مدينة آسفي
على بعد قرابة 200 كيلومتر من مدينة الدار البيضاء، أكبر مدن المملكة المغربية، بين مدينتي الجديدة والصويرة، تقع مدينة “آسفي”، حاضرة المحيط الأطلسي، باسطة يديها لاستقبال محبيها القادمين من مناطق مختلفة من العالم.
رائحة المدن تأخذكم في جولتها الأسبوعية لمدن المغرب العربي، إلى واحدة من أجمل المدن الأطلسية، إلى مدينة السمك والخزف والشواطئ الطبيعية، ذات الآثار التاريخية، حيث العمارة الجميلة والتاريخ العريق الموغل في الحضارات والطبيعة الخلابة.
أصل تسمية آسفي
“يا زائر آسفي خذ عينيك إلى المآثر وتمتع بحرًا وجمالاً، فإنك لن تجد كآسفي أرضًا ولن تجد كبنيها خلقًا وخصالاً”، بعض ما قيل من شعر وكلمات تطرب لها الأذن، في وصف حاضرة المحيط الاطلسي، مدينة “آسفي” المغربية.
ويختلف المؤرخون بخصوص تاريخ تأسيس المدينة وأصل تسميتها ومعناها، لعدم وجود نصوص صريحة تؤكد أي فرضية، ويقول المؤرخ والجغرافي الأندلسي عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري إن اسم مدينة آسفي مشتق من الكلمة البربرية “أسيف” التي تعني مجرى مائي مؤقت.
ولهذا التفسير ما يبرره في الواقع التاريخي لآسفي، ذلك أن تأسيس هذه المدينة كان أسفل مجرى وادٍ يطلق عليه اسم “الشعبة” القادم من الشرق، ثم إن هذا الوادي عرف بسيوله الجارفة المتعاقبة، إذ كان على مر العصور مصدر رعب وقلق السكان، حسب عدد من أهالي المدينة.
يزعم المؤرخ الفرنسي فرانسوا بيرجي انتساب اسم آسفي إلى أحد أئمة الفينيقيين، قائلاً إن سكان مدينة صور الفينيقية أنشأوا بآسفي وكالة تجارية في القرن 12 قبل الميلاد
من جهته يقول مؤرخ آسفي الفقيه الكانوني، إن اسم المدينة لفظ بربري مأخوذ من قول البربر للضوء أسف بضم الفاء، فحرف فاء باستعمال الكسر على أن بعض البربر ينطقون به مكسورًا، ويستمد هذا الاسم من المنارة (المصباح) التي كانت تضئ الشاطئ قديمًا لهداية السفن في أثناء عودتها ليلاً أو إعلامًا بالهجوم واستعدادًا له، ونعني بآسفي حسب المؤرخ الفقيه الكانوني “المصباح المضيء والمشعل”.
ويذكر المؤرخ التونسي ابن خلدون في مقدمته الشهيرة أن المدينة قديمًا كانت مرفئًا تجاريًا مهمًا على المحيط الأطلسي، مما استوجب من تجارها وسكانها اتخاذ إجراءات كبيرة للحيطة والاحتراس، من ذلك نصب مشاعل ومنارات ضوئية، فإذا ظهرت قطعة في البحر يشغلون الأضواء في المنارات إعلامًا بالهجوم والاستعداد له، كما كانوا بهذه المشاعل يرشدون السفن ليلاً إلى المرسى.
أزقة المدينة الضيقة
يقول عالم الجغرافيا المغربي الشريف الإدريسي في كتابه المشهور “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق” إن أصل تسمية مدينة آسفي “يرجع إلى جماعة الفتية الذين غامروا بركوب بحر الظلمات بدافع الكشف والاستطلاع من مدينة أشبونة خلال القرن الرابع الهجري حيث انتهى بهم المطاف إلى بلاد البربر جنوب مراكش، فصاح رئيس البعثة وا أسفي، ومن ذلك أطلق على هذه المنطقة اسم آسفي“.
فيما يزعم المؤرخ الفرنسي فرانسوا بيرجي انتساب اسم آسفي إلى أحد أئمة الفينيقيين، قائلاً إن سكان مدينة صور الفينيقية أنشأوا بآسفي وكالة تجارية في القرن 12 قبل الميلاد، وأسكنوا فيها المهاجرين الكنعانيين الذين طردوا على يد الغزاة العبرانيين، وأطلقوا على هذه المدينة اسم أعظم سيد مقدس ببلد كنعان وهو آسف.
تاريخ مدينة آسفي
تفيد الحفريات التي اكتشفت بجبل إيغود شرق المدينة سنة 1962، والمتكونة من بقايا عظمية بشرية وحيوانية وأدوات مختلفة بأن الإنسان عمر مدينة آسفي قبل خمسين ألف سنة، ويقول مؤرخون إن جذور المدينة موغلة في التاريخ.
تاريخها العريق الموغل في الحضارات، مكنها من العديد من الآثار التي بقيت صامدة إلى اليوم، من ذلك “قصر البحر”، الذي يعد أحد أكثر المعالم التاريخية أهمية في مدينة آسفي، يقع على طول ساحة الاستقلال، بنيت هذه المعلمة البرتغالية في القرن 15 ميلاديًا لتشكل قلعة برتغالية صغيرة، التي كانت حينها مقر الحاكم، تم تجديدها بالكامل عام 1963، ولها بوابة ضخمة كبيرة تنفتح على ساحة العرض التي تحتوي على عشرة مدافع برونزية قديمة موجهة نحو المحيط.
دار البحر
ومن آثار المدينة أيضًا، الكاتدرائية البرتغالية التي أمر ببنائها الملك البرتغالي إيمانويل الأول هدية لزوجته الملكة سانت كاترين خلال سنة 1519 ميلادية، وقد تم بناؤها من قبل جواو لويس، وما زالت شاهدة على حقبة تاريخية فرض فيها البرتغاليون سلطانهم على عدد من الثغور بشمال إفريقيا.
دار السلطان التي تحولت إلى متحف للخزف
تحتوي المدينة على “دار السلطان”، وهي القلعة التي يعود تاريخها إلى الفترة الموحدية (القرن الثاني عشر إلى الثالث عشر الميلادي)، حيث كانت بمثابة حماية للمدينة بسبب موقعها الذي يطل على قصر البحر والمحيط الأطلسي، وتحولت القلعة إلى مقر سياحة الملوك والأمراء العلويين الذين بنوا منزلاً يسمى “باهية” ومن هنا جاء اسم دار السلطان، وفي سنة 1990 تحولت القلعة إلى متحف وطني للخزف.
مدينة السمك
إلى جانب آثارها التاريخية، عرفت مدينة “آسفي” المغربية بصيد السمك، حتى إن البعض أطلق عليها اسم “مدينة السمك”، ويعتبر قطاع الصيد البحري من أهم القطاعات بالمدينة، منذ عقود عدة، ذلك أنه يشغل بشكل مباشر وغير مباشر أكثر من عشرين ألف من سكانها.
يجد الزائر في ميناء الصيد البحري بالمدينة فرصة لاقتناء سمك طازج أو متابعة عملية خروج ودخول مراكب الصيد التقليدية
تمتد على الطريق الشاطئية الرابطة بين مدينتي آسفي والصويرة عشرات من الوحدات الصناعية لتصبير الأسماك بالمدينة وتصديرها إلى أوروبا وآسيا وغيرها من الدول العربية، وتعود صناعة تصبير السمك في المدينة إلى سنة 1930.
وشهد القطاع تطورًا ملحوظًا على يد الرايس الحاج محمد عابد بعد أن استقدم أحدث التقنيات في صيده، فتطور صيد السردين على وجه الخصوص وتطورت صناعة تصبير السمك القديمة في سنة 1990، لتضع حدًا للطرق التقليدية والبدائية التي كانت تستخدم في صيد السمك.
مراكب صيد السمك
ويجد الزائر في ميناء الصيد البحري بالمدينة فرصة لاقتناء سمك طازج أو متابعة عملية خروج ودخول مراكب الصيد التقليدية والتعرف عن كثب على الصياد وما جاد به البحر من أنواع مختلفة من الأسماك خاصة السردين التي جعلها الله سبحانه نعمة للبشرية ومصدر رزقهم.
آسفي مدينة الخزف
تشتهر المدينة أيضًا بالخزف، حتى ارتبط ذكره بذكر المدينة، حيث تعتبر “آسفي” موطنًا لهذه الصناعة التقليدية المساهمة في تنمية مختلف القطاعات سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية، فأصبحت بذلك الحرفة التقليدية الأهم على مستوى التراث والثقافة والسياحة، وتتكون المادة الأولية للخزف من الطين والماء وبعض المواد الكيماوية والخشب التي يتفنن الحرفيون في توليفها وإعطائها أشكالاً هندسية رائعة، وهو ما جعل خزف آسفي يحتل مكانة عالمية.
عرفت المدينة باسم مدينة الخزف
ويشغل في هذا القطاع الذي يمثل تراثًا ثقافيًا وسياحيًا للمدينة، قرابة الألفي شخص بشكل مستمر فضلاً عن عدد كبير من العمال الموسميين، وتتمركز صناعة الخزف أساسًا في حي هضبة الخزف وهو أقدم حي في المدينة يعمل فيه أكثر من 800 حرفي في 37 ورشة مجهزة بـ70 فرنًا تقليديًا، وفي حي الشعبة الذي أسس من أجل احتضان العدد المتزايد من حرفيي الخزف، حيث يوجد بها نحو 100 خزفي يمارسون عملهم في 74 ورشة مجهزة بـ130 فرنًا تقليديًا.