ليلة ساخنة عاشها الإيرانيون وشعوب العالم منذ الساعة 17 بتوقيت طهران مساء الأحد 19 مايو/أيار 2024 حين أعلنت وكالة “تسنيم” الإيرانية فقدان الاتصال بالطائرة الرئاسية القادمة من أذربيجان، التي كان على متنها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، وإمام تبريز محمد علي الهاشم، وحاكم مقاطعة أذربيجان الشرقية مالك رحمتي، وضابطا أمن بجانب طاقم الطائرة، وحتى الساعة 7 صباح الإثنين 20 مايو/أيار حين تم الإعلان رسميًا عن مقتل كل من كان على متن الطائرة.
ووقع الحادث بعد دقائق قليلة من إقلاع المروحية الرئاسية من طراز “بيل 212” عقب إنهاء رئيسي، مع نظيره الأذربيجاني إلهام علييف، افتتاح سد “قيز قلعة سي” (سد مشترك بين البلدين على نهر آراس الحدودي)، وسط تباين الروايات الرسمية وغير الرسمية بشأن الحادث وتفاصيله، بداية من إقلاع الطائرة وحتى الإعلان رسميًا عن مقتل كل من كان على متنها.
ملابسات الحادث، وفق ما تم الإعلان عنه بشكل رسمي، دفعت الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام لأن تطل برأسها باحثة عن إجابة، بشأن تفاصيله المثيرة للجدل والأسباب الحقيقية التي أدت إليه، والنتائج المترتبة على تلك الواقعة التي راح ضحيتها قيادات الصف الأول في السلطة الإيرانية، التي كان يعول عليها في استكمال السياسة الإيرانية، الداخلية والخارجية، لسنوات قادمة.
نحاول في هذه الإطلالة أن نجيب عن بعض التساؤلات التي فرضت نفسها على المشهد منذ الإعلان رسميًا عن فقدان الاتصال مع الطائرة، التي يأتي سقوطها في وقت حساس حيث تموج المنطقة بأزمات طاحنة جعلتها فوق فوهة بركان قابل للاشتعال في أي وقت، بجانب تعدد الجبهات التي يتشابك معها النظام الإيراني في الوقت الحاليّ، الأمر الذي يجعل كل السيناريوهات قابلة للطرح على طاولة النقاش والبحث.
هل ظروف الطقس السبب الحقيقي وراء الحادث؟
بحسب الرواية الرسمية الإيرانية التي نقلتها وكالة “إرنا” الإخبارية، فإن الطقس في تلك المنطقة التي سقطت فيها الطائرة هو السبب الرئيسي وراء سقوطها بهذا الشكل، حيث تصل نسبة الرطوبة في تلك المنطقة إلى 80% فيما تصل درجة الحرارة إلى 6 أو 7 درجات مئوية، هذا بخلاف الطبيعة الجبلية الوعرة التي ربما تكون عاملًا مساعدًا في وقوع الحادث.
وهذا ما يفسر – بحسب الرواية الرسمية – صعوبة وصول فرق الإنقاذ لمكان الحادث، بسبب الضباب الكثيف وعدم وجود إنترنت، ما يجعل من عملية التواصل من ومع طاقم الطائرة مسألة صعبة، الأمر الذي أدى في النهاية إلى استغراق ما يقرب من 12 ساعة للوصول إلى مكان سقوط الطائرة، وعليه تأخر البيان كل هذه الفترة.
لكن في المقابل هناك من يرد على هذا الكلام بتساؤلات أخرى تدور في ذات الدائرة، على شاكلة: ألم يكن الفريق الرئاسي على علم بتلك الظروف الجوية الصعبة؟ مع الوضع في الاعتبار أن أي تحرك للرئيس وفريقه لا يكون إلا بعد دراسة خط سير التحرك بشكل دقيق، واستطلاع آراء خبراء الطقس وحركة الملاحة بما يضمن تحقيق أكبر قدر ممكن من السلامة للرئيس ورفقائه.
ومن ثم إن لم يكن الرئيس وفريقه ومنظومته الأمنية الخاصة على علم بالأجواء المناخية الخاصة بمسار تحرك طائرته فتلك كارثة، وإن كان على علم وأصر على مواصلة الرحلة رغم كل تلك المخاطر والتهديدات، حتى إن كانت ضعيفة، فتلك كارثة أكبر، تتقاطع مع مقومات الدولة القوية التي دومًا ما تصف إيران نفسها بها.
هل الطائرة الرئاسية لدولة بحجم إيران غير مؤهلة لهذه الدرجة؟
القراءة التالية في تفسير الحادث تذهب إلى طبيعة المروحية التي كان يستقلها الرئيس وفريقه، فهي من طراز “بيل 212” ثنائية المحرك وثنائية الشفرة، من صناعة شركة بيل الأمريكية وتعود إلى سبعينيات القرن الماضي، تتسع لـ14 راكبًا مع مقعد للطيار، طولها 17 مترًا وارتفاعها 3 أمتار، ويصل حجمها الداخلي إلى 6.23 أمتار مكعبة، وتبلغ سرعة المروحية 260 كيلومترًا في الساعة ويمكنها التحليق لمسافة 980 كيلومترًا.
تشير التقارير الواردة عن الطائرة الرئاسية أنها من النوع القديم المتهالك الذي تم تصليحه قبل ذلك وإدخاله للخدمة مرة أخرى، وهذا يترجم حالة الانهيار التي يعاني منها الأسطول الجوي الإيراني بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة على قطاع النقل الجوي، والتي تغلق الطريق أمام استقدام طائرات جديدة أو التزود بقطع الغيار اللازمة لإصلاح الطائرات الموجودة بالفعل.
وبحسب الطيار في الخطوط الجوية الإيرانية هوشنك شهبازي، فإن الأسطول الجوي الإيراني يتكون في الوقت الحاليّ من 250 طائرة ركاب، خرج منها قرابة 200 طائرة خلال السنوات الماضية، لافتًا إلى أن متوسط عمر الطائرات المتبقية أكثر من 25 عامًا، علمًا بأن البلاد تحتاج إلى 600 طائرة على الأقل لتلبية الاحتياجات، وعليه يرى الطيار الإيراني أنه “لا يمكن التعويل كثيرًا على إصلاح وإعادة تأهيل الطائرات عدة مرات، لأن ذلك يعرض حياة الركاب للخطر، وهو الأمر الذي يعد أحد أسباب تكرار حوادث الطائرات في إيران” بحسب تصريحاته لـ”الجزيرة”
ولقطاع النقل الجوي في إيران بعد الثورة الإسلامية (1979) تاريخ مشين في حوادث الطائرات خلال السنوات الماضية، حيث وقع أول حادث في 15 أغسطس/آب 1980 حينما سقطت مروحية أول رئيس إيراني بعد الثورة، وهو أبو الحسن بني صدر، لكنه نجا ومرافقوه من الحادث، وبعد شهر ونصف تقريبًا من تلك الحادثة سقطت طائرة C130 العسكرية في أثناء الهبوط بطهران، ما أدى إلى مصرع وزير الدفاع آنذاك موسى نامجو والعقيد جواد فكوري واللواء ولي الله فلاحي والعميد يوسف كلاهدوز والعميد محمد جهان آذار، وكلهم كانوا من قادة القوات الإيرانية في أثناء الحرب مع العراق.
كما قتل قائد القوات الجوية للجيش الإيراني اللواء منصور ستاري ورفيقه علي رضا باسيتي و10 عسكريين آخرين جراء تعرض طائرة عسكرية كانت تقلهم لحادث سقوط في 5 من يناير/كانون الثاني 1995، وتحطمت طائرة وزير المواصلات الإيراني في حكومة الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي، في 17 مايو/أيار 2001، ما أدى إلى مقتله، كذلك تعرضت طائرة الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد، في الثاني من يونيو/حزيران 2013، لحادث جوي لكنه نجا من الحادث، وكانت آخر تلك الحوادث في 21 فبراير/شباط 2023 حين سقطت مروحية وزير الرياضة والشباب في مدينة بافت، جنوب شرقي إيران، ونجا الوزير رغم إصابته بجروح بالغة، فيما قُتل المدير العام لمكتبه إسماعيل أحمدي.
السؤال هنا: لماذا لم تتخذ طهران – الباحثة عن تعزيز نفوذها الإقليمي والدولي – الحيطة اللازمة رغم كل تلك الحوادث التي راح ضحيتها العشرات من القادة العسكريين وبعض الساسة؟ وهل لطائرة رئاسية تقل شخصيات بحجم الرئيس ووزير الخارجية وتعبر مناطق بمثل هذه الظروف المناخية والجغرافية المعقدة ألا تكون مؤهلة بهذا الشكل؟ ألم يكن بها صندوق أسود للتعرف على ما تم داخل الطائرة قبل سقوطها؟ أليس بها أجهزة اتصال تكنولوجية مؤهلة للتعامل مع مثل تلك المواقف؟ ألم تكن مزودة بأنظمة للتعامل مع ظروف الطقس السيئة وفقدان الرؤية وخلافه؟ ألم يكن هناك اتصال بين الطائرة ومقر القيادة يشير إلى هذا الطقس السيئ؟ كلها تساؤلات تثير الكثير من الغموض عن الحادث وتدفع للبحث عن مسارات أخرى في قراءته.
ماذا عن شبهة الاغتيال؟
وفق ما نقلته وكالة “أسوشيتدبرس” الأمريكية وبعض الصحف الإيرانية المحلية، فإن مروحية الرئيس كانت ضمن موكب من 3 مروحيات تقلّه برفقة مسؤولين آخرين، وأن المروحيتين الأخريين “وصلتا إلى وجهتهما بسلام” في تبريز، فيما سقطت طائرة الرئيس وحدها، وهو الأمر الذي يشكك في رواية الطقس السيئ، وإلا كيف وصلت الطائرتان الأخريان؟، كما يشكك في مسألة تهالك طائرة الرئيس التي بلا شك من المفترض أن تكون أفضل حالًا من نظيرتيها اللتين وصلتا بسلام، وهو ما يدفع بالدفة نحو الإشارة إلى مسألة وجود استهداف مباشر للطائرة.. فهل تعرض رئيسي وفريقه للاغتيال؟
هناك 3 مصادر تُوجه إليها أصابع الاتهام فيما يتعلق برواية “الاغتيال” التي تفرض نفسها على لسان البعض:
أولًا: “إسرائيل”.. حيث ينشط الموساد الإسرائيلي بشكل كبير على الحدود بين أذربيجان وإيران، فهناك محطات تنصت وشركات إسرائيلية تعمل في تلك المنطقة التي سقطت الطائرة الرئاسية بالقرب منها، هذا بخلاف قيام الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية – عبر الطائرات المسيرة – بعمليات نوعية في هذا المكان، وهو ما أثار استفزاز طهران أكثر من مرة، وعرض علاقتها بباكو للتوتر، قبل أن تتحسن في الآونة الأخيرة التي شهدت مزيدًا من التقارب.
هذا بجانب الصدام الدائر حاليًّا بين إيران و”إسرائيل” بسبب نشاط الميليشيات الإيرانية عبر جبهة غزة وتحريك أدواتها في اليمن ولبنان والعراق وسوريا لخدمة الأهداف الإيرانية في تلك الجبهة، في مقابل استهداف تل أبيب لقيادات سياسية وعسكرية إيرانية من خلال عمليات نوعية، على رأسها استهداف مقر القنصلية الإيرانية في دمشق، وهي الخطوة التي غيرت قواعد الاشتباك بين البلدين، ودفعت كليهما إلى توجيه ضربة مباشرة في عمق الدولة الأخرى.
ثانيًا: الولايات المتحدة.. فرغم التقارب الواضح في المسافات بين طهران وواشنطن، تحت ولاية رئيسي وإدارة بايدن، فإن الولايات المتحدة تنظر إلى إيران كونها المهدد الأكبر لمصالحها في الشرق الأوسط، وذلك عبر أدواتها المسلحة هناك وعلى رأسها جماعة الحوثي والجماعات المسلحة في العراق، وفي ظل تعرض بعض القواعد العسكرية الأمريكية للاستهداف المباشر من ميليشات طهران، فلدى الإدارة الأمريكية الرغبة والمصلحة في الانتقام والرد، لكن ربما لم يتوقع أحد أن يكون بهذا الحجم والمستوى.
ثالثًا: أيادي داخلية.. تصاعدت حدة الاحتقان ضد حكومة رئيسي ونظامه الحاكم خلال السنوات الأخيرة بصورة متصاعدة، تعززت أكثر مع وفاة الشابة مهسا أميني في أثناء احتجاز الشرطة لها في سبتمبر/أيلول 2022، التي كانت برميل البارود الذي أشعل شوارع وميادين طهران وبقية مدن البلاد، حيث التظاهرات الحاشدة التي اصطدمت فيها قوات الأمن بالشعب الإيراني، هذا بخلاف التنكيل بالمعارضة وتضييق الأفق السياسي ما أدى إلى تفاقم حالة الغضب ضد السلطات.
العامل المشترك الواضح الذي يربط بين الجهات الـ3 المحتمل تورطها في استهداف رئيسي ورفاقه – إذا ما سلمنا بفرضية الاغتيال – هو “الفشل الاستخباراتي الذريع”، فليس من المنطقي أن يجتمع الرئيس ووزير خارجيته وبعض كبار مسؤوليه على متن طائرة واحدة بهذا التهالك ليعبر أجواء مناخية وجغرافية بهذا السوء والتعقيد، في هذا التوقيت الحرج الذي تمر به المنطقة وتعدد جبهات المواجهة مع إيران، فهو صيد سهل وثمين لكل المتربصين أيًا كانت هويتهم.
كذلك الاختراق الأمني الواضح الذي وقعت طهران في فخاخه قبل ذلك، سواء في عملية استهداف قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، إثر استهداف موكبه في بغداد يناير/كانون الثاني 2020 الذي كان يضم عددًا من كبار القادة على رأسهم: نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي، أبو مهدي المهندس، أم عملية تفجير مقر القنصلية الإيرانية في دمشق إبريل/نيسان 2024 حين سقط 7 من قيادات الحرس الثوري مرة واحدة كانوا موجودين في المكان.
ما التحديات التي تفرضها تلك الحادثة؟
لا بد من الإشارة إلى أن خسائر إيران من تلك الحادثة كبيرة للغاية على المستوى السياسي واللوجستي، فرئيسي لم يكن رئيسًا للدولة فقط، بل كان أحد أبرز المقربين من المرشد الأعلى الإيراني، وكانت تنتظره مكانة مرموقة في البلاد، إذ كانت تشير التقديرات إلى تجهيزه ليكون خليفة المرشد بعد وفاته، كذلك وزير خارجيته عبد اللهيان صاحب الخبرات الدبلوماسية الكبيرة الذي لعب دورًا كبيرًا في تقريب وجهات النظر وإذابة جبال الجليد بين طهران وخصومها في الغرب والشرق على حد سواء.
ومما يزيد من تلك الفاجعة ما كان يتمتع به هذا الفريق الرئاسي من تناغم وتفاهم وانسجام لم يتمتع به فريق رئاسي قبلهم، فجميعهم من التيار الأصولي وإن تباينت لدى بعضهم خلفياتهم الأيديولوجية، هذا بجانب العلاقة الجيدة التي كانت تربطهم بمؤسسات الدولة العليا وعلى رأسها المرشد الأعلى، الأمر الذي كان يضفي على العملية السياسية والعسكرية، داخليًا وخارجيًا، نوعًا من الاستقرار والثبات.
وبعيدًا عن حالة الارتباك التي بدا عليها المشهد الإيراني بداية الكشف عن الحادثة، حيث التخبط الواضح والوقت الطويل الذي استغرقته عملية التوصل إلى موقع السقوط، وصولًا إلى الإعلان عن وفاة جميع من كان على متن الطائرة، وذلك لاعتبارات قد يراها البعض منطقية لحين إعداد السيناريو الرسمي الذي يتم تصديره للرأي العام، إلا أن الأمور سارت بوتيرة متسارعة بعد ذلك فيما يتعلق بالترتيبات الخاصة باليوم التالي لمقتل الرئيس.
وبدت السلطات في طهران كأنها في سباق مع الزمن لإنهاء الترتيبات اللازمة لبدء العملية الانتقالية، استنادًا إلى المادتين (131 – 132) من الدستور الإيراني، اللتين تنصان على أن النائب الأول لرئيس الجمهورية يتولى أداء وظائف رئيس الجمهورية، ويتمتع بصلاحياته بموافقة المرشد الأعلى للجمهورية، في حالة شغور منصب الرئيس، على أن يتولى مجلس يتألف من النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ورئيس السلطة القضائية ترتيب انتخاب رئيس جديد خلال مدة أقصاها 50 يومًا.
ولا شك هناك مخاوف لدى طهران من استغلال حالة الفراغ السياسي الناجمة عن مقتل الرئيس ووزير خارجيته، وتوظيف ما حدث لزعزعة أمن واستقرار الدولة في ظل تعدد الجبهات الداخلية والخارجية التي تتشابك فيها، وعليه يمكن قراءة هذا التحرك العاجل في محاولة لتصدير صورة أن الأمور تحت السيطرة وأن عملية الانتقال الدستوري ستتم ببساطة، في محاولة لفرض السيطرة سريعًا قبل تجاوز الوضع للخطوط الحمراء، وعلى الفور عقد مجلس الحكومة اجتماعًا عاجلًا برئاسة نائب الرئيس الأول، محمد مخبر (المفترض بحسب الدستور أن يتولى منصب الرئيس لحين إجراء انتخابات رئاسية)، الذي أكد أن مسار رئيسي سيستمر، مشددًا على أنه لن يكون هناك أدنى خلل في إدارة البلاد.
جدير بالذكر أن وضعية “الفراغ السياسي” ليست بالجديدة على الدولة الإيرانية، حيث تعرضت إلى مواقف مشابهة في السابق، منها ما حدث مع أول رئيس للبلاد بعد الثورة، أبو الحسن بني صدر، حيث تم تنحيته عن طريق مجلس الشورى في يونيو/حزيران عام 1981، لعدم أهليته السياسية، وفي 15 أغسطس/آب من نفس العام اغتيل الرئيس محمد علي رجائي جراء تفجير استهدف مكتب رئيس الحكومة محمد جواد باهنر.
محمد مخبر.. ماذا عن الرئيس المؤقت؟
بحسب الدستور الإيراني فإن النائب الأول لرئيس الجمهورية، محمد مخبر، هو من سيتولى منصب الرئاسة الإيرانية مؤقتًا، خلال فترة 50 يومًا على أقصى تقدير، لحين انتخاب رئيس جديد للبلاد، وهو الذي عينه الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي بعد يومين فقط من أدائه اليمين الدستوري في أغسطس/آب 2021، ثقة في قدراته وإيمانًا بإمكانياته.
ينتمي مخبر، المولود عام 1955، لعائلة مشهورة في مدينة دزفول بمحافظة خوزستان، جنوب غربي إيران، وهو من أصول محافظة، بدأ مشواره السياسي بمنصب مدير الشؤون الصحية للحرس الثوري الإيراني ثمانينيات القرن الماضي، كما شارك في الحرب الإيرانية العراقية، ثم شغل منصب مساعد محافظ خوزستان قبل أن ينتقل إلى مؤسسة “المستضعفين”، التي يرأسها المرشد الإيراني وتعد واحدة من كبريات المؤسسات الاقتصادية الإيرانية.
ويحظى مخبر بمكانة كبيرة لدى قيادات الصف الأولى في الحرس الثوري الإيراني ولدى المرشد بشكل شخصي، الذي عينه عام 2007 رئيسًا للجنة “تنفيذ أوامر الإمام الخميني” التي تأسست عام 1989 وتُعنى بإدارة الأموال التي صودرت من مسؤولين بالنظام البهلوي السابق بعد الثورة، وتمتلك مجموعة من كبرى الشركات والمصانع والمراكز المالية والاقتصادية، ويقدر حجم أموالها بـ95 مليار دولار، حسب وكالة “رويترز”.
ومن ثم يعد الرئيس المؤقت امتدادًا لمسار الرئيس الراحل، فكلاهما ينتمي للتيار الأصولي، ويتمتع بخبرات سياسية واقتصادية معقولة، هذا بجانب العلاقة الجيدة والتنسيق الواضح مع بقية مؤسسات الدولة ومع المرشد بشكل خاص، لكن يبقى لرئيسي مكانة لدى خامنئي من الصعب أن يبلغها أحد من المقربين منه في الوقت الحاليّ، وهو ما يعمق من حجم الفاجعة والألم، رغم مزاعم الثبات والصمود.
على كل حال، فمن الصعب الجزم بشكل دقيق بأسباب سقوط طائرة الرئيس الإيراني، غير أنه وفي ظل حالة الغموض التي تخيم عليها، والكثير من الشكوك والتساؤلات التي تفرض نفسها دون إجابة في الوقت الحاليّ، لما يترتب عليها من التزامات قد لا تكون طهران مستعدة لها حاليًّا، فإن ما حدث – أيًا كانت قراءته – هو فشل سياسي واستخباراتي ولوجستي فاضح، سيكون له ما بعده، لتبقى تلك الواقعة محطة مهمة في مسيرة إيران وعلامة فارقة ستحدد بشكل كبير ملامح المرحلة المقبلة للدولة صاحبة الطموح الإقليمي الأهوج.