دعت الهيئة الوطنية للانتخابات (المسؤولة عن الإشراف على انتخابات الرئاسة 2018)، أمس الإثنين الـ9 من يناير/كانون الثاني، المصريين إلى التصويت في انتخابات رئاسة الجمهورية القادمة والمقرر إجراؤها في الفترة من فبراير/شباط وحتى الأول من مايو/أيار القادم.
الجدول الزمني الذي كشفت الهيئة عن تفاصيله يشير إلى بدء عملية التصويت للمصريين في الخارج في الفترة من 16 وحتى 18 من مارس/آذار، فيما تحددت الفترة من 26 حتى 28 من نفس الشهر للمواطنين في الداخل، على أن تعلن النتيجة النهائية بعد مرحلة الإعادة في 1 من مايو/آيار.
إعلان الهيئة المخولة بالإشراف على الانتخابات الرئاسية القادمة في مصر جاء بعد ساعات قليلة من تسريبات كشفت ضغوطًا مارستها السلطات المصرية ضد الفريق أحمد شفيق الذي أعلن ترشحه من الإمارات لإجباره على الانسحاب وهو ما حدث بالفعل، مما أثار الكثير من التساؤلات عن نزاهة الانتخابات القادمة خاصة في ظل ما يعتري جدولها المعلن من علامات استفهام غير مفهومة وإن كان الإجابة عنها لا يحتاج إلى جهد أو عناء.
10 أيام للترشح و28 للدعاية و3 للتصويت
تضمنت الخطة الزمنية لانتخابات 2018 التي أعلنتها الهيئة الوطنية للانتخابات، برئاسة المستشار لاشين إبراهيم، 32 بندًا موزعين على 4 أشهر تقريبًا، بدءًا بدعوة الناخبين أمس الإثنين للتصويت وإعلان رسميًا بدء إجراءات الانتخابات الرئاسية على أن يبدأ تلقي طلبات الترشح في الفترة الممتدة من 20 إلى 29 من يناير/كانون الثاني، لتعلن القائمة المبدئية لأسماء المرشحين في 31 من نفس الشهر.
وبحسب ما نشرته الجريدة الرسمية يبدأ تلقي اعتراضات المرشحين على القائمة المبدئية خلال يومي 1 و2 من فبراير/شباط القادم، ليتم فحصها والفصل فيها في الخامس من نفس الشهر، على أن يتم إخطار المرشح المستبعد بقرار استبعاده وأسبابه في اليوم التالي مباشرة أي السادس منه، على أن يكون آخر موعد لسحب طلبات الترشح واختيار المرشحين طبقًا للرموز التي تحدد تبعًا لأسبقية تقديم طلبات الترشح وذلك في 22 من فبراير/شباط.
وفي الـ24 من نفس الشهر تعلن القائمة النهائية للمرشحين، لتبدأ الحملة الانتخابية لكل مرشح والمقرر لها من 24 من فبراير/شباط وحتى 23 من مارس/آذار ولمدة 28 يومًا، على أن يكون آخر موعد للتنازل خلال 15 يومًا قبل الاقتراع أي في الأول من مارس/آذار.
المهلة القصيرة لاستيفاء أوراق الترشح أثارت حفيظة الكثير من المراقبين للمشهد السياسي المصري، فليس من المنطقي في الظروف الحاليّة أن يستطيع المرشح الحصول على 20 ألف توكيل في مدة عشرة أيام
خلال الأيام الثلاث 16 و17 و18 من مارس/آذار تجرى العملية الانتخابية للمصريين المقيمين في الخارج، بينما في الداخل فتجرى خلال 26 و27 و28 من نفس الشهر، لتنتهي عملية الفرز في اليوم التالي مباشرة 29، وفي الـ30 تبدأ عملية تلقي الطعون للبت فيها في 31 من مارس/آذار و1 من أبريل/نيسان، لتعلن وبصورة رسمية نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الإثنين الموافق 2 من أبريل/نيسان 2018.
في اليومين التاليين لإعلان نتيجة المرحلة الأولى من الانتخابات يبدأ تقديم الطعون للمحكمة الإدارية ليفصل فيها بصورة رسمية خلال عشرة أيام في الفترة من 5 إلى 14 من أبريل/نيسان، لتنطلق بعدها الحملات الدعائية للمرشحين المتنافسين في مرحلة الإعادة.
تجرى انتخابات الإعادة في الأيام 24 و25 و26 من نفس الشهر، على أن تنتهي عملية الفرز في الـ27، وبعدها بيوم واحد فقط يتم تقديم الطعون والبت فيها يومي 29 و30 لتعلن النتيجة النهائية رسميًا في الأول من مايو/آيار 2018.
https://www.youtube.com/watch?v=4ajANqQ9FcQ
جدلية الأيام العشر
بعيدًا عن العديد من التفاصيل المتعلقة بسير العملية الانتخابية برمتها غير أن مهلة الأيام العشرة التي حددتها الهيئة الوطنية للانتخابات لتقديم أوراق الترشح أثارت الكثير من الجدل والتساؤلات خاصة أنها لا تتناسب مطلقًا مع المتطلبات التي يجب الوفاء بها كشرط أساسي لصحة عملية الترشح.
وبحسب الجدول الزمني فإن كل من يفكر أن يخوض العملية الانتخابية عليه خلال الفترة من 20 إلى 29 من يناير/كانون الثاني الحاليّ التقدم بالمستندات اللازمة لذلك ومن بينها جمع توكيلات من 25 ألف مواطن على الأقل من 15 محافظة بحد أدنى ألف توكيل من المحافظة الواحدة أو تزكية من 20 برلمانيًا على أدنى تقدير.
هذه المهلة القصيرة أثارت حفيظة الكثير من المراقبين للمشهد السياسي المصري، فليس من المنطقي في الظروف الحاليّة أن يستطيع المرشح الحصول على 20 ألف توكيل في مدة عشرة أيام، بما يعادل 2000 توكيل في اليوم الواحد، فهذا بحاجة إلى حملة انتخابية ضخمة العدد والتمويل وتعاون كامل من موظفي الشهر العقاري.
هذه الصعوبات دفعت البعض إلى اتهام السلطات الحاليّة بوجود نية مبيتة لـ”تعجيز” المرشحين – حال إن وجدوا في الأساس – ومن ثم يبقى الرئيس الحاليّ عبد الفتاح السيسي، وحده فريدًا في المضمار الانتخابي أو على الأقل يتم الدفع بمرشح آخر “كومبارس” توافق عليه أجهزة الدولة ومن ثم تسخر له الطريق لاستيفاء أوراق الترشح وعلى رأسها تزكية البرلمانيين وهذه ليست معضلة خاصة أن الغالبية العظمى من النواب مأمورون بأوامر النظام ومنتهون بنهيه.
وبعقد مقارنة سريعة بين المهلة التي أقرتها الهيئة الوطنية للانتخابات 2018 وبين نظيرتها 2012 يلاحظ أن الأخيرة تجاوزت ضعفي مدة الأولى، فبالعودة إلى الجدول الزمني المعلن لانتخابات الرئاسة 2012 يلاحظ أن مهلة التقدم للترشح حينها كانت 28 يومًا من 10 مارس وحتى 8 أبريل من نفس العام، في مقابل عشرة أيام فقط لانتخابات هذا العام.
هذا بخلاف المناخ السياسي حينها الذي اتسم بالتعدد والتمايز على خلاف الواقع الآن، إذ بلغ عدد المرشحين حينها قرابة 13 مرشحًا: أبو العز الحريري وأحمد شفيق وحسام خير الله وحمدين صباحي وخالد علي وعبد الله الأشعل وعبد المنعم أبو الفتوح وعمرو موسى ومحمد سليم العوا ومحمد فوزي عيسى ومحمد مرسي ومحمود حسام وهشام البسطويسي.
بينما تم استبعاد عشرة مرشحين آخرين هم: إبراهيم الغريب وأحمد عوض الصعيدي وأشرف بارومة وأيمن نور وحازم صلاح أبو إسماعيل وحسام خيرت وخيرت الشاطر وعمر سليمان وممدوح قطب ومرتضى منصور، هذا في الوقت الذي لم يعلن أي مرشح حتى الآن نيته – رسميًا – خوض الانتخابات القادمة.
انسحاب الفريق #احمد_شفيق من سباق الانتخابات #مصر_تنتخب_٢٠١٨@AhmedShafikEG pic.twitter.com/pM1CZ0tmKP
— electionmisr (@Electionmisr) January 7, 2018
ضمانات النزاهة
رغم تعيين أعضاء الهيئة الوطنية للانتخابات المسؤول الأول والأخير عن سير العملية الانتخابية عن طريق الرئيس الحاليّ عبد الفتاح السيسي، أحد المرشحين المحتملين لخوض الانتخابات القادمة، وفق القرار رقم 503 لسنة 2017، فإن هناك حزمة من الضمانات التي قدمها المرشح خالد علي، للبت فيها من أجل توفير مناخ ملائم يضمن نزاهة العملية الانتخابية.
الضمانات تطرقت إلى عشرة بنود تخالف جميعها الواقع السياسي الراهن بصورة تجعل من الانتخابات القادمة وفق وصف البعض “حبر على ورق” أولها: إطلاق حريات الصحافة وتداول المعلومات، هذا في الوقت الذي بلغت فيه عدد المواقع التي تم حجبها من السلطات المصرية قرابة 465 موقعًا، بخلاف 50 صحفيًّا على أبواب السجون، بينهم أكثر من 30 صحفيًّا رهن الحبس، فعليًّا، و20 مهددين بالحبس.
قبل التأويل في أبعاد قرار التراجع كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” أن السلطات المصرية مارست ضغوطًا شديدة على الفريق شفيق الذي وصفته بأنه أقوى المنافسين للرئيس الحاليّ في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لإجباره على الانسحاب من المنافسة
ثانيها: إنهاء حالة الطوارئ المفروضة على مصر منذ أبريل/نيسان الماضي وتجدد كل ثلاثة أشهر، فضلاً عن الوضع الاستثنائي في سيناء، ثالثها: وقف حملات التأييد المزيفة، إذ بلغت عدد حملات التأييد والدعم للرئيس عبد الفتاح السيسي التي تطالبه بالترشح لفترة رئاسية جديدة، أكثر من 8 حملات منتشرة في العديد من المحافظات والمدن المصرية، تهدف إلى جمع توقيعات المصريين على استمارات الدعم، رابعها: حياد أجهزة الدولة التي تشارك في العملية الانتخابية، بينما انبرى عدد كبير من النواب للتوقيع على استمارات تأييد للسيسي بما يخالف الدستور حيال هذه المسألة، إضافة إلى أكثر من 3 محافظين وقعوا بدورهم على تلك الاستمارات.
هنتختب مين في دول في الانتخابات الرئاسية الجاية 🤔 pic.twitter.com/Xbb41Tt4ff
— Ramy Mahmoud (@romyo25jan) January 8, 2018
علاوة على ذلك وقف استخدام المال العام في الدعاية لمرشح أو ضد مرشح، ولعل أصداء تجربة حملة “تمرد” لا تزال تخيم على الأجواء بصورة كبيرة رغم مرور أكثر من 4 سنوات على تدشينها، ففكرة جمع توقيعات من المواطنين لتأييد أي قضية لها ذكرى سيئة مع المصريين، كذلك حرية عقد المؤتمرات والدعاية للمرشحين، وليس ببعيد اعتقال بعض الداعمين للفريق أحمد شفيق حين كانوا يقومون بلصق بعض الملصقات الدعائية له كذلك ما حدث مع خالد علي حين تعرض مكتبه الذي يحوى أوراق خاصة بترشحه للاقتحام من بعض رجال الأمن.
https://twitter.com/magdymohamed_/status/950032580023390208
ومن المسائل الملفتة للنظر في قرار الهيئة الوطنية للانتخابات رقم 9 لسنة 2018 بشأن تنظيم إجراءات وضوابط التغطية الإعلامية لانتخابات الرئاسة فإنها تنص على “تقتصر التغطية الإعلامية على الصحفيين والإعلاميين المصرح لهم من قبل الهيئة” كذلك “لا يجوز للصحفي، المصرح له بدخول اللجان الانتخابية، التصوير، إلا بعد موافقة رئيس اللجنة”! مما يعني أن التغطية الإعلامية نفسها باتت مؤممة هي الأخرى فلا يخرج إلا ما يريده رئيس الهيئة المعين من أحد المتنافسين في الانتخابات.
https://www.youtube.com/watch?v=UEIcFXT0BK4&t=23s
#تسريب_شفيق
في الوقت الذي كان تعول فيه بعض التيارات السياسية على الفريق أحمد شفيق في خوض الماراثون الانتخابي القادم أمام السيسي، خاصة بعد إعلانه رسميًا المشاركة قبل ترحيله من الإمارات، أملاً في تغيير المشهد الراهن ودفعه للأمام بعد الانتكاسات التي تعرض لها خلال السنوات الأخيرة، تراجع في اللحظات الأخيرة، مما أصاب أنصاره بحالة من الإحباط والذهول.
وقبل التأويل في أبعاد قرار التراجع كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” أن السلطات المصرية مارست ضغوطًا شديدة على الفريق شفيق الذي وصفته بأنه أقوى المنافسين للرئيس الحاليّ في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لإجباره على الانسحاب من المنافسة.
الصحيفة نسبت لأحد محامي شفيق – طلب عدم ذكر اسمه – القول إن الحكومة المصرية أكرهته على الانسحاب بتهديده بالتحقيق في اتهامات سابقة بالفساد ضده، معززة صحة ما قاله المحامي بما أكدت عليه التسجيلات الصوتية لمحادثات هاتفية لضابط في المخابرات المصرية حصلت عليها الصحيفة الأمريكية وبثتها قناة مكلمين.
التسريب الذي بث بالأمس كشف تلقي مقدم البرامج عزمي مجاهد تعليمات من ضابط المخابرات ويدعي “أشرف الخولي” لكيفية تشويه صورة شفيق رئيس وزراء مصر الأسبق، إذا أصرّ على موقفه والترشح في انتخابات الرئاسة، بينما إن تراجع فله كل الاحترام والتقدير كونه أحد قيادات القوات المسلحة السابقين.
المقطع المسرب تعرض لمساومة ضابط المخابرات لشفيق ليتراجع عن الترشح في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإذا أصرّ على موقفه فعلى عزمي أن يحضّر فيديوهات لشفيق في أثناء حكم الإخوان المسلمين، وقال: “هابعتلك سي دي فيه كل الفيديوهات مع المقدم (إمام) ستوزع على كل الإعلاميين”.
بات “السجن أو التشويه” عنوانًا جامعًا مانعًا لكل من يفكر أن يخوض السباق الانتخابي المصري حتى إن كان وهميًا
كما تناول التسجيل أيضًا توجيه من الضابط للممثلة هالة صدقي بإعلان دعمها للسيسي لمدة رئاسية جديدة، وردّت على طلبه: “تحت أمرك”، كما تحدّث أيضًا إلى الممثلة عفاف شعيب موجهًا إياها بأن تحذّر الجمهور من سيناريو اليمن في أثناء مداخلتها في قناة “dmc” وردّت بالموافقة.
لم يكن مخطط تشويه شفيق حين دار في مخيلته منافسة السيسي في الانتخابات القادمة الأول من نوعه الذي تنتهجه السلطات المصرية الحاليّة ضد كل من يفكر أن يخرج عن الإطار المرسوم له، فهذا الأمر قد تكرر قبل ذلك مع الفريق سامي عنان قبيل انتخابات 2014، ثم المستشار هشام جنينة وحمدين صباحي وغيرهم، هذا بخلاف العقيد أحمد قنصوة الذي عوقب بالسجن 6 سنوات لأنه أعلن ترشحه خوض الانتخابات بعيدًا عن المبررات التي ساقتها المحكمة العسكرية لتبرير حكمها.
ومن ثم بات السجن أو التشويه عنوانًا جامعًا مانعًا لكل من يفكر أن يخوض السباق الانتخابي المصري حتى إن كان وهميًا، فتعاطي النظام وأذرعه الإعلامية مع من أعلنوا نواياهم الترشح كفيلة بأن تلخص المشهد بصورة لا تحتاج إلى جهد في التأويل، ولعل هذا ما دفع الكثيرين إلى المناشدة بإلغاء هذه المسرحية وتوفير نفقاتها إذ سبقت لحظة إسدال الستار فيها بداية فصلها الأول.