“فاش نستناو” حملة شبابية تونسية جديدة للاحتجاج على أوضاع البلاد

fachtistannaw

عرفت تونس قبل الثورة وبعدها العديد من الحملات الاحتجاجية الشبابية التي تهدف حسب القائمين عليها إلى التصدي للسلطات الحاكمة وقراراتها “القاسية” في حق الشعب.

آخر هذه الحملات كانت “مانيش مسامح” (لن أسامح) التي أسست لمعارضة قانون المصالحة وحمل القائمين على الدولة على التراجع عنه، وأيضًا حملة “موش على كيفك” (ليس على مزاجك)، التي تدعو إلى سحب مشروع قانون منع الاعتداءات على القوات المسلحة في تونس. 

هذه المرة، أطلق بعض شباب تونس حملة احتجاجية حملت اسم “فاش نستناو” (ماذا ننتظر؟)، تزامنًا مع انطلاق العمل بالزيادة في أسعار العديد من المواد الاستهلاكية في البلاد، عملاً بأحكام قانون المالية للسنة الحاليّة.

القانون المالي منطلق الحملة

في الثالث من شهر يناير/كانون الثاني الحاليّ، أعلن بعض شباب تونس المنتمين للعديد من التيارات الفكرية، تأسيس حملة احتجاجية جديدة، تحت اسم “فاش نستناو”، وتعرف أسرار بن جويرة إحدى الناشطات التونسيات اللاتي وضعن البيان التأسيسي لهذه الحملة الجديدة التي تعرفها شوارع تونس هذه الأيام، هذه الحملة بأنها “تحرك سلمي مستقل مفتوح لكل مواطن يريد الاحتجاج على الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشه المواطن التونسي بعد المصادقة على قانون المالية للسنة الحاليّة”.

تؤكد أسرار أن حملتهم تهدف فضلاً عن تخفيض أسعار المواد الأساسية إلى إجبار الحكومة على توفير التغطية الاجتماعية والصحية للمعطلين عن العمل

واختار مؤسسو هذه الحملة، حسب بن جويرة، تاريخ 3 من يناير/كانون الثاني لإطلاق هذه الحملة، وذلك لتزامن هذا الموعد مع ذكرى انتفاضة الخبز في العام 1984 التي خلفت عشرات الضحايا بين قتيل وجريح خلال حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة.

وتهدف هذه الحملة الشبابية، حسب ما صرحت به أسرار لـ”نون بوست”، إلى إجبار الحكومة التونسية على الرجوع في قانون المالية لهذه السنة أو سحب بعض فصوله خاصة المتعلقة بالزيادة في أسعار العديد من المواد الاستهلاكية التي من شأنها أن تؤثر سلبًا على القدرة الشرائية للمواطن التونسي”.

وتؤكد أسرار أن حملتهم تهدف فضلاً عن تخفيض أسعار المواد الأساسية إلى إجبار الحكومة على توفير التغطية الاجتماعية والصحية للمعطلين عن العمل، وتشغيل فرد من كل عائلة وزيادة المنحة المالية المخصصة للعائلات المعوزة والتراجع عن خصخصة المؤسسات العمومية ومراجعة الإستراتيجية الجبائية للحكومة.

وجاء تأسيس هذه الحملة، في وقت تشهد فيه البلاد جدلاً محتدمًا بسبب بدء تطبيق قانون المالية للعام الحاليّ، مما نتج عنه زيادة في أسعار العديد من المواد الاستهلاكية اليومية بعد إقرار القانون لإجراءات ضريبية جديدة، تعتبرها الحكومة التونسية مهمة للحد من عجز الموازنة الذي بلغ 6% في العام 2017، وتجاوز الأوضاع الاقتصادية الصعبة في البلاد.

تحركات مختلفة في مواجهة حملات أمنية

خلال الأيام الست من بدء نشاطها، قامت الحملة بالعديد من التحركات الاحتجاجية في مناطق مختلف من تونس، وعرفت هذه التحركات أشكال مختلفة، من ذلك الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات الصباحية والليلية أيضًا، وكتابة شعارات على الجدران.

عبرت بن جويرة في حديثها مع “نون بوست”، عن صدمتها من رد الفعل الحكومي تجاه حملتهم الشبابية

خلال هذه الأيام، قامت السلطات الأمنية في تونس بحملة إيقافات في صفوف بعض ناشطي الحملة، بعد توزيعهم منشورات تحرض على التظاهر ضد حكومة يوسف الشاهد، وكتابتهم شعارات مناهضة للتحالف الحكومي على الجدران، ووصل عدد الناشطين الذين تم إيقافهم 35 ناشطًا في مختلف مناطق تونس، حسب أسرار بن جويرة التي سبق أن تم اعتقالها والإفراج عنها في وقت لاحق.

وعبرت بن جويرة في حديثها مع “نون بوست” عن صدمتها من رد الفعل الحكومي تجاه حملتهم الشبابية، وقالت لنون بوست: “بعد 7 سنوات من الثورة الكريمة، نجد أنفسنا عدنا مجددًا إلى مربع الحريات والقمع الأمني الممارس ضد معارضي سياسات الحكومة وهو ما يسيء للثورة التونسية التي نادت بالحرية والكرامة الوطنية”، وأكدت الناشطة التونسية أسرار بن جويرة، عزمهم مواصلة النضال والاحتجاجات ضد سياسات الحكومة المالية وخياراتها الاقتصادية ودفعها إلى القبول بمطالبهم والتراجع عن قراراتها، مؤكدة أن “الحقوق تفتك ولا تهدى”.

خشية من ركوب أطراف سياسية على هذه الحملة

لئن عبر ناصر بن حمد، تونسي معطل عن العمل، عن دعمه لهذه الحملة الشبابية ووقوفه إلى جانبها ومساندة مطالبها التي وصفها بـ”المشروعة”، فإنه لم يخف خشيته من محاولات البعض الركوب عليها ومحاولة توظيفها خدمة لأهدافه السياسية.

وقال بن حمد في حديثه لـ”نون بوست”: “على الشعب أن يقود الاحتجاجات بنفسه لا تحت غطاء الأحزاب السياسية، وهنا أقصد محاولة ركوب الجبهة الشعبية اليسارية على التحركات الشعبية ككل مرة، حتى إنها عرفت بركوبها عن الأحداث ولم تفلح في غيرها”.

تحركات شعبية في عدد من مناطق البلاد

ويحذر بعض الخبراء والمراقبين للشأن العام في البلاد، من مخاطر انفجار الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في مرحلة توحي فيها كل المؤشرات المالية بأن عام 2018 سيكون صعبًا، ومحاولة بعض الأطراف السياسية توظيف الإجراءات الحكومية الأخيرة وقانون المالية للسنة الحاليّة واستثمارها سياسيًا خدمة لمصالحها الانتخابية، خاصة أن الانتخابات المحلية لم يعد يفصل البلاد عنها إلا أقل من 4 أشهر فقط.

وكانت أحزاب معارضة على غرار ائتلاف الجبهة الشعبية (ائتلاف أحزاب يسارية)، قد نددت مؤخرًا بقانون المالية وما حمله من زيادات في الأسعار، داعية إلى الاحتجاج ضد سياسة الحكومة والدعوة إلى سحب قانون المالية أو مراجعته، ووجه الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية اليسارية حمة الهمامي، الدعوة إلى الأحزاب والقوى السياسية والمدنية التي عارضت قانون المصالحة الاقتصادية، للتشاور وتحديد الخطوات للتصدي لقانون المالية لسنة 2018 والعمل على تعليقه “لما تضمنه من إجراءات خطيرة” على حد تعبيره.

حملات شبابية تؤكد القدرة على التغيير

هذه الحملة الاحتجاجية التي يقودها شباب تونس، رأى فيها عديد من التونسيين متنفسًا لهم، للتعبير عن أرائهم بحرية والضغط على الحكومة من خلال الشارع، في هذا الشأن تقول الصحفية روى حجي لـ”نون بوست”: “بعد الثورة التونسية شاهدنا الشعب التونسي يخرج في العديد من المناسبات في تظاهرات شعبية واحتجاجات سلمية في الشوارع مناهضة لقرارات الحكومة، وتعبيرًا عن مواقفه إزاء عديد الملف التي تهمه مباشرة”.

وتقول روى: “هذه الحملات التي يقودها الشباب تعبيرًا عن إرادة شعبية في تقرير المصير، يجد فيها المواطن متنفسًا للضغط الذي يعيشه جراء الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة التي ساهمت في تعميق الهوة بين المواطن والحكومة المعتمدة على سياسات الهروب من المسؤولية في الاستجابة إلى تطلعات المواطن”.

تعمل الحكومة التونسية على تهدئة الأوضاع عبر تأكيدها الالتزام بعدم رفع أسعار المواد المدعمة، إلا أن محاولاتها لم تنجح

وتضيف لـ”نون بوست”، “المواطن التونسي اليوم ضاق ذرعًا من وعود الحكومات الزائفة، وعود لم تبصر النور منذ 14 من يناير/كانون الثاني 2011، يجد بذلك الحراك الشعبي أبرز الوسائل التعبيرية والتأثيرية لتغيير الواقع الذي يعيشه”.

واعتبرت حجي أن الشعب التونسي، تمكن في عديد من المرات من إجبار الحكومة والسلطات الحاكمة على تعديل بعض قراراتها أو حتى التراجع عنها بواسطة الشارع، وقالت في هذا الشأن: “كثيرة هي الاحتجاجات الشعبية التي كانت المحرك الأساسي لتراجع الحكومة عن قراراتها أو إعادة النظر في مواقفها إزاء قضية ما استجابة إلى إرادة شعبية”.

بعد رفع أسعار المواد الأساسية، تعمل الحكومة التونسية على تهدئة الأوضاع عبر تأكيدها الالتزام بعدم رفع أسعار المواد المدعمة (الخبز والدقيق والزيت والسكر)، إلا أن محاولاتها لم تنجح، بل زادة في تأزيم الوضع أكثر.