يفزع العالم عند وقوع الحروب والكوارث الطبيعية، ليس فقط بسبب الخسائر المادية والبشرية التي تحدث لحظة وقوعها، بل بسبب حالة الطوارئ التي تدخل فيها وتزيد من أثقال المسؤولية عليها حتى تتخطى عواقب هذه الاضطرابات، ومن بينها النزاعات السياسية التي تحرم الطلاب من العيش في جو دراسي ملائم للحياة التعليمية دون أي هواجس أو انقطاع أو تأخير.
في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد ثورات الربيع العربي، عانت العديد من الدول العربية من حالات تأخر افتتاح الموسم الدراسي أو حتى إلغائه، وفي أوضاع أخرى، اضطر بعض الطلاب ترك الدراسة والهجرة هربًا من الصراعات المتواصلة، إذ أصبح الطلاب أشخاصًا نازحين داخليًا أو لاجئين، ونتيجة لهذه الظروف القاسية تبقى المدرسة غاية بعيدة المنال في نظرهم، خاصة أن التعليم يمثل أقل من 2% من المساعدات الإنسانية.
ملايين الأطفال محرومون من المدارس
تتفق المجتمعات الدولية على أهمية التعليم كونه أداة مهمة للاستقرار العاطفي والمادي والاجتماعي لأفرادها، وبالتالي يضمن لها بقاء أطول في الصفوف الأولى بين دول العالم، وتحديدًا في المجالات الاقتصادية والمظاهر الحضارية، لكن في حالة عدم الاستقرار فإن التعليم يقع ضحية هذه الأزمات الإنسانية، ويفقد أولويته حتى ضمان السلم والأمن في الأرجاء.
ترصد المنظمات الدولية الفئات التي حكم عليها قسرًا بالتخلي عن المدرسة، وتصنف اللاجئين بصفة عامة من أكثر الفئات المعرضة لفقدان خيار التعليم بسبب احتمالية افتقار الدولة المستضيفة للبنى التحتية والموارد والمؤسسات اللازمة لاستقبالهم، إضافة إلى عدم وجود برامج خاصة تراعي ما أضاعوه من المراحل الدراسية، إلى جانب صعوبة تلقي التعليم بلغتهم الأم، وتدريسهم بلغة الدولة الأجنبية.
ومثال على ذلك، ما صرحت به مفوضية الأمم المتحدة للاجئين عن تركيا التي استقبلت نحو 3 ملايين لاجئ سوري وعاجزة عن تأمين التعليم لأكثر 39% منهم، أي أن 900 ألف لاجئ سوري محروم من الدراسة، وبالنسبة إلى لبنان فإن 40% من اللاجئين لا يحصلون على التعليم و70% تقريبًا يذهبون إلى المدرسة بانتظام، وبشكل إجمالي فإن نحو أكثر من نصف الأطفال والمراهقين اللاجئين في العالم محرومون من التعليم، أي ما يقارب 3.7 مليون طفل، ومن بينهم 1.75 مليون في المرحلة الابتدائية و1.95 مليون في المرحلة الثانوية.
توقفت ما يقارب 600 مدرسة من أصل 4200 في ليبيا، أما في اليمن، فلقد صرحت وزارة التربية والتعليم عن تضرر نحو 2542 مدرسة، هذا بالإضافة إلى تدمير أكثر من 1500 مدرسة في محافظة الأنبار وحدها
ومن أكثر البلدان التي شهدت ضياع في سنوات الدراسة سوريا واليمن والعراق وليبيا، وتعرضت فيها المدارس للإغلاق أو التدمير أو تحولت إلى ثكنات ومعتقلات عسكرية ومراكز إيواء للاجئين أو الفارين من القصف والمنازل المهدمة، ودليلًا على ذلك، استطاعت الشبكة السورية لحقوق الإنسان توثيق استهداف النظام لما لا يقل عن 3878 مدرسة خلال السنوات الثلاثة الأولى من الأزمة السورية.
قبل نحو عامين، شهدت ليبيا ذروة حادة من أعمال العنف والشغب والدمار التي طالت المدارس والمؤسسات المسؤولة عن توفير المستلزمات الدراسية والكتب، ولهذا السبب تعطلت الدراسة على 1.2 مليون تلميذ وتلميذة في ليبيا، وتوقفت ما يقارب 600 مدرسة من أصل 4200، وهذا وفقًا لمنظمة اليونيسف، أما في اليمن، فلقد صرحت وزارة التربية والتعليم عن تضرر نحو 2542 مدرسة، هذا بالإضافة إلى تدمير أكثر من 1500 مدرسة في محافظة الأنبار وحدها الواقعة غرب العاصمة بغداد في العراق.
كيف يمكن تعويض الأطفال عما فاتهم من سنوات الدراسة؟
بما يخص هذا الجانب، فإن الدول المضيفة والعائلات يلعبون الدور الأساسي في إصلاح ما دمرته الأزمات في مستقبل الطلاب الدراسي والمهني، لأن مرحلة التعليم تحتاج إلى دعم مادي ومعنوي من الجهتين قدر المستطاع.
ومن أهم الخطوات امتلاك البلد المضيفة الخطة والتمويل الضروري في استيعاب الأعداد الهائلة من الطلاب اللاجئين وخفض المصاريف المتعلقة بالتعليم والسماح للاجئين بالحصول على عمل قانوني لمعالجة العلاقة بين الفقر والتعليم، حتى لا تضطر العائلات إلى الاعتماد على عمل الأطفال.
كذلك، يعتبر من الجيد التخفيف من الشروط التي تربط متطلبات الهجرة بشروط الحصول على تعليم حتى لا تعيق التحاق الأطفال بالمدارس، وبالأخص لمن ليس لهم وثائق رسمية، مثل تصاريح الإقامة، كما عليها إدراج برامج تعليمية خاصة بالطلبة الجامعيين الذين خسروا سنوات سابقة من دراستهم وعليهم البدء من الصفر، وباللاجئين ومراعاة الفرق بين اللغة الأم والأجنبية.
وهناك تجربة إيجابية قامت بها مؤسسة كرن وهي مؤسسة خيرية في الولايات المتحدة الأمريكية بدأت بعلاج نقص المواد التعليمية المتاحة أمام الأطفال السوريين اللاجئين، وتعتمد على إعداد دورات وحصص تدريبية وتدريسية ومعسكرات صيفية تمكن الطلاب من اكتساب المهارات الأساسية، هذا بجانب دورات تعليم اللغات الأجنبية والبرمجة.
يمكن اتباع خطط دراسية داخل المنزل، تمكن الطفل من مواكبة المرحلة التعليمية على قدر المستطاع من خلال تطوير المهارات الحسابية واللغوية الأساسية، وإن استطاعت الأسرة الحصول على كتب المناهج التعليمية الرسمية فيمكن الارتقاء التام للمستوى المطلوب دون صعوبات
وبما يخص دور العائلة، فيمكنها مساعدة الطفل على اختيار تخصص جامعي يتوافق مع ظروفه ويمكنه من الاندماج بشكل تام في البلد الجديد وفرض وجوده، وفي حال عمله، يمكنه اختيار التعليم المفتوح ليناسب التزاماته المشتركة بين الدراسة والعمل والمنزل، أما طلاب الابتدائية والثانوية، فيمكن اتباع خطط دراسية داخل المنزل، تمكن الطفل من مواكبة المرحلة التعليمية قدر المستطاع من خلال تطوير المهارات الحسابية واللغوية الأساسية، وإن استطاعت الأسرة الحصول على كتب المناهج التعليمية الرسمية فيمكن الارتقاء التام للمستوى المطلوب دون صعوبات.
إذ يرى البعض أن كتب التعلم الذاتي والتعليم المنزلي الحل الأنسب للكثير من ضحايا الحروب، فهي تحافظ على الرابط بين الطفل والتعليم وتضيف بعض ملامح الطمأنينة حول مستقبله، وعند انتهاء العام الدراسي، وتمكنه من التسجيل وتقديم الامتحانات المعتمدة في الجهات الرسمية أو اجتياز اختبارات المستوى بسهولة لو حافظ على هذه الآلية.
وفيما يتعلق بالذين تأخروا عن بقية الطلاب من نفس العمر، فيمكن لهم الانخراط بالبرامج التعليمية التي تنظمها مؤسسات المجتمع المدني أو الدولية، لتقديم منهاج تعليمي مكثف يمكنهم من تعويض المعلومات التي فاتتهم والاندماج لاحقًا بالمدارس الرسمية مثل أقرانهم.
لا شك أن الأطفال اللاجئين – تحديدًا من ليس لديهم وثائق رسمية – يواجهون مخاطر الحرمان من التعليم أضعاف سواهم، لكن هناك أوضاعًا استثنائية أخرى تحول التعليم إلى امتياز وليس حقًا طبيعيًا، مثل قضايا الزواج المبكر وعمالة الأطفال والتسول والتجنيد في الجماعات المتطرفة والاستغلال الجنسي والأوبئة والمجاعات والأعراف الاجتماعية.