الدولة الإدريسية
بعد أكثر من نصف قرن من المحاولة الأولى لفتح المغرب، تأسست أولى دول الإسلام في تلك الربوع، وبدأ معها تاريخ الإسلام المجيد في المملكة المغربية، هي الدولة الإدريسية، الدولة العلوية الهاشمية.
متى تأسست الدولة الإدريسية؟
سنة 788 ميلاديًّا/171 هجريًا، تأسست الدولة الإدريسية على يد إدريس بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء بنت الرسول محمد بن عبد الله (يلقب بإدريس الأول)، الذي هرب مع مولاه راشد إلى مصر ثم إلى المغرب الأقصى بعيدًا عن أيدي العباسيين، وذلك بعدما تمكّن العباسيون من القضاء على ثورة الحسين بن علي بن الحسن في معركة فخ بمكة المكرمة.
هناك استقر إدريس بن عبد الله في وَلِيلَى المغربية بعد أن احتضنته قبيلة “أوربة” الأمازيغية، حيث اتصل بإسحاق بن محمد بن عبد الحميد زعيم قبيلة “أوربة” الذي خلع طاعة بني العباس حيث كان من ولاتهم، وتنازل لإدريس عن الحكم، وذلك بعد تعرُّفه على نسب إدريس وقرابته من النبي صلى الله عليه وسلم وكرمه وأخلاقه وعلمه.
وصلت الدولة إلى قمتها في عهد إدريس الثاني، وحكم بعده ثمانية من الأدارسة
بعد ذلك التاريخ، استقرت الأمور لإدريس بن عبد الله، ودانت له معظم قبائل البربر، وبدأ في مدِّ نفوذه وسلطانه إلى القبائل التي لم تعترف بحكمه، ونشر الإسلام بين القبائل التي لا تزال على المجوسية أو اليهودية أو المسيحية، فدخل كثيرٌ من أهل هذه البلاد الإسلام.
وبعد وفاة مؤسّس الدولة الإدريسية إدريس بن عبد الله، تولى الحكم مولاه راشد وصيًّا على ابنه إدريس الثاني الذي كان جنينًا في بطن أمه، فلما قُتِلَ راشد كفل إدريسَ أبو خالد يزيد بن إلياس العبدي – أحد شيوخ البربر – حتى كَبُر إدريس، واستقل بالحكم بنفسه في سنة 192هجريًا/ 808 ميلاديًا، ووصلت الدولة الإدريسية إلى قمتها في عهده، وحكم بعده ثمانية من الأدارسة، كان أعظمهم قوة وأعلاهم قدرًا يحيى الرابع بن إدريس بن عمر الذي امتد ملكه إلى جميع بلاد المغرب الأقصى.
عاصمة الدولة الإدريسية
بعد سنة واحدة من تأسيس الدولة الفتيّة أي سنة 789 ميلاديًا، بنى إدريس بن عبد الله سنة عاصمة لدولته أطلق عليها اسم “فاس“، ويقول بعض المؤرخين إن أصل هذا الاسم أمازيغي، فكلمة أفاس تعني اليمين، وموقع هذه المنطقة بالنسبة للطرق القوافل التجارية في عهد تأسيسها تقع على الجهة اليمنى، وبنيت المدينة على طرف وادي فاس وسط منطقةٍ سهليةٍ تحيط بها الغابات والحشائش البرية من جميع الجهات.
أحد أبواب مدينة فاس
واستقبلت المدينة في بدايتها هجرتين من نوع خاص: هجرة العائلات الأندلسية الفارة من حملات التفتيش والقمع الإيبيري الذين سكنوا في حي عدوة الأندلسيين، ثم العائلات العربية الوافدة من القيروان الذين سكنوا في حي عدوة القرويين، إضافة إلى تجمع يهودي كبير سكن حي الملاح، وكان هذا التفاعل السكاني مبعث روافد حضارية وثقافية طبعت خصوصيتها التاريخية وأغنت رصيدها التراثي.
بعد وفاة إدريس الأول بعشرين سنة أسس ابنه إدريس الثاني المدينة الثانية على الضفة اليسرى من النهر، وقد ظلت المدينة مقسمة هكذا إلى أن دخلها المرابطون فأمر يوسف بن تاشفين بتوحيدهما وجعلهما مدينة واحدة، فصارت القاعدة الحربية الرئيسية في شمال المغرب للدول المتتالية التي حكمت المنطقة، بالإضافة لكونها مركزًا دينيًا وعلميًا في شمال إفريقيا.
جامعة القرويين
خلال حكم الأدارسة تأسست جامعة القرويين سنة 245 هجريًا/859 ميلاديًا، على يد فاطمة بنت محمد الفهرية القرشية المعروفة بـ”أم البنين”، جامعة كانت في البداية مسجدًا صغيرًا يقتصر دوره على العبادة، ليتحول بعد ذلك إلى جامعة كبيرة في الغرب الإسلامي، توفر تعليمًا في شُعب عديدة، تخرج فيها الكثير من رموز الفلسفة والدين والأدب العربي، إضافة لشخصيات غربية بارزة.
بهو الجامعة
تقول كتب التاريخ إنّ فاطمة الفهرية، ابنة مهاجر من عرب الحجاز يسمى محمد بن عبد الله الفهري، أقام في القيروان بعد فتحها على يد عقبة بن نافع الفهري، فترة من الزمان، وكان تاجرًا ثريًا، ثم ذهب الاثنان إلى المغرب ليستقرا في مدينة فاس، لتتزوج فاطمة هناك، إلا أن المنية وافت زوجها وأخوه وأبيها، فورثت ثروة كبيرة قررت استثمارها في الإنفاق على بناء جامع وتوسعته، ليتحول من مسجد صغير إلى جامعة كبيرة في الغرب الإسلامي تحمل اسم “جامعة القرويين”، وأخذ الجامع اسمه من مؤسسته السيدة فاطمة التي تعود أصلها إلى القيروان بتونس.