من دعم الانقلاب إلى التطبيع: كيف وظف السيسي الإعلام لخدمة أجنداته الخاصة؟

sysy_wllm

رغم أنها لم تضف جديدًا يخالف ما استقر عليه المقربون من دوائر صنع القرار بشأن خضوع القاهرة وغيرها من بعض العواصم العربية الأخرى للإملاءات الأمريكية بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال في إطار ما سمي “صفقة القرن”، غير أن التسريبات التي كشفتها صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية أول أمس والتسجيلات التي أذاعتها بعض القنوات الفضائية مساء أمس أماطت اللثام كثيرًا عن العديد من الدلالات التي تعكس كيفية إدارة نظام السيسي للمشهد برمته.

التسجيلات – وبصرف النظر عن صحتها من عدمه – فإنها ليست الأولى التي تكشف توجيه الأجهزة الأمنية والمخابراتية للإعلاميين المصريين وتحديد ما يقال وما لا يقال في خطابهم الإعلامي، كما أنها سلطت الضوء مجددًا على المكانة الكبيرة التي يحتلها الإعلام في عقلية السلطات الحاكمة وفي مخيلة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على وجه الخصوص.

السنوات الستة التالية لثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 كشفت عن حجم تأثير الإعلام في الشارع المصري بصورة مغايرة تمامًا لما كان عليه الوضع قبل هذا التاريخ، خاصة مع التطور الملحوظ الذي شهدته الوسائل التكنولوجية والاتصالية التي حولت الإعلام لقوة خارقة تفوق في تأثيرها الكثير من وسائل التأثير الأخرى مهما بلغت درجة تقدمها.

وأمام تلك الحقيقة التي استقرت في أذهان الجميع، حرص السيسي ونظامه على فرض الهيمنة الكاملة على هذا السلاح الخطير، إما تجنبًا لمخاطره حال الانقلاب ضده وإما توظيفًا له لخدمة أهدافه وترسيخ أركانه والترويج لسياساته، داخلية كانت أو خارجية، ومن ثم تحول الإعلام من وسيلة إلى غاية، ومن أداة للتوعية إلى مصفاة لغسل الأدمغة، حتى بات الأداة التي لا يمكن للسيسي الاستغناء عنها مهما بلغ الأمر.

الإعلام في خدمة التطبيع

في السادس من يناير/ كانون الثاني الحاليّ نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية تقريرًا كشفت من خلاله توظيف المخابرات المصرية لبعض أذرعها الإعلامية للترويج لقرار ترامب اعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني ومحاولة امتصاص غضب الشارع المصري عبر العديد من الرسائل التي تهدف إلى التخلي عن مسألة القدس كعاصمة لفلسطين والاستعاضة عنها برام الله.

أثار هذا التقرير حينها الكثير من اللغط والجدل داخل الشارع المصري ما بين مصدق ومكذب، كما خرجت بعض البيانات عن الخارجية أو الهيئة العامة للاستعلامات (حكومية) التي تدين ما ورد فيه وتكذب مضمونه، بل وصل الأمر إلى تهديد بعض من شملتهم تلك التسريبات بمقاضاة الصحيفة الأمريكية.

لكن وقبل التقاط المصريين أنفاسهم جراء ما نشرته “نيوريورك تايمز”، إذ ببعض القنوات الفضائية الأخرى تبث التسجيلات كاملة بالصوت، مما أصاب البعض بالصدمة فيما بقى آخرون على مواقفم المشككة في صحة هذه التسجيلات متهمين تلك القنوات كما الصحيفة الأمريكية بـ”الفبركة”.

تسريبات الأمس وأول أمس أكدت وبصورة واضحة ما أشارت إليه بعض المصادر الفلسطينية والإسرائيلية على حد سواء قبيل وفي أثناء إعلان ترامب قراره المشؤوم بشأن وجود تنسيق بين واشنطن وتل أبيب من جانب، وبعض العواصم العربية الأخرى على رأسها القاهرة والرياض من جانب آخر في هذا الملف

التسجيلات التي بثت بالأمس تشير إلى رسائل محددة أراد ضابط في المخابرات برتبة “نقيب” ويدعى “أشرف الخولي” أن يوصلها هاتفيًا لعدد من الإعلاميين هم: مفيد فوزي وعزمي مجاهد وسعيد حساسين “برلماني” والفنانة يسرا، بخصوص مخاطبة الرأي العام بشأن القبول برام الله عاصمة لفلسطين بدلاً من القدس، وممارسة التحريض ضد حركة المقاومة الفلسطينية “حماس”.

الرسالة سواء كانت صادرة عن ضابط مخابرات حقًا أو عن طريق أي من المتعاونين مع الجهاز بالداخل كان أو الخارج، لخصت وبشكل كبير الموقف المصري الرسمي من أزمة القدس، حيث التعاطي مع السياق العربي الرافض – ظاهريًا – لهذه الخطوة، غير أنه “ما بيد الحيلة” فالأمر لن يتغير والأوضاع ستظل كما هي في ظل قبوع المدينة تحت قبضة الاحتلال، مما يجعل من أي محاولة لتغيير الوضع مضيعة للوقت لا أكثر.

الأمر لم يتطرق إلى فكرة امتصاص غضب الشارع والاعتراف بالقرار الأمريكي وفقط، بل وصلت إلى المطالبة بمخاطبة الرأي العام عن أهمية إخلاء منطقة سيناء بالكامل من المدنيين، بدعوى تفرغ قوات الجيش في مواجهة المسلحين، ووجود خونة بين أهالي سيناء، كما جاء في اتصال ضابط المخابرات مع عزمي مجاهد.

يتزامن هذا التسريب مع ما حدث خلال اجتماع الوفد العربي الوزاري المصغّر المكلف بمتابعة تداعيات القرار الأمريكي بشأن القدس الذي عُقد في الأردن أول من أمس السبت، وكشف عن ضغوط  مصرية سعودية، لمحاصرة الرغبة الفلسطينية في تصعيد إجراءات مواجهة قرار ترامب، مما دفع زير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، إلى مغادرة المؤتمر الصحفي الخاص بإعلان نتائج الاجتماع.

ثلاث مقترحات فلسطينية كان قد تقدم بها المالكي لمواجهة قرار ترامب، لكنها رفضت جميعها من قبل الجانب المصري والسعودي داخل غرفة الاجتماعات، أولها: تأكيد الفلسطينين على انتهاء الدور الأميركي في رعاية عملية السلام، لكن القاهرة والرياض أصرّتا على الاكتفاء بالتأكيد الذي صدر حول ذلك في اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي عقد الشهر الماضي في مصر، وفي مؤتمر التعاون الإسلامي في تركيا، وأنه لا حاجة للتأكيد مرة أخرى من خلال هذا المؤتمر.

ثانيها: رفض أي مبادرة أمريكية لعملية السلام قبل التراجع عن قرار ترامب، غير أن ذات الدولتين رفضتا هذه النقطة، باعتبار مجلس وزراء الخارجية العرب لديه موقف مغاير عن هذا الموقف، ثالثها: تفعيل القرارات ضد أي دولة تقوم بنقل سفارتها إلى القدس، (في إشارة إلى قرار قمة عمّان 1980)، وهو ما قوبل بالرفض كذلك.

تأكيد لما سبق

تسريبات الأمس وأول أمس أكدت وبصورة واضحة ما أشارت إليه بعض المصادر الفلسطينية والإسرائيلية على حد سواء قبيل وفي أثناء إعلان ترامب قراره المشؤوم بشأن وجود تنسيق بين واشنطن وتل أبيب من جانب، وبعض العواصم العربية الأخرى على رأسها القاهرة والرياض من جانب آخر في هذا الملف.

في مقابلة أجرتها القناة العاشرة الإسرائيلية مع وزير الاستخبارات والمواصلات لدى دولة الاحتلال يسرائيل كاتس، بعد قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، كشف أن واشنطن قامت مسبقًا بالتنسيق مع قادة من الدول العربية بشأن قرار الرئيس دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي، وبدء إجراءات نقل السفارة الأمريكية إليها.

المعلق السياسي للقناة الإسرائيلية باراك رفيد، نقل عن مسؤول وصف بـ”الكبير جدًا” داخل الإدارة الأمريكية ارتياح واشنطن لما أسماه “التنديد المنضبط” الصادر عن الدول العربية “المعتدلة” بشأن قرار ترامب، ورهان القيادات الأمريكية على قدرة موقف الحكومات العربية على امتصاص رد الفعل.

فيما أكد محرر الشؤون العربية بالقناة العاشرة الإسرائيلية تسفي يحزيقالي أن “قرار الرئيس الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل” ما كان ليصدر لولا حدوث تفاهمات على المستوى الإقليمي بين ترامب والسعودية ومصر” وهو نفس ما ذهب إليه دبلوماسي أمريكي في القاهرة خلال شهادته بشأن اتصالات الساعات الأخيرة التي سبقت إعلان قرار نقل السفارة الأمريكية للقدس.

السنوات الستة التالية لثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 كشفت عن حجم تأثير الإعلام في الشارع المصري بصورة مغايرة تمامًا لما كان عليه الوضع قبل هذا التاريخ

وبالعودة إلى الوراء قليلاً وتحديدًا إلى يوليو/تموز 2016، حين توجه وزير الخارجية المصري سامح شكري، إلى تل أبيب، والتقى رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، وما أثير وقتها بشأن الترحاب الشديد المتبادل بينهما خلال مشاهدتهما معًا كلاسيكو أوروبا، بين ريال مدريد وبرشلونة.

في هذا التوقيت عزفت وسائل الإعلام العبرية عن فتح هذه الزيارة صفحة جديدة في العلاقات العلنية بين القاهرة وتل أبيب، حيث علقت القناة الثانية الإسرائيلية بأن الزيارة جزء من الاتصالات التى تُمهّد لزيارة رئيس الحكومة الإسرائيلى بنيامين نتنياهو لمصر، سواء كان فى القاهرة أو شرم الشيخ للقاء الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى لدفع وتنسيق مبادرة السلام الإقليمية.

بينما ذهبت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، إلى أن المصريين تفاجأوا بالزيارة النادرة، كما تفاجأ بها الإسرائيليون كذلك، واصفة الحدث بأنه “أسطوري”، مضيفة أنه رغم المفاجأة، كان من الواضح في الشهور الأخيرة أن العلاقات المصرية – الإسرائيلية تخرج إلى النور أكثر فأكثر، وتتجاوز التعاون الأمني الذي كثر الحديث عليه.

البرلمان المصري هو الآخر كشف عن هويته التطبيعية عقب تلك الزيارة كما جاء على لسان اللواء سعد الجمال رئيس لجنة الشئون العربية بمجلس النواب الذي أشار إلى أن الزيارة “جاءت تفعيلاً لنداء ومبادرة السيسي لإحياء عملية السلام وقيام الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية”، مضيفًا “أن الحوار الجاد سيُؤدي إلى انعدام وجود فصائل للمقاومة الفلسطينية التي انحرف بعضها عن الهدف وانتشرت واستخدمت العنف كأداة لتمزيق الأوطان” على حد قوله.

وهو نفس ما أشار إليه اللواء كمال عامر رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي، خلال لقاء له مع مستشار الشؤون السياسية بالسفارة الأمريكية لدى القاهرة، إيريك جوديوس، في مايو/أيار 2016 حين قال: “لا مانع من استقبال أي وفود أو مسؤولين للتشاور مع اللجنة داخل مجلس النواب، حتى ولو كانوا إسرائيليين، طالما كانت الزيارات في إطار المصالح المشتركة وتتماشى مع الأمن القومي المصري ويتم التصديق على الزيارة من رئيس المجلس”.

هذا بخلاف التنسيق الواضح بين القاهرة وتل أبيب بشأن التخطيط لانقلاب الثالث من يوليو، وهو ما كشفه البرلماني عماد جاد، صراحة في مقال منشور له بصحيفة “الوطن” في سبتمبر/أيلول الماضي، تحت عنوان “لقاءات الرئيس في نيويورك“، حين كتب قائلاً: “علينا أن نضع المصلحة الوطنية المصرية في المقدمة، وأن نتحلى بالموضوعية، ونعترف بأن “إسرائيل” لعبت دورًا مهمًا في دعم ثورة الشعب المصري في الثلاثين من يونيو 2013″.

ثلاث مقترحات فلسطينية كان قد تقدم بها المالكي لمواجهة قرار ترامب، لكنها رفضت جميعها من قبل الجانب المصري والسعودي داخل غرفة الاجتماعات

تأسيس أذرع إعلامية

اعتماد السيسي على الإعلام كأداة أساسية في ترسيخ أركان نظامه وإستراتيجية محورية في الترويج لتوجهاته وسياساته سواء كانت في الداخل أو الخارج، ليس وليد اليوم، إذ إنه منذ الوهلة الأولى التي عين فيها السيسي وزيرًا للدفاع وما تلاها عقب انقلاب الثالث من يوليو كان حريصًا على إحكام قبضته على الإعلام بشتى صورة، لكن هذا ما كان أن يتم بصورة كاملة، ومن ثم كان التنفيذ مرحليًا وعبر عدد من الخطوات.

في أكتوبر 2013 نُشر تسريب للسيسي خلال لقاء له مع بعض الضباط تحدثوا خلاله عن استراتيجية جديدة تهدف إلى السيطرة على الإعلام من خلال استئناس عدد من الإعلاميين المعروفين ممن أبدوا رغبتهم في التعاون مع الجيش على حد قول أحد الضباط، وهو ذات التسريب الذي تضمن مقولة السيسي الشهيرة “أحمد جاذب للستات”.

وفي بداية 2014 تحدث السيسي في تسريب آخر عن ملامح تلك الاستراتيجية بشكل من الوضوح، وذلك حين أعلن عن أهمية تأسيس “أذرع إعلامية” من أجل الترويج لدور الجيش، في أعقاب انقلابه على الرئيس الأسبق محمد مرسي، مشيراً إلى “احتواء الإعلاميين من خلال أذرع، يحتاج بناؤها إلى بعض الوقت، لحين امتلاك حصة مناسبة في التأثير الإعلامي”.

في هذا اللقاء كشف السيسي عن مكانة الإعلام لدى القوات المسلحة وأجهزتها بصورة كاملة، وذلك حين أكد أن “الجيش مهموم بمسألة الإعلام والإعلاميين من أول يوم أتى فيه المجلس العسكري”، مضيفًا “ما نحتاجه لم نصل إليه بعد، ونعمل على تحقيق نتائج أفضل”.

الرسالة سواء كانت صادرة عن ضابط مخابرات حقًا أو عن طريق أي من المتعاونين مع الجهاز بالداخل كان أو الخارج، لخصت وبشكل كبير الموقف المصري الرسمي من أزمة القدس

في مطلع عام 2015 بث قناة “مكملين” تسريبًا صوتيًا لحوار دار بين مدير مكتب السيسي عباس كامل، والمتحدث العسكري السابق أحمد علي، تحدث خلاله عن بعض الأفكار المطلوب من الإعلاميين الترويج لها والحديث عنها بصورة مكثفة، على رأسها تجنب الإساءة لرموز الدولة، في إشارة إلى ما أثير بشأن العلاقات النسائية للمتحدث العسكري السابق الذي أقيل من منصبه ليعين ملحقًا عسكريًا في إحدى السفارات المصرية بإفريقيا.

التسريبات كشفت عن بعض الإعلاميين والقنوات الإعلامية التي كانت تعمل لحساب السيسي حتى قبل توليه الرئاسة رسميًا، كما جاء على لسان مدير مكتبه، على رأسها قنوات “أون تي في” و”صدى البلد” و”القاهرة والناس”، والمذيعون أحمد موسى ووائل الأبراشي وإبراهيم عيسى ورولا خرسا وعزة مصطفى ومحمود سعد ونائلة عمارة.

https://www.youtube.com/watch?v=mdHCPim4yKM

إستراتيجيات السيطرة

بعد نجاح السيسي في ترسيخ أركان نظامه بدأ التفكير في إستراتيجيات أخرى يهدف من خلالها إلى إحكام قبضته على منظومة الإعلام بشكل كامل، من خلال تفريغ الساحة تمامًا من الوسائل التي من الممكن أن تمثل عقبة أمام تحقيق أهدافه كمرحلة أولية، يليها السيطرة على المتبقي منها.

ثلاث إستراتيجيات اعتمد عليها السيسي لفرض الهيمنة على المناخ الإعلامي برمته، أولها: تجنيد عدد من رجال الأعمال لتكريس حكمه والعزف على أوتار التمجيد والإشادة والمديح، وذلك بزرعهم في بستان الإعلام عبر شراء بعض القنوات والصحف والمواقع الإخبارية، على رأسهم أحمد أبو هشيمة الذي تم الإطاحة به مؤخرًا لحساب شخصية أخرى، ثانيها: إرهاب العاملين في مجال الإعلام وتضييق الخناق عليهم عبر حزمة من القوانين التي صدرت خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، أبرزها: قانون الإرهاب وقانون الإعلام المُوحًّد وقانون الكيانات الإرهابية.

أما الإستراتيجية الثالثة التي انتهجها النظام لبسط نفوذه الكامل على الإعلام بعد تجنيد رجال أعمال لصالحه وفرض حزمة القوانين والقرارات التي ترهب كل من يفكر أن يغرد منفردًا بعيدًا عن الطريق الذي تم رسمه له، كانت زرع عسكريين سابقين في هذه المنظومة، من خلال إشراكهم كملاك أو مديرين لبعض الوسائل الإعلامية.

شبكات إعلامية

تمخضت الإستراتيجيات الثلاثة السابقة عن تكوين شبكة إعلامية موحدة تخضع للنظام الحاليّ، إما عن طريق التملك أو المشاركة في الإدارة، حتى باتت الغالبية العظمى من الوسائل الإعلامية في قبضة المخابرات على وجه الخصوص، وهو ما يفسر العزف الجماعي لتلك الوسائل على نفس الوتر في ذات التوقيت، كون ذلك يؤكد وحدة المصدر وأحادية التوجيهات عن طريق ما يسمى في كواليس العاملين في الحقل الإعلامي بـ”ضابط الاتصال”.

في يناير/كانون الثاني 2017 تم إعلان مجموعة قنوات “دي إم سي” الممولة وفق ما تم إعلانه بعد ذلك لضابط الاستخبارات العامة ياسر سليم  وزميله طارق إسماعيل الذي يدير محطة راديو (9090)، والموقع الإلكتروني “مبتدا”، عبر شركته (دي ميديا)، ويعد أشهر مذيعيها أسامة كمال، أحد أقرب الإعلاميين للسيسي.

الهدف الرئيسي لتدشين هذه المجموعة وفق مقربين منها تحسين الصورة الذهنية لهذا النظام بعد تراجع شعبية العديد من الوجوه الإعلامية التقليدية التي تفقد يومًا تلو الآخر مكانتها لدى رجل الشارع، ومن ثم كان البحث عن منبر آخر يعكس توجهات الدولة بوجوه جديدة.

في سبتمبر/أيلول 2017 أعلنت شركة “فالكون جروب” شراء شبكة تليفزيون “الحياة”، من خلال صفقة بلغت قيمتها مليار و400 مليون جنيه، وذلك عن طريق شركة “هوم ميديا” التابعة لها التي ضمت مجموعة كبيرة من الإعلاميين المحسوبين على نظام السيسي مثل أحمد شوبير وإيناس جوهر وخيري رمضان وبوسي شلبي وهبة الأباصيري وشافكي المنيري.

بعد نجاح السيسي في ترسيخ أركان نظامه بدأ التفكير في إستراتيجيات أخرى يهدف من خلالها إلى إحكام قبضته على منظومة الإعلام بشكل كامل، من خلال تفريغ الساحة تمامًا من الوسائل التي من الممكن أن تمثل عقبة أمام تحقيق أهدافه كمرحلة أولية، يليها السيطرة على المتبقي منها

المجموعة برمتها يُديرها الوكيل السابق لجهاز الاستخبارات الحربية اللواء شريف خالد، ويساعده حزمة من الضباط السابقين في نفس الجهاز، وتدين بالولاء الكامل له إداريًا وماليًا، كما اشترت قنوات العاصمة أيضًا التي كان يملكها البرلماني سعيد حساسين – الذي ورد اسمه في تقرير نيويورك تايمز – وأسند إدراتها للمتحدث السابق للقوات المسلحة العميد محمد سمير.

https://www.youtube.com/watch?v=z6hVSIY1eHA

وأخيرًا وفي ديسمبر/كانون الأول 2017 كُشف النقاب عن إمبراطور جديد في سماء الإعلام المصري، تحت مسمى “إيغل كابيتال” وهي شركة تديرها وزيرة الاستثمار السابقة داليا خورشيد زوجة رئيس البنك المركزي الحاليّ، طارق عامر، التي استحوذت على شركة “إعلام المصريين” التي يرأس مجلس إدارتها أحمد أبو هشيمة.

بموجب هذه الصفقة، تنتقل ملكية عدد من المؤسسات الإعلامية والتسويقية والقنوات الفضائية إلى الإمبراطور الجديد “إيغل كابيتال” التي تضم: صحيفة “اليوم السابع” وشبكة قنوات ON التي تضم قنوات “ON E وON Live وON Sport وON Drama“، إلى جانب جريدة “صوت الأمة” والموقع الإخباري “دوت مصر” وجريدة “عين” وموقع “انفراد”، فضلًا عن مجلة “إيجيبت توداي”، ومجلة “بيزنس توداي”، بالإضافة إلى “بريزنتيشن سبورت” وشركة “مصر للسينما” وهي متخصصة في الإنتاج السينمائي ومملوكة مناصفة بين مجموعة إعلام المصريين، وكذلك شركة “سينرجي” للإنتاج والإعلان، فضلًا عن شركة “POD” المتخصصة في العلاقات العامة، وكذلك شركة “هاشتاج”، و”سبيد”،”إيجيبشيان أوت دور” المتخصصة في إعلانات الطرق، و”داينو”، “أي فلاي”.

وهكذا وقبيل الانتخابات الرئاسية القادمة يسعى السيسي إلى الترويج لنظامه داخليًا عبر العزف على ما يسمى بأوتار الإنجازات التي قام بها خلال الفترة الرئاسية الأولى في محاولة لتعبيد الطريق أمامه وشيطنة المعارضة بشتى أنواعها من جانب، وتقديم أوراق الاعتماد خارجيًا من خلال الرضوخ لإملاءات واشنطن وتل أبيب كونهما أحد أسباب استتباب وترسيخ أركان نظامه من جانب آخر، ليجد في الإعلام عصا موسى التي تساعده في تمرير تلك السياسات والتي لا يمكن الاستغناء عنها مطلقًا، يقينًا منه أن الاقتراب منها قد يهدد مستقبله السياسي بل وحياته أيضًا.