تواصل قوات النظام تقدمها في ريف إدلب الجنوبي مقتربة من تحقيق أول أهدفها لجعله نقطة ارتكاز لها وهي السيطرة على بلدة سنجار في ريف إدلب التي تمكنها في حال السيطرة عليها من المضي في خطتها باتجاه مطار أبي الظهور ذي الموقع الإستراتيجي الذي يتوسط الشمال السوري.
فالنظام اليوم تمكن من السيطرة على عدة قرى قرب بلدة سنجار المهمة، وهذه البلدات هي الشيخ بركة وسرجة وأم الهلاهيل وحوا وغيرها من القرى، وسط تمهيد ناري كثيف يأتي ذلك في ظل غارات للطيران الروسي الذي لا يكاد يغادر أجواء هذه المنطقة، تقدم النظام هذا يأتي وسط تراجع واضح للفصائل وأحيانًا دون مقاومة تذكر كما قال ناشطون.
وصرحت مصادر مطلعة أن تقدم النظام هذا ضمن ما اتفق عليه في مفاوضات الأستانة، وقالت تلك المصادر إن تركيا على اطلاع وموافقة على ما يجري الآن، والدليل أنها لم تحرك ساكنًا باعتبارها أحد الضامنين.
يهدف النظام من خلال معاركه هذه إلى الوصول إلى مطار أبي الظهور العسكري من خلال محورين: الأول من جهة سنجار جنوبًا التي تبعد عنه 20 كيلومترًا، والثاني من جهة الشمال من نقطة تلة الأربعين التي يسيطر عليها النظام وتبعد عن المطار 13 كيلومترًا، وبذا يكون قد أطبق الحصار على مناطق واسعة في أرياف إدلب الشرقي وريف حلب الجنوبي وجبله الحص، إضافة إلى ريف حماة الشمالي الشرقي، وتقدر مساحة هذه المناطق بـ1330 كيلومترًا مربعًا.
ويبلغ عدد سكانها نحو 100 ألف أغلبهم نزحوا باتجاه مناطق غرب أتوستراد دمشق – حلب الدولي، وإذا ما نجح النظام في تحقيق هدفه فإنه يتجه للمرحلة الثانية التي ستشكل مرحلة حاسمة من مراحل الصراع السوري وهي أنه سيتجه لفك الحصار عن بلدتي كفريا والفوعة المحاصرتين، وذلك بفتحه لمحورين عسكريين الأول من أبي الظهور غربًا باتجاه سراقب وذلك من خلال مناطق ذات مساحات مكشوفة.
المحور الثاني من بلدة الحاضر باتجاه تفتناز وبنش معقل الثورة إبان انطلاقتها وخزانها لأن أغلب قادة الثورة العسكريين منها، وهنا سيصل النظام إلى مشارف إدلب تاركًا مساحة لمعارضة مهزومة عسكريًا ومحرومة من دعم الدول الإقليمية ومدجنة سياسيًا كونها ستكون مغرمة بالحل على الطريقة الروسية.
الأمر الذي تراهن عليه تحرير الشام هو تحريض الحواضن من خلال القول لهم بأن التفاوض مع الروس والنظام صك استسلام وتسليم، منفرة الناس من الفصائل التي شاركت في الأستانة
الجهاديون وخياراتهم أمام سيناريوهات المرحلة
يبدو أن اتفاق الأستانة جعل مناطق شرق الأتوستراد الدولي دمشق – حلب مناطق اشتباك بين النظام والروس من جهة، والمعارضين للأستانة ورافضي الطبخة الروسية من جهة أخرى، وبالتالي تكون هذه المناطق خارج دائرة خفض التصعيد، وهذا القتال بين النظام والجهاديين يحقق رغبة أعدائهم في الداخل والخارج، بحيث تكون هذه المناطق بمثابة فخ يتم من خلاله استنزاف الجهاديين والمتحالفين معهم من الفصائل الثورية، وعندها تكون الرؤية الدولية للحل قد تخلصت من خصم عنيد ويصعب تدجينه سياسيًا.
لكن تحرير الشام وهي أكثر من يستهدفه هذا المخطط يبدو أنها بدأت تجيد لعبة القفز وإيقاع الخصوم بسلاح التخطيط المبيت، فهي اليوم لا ترمي بثقلها في المعارك الدائرة لأنها تعرفها أول مراحل الاستنزاف والحرمان من قطف الثمرة لصالح الآخرين، وستقوم بتكتيك عسكري يعتمد على التقليل من العنصر البشري في المعركة وعدم الزج بكل أوراق القوى العسكرية، كما أنها تحاول جر جميع الفصائل لخوض هذا الصراع.
والأمر الآخر الذي تراهن عليه تحرير الشام هو تحريض الحواضن من خلال القول لهم بأن التفاوض مع الروس والنظام صك استسلام وتسليم، منفرة الناس من الفصائل التي شاركت في الأستانة، ومن هنا ستبدأ معارك استقطاب وتحريض بين الفصائل المشاركة في الاستانة وتلك الرافضة لها، وستستثمر الفصائل الجهادية النقمة العارمة عند المدنيين من ترهل الفصائل وتقهقرها أمام النظام واعتمادها على الحل السياسي.
الفصائل المشاركة في العملية السياسية بين مطرقة التملص الروسي وسندان الداخل
لا يبدو أن الفصائل التي رأت أن الحل السياسي أحد طرق التخلص من النظام وإحراجه دوليًا، بأفضل حالتها وذلك لعدة أسباب.
1- خوف الفصائل من نفوذ تحرير الشام وازدياد نفوذها الذي يستهدف وجود تلك الفصائل ويشعرها بفقدان الثقة بهيئة تحرير الشام التي تنظر إليها الفصائل على أنها مشروع يريد ابتلاع الجميع.
إمساك روسيا للورقة الكردية والتلويح باستخدامها، وهذه أبرز أوراق الضغط الروسي التي تشكل هاجسًا لدى تركيا
2- فقدان الفصائل لمشروع فكري وسياسي يمكن أن يجعلها تجابه ما يخطط لها، إضافة إلى فقدان قادة لهم كاريزما في الثورة السورية أو تراجعهم عن الواجهة.
3- عدم إيفاء الروس لتعهداتهم بعدم استهداف حواضن الفصائل خاصة في أرياف إدلب وهذا ما لم تف به روسيا التي تواصل قصفها لمدن وبلدات ريف إدلب معقل تلك الفصائل.
4- ضعف الموقف التركي واقترابه أكثر من الرؤية الروسية للحل، وعدم قدرة تركيا على الضغط على الروس باعتبارها أحد الضامنين.
5- اقتراب النظام عسكريًا من مناطق تعتبر خزانًا بشريًا لتلك الفصائل مما يشكل تهديدًا لوجودها.
6- الضغط الشعبي بسبب تقدم النظام وعدم التزامه بخفض التصعيد.
7- انعدام الدعم العربي وتخليه عن الفصائل المصنفة على قائمة الاعتدال.
تركيا… الموقف العاجز أم المناور بخفية؟
يتساءل الكثير عن الدور التركي الذي هو أقرب للغموض مما يجري ولما يخطط لإدلب، باعتبار تركيا أحد اللاعبين والضامنين في الملف السوري، فتركيا صامتة حيال التطورات العسكرية وأمام التصعيد الروسي، فهي في مرحلة لا تمكنها من المجابهة ولذلك لعدة أمور.
المعضلة التي تخشاها تركيا في حال توسع النظام في إدلب هي مسألة النازحيين السوريين وتدفقهم باتجاه تركيا، لكن ربما توجد ضمانات لتركيا من روسيا وغيرها من الدول من خلال إقامة منطقة شبه آمنة تستطيع استيعاب اللاجئين
أولاً: التباين بين موقفها والموقف الأمريكي وحدوث أزمة خافتة بين البلدين، وهذا يؤثر على أي قرار تركي يمكن أن يكون فيه مجازفة أمام انتظار أمريكي لانزلاق تركي في تعقيدات الملف السوري.
ثانيًا: ضعف الموقف العربي بل ومناكفته للدور التركي في سوريا، وهذا يجعل تركيا أكثر تماهيًا مع المحور الروسي الإيراني.
ثالثًا: إمساك روسيا للورقة الكردية والتلويح باستخدامها، وهذه أبرز أوراق الضغط الروسي التي تشكل هاجسًا لدى تركيا.
رابعًا: تشرذم المعارضة السورية وكثرة مرجعياتها، مما يجعل تركيا لا تثق كثيرًا بهذه المعارضة.
خامسًا: المصالح الاقتصادية التي تربط روسيا بتركيا خاصة في الآونة الأخيرة على إنقاذ الأزمة السورية.
وتبقى هناك معضلة تخشاها تركيا في حال توسع النظام في إدلب وهي مسألة النازحيين السوريين وتدفقهم باتجاه تركيا، لكن ربما توجد ضمانات لتركيا من روسيا وغيرها من الدول من خلال إقامة منطقة شبه آمنة تستطيع استيعاب اللاجئين، وكذلك اتفاق روسيا ربما مع الأكراد يسمح للنازحين السوريين بالعبور نحو مناطق درع الفرات وهذا ما سيخفف العبء عن تركيا.