أعلنت لجنة الانتخابات في ليبيريا نهاية شهر ديسمبر 2017 فوز نجم الكرة العالمية السابق جورج ويا ومرشح التحالف من أجل التغيير الديمقراطي بحصوله على 61.5%، متغلبًا بذلك على منافسه جوزيف بواكاي الذي حصل بدوره على 38.5% من مجموع الأصوات المفرزة، وفي هذا المقال سنعرج على أبرز الحيثيات لترشح وفوز جورج ويا والدروس المستفادة.
أولاً: بطاقة فنية عن ليبيريا
جمهورية ليبيريا بلد يقع في غرب قارة إفريقيا تحدها كوت ديفوار من الشرق وسيراليون من الغرب وغينيا من الشمال، بينما يطل جزؤها الجنوبي الغربي على المحيط الأطلسي، تبلغ مساحة ليبيريا 111.369 كيلومتر مربع ويبلغ عدد سكانها نحو 3.7 مليون نسمة، وتعد اللغة الإنجليزية اللغة الرسمية البلاد، مع وجود لغات محلية شأنها شأن بقية الدول الإفريقية.
تعد ليبيريا من أكبر الدول الإفريقية إنتاجًا للحديد، كما أنها تعد بلدًا زراعيًا، حيث يعمل نحو 70% من السكان بقطاع الزراعة، وقد تميز الاقتصاد الليبيري بالهشاشة فهو مبني أساسًا على المساعدات الخارجية
يعود أصل تسمية البلاد بليبيريا من كلمة ليبرتي التي تعني الحرية، أما في السياق التاريخي فقد نشأت ليبيريا عام 1821 عقب قدوم العبيد المحررين من الولايات المتحدة الذين استوطنوا فيها وأعلنوا جمهوريتهم المستقلة سنة 1874، هذه الأقلية الأفروأمريكية التي عمدت إلى احتكار السلطة وتجاهل حقوق السكان المحليين وأسست لدستور جائر ميز بين الطبقة الأفروأمريكية والسكان الأصليين الذين تم منعهم من حقوقهم السياسية والاقتصادية وهو ما كرس لنظام عنصري.
فقد أدت التركيبة الاجتماعية المتعددة إثنيًا ولغويًا ودينيًا لاحقًا إلى صراعات سياسية وحروب أهلية تورطت فيها حتى دول مجاورة دفعت بجمهورية ليبيريا إلى حافة انهيار الدولة، واستمر ذلك 14 عامًا من 1989 إلى 2003، وعانت ليبيريا مؤخرًا، من عواقب أزمة الإيبولا في الفترة الممتدة من 2013 إلى 2015 التي أودت بحياة أكثر من أربعة آلاف شخص على مستوى البلاد.
تعد ليبيريا من أكبر الدول الإفريقية إنتاجًا للحديد، كما أنها تعد بلدًا زراعيًا، حيث يعمل نحو 70% من السكان بقطاع الزراعة، وقد تميز الاقتصاد الليبيري بالهشاشة فهو مبني أساسًا على المساعدات الخارجية.
ثانيًا: المسار السياسي لجورج ويا
جورج مانيه أوسمان ويا “George Manneh Oppong Ousman Weah”، نجم كرة القدم السابق ورئيس جمهورية ليبيريا الحاليّ، من مواليد 1 من أكتوبر 1961 بالعاصمة الليبيرية مونروفيا، بدأت مسيرته الرياضية عام 1981 فهو من أشهر لاعبي القارة السمراء، حيث فاز بجائزة أفضل لاعب إفريقي أعوام 1989 و1994 و1995، إضافة إلى جائزة أفضل لاعب في أوروبا عام 1995، ليكون أول إفريقي يفوز بهذه الجائزة، وفاز ويا بجائزة أفضل لاعب في العالم موسم 1995، ليكون أول إفريقي يفوز بهذا اللقب، ولعب 60 مباراة دولية مع منتخب بلاده.
أما مساره السياسي فبدأ بعد نهاية الحرب الأهلية الثانية في ليبيريا، حين أعلن نيته للترشح للرئاسة في انتخابات 2005، وعلى الرغم من شهرته الكبيرة واحترافه كرة القدم، فقد اعتبره السياسيون هاويًا في هذا المجال ولم ينجح نجم الميلان السابق في هذه الانتخابات، إلا أنه واصل نضاله وعمل على تحسين صورته باستمرار واشترك عام 2014 في انتخابات الكونغرس، وهزم روبرت سيرليف ابن الرئيس سيرليف بنسبة 78% من مجموع الأصوات.
أعلنت لجنة الانتخابات في 28 من ديسمبر 2017 فوز مرشح الائتلاف من أجل التغيير الديمقراطي بحصوله على 61.5% من الأصوات، في حين حصل بواكاي (73 عامًا) على 38.5% بعد فرز نحو 98% من الأصوات
أعلن ويا في أبريل 2016 نيته الترشح لانتخابات 2017 أمام الآلاف من مؤيديه في مقر حزب التحالف من أجل التغيير الديمقراطي قائلاً: “سمعت آهات شعبنا وشاهدت محنتهم، فإنني أعلن أمامكم مواطني بلدي وأمام الله أنني سأخوض السباق الرئاسي في بلدنا المحبوب في الانتخابات العامة في 2017″، ومن ثم بدأت رحلة الدولي الليبيري السابق للظفر بكرسي الرئاسة، فقد انتصر في 10 من أكتوبر 2017 في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية بنسبة 38.4% من الأصوات أمام نائب الرئيس جوزيف بواكي وقد لوحظ في هذه الجولة مدى ثقة ويا في نفسه وفي الشعب الليبيري للتصويت له، حين صرح في أثناء أداء واجبه الانتخابي وسط حشد من مؤيديه “إنه يوم تاريخي وأعرف أنني سأفوز”.
وفعلاً ذلك ما تحقق، فقد أعلنت لجنة الانتخابات في 28 من ديسمبر 2017 فوز مرشح الائتلاف من أجل التغيير الديمقراطي بحصوله على 61.5% من الأصوات، في حين حصل بواكاي (73 عامًا) على 38.5% بعد فرز نحو 98% من الأصوات، وقد تلقى ويا عشية فوزه العديد من التهاني من رفقاء دربه في مجال كرة القدم وقادة الدول على غرار تهنئة ناديه السابق باريس سان جيرمان الرياضي في تغريدته على تويتر: “نتمنى الأفضل لأسطورة الأحمر والأزرق، تهانينا لجورج ويا الذي أصبح الرئيس الجديد لليبيريا”.
ووجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تهانيه إلى ويا وإلى الشعب الليبيري على “رحلتهم نحو السلام والمصالحة”، كما أظهر اللاعب الإيفواري ديدييه دروغبا دعمه الخالص لرئيس ليبيريا الجديد قبل وبعد فوزه بالانتخابات.
ثالثًا: ماذا بعد الفوز؟
لا شك أن فوز جورج ويا يعد إنجازًا تاريخيًا لنجم الكرة، إلا أنه يحمل في طياته عملاً وصعوبات كبيرة ستلقاه مستقبلاً، فما يميز ويا عن الرؤساء السابقين أنه مشهور حتى قبل توليه المنصب، كما أن الآمال المعلقة عليه بين أوساط شعبه في تحسين الأوضاع الإجتماعية والأمنية وتوحيد الشعب الليبيري بعد عقود من الحروب والأزمات ستجعله أمام تحديات كثيرة دون أدنى شك.
كما أن الكثير من الجماهير الليبيرية تأمل في بداية مرحلة التنمية والإعمار ومحاربة الفساد المتفشي وإنهاء حقبة الفقر وتلقي المساعدات الخارجية، أما في السياسة الخارجية فقد أظهر ويا إرادته في المساهمة في التنمية الإفريقية من خلال تغريدات له على تويتر ركز فيها على هذا الجانب، وقد تلعب سمعة اللاعب الدولية دورها في الارتقاء بصورة ليبيريا عالميًا بشكل مباشر أو غير مباشر وخلق سياسات اقتصادية وتجارية مستقطبة للاستثمار وهو ما قد ينعكس بالإيجاب على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية ومنه إلى دفع عجلة التنمية الشاملة في ليبيريا.
رابعًا: دروس مستفادة من فوز جورج ويا
إن نجاح الاستحقاق الانتخابي في ليبيريا بحد ذاته إنجاز في دولة إفريقية لم تتركها الأزمات والنزاعات لوهلة في تاريخها، فقد أشادت كل من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بالأجواء السلمية للاقتراع في ليبيريا، حيث إنه يمثل أول انتقال ديمقراطي للسلطة في ليبيريا منذ عام 1944، ولا بد أن ذلك يعود إلى عدة أسباب أولها رغبة الشعب في التغيير بطريقة سلمية بعيدًا عن العنف، فالانتخابات أداة من أدوات تفعيل الديمقراطية وأدت دورها في انتقال السلطة في النموذج الليبيري.
وما يجب الإشارة إليه في التحليل هو الدور البارز الذي يلعبه توجه النخبة بميادين تخصصاتها كافة نحو العمل السياسي في التحول الديمقراطي، فالنخبة تملك من القدرة ما يسمح لها بالإقناع والتغيير نحو الأفضل بحكم موقعها في المجتمع وامتلاكها الوعاء الجماهيري القادر على التغيير ومواجهة مختلف التحديات، فيمكنك توقع السيناريو الذي كان سيحدث لو لم ينخرط جورج ويا في العمل السياسي ولو لم يناضل باستمرار من أجل التغيير خاصة في بلد إفريقي يعاني هشاشة البنية المؤسساتية الاجتماعية والاقتصادية، وبالتالي فدور النخبة له قدر من الأهمية في تحقيق الانتقال الديمقراطي خاصة إن توافرت الشروط اللازمة لذلك ولعل نموذج جورج ويا أبرز دليل على ذلك.