نشرت رويترز تقريرا لأحد مراسليها في سيناء يتناول عمليات الجيش المصري ضد المسلحين في شبه الجزيرة المصرية وعلى الحدود مع فلسطين المحتلة.
وذكر المراسل، الذي رفضت رويترز الإفصاح عن اسمه لأسباب أمنية، حيث يُعاني الصحفيون في مصر من العديد من الانتهاكات التي تطال من حريتهم وقد تودي بحياتهم كما حدث في أكثر من حالة، أن الجيش المصري يزعم إنه يحرز نجاحا في سحق المتشددين الاسلاميين في شبه جزيرة سيناء لكن انتصار الدولة يبدو بعيد المنال في مدن شبه الجزيرة وقراها.
وفي جولة نادرة في ثماني قرى بشمال سيناء الاسبوع الماضي شاهد المراسل دمارا واسعا نتج عن عمليات الجيش لكنه وجد أدلة أيضا على أن بضع مئات من المتشددين يلعبون لعبة القط والفأر بنجاح مع أكبر الجيوش العربية وأنهم أبعد ما يكونون عن الهزيمة.
وفي التقرير الذي عنونته رويترز بـ”المسلحون يفوقون الجيش المصري دهاء في قتال سيناء” نقلت عن كثير من السكان قولهم إن العمليات العسكرية التي تنفذها السلطات تخلق في واقع الأمر أعداء جددا للدولة.
ويقول الجيش والحكومة إنهم يحرزون تقدما في الحرب على المتشددين. وفي محاولة لوقف تدفق الاسلحة على سيناء دمرت السلطات المصرية آلاف الانفاق تحت خط الحدود بين مصر وقطاع غزة.
وسقط في هجمات المسلحين أكثر من 300 قتيل كما أدت الأحداث إلى تدهور الاقتصاد الذي لم ينتعش حتى الآن مما لحق به من جراء الاضطرابات السياسية التي بدأت في أوائل عام 2011 بانتفاضة شعبية أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك.
ووصف قائد الجيش المشير عبد الفتاح السيسي عملية سيناء بأنها حملة أمنية متواصلة لتخليص المنطقة من المتطرفين والمجرمين. وقال إن سيناء تمثل أولوية أمنية قصوى.
ويدين السيسي المتوقع على نطاق واسع أن يصبح الرئيس القادم لمصر بجانب كبير من شعبيته لإطاحته بمرسي وموقفه الحازم في مواجهة المسلحين الاسلاميين.
ويقول السكان أيضا إن السعي لوقف تدفق الاسلحة يواجه صعوبات لأسباب على رأسها أن المهربين يجلبون السلاح من ليبيا. كما يقولون إن عدد المقاتلين انخفض في الشهور القليلة الماضية لأسباب منها أن كثيرين منهم انتقلوا صوب وادي النيل.
وقال مسعد أبو فجر أحد السياسيين البارزين بين البدو في مدينة العريش أكبر مدن شمال سيناء “الجيش دخل حربا لكنه ليس متخصصا في هذا النوع من الحروب الذي يتطلب قوات خاصة لمواجهة التمرد وليس جيشا” نظاميا.
وقال اللواء سميح بشادي مدير الأمن في شمال سيناء إن الجيش “قتل وقبض على كثير من المطلوبين في سيناء.” وقدر عدد المتشددين النشطاء الباقين في المنطقة بنحو 80 مسلحا فقط.
وفي الوقت نفسه يتفق هو ومسؤولون آخرون في القاهرة على أن كثيرين من المقاتلين الاسلاميين انتقلوا إلى منطقة دلتا النيل لتنتقل الحرب إلى العاصمة المصرية والمراكز السكانية الرئيسية.
وقف س أ أحد قادة المسلحين الذي عرف نفسه فقط بالاحرف الأولى من اسمه بجوار اثنتين من أشجار الزيتون خارج قرية اللفيتات يشرح كيف تغيرت أساليب الجماعات المقاتلة.
قال س أ “في بداية القتال كنا نختبيء في الجبال لكننا الآن موجودون في القرى بين السكان لان ذلك أكثر أمنا لنا هنا. عندما كنا في الجبال كان من السهل على الجيش أن يضربنا بطائرات الهليكوبتر. لكن ما دمنا مع الناس فمن الصعب الوصول إلينا.”
وأضاف أنه ورفاقه من المقاتلين يستخدمون قنابل بسيطة الصنع مثل برطمانات المربى المحشوة بالديناميت. ويخبيء المقاتلون القنابل بين أشجار الزيتون أو على أحد جانبي الطريق ويغطون أسلاك التفجير برمال الصحراء.
وقال س أ إن المسلحين يربضون على التلال في انتظار مرور قوافل الجيش ثم يفجرون القنابل بالتحكم عن بعد باستخدام بطاقات تشغيل الهواتف المحمولة.
وأضاف “نستخدم أنابيب غاز الطهي وجراكن الماء ونحشوها بالمتفجرات ونوصلها بأجهزة التوقيت وبطاقة هاتف محمول ثم نزرعها على الطرق التي نعلم أن الجيش يستخدمها.”
وتنهال الضربات الجوية شبه اليومية منذ سقوط مرسي على قرى مثل اللفيتات التي تعرضت منازلها الاثنى عشر المبنية بالأسمنت من طابق واحد للدمار أو لاضرار جسيمة خلال الشهور القليلة الماضية. ولم يبق من بعضها سوى بضعة أعمدة بينما احترقت المنازل الأخرى وانهارت أسقفها. وهرب سكانها تاركين خلفهم بعض الخراف.
ويقول الجيش المصري إنه لا يستهدف مدنيين. وقال ضابط عسكري في نقطة تفتيش بقرية الماسورة إن الجيش لا يهاجم إلا القرى التي يحتلها المسلحون.
وأضاف الضابط “يموت بعض الأبرياء لكن بأيدي الارهابيين وليس بأيدينا.”
لكن سكانا يقولون إن حملة الجيش تثير الاستياء بين سكان سيناء الذين يشعرون بأن الحكومة المركزية تهملهم. ويتهم بدو سيناء السلطات المصرية منذ مدة طويلة بتجاهل منطقة سيناء وعدم توفير الخدمات الاساسية والوظائف لاهلها.
وقالت منى برهومة التي تقيم في رفح وتشكو من تعرض أبرياء للقتل بانتظام “عمليات الجيش أصابت المطلوبين وغير المطلوبين.”
وحتى السكان الذين يعارضون المتشددين يقولون إنهم يخشون التعاون مع الجيش الذي وجه لهم نداءات لتقديم أي معلومات تؤدي للوصول إلى المقاتلين.
وقال الشيخ حسن خلف الذي يرأس قبيلة السواركة في سيناء إن 35 من أبناء شبه الجزيرة الذين قدموا معلومات للجيش عن المسلحين قتلوا بالرصاص في الاشهر الثلاثة الماضية.
ويقول مسؤولون أمنيون مصريون إن بعض المقاتلين مصريون وبعضهم من حركة حماس الفلسطينية التي تسيطر على قطاع غزة بل إن البعض من أفغانستان.
ويعتقد المسؤولون أن بعض المقاتلين المصريين أمضوا فترة في المناطق الخاضعة لسيطرة طالبان في باكستان وعادوا بعد انتخاب مرسي عام 2012.
واتهمت الحكومة المدعومة من الجيش مرسي بالسماح بانتشار التشدد الاسلامي في سيناء من خلال الافراج عن قيادات اسلامية من السجون. وقال اللواء بشادي إنه شاهد سيارات تابعة لرئاسة الجمهورية خلال فترة حكم مرسي تنقل مسؤولين لحضور اجتماعات مع اسلاميين.
وقال مسؤولون في الجيش أيضا إن مثل هذه المحادثات تمت.
وقال الشيخ حسن خلف إنه شاهد محمد الظواهري شقيق زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في إحدى سيارات رئاسة الجمهورية. وقال إن رجال الشرطة في سيناء لم يسمح لهم بالاقتراب من مواكب السيارات أو الاجتماعات.
وقال محمد صالح وهو من كبار المسؤولين في جماعة الاخوان المسلمين لرويترز “لا يوجد دليل على ذلك. كلها أكاذيب تنشر في محاولة لتلطيخ سمعة الاخوان المسلمين. لم تربطنا صلة في تاريخنا بأي جماعات تضر بمصر.”
وقال وائل هدارة الذي كان من مستشاري مرسي أثناء فترة رئاسته إن محاولات مرسي العلنية للتواصل مع زعماء القبائل والعشائر قد تفسر الآن على أنها اجتماعات مع الارهابيين.
وقالت جماعة الاخوان إنها أفرجت عن سجناء عندما كانت في السلطة لأن السجناء عوملوا معاملة ظالمة أو أمضوا فترات السجن المحكوم بها عليهم.
ومبعث الخوف الرئيسي هو أن نطاق الصراع يتسع. فقد أعلنت جماعة أنصار بيت المقدس أشهر الجماعات المسلحة في سيناء مسؤوليتها عن عدة هجمات في القاهرة خلال الشهور الاخيرة من بينها تفجير انتحاري فشل في اغتيال وزير الداخلية في سبتمبر ايلول الماضي. كما قالت الجماعة إنها أسقطت طائرة هليكوبتر عسكرية في يناير كانون الثاني في هجوم قتل فيه خمسة من رجال الجيش.
وقال مسؤول بالجيش في القاهرة إن مسلحي سيناء اتخذوا خطوة استراتيجية لنقل عملياتهم إلى مناطق أخرى في مصر. وأضاف أنه إذا أصبح السيسي رئيسا فإن الهجمات ستتزايد على الأرجح لأن المسلحين سيعتبرون أن مصر يحكمها رسميا “نظام عسكري”.
وتقول رويترز أنه قد أصبح من الصعب بشكل متزايد على المراسلين الأجانب دخول مناطق العمليات في سيناء علانية، وهو ما يرجح أن مراسل رويترز ليس مصريا، وهو ما يعطي سببا آخر للوكالة لحجب اسمه حيث تحتجز السلطات المصرية عددا من الصحفيين الأجانب بتهم تتعلق بالنشر.