رغم توفر الأرضية المناسبة، لم ينفذ تنظيم الدولة الإسلامية هجمات دموية داخل العمق الإيراني، بل اختار متابعة ما ستؤول إليه الأحداث، حتى يضع خططه المستقبلية للتعامل مع ما قد يحدث في دولة كانت سببًا في هزيمته وانهيار خلافته ومقتل الآلاف من رعيته.
قبل أيام، اندلعت مظاهرات عارمة مناهضة للحكومة الإيرانية في العديد من البلدات والمدن بالبلاد احتجاجًا على ارتفاع الأسعار، قُتِل على إثرها 22 شخصًا، واعتقل مئات بسبب مشاركتهم في المطالبة بحقوقهم التي حرمهم منها نظام صرف مليارات الدولارات من أجل تصدير ثورته “الإسلامية” إلى دول المنطقة.
أطلقت قوات تابعة لحرس الثورة الإيراني ستة صواريخ أرض-أرض متوسطة المدى من نوع “قيام” و”ذو الفقار” (ترقية فاتح -110) من قواعدها المحلية في مقاطعتي “كرمانشاه” وكردستان الإيرانية، استهدفت منطقة دير الزور السورية التي كان يسيطر عليها تنظيم الدولة كرد على هجمات طهران
في أثناء خروج المظاهرات، ظن كثيرون أن تنظيم الدولة سيستغل الفراغ الذي ستتركه قوات الأمن، وسيتوغل في العمق الإيراني لتنفيذ هجمات مركزة ضد أهداف بعينها، ولكن ذلك لم يحدث، فسرعان ما نجحت السلطات الإيرانية في تطويق الاحتجاجات ووأدها في مرحلتها الأولى، قبل أن تنفلت الأمور وتصل إلى ما لا يحمد عقباه.
في شهر يونيو الماضي، نفذ خمسة مسلحين منتمين لتنظيم الدولة هجومين على مبنى البرلمان الإيراني وضريح مرشد الثورة آية الله الخميني وسط العاصمة طهران، مما أسفر عن مقتل 17 شخصًا وإصابة نحو 40 بجروح، وهو الهجوم الأول الذي ينفذه الجهاديون ضد إيران منذ سنوات من الوعيد والتهديد.
وبعد 11 يومًا من هذا الهجوم غير المسبوق، أطلقت قوات تابعة لحرس الثورة الإيراني ستة صواريخ أرض-أرض متوسطة المدى من نوع “قيام” و”ذو الفقار” (ترقية فاتح -110) من قواعدها المحلية في مقاطعتي “كرمانشاه” وكردستان الإيرانية، استهدفت منطقة دير الزور السورية التي كان يسيطر عليها تنظيم الدولة كرد على هجمات طهران.
بعد هذا الهجوم، ذهبت بعض الكتابات والتحاليل إلى أن تنظيم الدولة سيكثف من عملياته داخل العمق الإيراني لتحقيق جملة من الأهداف، أهمها جر إيران لطاولة التفاوض معه من أجل إيقاف الهجمات وعقد هدنة بينهما، إضافة لتخفيف حدة الحرب عليه في كل من العراق وسوريا، إلا أن ذلك لم يحدث.
رغم إعلان النصر من جانب واحد، نفذت خلايا تنظيم الدولة المنتشرة في مناطق متفرقة من سوريا والعراق، هجمات جديدة، قُتِل على إثرها العشرات من القوات الموالية للنظام الإيراني، لكنها لم تنجح إلى حد اللحظة في نقل المعركة إلى العمق الإيراني
تُعتبر إيران “هدفًا مشروعًا” لدى تنظيم الدولة، فهي التي تقاتله منذ سنوات في العراق وسوريا وأفغانستان، وأنفقت مليارات الدولارات لهدم خلافته وتشتيت مقاتليه وعائلاتهم، دون أن ننسى الخلاف والصراع العقَدي بين التنظيم السني وأذرع إيران الشيعية التي تحاربه انطلاقًا من فتاوى مرجعيات شيعية كبيرة على غرار آية الله علي السيستاني.
في مناسبات عديدة، لم يخف المسؤولون الإيرانيون دورهم في إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة، ففي 21 من نوفمبر الماضي، بعث قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني رسالةً إلى المرشد الأعلى علي خامنئي يعلن فيها النصر على التنظيم في كل من سوريا والعراق، في وقت قال فيه الرئيس الإيراني حسن روحاني إن نهاية تنظيم الدولة خبر مهم لشعوب المنطقة.
رغم إعلان النصر من جانب واحد، نفذت خلايا تنظيم الدولة المنتشرة في مناطق متفرقة من سوريا والعراق، هجمات جديدة، قُتِل على إثرها العشرات من القوات الموالية للنظام الإيراني، لكنها لم تنجح إلى حد اللحظة في نقل المعركة إلى العمق الإيراني رغم تهديده في أكثر من مناسبة بإلحاق الدمار بإيران، إضافة إلى دعوته الشباب الإيراني السني إلى الانتفاض والجهاد في بلادهم.
من المؤكد أن عام 2018 سيشهد أحداثًا دراماتيكية ستكون إيران فيها فاعلاً ومفعولاً به في نفس الوقت، لكن من غير الواضح إن كان تنظيم الدولة قادرًا على نقل المعركة إلى العمق الإيراني أم لا، خاصة أن التحالف الدولي الذي ألقى بثقله لهزيمته يتمنى ذلك
يعلم تنظيم الدولة أن اختراق العمق الإيراني والتعبئة الشعبية السنية لصالحه من داخله تبدو صعبة، فالقبضة الأمنية الرهيبة والنشاط الاستخباري الذي لا يتوقف في إيران جعل الخلايا النائمة للجهاديين أو المتعاطفين معهم يحسِبون ألف حساب قبل تنفيذ أي هجوم في دولة يُعتبر فيها المكون السني الذي لا يتجاوز 10% من السكان أقلية لا تمتلك أي استقلالية في قرارها الداخلي والخارجي.
صحيح أن تنظيم الدولة الإسلامية كان يمني نفسه بأن تطول فترة المظاهرات في إيران وأن تخرج عن طابعها السلمي حتى تقوم خلاياه النائمة بتنفيذ مخططات من المؤكد أنها موضوعة منذ سنوات وتحين اعتمادًا على المتغيرات، لكن احتواء السلطات للاحتجاجات الأخيرة أحبط مخططًا كان بالإمكان أن يقلب المعادلة في العراق وسوريا واليمن وحتى داخل أفغانستان التي عرفت تدخلاً إيرانيًا قويًا خلال الفترة الأخيرة، تمثل أساسًا في دعم حركة طالبان في معاركها ضد تنظيم الدولة.
من المؤكد أن عام 2018 سيشهد أحداثًا دراماتيكية ستكون إيران فيها فاعلاً ومفعولاً به في نفس الوقت، لكن من غير الواضح إن كان تنظيم الدولة قادرًا على نقل المعركة إلى العمق الإيراني أم لا، خاصة أن التحالف الدولي الذي ألقى بثقله لهزيمته يتمنى ذلك، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه في ظل أوضاع ملتهبة ومتقلبة تعيشها المنطقة.