“ما لم نغير أديس أبابا، لا يمكننا جلب الكثير من الثروة الأجنبية كما نرغب”، هكذا نقلت مجلة ذي إيكونوميست عن خطط ورؤية رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، في وقت سابق، مشيرةً إلى أنه يحلم بأن تكون عاصمة بلاده مدينةً للسياحة والتكنولوجيا، والمتنزهات الكبرى والقصور والمتاحف، في بلد يعاني أكثر أهله من الفقر والحروب والنزوح.
المجلة البريطانية أوضحت أن الأسابيع الأخيرة شهدت هدم عدد لا يحصى من المباني في منطقة بياسا العريقة في أديس أبابا بعضها يعود تاريخه إلى قرن من الزمان، وذلك لأجل مخطط عمراني كبير يعرف باسم “مشروع تطوير ممر أديس أبابا”.
والمراقب لوسائل التواصل الاجتماعي في إثيوبيا يجد أن العديد من المواطنين الإثيوبيين وخاصة سكان العاصمة أديس أبابا عبروا عن عميق حزنهم من عمليات الهدم والإزالة التي طالت المنطقة المعروفة بعراقتها، ما أدى إلى تغييرات جذرية في المنطقة التي تتمتع بمكانة خاصة لدى الإثيوبيين صغارهم وكبارهم على حد سواء.
Exhibition about ongoing demolition of more than 100 yrs old buildings in Addis A that have resulted in the “destruction of the soul of the city,” as described by Dr. Di NunzioAso prof of Urban Anthropology
Arada-Piassa Fighting from a Grave https://t.co/xzFR3KZo0T via @zborkena
— Yared Haile-Meskel (@YaredHM) May 9, 2024
ليس أدل على تلك المكانة التي حظيت بها بياسا أن العديد من الأعمال الدرامية والأغاني والروايات قد خصصت لها، وقد استمد منها الكاتب محمد سلمان عنوان ومضمون كتابه الذي صدر قبل فترة “انتظريني في محل محمود للموسيقى”، ومحل محمود للموسيقى كان أحد أبرز معالم بياسا واشتهر بكونه ملتقى العشاق والمحبين.
أول مسرح وأول فندق وأول بنك في إثيوبيا
في 181 صفحة يتحدث الكاتب عن ذكرياته في بياسا، موضحًا أنه يوجد فيها أول فندق في إثيوبيا (فندق تايتو)، وأول بنك (أبيسينيا)، وأول قاعة سينما، وأول مسرح (هاغير فيكير)، وأول مقهى يقدم الكعك والعديد من الأنشطة الحديثة الأخرى.
ورغم أنّ الكتاب في الأساس عبارة عن تجميع لمقالات الكاتب التي نشرها سابقًا في صحيفة “أديس نيجر” باللغة الأمهرية، فإنّه يصف منطقة بياسا من الداخل إلى الخارج، بشكل جيد لكل القراء حتى الذين لم تسنح لهم الفرصة لزيارة إحدى أقدم مناطق أديس أبابا.
“أديس أبابا تتغير بشكل جذري. إذا ذهبنا إلى أرات كيلو وبياسا والعديد من المناطق الأخرى، نجد أنه يتم هدم المنازل لأغراض (التنمية). أعتقد أنه سيتعين علينا إخبار أطفالنا كيف عشنا بالفعل”، كتب محمد سلمان.
ويتحدث سلمان في كتابه عن القضايا المسكوت عنها مثل التحرش الجنسي في حافلات المدينة والتشرد وأعمال التدليك والدعارة وكيف أن الكثير من السكان يعانون من الفقر والإحباط.
شهود على عهد الاستعمار الإيطالي
ليس من المستغرب أن تستحوذ عمليات الهدم والتغييرات التي تشهدها بياسا على نقاشات المواطنين الإثيوبيين وزوار إثيوبيا، فكما ذكرنا في تقريرٍ سابقٍ لـ”نون بوست” أن بياسا ظلت القلب النابض للعاصمة أديس أبابا، وازدهرت كمركز للثقافة والحضارة باحتضانها أبرز المعالم التراثية والتاريخية لواحدة من أكثر عواصم القارة السمراء نفوذًا، كما تتميز بمبانيها الأثرية العريقة التي تعود إلى عهد الاستعمار الإيطالي القصير لإثيوبيا (1936 – 1941).
وإلى جانب المعالم التاريخية كانت بياسا تعج بالمتاجر ومراكز التسوق والكافيهات الحديثة والقديمة، وفيها يوجد سوق الذهب وكبرى الشركات والكليات الجامعية، فهي تتوسط أديس أبابا وإليها تنتهي معظم خطوط المواصلات العامة فترتبط بكل أحياء العاصمة بالحافلات الكبيرة وسيارات الأجرة، إلى جانب القطار الكهربائي (المترو)، وبالقرب منها يقع أيضًا سوق ماركاتو، وهو أكبر سوق مفتوح في القارة السمراء.
في الأسابيع الماضية دمرت الجرافات العملاقة العديد من المواقع التجارية والأثرية في بياسا التي كانت صاخبة بالحياة، من أول وأشهر مقهى يقدم حلوى البقلاوة في إثيوبيا إلى متاجر المجوهرات والملابس والأحذية.
11 ألف مواطن فقدوا منازلهم في بياسا
أجزاء كثيرة من الحي الكبير النابض بالحياة بما في ذلك منازل المواطنين، أصبحت أكوامًا من الأنقاض والتراب، وفي كثير من الأحيان لم يتم إخطار السكان المحليين بمغادرة منازلهم أو أعمالهم التجارية، إذ تشير التقديرات إلى أنّ نحو 11 ألف مواطن فقدوا منازلهم في بياسا، وفقًا لمجلة ذي إيكونوميست.
أبراهام كاحساي يروي قصته لـ”نون بوست” موضحًا أنه تم هدم العديد من المنازل في بياسا وأرادا المجاورة، وقال إنه وعائلته يواجهون خطر الطرد دون تعويض بسبب عدم كفاية وثائق الملكية، رغم أنّ والديه اشتريا قطعة الأرض التي بُنى عليها منزله بشكل قانوني، مبديًا قلقه من إمكانية هدم المنزل في أي وقت دون الحصول على تعويض مناسب.
وأضاف قائلًا “نحن نشأنا وترعرعنا في بياسا، كنا نرى الناس وهم يتجمعون كل يوم في طوابير منظّمة أمام حافلات النقل الجماعي وأمام أجهزة الصراف الآلي والمقار الحكومية، واعتدنا مشاهدة آلاف المتسوقين يجولون في أروقة بياسا، ومشاهدة الأزواج يتسوقون لشراء الفضة والذهب، ويجلسون في المقاهي لتناول الشاي والقهوة. لكن الآن، كل ما تبقى هو ذكرياتنا وبقايا ماضينا”.
ويستطرد كاحساي لافتًا إلى أنّ إدارة مدينة أديس أبابا شرعت في الهدم الكامل للمباني دون اعتبار لقيمتها التاريخية والتراثية والعاطفية لملايين الإثيوبيين، وأنه كان من الممكن أن تنتقل تلك المباني إلى الأجيال القادمة كجزء من تراث أديس أبابا.
واختتم حديثه لـ”نون بوست” قائلًا إن مشاعر اليأس تتملكهم وهم يشاهدون تدمير المنطقة بذريعة التحديث والتطوير من دون أن يكون لديهم القدرة على المقاومة أو الاحتجاج، فقط الصمت والحسرة.
أزب (اسم مستعار) قالت إنها انتقلت رفقة أطفالها الثلاث إلى منزل أحد أقاربها في أطراف أديس أبابا، بعد أن هدمت السلطات منزلها في بياسا الذي عاشت فيه منذ 27 عامًا.
وأضافت لـ”نون بوست” أن حيها في يوم من الأيام كان معلمًا نابضًا بالحياة والتاريخ، بناه الإيطاليون خلال السنوات الأولى التي سبقت الحرب العالمية الثانية، واحتفظ بمعالمه ومبانيه الأثرية حتى بداية عمليات الهدم أواخر مارس/آذار الماضي.
ولفتت الشابة الإثيوبية إلى أنها عاينت البناية التي خصصتها إدارة المدينة لها ولنحو 50 أسرة من سكان الحي، ففوجئت بأنّ البناية لم تكتمل بعد، أي أنها غير صالحة للسكن حاليًا، موضحة أنها محظوظة لأنّ لديها عائلة استضافتها مؤقتًا وهو ما لم يتوافر لكثير من المتضررين، فبعضهم اضطر لاستئجار مساكن بأسعار باهظة والبعض الآخر مشرد لا يدري إلى أين يذهب.
واستطردت “بالنسبة للحكومة يبدو الأمر كأننا مجرد سكان فقراء يشغلون منطقة حيوية، لكنها بالنسبة لنا موطن وتراث وجيران عشنا مع بعضنا البعض لسنوات طويلة. نجد عزاءنا بعد عمليات الهدم في الحفاظ على ذكرياتنا وثقافتنا بالصور الفوتوغرافية والأغاني.. هذا هو ملاذنا الأخير”.
مخطط تطوير ممر أديس أبابا
المشهد الحضري لأديس أبابا كان حتى وقت قريب فريدًا من نوعه، ذلك لأنّ الأحياء الفقيرة تنتشر في جميع أنحاء المدينة، وتتغلغل حتى وسط الأحياء الأكثر ازدهارًا، فمثلًا حي كازانشيس الشعبي هو في حد ذاته جزء من منطقة “كيركوس” التي تحيط بميدان مسكل، ويشتهر الأخير بالأبراج السكنية العالية التي تحيط به من كل الاتجاهات فضلًا عن الفنادق الراقية والمطاعم العالمية ومقار البعثات مثل “اللجنة الاقتصادية لإفريقيا” والعديد من السفارات الأجنبية.
إلا أنّ السنوات الأخيرة شهدت إطلاق الحكومة الإثيوبية مخططًا لتحديث العاصمة أديس أبابا يتضمّن إفراغ وسط المدينة (بما في ذلك بياسا) من السكان والمتاجر التقليدية بإزالة كل المباني القديمة وطرح الأراضي في مزادات لمشروع البنية التحتية بهدف تحويلها إلى منطقة استثمارية ومجمعات تجارية ضخمة.
والذي يلقي نظرة على مواقع التواصل الاجتماعي في إثيوبيا يجد النقاش محتدمًا في قضية الساعة.. التغييرات التي طرأت على أديس أبابا وخاصة منطقة بياسا بعد عمليات الهدم بين معارض ومؤيد، فيما يتحدث بعض السكان بحسرة عن الأضرار التي وقعت عليهم جراء ضيق فترة الإخطار ما قبل إزالة البنايات وضعف التعويض الذي مُنح لهم أو عدم جاهزية المباني الجديدة التي يفترض أن ينتقلوا إليها.
يروي الخير النور كردي، مدون سوداني مهتم بالتاريخ والحضارة الإثيوبية، لـ”نون بوست” كيف أنّ العاصمة الإثيوبية شهدت طفرة حضرية كبيرة خلال العقود الأخيرة مقارنة بما كانت عليه إبّان حكم الرئيس الديكتاتوري منغستو هيلا مريام (1974 – 1991).
ويوضح النور أنه يتذكر تمامًا كيف أنّ معظم المباني في شارع بولي المتفرع من مطار أديس أبابا كانت في الثمانينيات عبارة عن أكواخ صغيرة من الصفيح، وهو ما لا يليق ببلد ذي مكانة مثل إثيوبيا، مضيفًا أن النهضة التي شهدتها العاصمة الإثيوبية لاحقًا أمر رائع وتحسب للحكومات المتعاقبة بعد سقوط نظام منغستو.
جادة بياسا.. قلب أديس أبابا المفعم بروح الشباب وحكايا التاريخ
وبشأن منطقة بياسا يقول محدثنا إنه سمع بها آنذاك عندما كان والده يعاني من أمراض الكلي، فأشار إليه الأطباء في السودان بالسفر إلى أديس أبابا لمقابلة اختصاصي إثيوبي مشهور في أمراض الكلى كان يتخذ من بياسا مقرًا لعيادته، مشيرًا إلى أن المرضى كانوا يأتون لعيادة الطبيب من شتى أنحاء العالم، لكن شاءت إرادة المولى أن يتوفى والده قبل سفره بيومين.
وحكى النور أنه في العام التالي (مطلع الثمانينات) أتيحت له الفرصة لزيارة بياسا فوجدها منطقة عامرة بالتجار اليمنيين واليونانيين والهنود إضافة إلى مواطني الدول الاشتراكية مثل ليبيا وروسيا وكوبا، أشار كذلك إلى أنه ورفاقه التقوا في بياسا بتاجر سوداني معروف اسمه محمد علي تعود أصوله إلى مدنية كسلا شرقي السودان، رحّب بهم وقدّم لهم كل ما يحتاجون إليه من مساعدة.
وقال لـ”نون بوست” إنه وأصدقاءه كانوا يأتون إلى بياسا يوميًا، خلال الثمانينيات والتسعينيات وكانت تشتهر بالسينما ومسرح هاغير فيكير ومتاجر الأحذية الراقية والملبوسات الجميلة والمقاهي والحانات التي يتجمع فيها الشباب.
كما يتذكر أن الإيطاليين وخاصة تاجر يدعى “توموكا” سيطروا على سوق البن، مشيرًا إلى أنّ المذكور كان يمتلك أضخم شركة لإنتاج البن تحمل اسمه وكان المعرض الرئيسي لمبيعات الشركة يقع في مبنى عريق تحفه أشجار البن بالقرب من شارع تشرشل وسط بياسا.
جدير بالذكر أن شركة توموكا لا تزال موجودة حتى اليوم وتعد من أشهر شركات البن الإثيوبي ومن أكثرها استحوذًا على سوق القهوة داخل البلاد وخارجها، إذ تشحن وتصدر أجود أنواع البن إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين.
وبالعودة إلى التغييرات الأخيرة التي جرت في منطقة بياسا، لفت الكاتب أبرها سقاي إلى أن هناك العديد من الإيجابيات التي يتجاهلها الإعلام، بحسب تعبيره، مثل افتتاح متحف عدوة التذكاري في بياسا، لتخليد الانتصار الذي حققه الإثيوبيون على الجيش الإيطالي بعد 128 عامًا من المعركة الشهيرة.
إنشاء مدينة عصرية
أشار لـ”نون بوست” إلى أن المواقع الأثرية في المنطقة لا تزال موجودة ومحمية مثل كاتدرائية القديس جورج ونصب الإمبراطور منليك الثاني، موضحًا أن المتحف يضم 8 بوابات كل باب منها يمثل تعبيرًا تاريخيًا عن إنجازات ومكانة القادة العسكريين والوطنيين، وفي مقدمتهم الإمبراطور منليك الثاني وزوجته الإمبراطورة تايتو بيتول وقائد المعركة الراس ألولا أبا نغا، إلى جانب ما احتواه المتحف من وثائق ومرفقات ملكية وآثار المعركة التاريخية.
وأضاف سقاي أن التغييرات تأتي ضمن برنامج التنمية السكنية المتكاملة، لافتًا إلى أن الحكومة الإثيوبية أطلقت هذا المخطط للتخفيف من التوسع في الإسكان غير الرسمي وتوفير السكن الرسمي للأعداد المتزايدة من السكان، وقد استهدف هذا المخطط الجديد المناطق الحضرية غير النظامية بإزالة الأحياء القديمة وتقديم بدائل وحدات سكنية مناسِبة للمتضررين من عمليات الإزالة.
“تهدف خطة تطوير ممر أديس أبابا إلى إنشاء مدينة عصرية متكاملة، بما في ذلك مشروعات لبناء طرق للدراجات وممرات واسعة للمشاة وطرق أفضل لتخفيف الضغط على المواصلات وازدحامات الطرق، كما تهدف إلى إنشاء متنزهات ومكتبات ومساكن إضافية لتحسين جودة الحياة في المدينة بما في ذلك تحديث أنظمة الصرف الصحي القديمة” حسبما قال أبرها سقاي.
رئيس الوزراء يحلم بتحويل أديس أبابا إلى دبي شرق إفريقيا
غير أن إسحاق (اسم مستعار) يعارض ما ذكره سقاي حول مخطط تطوير أديس أبابا وعمليات الهدم، قائلًا إنّ رئيس الوزراء آبي أحمد منفصل عن الواقع ومهووس بتحويل أديس أبابا إلى “دبي شرق إفريقيا”، من دون أن يأخذ في الاعتبار الفروقات الهائلة بين المدينتين، بحسب وصف محدثنا.
أضاف الأكاديمي الإثيوبي لـ”نون بوست” – اشترط عدم ذكر اسمه لمخاوف أمنية – أن سكان أديس أبابا الذين يقدر عددهم بـ6 ملايين نسمة معظمهم يعانون من الفقر المدقع وارتفاع معدل التضخم ونقص الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم، فيما يخطط رئيس الوزراء لتشييد قصر إمبراطوري يكلف 10 مليارات دولار.
وقال: “لا يوجد مبرر لإهدار الأموال العامة في مشروعات تتسبب في الإجلاء القسري للمواطنين والإضرار بالتراث والتاريخ والممتلكات العامة”، مستطردًا أن العديد من المشروعات غير الضرورية تم إنشاؤها مؤخرًا مثل متحف العلوم والتكنولوجيا ومتنزه الصداقة، ومن غير الواضح كيف ومن أين أتت الأموال أو كيف جرى إنفاقها.
واختتم إسحاق حديثه لـ”نون بوست” قائلًا: “في الوقت الذي يكافح الناس من أجل البقاء على قيد الحياة ويعتمدون على المساعدات الغذائية الخارجية بسبب فوضى الصراعات المشتعلة في أمهرة وأوروميا وفي تيغراي، يقوم رئيس الوزراء بإطلاق مشروعات وهمية ويخطط لبناء قصر رئاسي بتكلفة تبلغ أضعاف تكلفة المجمع الرئاسي في أنقرة، الذي كلف 1.2 مليار دولار، كيف يمكن تبرير ذلك لدولة فقيرة مثل إثيوبيا؟ حتى إن كان التمويل سيأتي من أصدقاء رئيس الوزراء مثل دولة الإمارات”.
أما المدون السوداني الخير النور فعبر عن سعادته بمشروعات التنمية والتطوير في إثيوبيا لارتباطه الاجتماعي القوي بهذا البلد نسبة لزواجه من مواطنة إثيوبية، لكنّه يعتقد أن قرار هدم منطقة بياسا بهذا الشكل لم يكن موفقًا، فهو يعتبر بياسا روح أديس أبابا ومركز حضارتها وتاريخها منذ تأسيس العاصمة على يد الإمبراطور منليك وظلّت كذلك في مختلف العهود التي مرت على البلاد.
وقال إن أديس أبابا خلال الـ20 عامًا الأخيرة شهدت نهضة عمرانية هائلة ودخلتها رؤوس أموال هائلة للاستثمار في الزراعة والصناعة والتطوير العقاري، ما فتح شهية صانع القرار إلى التفكير في هدم بياسا وإزالة مبانيها لطرحها على المستثمرين وهو ما يعتقد محدثنا أنه كان قرارًا غير سليم، إذ كان من الأفضل أن تحافظ الدولة على هذا الإرث والمباني التاريخية مع إصلاح وترميم الأماكن التي تحتاج إلى ذلك، بحسب وصفه.
مخطط تطوير أديس أبابا عبارة عن مشروع تجاري
تساءل الخير النور في معرض حديثه لـ”نون بوست” عن سبب عدم تخصيص الحكومة وإدارة المدينة أي منطقة أخرى للمستثمرين؟ مشيرًا في هذا الصدد إلى وجود مساحات شاسعة في أديس أبابا يمكن الاستفادة منها وتطويرها.
وأبدى مخاوفه من أن يُنهي مخطط التطوير – الذي يصفه بـ”المشروع التجاري” – تاريخ بياسا وذكريات سكانها الذين عاشوا في سلام ومحبة وتكاتف لسنوات طويلة رغم اختلاف الطبقات الاجتماعية، لافتًا إلى رمزية المنطقة وقربها من سوق ماركاتو المفتوح وجبل إنطوطو الذي من فوق قمته يتمكن المرء من مشاهدة أديس أبابا وتحديدًا بياسا.
ما كان في الذاكرة وما لم ولن تمحه الخواطر والذكريات هي بياسا العراقة ومقاهيها القديمة ومبانيها التي تعود لحقبٍ قديمةٍ مبنية من اللّبن والخشب والزنك والحجارة مع استخدام الخشب القديم الذي كان يتم إحضاره من مناطق بعيدة لقصور قادة الجيش والحكومة في فترة الإمبراطور منليك الثاني وهيلي سيلاسي الأول، وفقًا لما كتبه الصحفي الإثيوبي أنور إبراهيم الذي سأل قائلًا: هل سيظل الاسم التاريخي (بياسا) أم سيتم تغييره مستقبلًا بعد أن فقدت بريقها وكل محتوياتها؟
أخيرًا، من المؤكد أن بياسا التي عرفها الإثيوبيون وكانوا يعتزون بها لم تعد كما كانت، وكل مقيم في أديس أبابا أو زائر لها سيمر على ذهنه ليس فقط ذكرياته الشخصية في بياسا، لكن أيضًا ذكريات الشعب الإثيوبي، فوسط معالمها التاريخية، كانت ساحة بياسا عالمًا آخر بزحامها والباعة الجائلين ومتاجرها ومقاهيها العتيقة وباراتها الصغيرة وشارع الجزارين الذي قِيل لي إنه تم إزالته بالكامل بعد أنّ كان مليئًا بالمطاعم المتخصصة في تقديم اللحوم الطازجة.