أن فيسبوك له الكلمة الأخيرة في صناعة المحتوى بشكل أكثر مما كانوا يتوقعوه، فهل سيكون للصحافة رأي في المحتوى؟ أو هل ستكون جزءًا من اتخاذ القرار؟ ربما سيكون للمحطات الإعلامية والناشرين نصيبًا من الربح، إلا أن منصة فيسبوك ستنسب الفضل كله لها في النهاية، وسيكون لها الكلمة الأخيرة في الكثير من القرارات، وعليه فإنها ستصبح المسيطرة على الناشرين بدلًا من كونها مجرد وسيلة لهم.
تربح فيسبوك من الإعلانات جعل بعض وكالات الإعلام مثل بلومبرج و تايمز أن توقف استخدامها لأداة المقالات الفورية على تطبيق فيسبوك ماسنجر
لقد كان الجزء الأول من المشروع عبارة عن استماع شركة “فيسبوك ميديا” للناشرين ووكالات الإعلام حول العالم وفي الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم تحديد بعض الأدوات المبدئية واختبارها لرؤية مدى نجاحها وتأثيرها وكيفية وصولها للنتائج المرجوة في أقصر وقت، أما عن الجزء الثاني من المشروع الذي سيبدأ هذا العام هو تحديد أدوات أساسية تم اختبارها وجعلها متاحة للناشرين ليستخدموها على المنصة بشكل مجاني.
كان من بين الأدوات التي عمد فيسبوك على تطويرها هي المقالات الفورية “Instant articles” التي استطاعت درء الكثير من الإعلانات للكثير من المنصات، وبالتالي جني المزيد والمزيد من الربح، بالإضافة إلى اختباره مدى أهمية المقالات الفورية على فيسبوك مقارنة بتصفح المقالات من خلال المتصفح على الهواتف الذكية، مما جعل بعض وكالات الإعلام مثل بلومبرج وتايمز توقف استخدامها لتلك الأداة على تطبيق فيسبوك ماسنجر، لتقوم الشركة في النهاية بسحبها من على المنصة تدريجيًا والتركيز أكثر على مقاطع الفيديو القصيرة.
ربما كان مشروع فيسبوك للصحافة بمثابة المنقذ للمنصات الإعلامية الجديدة، حيث ساعدهم على الاتصال المباشر بجمهورهم ليكون لهم تأثيرًا ذا قيمة أكبر مما كان قبل استخدام أدوات فيسبوك، وربما ساعد المشروع أن تجني الكثير من وكالات الإعلام الربح لتعوض الخسارة المالية التي خسرتها الصحافة التقليدية.
إلا أن هذا لم يمنع أن يكون لفيسبوك وغيره من المنصات مثل تويتر وجوجل نصيب الأسد من الربح من خلال الإعلانات، بل ونصيب الأسد من تحديد كيفية عرض الصحافة للمحتوى وتدريب الشركة لها على ذلك، مما جعل منصات تعتمد على فيسبوك اعتمادًا كليًا في طريقة عملها، مما ينذر بسيطرة فيسبوك على الصحافة الرقمية في المستقبل القريب.