في حلقة جديدة من مسلسل مذبحة الأمراء الذي يقوم فيه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بدور البطولة المطلقة ضد أبناء عمومته داخل الأسرة المالكة، كشفت وسائل الإعلام السعودية عن حملة اعتقالات جديدة طالت 11 أميرًا الخميس الماضي، بسبب التجمهر أمام قصر الحكم بالرياض وفق ما تم إعلانه.
حملة الاعتقالات هذه المرة جاءت بالتزامن مع التسريبات التي أطلقها مراسل البيت الأبيض “جوناثان ليمير” عبر تغريدة له علق من خلالها على الكتاب الصادر حديثًا تحت عنوان “نار وغضب داخل بيت ترامب الأبيض”، قال فيها: “ترامب كان يتبجح أمام أصدقائه بأنّه خطط مع صهره جاريد كوشنير لانقلاب في السعودية من أجل صعود محمد بن سلمان وليًا للعهد”.
https://twitter.com/JonLemire/status/948687577602805760
الغريب أن من قام باعتقال الأمراء ونقلهم إلى سجن الحائر في الرياض، تمهيدًا لمحاكمتهم، ليست قوات الأمن التقليدية (الشرطة والجيش والحرس الوطني) كما هو المعتاد في المرات السابقة، لكنها قوات فرضت نفسها على مسامع السعوديين لأول مرة تحت مسمى كتيبة “السيف الأجرب” إحدى قوات الحرس الملكي، فما حقيقة هذه الكتيبة؟ وما طبيعة مهامها الحقيقية؟ ولماذا تم الكشف عنها في هذا التوقيت؟
تضارب في الأسباب
تباينت أسباب ودوافع حملة الاعتقالات الأخيرة، حيث نقلت وسائل إعلام مؤيدة للسلطات السعودية عن وزارة الداخلية قولها: “الأمراء تظاهروا في قصر الحكم، مطالبين بإلغاء الأمر الملكي الذي نصّ على إيقاف سداد الكهرباء والمياه عن الأمراء، ومطالبين بالتعويض المادي المجزي عن حكم القصاص الذي صدر بحق أحد أبناء عمومتهم، وقد تم نقلهم إلى سجن الحائر في الرياض، تمهيدًا لمحاكمتهم”.
لكن هذه الرواية لم ترق لبعض المصادر المعارضة في الجهة المقابلة، حيث شككوا في فحواها وتفاصيلها بقولهم: “حملة الاعتقالات مرتبطة باعتراض أفراد من الأسرة الحاكمة على عزل ولي العهد السابق محمد بن نايف، وتهميش فروع الأسرة الحاكمة لمصلحة أبناء الملك سلمان بن عبد العزيز، واعتقال العشرات من الأمراء ورجال الأعمال الموالين لهم في فندق (معتقل) “ريتز كارلتون” في الرياض، بعد ابتزازهم بتسوية مالية لمصلحة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان”، وأن “الأمير سلمان بن عبد العزيز بن سلمان بن محمد بن فيصل بن تركي، من يقف وراء الاعتراض، في ظل الرفض المتنامي لوصول ولي العهد محمد بن سلمان إلى سدة الحكم”.
“قوة السيف الأجرب” التي خرج اسمها للنور مع حملة الاعتقالات الأخيرة هي إحدى كتائب الحرس الملكي، ترتبط بشكل مباشر بولي العهد
بينما ذهب آخرون إلى أن “الاعتقالات هدفها السيطرة على أملاك الأمراء المحتجين الواسعة، وعلى رأسها شركة “المراعي” للألبان”، التي يملكها الأمير سلطان بن محمد بن سعود الكبير آل سعود الذي رفض وأخوته الاستجابة لتهديدات السلطات الأمنية بالتسوية المالية”.
ومن بين الأمراء المعتقلين الخميس الماضي الأمير سلطان بن محمد بن سعود الكبير آل سعود، والأمير عبد الله والأمير سعد بن محمد بن سعود الكبير آل سعود، والأمير عبد العزيز بن محمد بن سعود الكبير آل سعود، بحسب “العربي الجديد” نقلاً عن مصادر خاصة.
استمرار حملة الاعتقالات ضد أمراء الأسرة المالكة في السعودية
فصل جديد من المذبحة
لا يمكن التعاطي مع مذبحة الخميس الماضي بمعزل عن مجزرة السبت الرابع من نوفمبر 2017 التي أطاح فيها ابن سلمان بنحو 18 أميرًا وما يزيد على مئتي من الوزراء السابقين والحاليين وكبار رجال الأعمال.
جاءت حملة الاعتقالات الأخيرة ضد أمراء الأسرة المالكة لتعزز تأثير الصدمة الأولى التي ما فتئت أن تندمل جراحها في أعقاب الحديث عن تسويات في مقابل الإفراج عن بعضهم في الوقت الذي ما زال آخرون يتشبثون بمواقفهم رافضين ابتزاز ولي العهد وعلى رأسهم الأمير الوليد بن طلال.
البعض ذهب إلى أنها ليست أكثر من مجرد ميليشيا خاصة تتبع ولي العهد من أجل استخدامها في عملياته الشخصية التي تهدف إلى ترسيخ أركانه بصرف النظر عن أي اعتبارات أخرى
“نون بوست” في تقرير سابق له، كشف أن تلك الخطوة هدف من خلالها ابن سلمان إلى تحقيق أربعة محاور رئيسية، الأول: إخلاء الساحة السياسية تمامًا من المعارضين له سواء داخل الأسرة المالكة أو خارجها من المقربين من النخبة ورجال الأعمال المؤثرين في المشهد السعودي الداخلي.
الثاني: تجريد الأمراء ورجال الأعمال من سلاح المال والثروة على رأسهم تركي بن ناصر والوليد بن طلال، خوفًا من استخدامها في المستقبل كورقة ضغط ضده حال اعتزامه خلافة والده رسميًا، خاصة أن بعضًا منهم لديه اعتراضات على سيطرة ابن سلمان المطلقة على مفاصل المملكة كافة.
الثالث: مغازلة السعوديين بوتر محاربة الفساد ومواجهة الفاسدين وتقديمهم للمحاكمة، وهذه ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها هذا الوتر، الرابع: الاستيلاء على رؤوس الأموال الخاصة بالمعتقلين وهو ما تكشف من خلال المساومات الأخيرة التي جاءت في صورة تسويات دفع من خلالها بعض الأمراء ورجال الأعمال المعتقلين جزءًا من ثروتهم في مقابل الحصول على حريتهم.
ماذا عن “السيف الأجرب”؟
“قوة السيف الأجرب” التي خرج اسمها للنور مع حملة الاعتقالات الأخيرة هي إحدى كتائب الحرس الملكي، ترتبط بشكل مباشر بولي العهد، وتم استحداثها فور تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لمقاليد الحكم، ويزيد عدد أفرادها على 5000 عسكري من مختلف الرتب العسكرية، بحسب صحيفة “سبق” السعودية.
أما عن القدرات القتالية لها، فتشير الصحيفة السعودية إلى أن جميع منسوبي القوة يحملون دورات عسكرية متقدمة، منها دورات الضفادع البشرية والصاعقة والمظلات ومكافحة الشغب وقناصة ومتفجرات، وتعود تسميتها إلى اسم سيف مؤسِّس الدولة السعودية الثانية الإمام تركي بن عبد الله بن محمد آل سعود الذي يلقب سيفه بـ”الأجرب”.
هذا السيف اكتسب سمعة هائلة منذ ذلك الحين في أنحاء الجزيرة العربية ويعدّ الأشهر في تاريخ السيوف العربية، وقد أهدي في السابق إلى أمير البحرين سنة 1286هجريًا، ليتناقله بعد ذلك حاكمٌ تلو آخر في البحرين، إلى أن وصل إلى الشيخ محمد بن سلمان آل خليفة عم ملك البحرين الحاليّ، قبل أن يهديه للملك عبد الله بن عبد العزيز عام 2010، ثم انتقلت ملكيته إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز.
شكوك بشأن مهام وتكوين قوات “السيف الأجرب”
ميليشيا أم كتيبة؟
في الوقت الذي هلل فيه البعض لتلك القوة غير المسبوقة في تاريخ المملكة التي تلقت حزمة متقدمة من دورات الدفاع والقتال بحسب ما أشارت الصحيفة السعودية، وقدرتها على دحر الفساد والمفسدين، وفرض القانون على الجميع دون استثناء، إلا أن آخرين شككوا فيها سواء من حيث التعداد أو القدرات الفنية القتالية، ملفتين إلى أهداف أخرى من وراء إعلانها في هذا التوقيت.
البعض ذهب إلى أنها ليست أكثر من مجرد ميليشيا خاصة تتبع ولي العهد من أجل استخدامها في عملياته الشخصية التي تهدف إلى ترسيخ أركانه بصرف النظر عن أي اعتبارات أخرى، فيما ذهب آخرون إلى أن أفرادها ليسوا جميعهم من السعوديين.
الناشط الحقوقي السعودي المعروف يحيى عسيري، في تغريدة له بـ”تويتر” أشار إلى أن “كتيبة السيف الأجرب” بالحرس الملكي، والتي ألقت القبض على الأمراء، هي ميليشيا خاصة تتبع ابن سلمان قوامها آلاف الجنود ويستخدمها النظام في عملياته الخاصة.
ودون الناشط السعودي ما نصه: “هام خطير جدًا، ونحن أمام تحدٍ وطني لم يكن موجودًا من قبل!!! #محمد_بن_سلمان وفي سلسلة مغامراته بالبلاد يشكل ميليشيا خاصة به قوامها آلاف وربما تحوي مرتزقة من جنسيات مختلفة”، وتابع “فيها عدد كبير من (القناص) وقد تخوض حروبًا أهلية، وتم إطلاق مسمى #السيف_الأجرب على #ميليشيا_بن_سلمان!!!”.
هام خطير جدًا، ونحن أمام تحدي وطني لم يكن موجودًا من قبل!!!#محمد_بن_سلمان وفي سلسلة مغامراته بالبلاد يشكل ميليشيا خاصة به قوامها آلاف وربما تحوي مرتزقة من جنسيات مختلفة، وفيها عدد كبير من (((القناصة))) وقد تخوض حروبًا أهلية، وتم إطلاق مسمى #السيف_الأجرب على #ميليشيا_بن_سلمان!!! pic.twitter.com/P0saqL08ZI
— Yahya Assiri يحيى عسيري #NAAS 🇵🇸 free Palestine (@abo1fares) January 6, 2018
إرهاب وترهيب
بعيدًا عن التشكيك في وجودها على أرض الواقع من الأساس، هناك من ذهب إلى أن إعلان هذه القوة سواء كانت كتيبة أو ميليشيا في هذا التوقيت لا تعدو كونها رسالة “رعب” موجهة للأمراء والمعارضين لتوجهات ولي العهد ومساعيه نحو خلافة والده.
الرسالة بمعالمها التي تجلت بصورة واضحة تشير إلى أن كل من يفكر أن يغرد خارج السرب أو يعترض طريق محمد بن سلمان سيتعرض لنفس مصير الـ11 أمير المعتقلين مؤخرًا، في ظل وجود هذه القوة القادرة على تنفيذ تعليمات ولي العهد حتى وإن كانت في إطار خارج القانون.
الكاتب المعارض تركي الشلهوب، علق على الإفصاح عن هذه القوة في تغريدة له: “للمعلومية: لا توجد على أرض الواقع كتيبة اسمها “السيف الأجرب” إطلاقًا، وأتحدى أي عسكري أو مدني يُثبت أنها موجودة منذ فترة، هذه الكتيبة أعلنوها لأجل الرهبة الإعلامية بعد احتجاج مجموعة من الأمراء واعتقالهم، فهي رسالة “رعب” موجهة للأمراء وليس الشعب”.
https://twitter.com/TurkiShalhoub/status/949739946268557313
https://twitter.com/hureyaksa/status/949742367338213376
فقدان الثقة في الجيش والشرطة
سؤال آخر فرض نفسه على منصات التواصل الاجتماعي بعد لحظات من إعلان هذه القوة: لماذا لم يستعن ولي العهد بقوات من الجيش والشرطة للقيام بمهمة اعتقال الأمراء؟ وهو سؤال يحمل بين ثناياه شقين: الأول: إما فقد الثقة في مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والحرس الوطني ومن ثم كان لا بد من تدشين قوات أخرى بديلة عنها لحمايته وتنفيذ أوامره.
الإجابة عن هذا السؤال علق عليها الحساب المعارض الذي يحمل اسم “العهد الجديد” بقوله: تسليط الضوء على كتيبة “قوة السيف الأجرب” والتأكيد على أنها تتألف من 5000 مقاتل ومرتبطة بشكل مباشر بابن سلمان دلالة واضحة على عدم ثقته بمؤسسات الدولة العسكرية والأمنية وفيها أيضًا تهديد وتخويف وابتزاز صريح للأمراء ومن يفكر أن يقوم بأي حركة ضده.
تسليط الضوء على كتيبة "قوة السيف الأجرب" والتأكيد على أنها تتألف من 5000 مقاتل ومرتبطة بشكل مباشر بإبن سلمان دلالة واضحة على عدم ثقته بمؤسسات الدولة العسكرية والأمنية وفيها أيضاً تهديد وتخويف وابتزاز صريح للأمراء ومن يفكر أن يقوم بأي حركة ضده. pic.twitter.com/3DYiHjV2vc
— العهد الجديد (@Ahdjadid) January 6, 2018
وهو نفس ما ذهب إليه حساب “مستشار سياسي” الذي علق قائلاً: “خبر يقين يحاول ابن سلمان الإيحاء من أنه يمتلك كتائب خاصة لإخافة الشعب وحتى آل سعود لعدم ثقته بالجيش والشرطة والحرس الوطني الذي حاول اغتياله في جده نؤكد عدم وجود ما يسمى كتيبه أو قوات السيف الأجرب”.
https://twitter.com/mustasharsiasi/status/949750837705920513
أما الشق الثاني فهو إيصال رسالة تحذير للمناوئين لتوجهاته من أعضاء الأسرة الحاكمة، كونه يملك قوة عسكرية قادرة على تنفيذ أوامره بعيدًا عن القوات النظامية، ومن ثم فإن أي تحركات عدائية ضده أو ليست في صالحه يمكنه التحرك لإجهاضها فورًا دون انتظار الجهات الرسمية أو اتباع الطرق القانونية، كما يمكن لتلك القوة أن تنفذ عمليات من نوع آخر لم يفصح عنها بعد قد تجعل من حياة الأمراء والمعارضين لولي العهد على المحك.