رغم مرور أكثر من شهرين على إعفاء الملك المغربي محمد السادس بعض الوزراء من مناصبهم الوزارية، بقيت حكومة سعد الدين العثماني دون تعديل، مما جعل البعض يتساءل عن أسباب هذا التأخير الذي من شأنه أن يربك العمل الحكومي في هذه الظرفية الخاصة التي تعيش على وقعها المملكة.
سيناريو بنكيران يتكرّر!
تأخّر إعلان سعد الدين العثماني التعديل الحكومي المرتقب في المغرب أكثر من 70 يومًا، يعيد إلى الأذهان ما حصل من قبل لرئيس الحكومة المعفي عبد الإله بنكيران، بعد أن فشل في تشكيل الحكومة لنحو ستة أشهر، الأمر الذي دفع الملك محمد السادس إلى إعفائه في مارس/آذار الماضي من رئاسة الحكومة، وتعويضه بخلفه العثماني.
عبد الإله بنكيران الوزير الأول المعفي
وجاء قرار إعفاء بنكيران من منصبه بعد إصرار هذا الأخير اقتصار التشكيل الحكومي على الأحزاب الأربع التي شكلت حكومته المنتهية ولايتها، وهي العدالة والتنمية (125 مقعدًا من أصل 395)، والتجمع الوطني للأحرار (37 مقعدًا)، والحركة الشعبية (27 مقعدًا)، والتقدم والاشتراكية (12مقعدًا).
الانشغال بالاحتجاجات المتكررة
فضلاً عن الحسم في تعويض الوزراء الأربع الذي أعفاهم الملك محمد السادس من مهماتهم، يتعيّن على العثماني أيضًا تحديد الوزير المكلف بالشؤون الإفريقية، وهو المنصب الذي أشار الملك محمد السادس إلى ضرورة إحداثه في خطابه افتتاح البرلمان في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ويرى خبراء أن تأخر إعلان هذا التعديل يرجع إلى انشغال العثماني بالاحتجاجات المتكرّرة التي تشهدها مختلف مناطق البلاد منذ فترة، إذ لا تتوقف منطقة عن الاحتجاج حتى تنهض منطقة أخرى للمطالبة بالتنمية وبعض المطالب الاجتماعية الأخرى.
يخشى سعد الدين العثماني، أن تخرج الأوضاع في المملكة عن سيطرة حكومته ويكون مصيره الإعفاء
وفي الـ24 من أكتوبر/تشرين الأول، أصدر العاهل المغربي محمد السادس قرارًا يقضي بإعفاء أربعة وزراء في حكومة سعد الدين العثماني، بعد تسلمه تقريرًا يتضمن نتائج وخلاصات المجلس الأعلى للحسابات (مؤسسة رقابية) عن تأخر تنفيذ برنامج الحسيمة منارة المتوسط (شمالي المغرب) أطلقها الملك عام 2015.
وشمل قرار الإعفاء كل من وزير التعليم محمد حصاد بصفته وزير الداخلية في الحكومة السابقة، ووزير الإسكان محمد نبيل بنعبد الله بصفته وزيرًا عن القطاع نفسه في الحكومة السابقة، كما جرى إعفاء وزير الصحة الحسين الوردي الذي كان وصيًا على القطاع في الحكومة السابقة، والعربي بن الشيخ كاتب الدولة (وكيل وزارة) مكلف بالتكوين المهني، بصفته مديرًا عامًا لمكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل سابقًا.
ويخشى سعد الدين العثماني، أن تخرج الأوضاع في المملكة عن سيطرة حكومته ويكون مصيره الإعفاء كما حصل للوزراء الأربع المعفيين، خاصة مع توالي الاحتجاجات في المملكة وعدم اقتصارها على منطقة دون أخرى.
تنقلات الملك تعيق العثماني
من الأسباب التي تعيق رئيس الحكومة سعد الدين العثماني على الانتهاء من هذا التعديل المرتقب، أيضًا، كثرة تنقلات الملك المغربي محمد السادس خارج البلاد، وهو الذي يتعين أن يصادق على مقترحات رئيس الحكومة، وفق الدستور، ثم يستقبل الوزراء الجدد المعينين لأداء اليمين الدستوري.
الملك المغربي في زيارة لدولة إفريقية
وزار العاهل المغربي في الفترة الأخيرة، العديد من الدول الإفريقية والآسيوية والأوروبية، حيث زار العاصمة الفرنسية باريس، إلى جانب دولتي قطر والإمارات العربية المتّحدة، وزار تنزانيا وإثيوبيا ورواندا، ومن المنتظر أن يزور في الأيام القليلة القادمة دولتي ماليزيا وإندونيسيا.
تغيير خريطة التحالفات السياسية بالبلاد
من المنتظر أن يساهم التعديل الوزاري المرتقب في تغيير خريطة التحالفات السياسية بالبلاد، فالإعفاءات التي شملت مسؤولين في حزبي “الحركة الشعبية” و”التقدم والاشتراكية”، ستضع الحزبين أمام إمكانية الخروج من الحكومة الحاليّة وتعويضهما بحزب سياسي آخر.
وتضم الحكومة المغربية الحاليّة التي تشكلت في 5 من أبريل الماضي برئاسة رئيس الوزراء سعد الدين العثماني الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الإسلامي، بالإضافة إلى حزب العدالة والتنمية الذي تصدر الانتخابات التشريعية التي جرت في 7 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كل من التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية.
يرى خبراء وجوب ضمان العثماني أكبر قدر ممكن من الانسجام بين المكونات الحكومية
ومن المرجح أن يعود حزب الاستقلال إلى التركيبة الحكومية في المملكة، خاصة أنه سبق أن أعلنت قيادة الحزب الانخراط في التوجهات الإستراتيجية الكبرى التي أعلنها الملك محمد السادس في خطاب افتتاح البرلمان الأخير، إضافة إلى تشكيلها لجنتين مختصتين لإعداد تصورين، الأول يهم النموذج التنموي الجديد، والثاني بخصوص سياسة عمومية ناجعة للشباب، وفي الوقت نفسه إطلاق برنامج استعجالي لترميم وحدة الحزب.
ويعتبر حزب الاستقلال الأقرب أيدولوجيًا لحزب العدالة والتنمية، إلا أن رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش، أصر خلال مفاوضات تشكيل الحكومة على استبعاد حزب الاستقلال من التشكيلة الحكومية، وسبق لحميد شباط أن دفع حزبه سنة 2013 للانسحاب من الحكومة التي قادها عبد الإله بنكيران، وتقديم وزرائه استقالة جماعية بعد خلاف مع رئيس الحكومة.
جدير بالذكر أن حزب العدالة والتنمية المغربي فاز لأول مرة في تاريخه بالانتخابات البرلمانية نهاية 2011، عقب حراك شعبي شهدته المملكة بداية السنة نفسها في سياق “الربيع العربي”، تلاه تعديل الدستور.
يبحث العثماني الانسجام بين أعضاء حكومته
ولا يستبعد متابعون للشأن السياسي المغربي، إجراء تعديل حكومي موسع، وعدم الاكتفاء بتعويض المناصب الحكومية الشاغرة، إذ لا يعقل حسب البعض منهم أن تتم إقالة عشرات المسؤولين المحليين والجهويين من الملك محمد السادس بسبب التقصير في عملهم ولا تتأثر الحكومة.
ويرى خبراء وجوب ضمان العثماني أكبر قدر ممكن من الانسجام بين المكونات الحكومة، في خضم ما يروج بشأن وجود تجاذبات بين بعض أحزاب الأغلبية، تحديدًا بين حزبي العدالة والتنمية القائد للحكومة وحزب التجمع الوطني للأحرار بزعامة عزيز أخنوش، وأن يضمن أيضًا وحدة الحزب الذي يقوده خاصة أن قاعدة الحزب ترى أن حزبهم أكبر الخاسرين في التشكيلة الحكومية السابقة رغم تصدّرهم نتائج الانتخابات.