ترجمة حفصة جودة
لم تشتهر القليل من الاتجاهات الجديدة في القرن الـ21 مثلما اشتهر “السيلفي”، وهو صورة رقمية نلتقطها بطول الذراع من هاتفنا الذكي، لكن منذ أن حصلت الكلمة على ختم الموافقة من قواميس “أوكسفورد”، خفتت النقاشات عما تكشفه هذه الصور عن الحياة الحديثة، فلم يعد من الذكاء أن نعتبرها دليلاً على وجود جيل كامل من النرجسيين، أما الآن، فالخبراء مثل مؤرخي الفن وعلماء النفس يقولون: “السيلفي يؤدي وظائف اجتماعية مهمة”.
يقول المؤرخ الفني جيمس هال: “عندما أرى صورة سيلفي أستطيع أن أرى أشخاصًا يحاولون صنع علاقات في عالم يزداد في الطابع غير الشخصي، إنهم يحاولون معرفة أنفسهم واكتشافها، مثلما كان رسامي البورتريه يرسمون أنفسهم قديمًا لهذا الغرض”.
يميل الإناث رؤوسهن في أثناء التصوير بنحو 12.3 درجة
أثبت “السيلفي” أيضًا قدرته على الابتكار، فصور السيلفي عام 2017 تختلف تمامًا عن السيلفي عام 2013، في عام 2017 لم يعد هناك صور “وجه العصفورة” وأصبح هنا “وجه البطة”، أما طريقة التصوير “Sorority arm” وذلك بوضع اليد في الوسط لتبدو الذراع أقل حجمًا فقد أصبحت قديمة للغاية.
في عام 2017 أصبح “plandid” من الاتجاهات الشهيرة للغاية، وهي تعني التقاط صورة تبدو عفوية لكنه مخطط لها من قبل، يتم التقاط مثل هذه الصور بعصا السيلفي أو الطائرات دون طيار أو باستخدام مصور خاص، فهل يعتبر هذا النوع من الصور سيلفي أيضًا؟ نظرًا لأن الشخص ما زال العنصر الأساسي في الصورة وهو صاحب الفكرة والمصور غالبًا، فنعم هذه الصور “سيلفي”.
عندما ظهر أول هاتف يمكنه تصوير مقاطع فيديو عام 2001، سخر صحفيو التكنولوجيا من الفكرة، وقالوا إن وجود هاتف ليحل محل الكاميرا الرقمية فكرة سخيفة للغاية، والآن، 4 من بين كل 5 مواطنين بريطانيين يملكون هاتفًا ذكيًا، وأصبحت الصور أكثر تطورًا بطبيعة الحال.
المزيد من الرجال يلتقطن “السيلفي” بعد أن يتجاوزوا 40 عامًا
عندما ظهر أول تطبيق للتعديل على صور السيلفي “FaceTune” أعتقد الكثيرون أن سيكون تافهًا كآل كارداشيان، لكن مع وجود هواتف مثل “Google Pixel 2” الآن التي توفر أدوات لتعديل الصور، أصبح الشريط الخاص بتعديل صور السيلفي موجودًا للأبد، حتى إننا لم نعد مضطرين للضغط بإصبعنا يمكننا فقط أن نقول لمساعد جوجل: “التقط الصورة”، في عام 2017 أصبح مقبولاً أن يكون الجميع مديري تصوير حياتهم الخاصة.
تبدو صور “candid” المخطط لها بعيده نوعًا ما عن الصور المدروسة بشكل واضح، ويختلف الكثيرون بشأنها بشكل كبير، في الوقت نفسه، ما زال علماء النفس يتجادلون بخصوص حقيقة أن معظم النساء على مواقع المواعدة يميلون إلى التقاط صورهم من أعلى، ويفترضون أن ذلك قد يشير إلى الخضوع للرفيق المستقبلي المحتمل أو أنها مجرد زاوية جيدة للإغراء.
وبدلاً من السخرية من صور”السيلفي” واعتبارها قوى مدمرة اجتماعيًا ونفسيًا، يسعى الأكاديميون إلى جمع أفكار ورؤى قيمة من هذا البنك الغني بالبيانات الاجتماعية، قام الباحث الإعلامي ليف مانوفيتش والمحلل الرقمي دانيال غوديمير بإطلاق موقع “selfiecity.net” لتحليل نمط الصور السيلفي على إنستغرام حول العالم، ووجدا أن متوسط أعمار ملتقطي السلفي 23.7.
النساء تحت سن الـ40 يلتقطن صورًا “سيلفي” أكثر من الرجال
في الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 40 عامًا، نجد أن النساء يلتقطن صور سيلفي أكثر من الرجال، أما فوق 40 عامًا فالرجال العنصر الرئيسي لصور السيلفي (ربما لأن النساء يشعرن بالقلق أكثر بسبب أعراض الشيخوخة)، حلل مانوفيتش وغوديمير بعض المظاهر المتطرفة مثل “إمالة الرأس” ووجدوا أن الإناث يقمن بإمالة رؤوسهن بنسبة أكثر 50% من الذكور (12.3 درجة ميل مقابل 8.2 درجة ميل).
يستطيع أي شخص يمتلك حسابًا على إنتسغرام أن يرى قوة وتأثير إنشاء دفتر يوميات بصرية خاصة بك وما لها من تأثير مُسكر وإدماني وعاطفي، تقول عالمة النفس جيسامي هيبرد: “لقد أصبح السيلفي جزءًا من الحياة الحديثة، وتحدد طريقة استخدامنا لها تأثيرها الإيجابي أو السلبي على سعادتنا”، وجدت إحدى الدراسات الأمريكية أن المراهقين الذين يقضون وقتًا أطول أمام الشاشات أكثر عرضة للتعاسة، مما يثير تساؤلاً عن تأثير “السيلفي” على احترام الذات.
متوسط أعمار ملتقطي السيلفي 23.7
لكننا بالطبع لسنا ضحايا عصر السيلفي، حيث يمكننا جميعًا أن نتحكم في التقاط صور السيلفي، تقول هيبرد: “كلما اعترفنا بأن السيلفي مجرد دفتر يوميات بصرية، أدرك الناس أنه لا يمثل تراجع الحضارة أو ظهور جيل من النرجسيين، من الجيد أن نحتفل بالمناسبات المهمة ونستمتع بالنجاح، تساعدنا صور السيلفي على تسجيل تلك اللحظات من حياتنا مثل الاحتفال بترقية ما، كما أنها تساعدنا في التغلب على الميل الطبيعي للتقليل من شأن نجاحاتنا”.
كما أننا نستخدم “السيلفي” الآن كأداة تواصل اجتماعية وصنع علامة تجارية شخصية، قديمًا كانت سمعة الأشخاص تحدد من خلال السيرة الذاتية والتوصيات وإذا كنت مميزًا فيمكنك أن تتواصل مع الصحافة ووكلاء الأعمال، أما اليوم فنحن جميعًا نمتلك أن نقدم صورنا للعالم وأن نتحكم في تلك الصورة التي نقدمها عن أنفسنا، ونستطيع أن نقوم بتنظيم ذواتنا وبناء علامة تجارية شخصية.
يقول ويل ستور مؤلف كتاب: “السيلفي: كيف أصبحنا مهووسين ذاتيًا؟ وكيف يؤثر ذلك علينا؟”: “أحد الطرق المهمة التي يبني بها العقل إحساسه بذاته هو عن طريق ملاحظة ردود فعل الآخرين تجاهه، ويقول الاقتباس الشهير من الأدب النفسي: نحن ما نعتقد أن الآخرين يعتقدونه عنا، فإذا اعتقدنا أن الأشخاص الآخرين يعتقدون بأننا وسيمين ومميزين فإننا سنعتقد ذلك أيضًا، لذا فالتعليقات التي تأتي على صورة السيلفي التي تنشرها قد يكون لها آثار قوية محتملة على إحساسنا بذواتنا”.
الصور العفوية “المخطط لها”
لذا ربما حان الوقت للتخلي عن عقدة الذنب بشأن الاهتمام بعدد الإعجابات التي نحصل عليها، أو قضاء الوقت في تعديل الأعين الحمراء للحصول على صورة مثالية للإجازة، وحتى رغم معرفتنا بأن بعض التعليقات على الصور هي مجرد تملق ونفاق فإنها ما زالت تمنحنا إحساسًا جيدًا، وما زلنا نشعر بالسوء إذا لم نحصل على مثل هذه التعليقات.
في الواقع، ربما يكون الهوس بالسيلفي سمة مفيدة في المصطلحات التطورية، يقول دكتور كيلي مكجونيجال عالم نفس ومؤلف كتاب “غريزة الإرادة”: “الاهتمام الزائد بصورنا الشخصية لا يعني أننا نرجسيون، الأمر طبيعي تمامًا ومن المفيد من وجهة نظر “البقاء على قيد الحياة” أن تكون مهووسًا بالحديث عن نفسك ونشر صورك على الإنترنت، فحالة القلق تلك جزء من كونك تعيش في مجتمع، نحن نهتم بما يفعله ويقوله ويشعر به أصدقاؤنا وعائلتنا، وبتلك الطريقة نبني مكانًا لأنفسنا في المجتمع، ونصنع علاقات داعمة مع أشخاص يشبهوننا في التفكير.
يقول هال: “يرى المؤرخون الاجتماعيون أن السيلفي جزء من تقليد قديم يعود إلى رسم الصور الشخصية، كوسيلة لاكتشاف ذواتنا وتجريب هويتنا، وما تغيّر هو التقنية المستخدمة”.
المصدر: الغارديان