تخلى أحمد شفيق عن قراره خوض الانتخابات الرئاسية بعد أن قيل له إن سمعته ستلطخ بمزاعم تتعلق بسلوكيات جنسية وبتورط في الفساد، حسبما أفادت به مصادر مقربة من رئيس وزراء مصر السابق في تصريحات لموقع ميدل إيست آي.
وعلم موقع ميدل إيست آي أن شفيق وصلته تهديدات من أشخاص مقربين من الرئيس الحالي في مصر عبد الفتاح السيسي، وذلك مباشرة بعد عودته إلى مصر من منفاه في دولة الإمارات العربية المتحدة في مطلع شهر ديسمبر / كانون الأول، وحينما كان قيد المراقبة من قبل جهاز المخابرات المصرية.
جاء ذلك وسط حالة من القلق سادت معسكر السيسي من أن شفيق، الذي قضى خمسة أعوام في الإمارات، كان يعمل على بناء قاعدة شعبية واسعة مؤيدة له في حملته الانتخابية تضم فيمن تضم الرئيس السابق حسني مبارك وبعض العناصر القديمة من الإخوان المسلمين وحتى بعض عناصر المخابرات المصرية.
لم تكشف مصادر ميدل إيست آي عن هوية الشخص الذي أوصل الرسالة ولكنها قالت إنه زعم بأن لديهم أشرطة فيديو تصوره بممارسات جنسية وأنهم هددوا أيضاً بوضع شفيق في بؤرة تحقيق في قضايا الفساد.
وزعمت المصادر أن ناقل الرسالة هدد بأن إحدى ابنتي شفيق يمكن أن توجه لها أيضاً تهم بالفساد.
قالت مصادر داخل معسكر شفيق في تصريح لميدل إيست آي إن التهديدات قصد منها إجباره على التخلي عن قراره الترشح للرئاسة.
كانت حملة شفيق للترشح للانتخابات الرئاسية التي ستجري هذا العام قد اكتسبت زخماً في شهر سبتمبر من العام الماضي عندما وصلته تعهدات بالدعم من الرئيس السابق مبارك ومن عائلته ومن شركائه في الأعمال التجارية، وكذلك من بعض أجزاء الدولة العميقة
وكان شفيق قد أنهى يوم الأحد حملة ترشحه للانتخابات الرئيسية، والتي لم تدم طويلاً. وهي الحملة التي أعلن عنها في أبو ظبي في أواخر شهر نوفمبر / تشرين الثاني، مؤكداً في تصريح متلفز أنه لن ينافس السيسي في انتخابات مارس / آذار، ومبيناً أن الخمسة أعوام التي قضاها في المنفى في أبو ظبي قد “ابتعدت بي عما كان يجري داخل وطننا.”
غادر شفيق مصر بعد أن خسر الانتخابات أمام مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي في أول انتخابات رئاسية ديمقراطية تجري في البلاد بعد ثورة الربيع العربي ضد مبارك. إلا أن مرسي ما لبث أن أطاح به السيسي في انقلاب عسكري في عام 2013.
جاء الكشف عن هذه المعلومات بعد أن قامت قناة مكملين، وهي قناة تلفزيونية مصرية معارضة تبث من تركيا، ببث محادثة صوتية بين ضابط أمن مصري ومقدم برنامج تلفزيوني معروف، كان ضابط الأمن خلالها يأمر مقدم البرنامج بإعداد شريط معلومات للنيل من سمعة شفيق فيما لو لم تفض المفاوضات معه إلى نتيجة.
وبحسب الشريط الذي بثته القناة، أخبر ضابط الأمن المقدم أشرف الخولي المذيع عزمي مجاهد بوجود خطة “لفشخ “رأس شفيق وتلطيخ سمعته فيما لو عاندهم.
تحدث موقع ميدل إيست آي مع مصادر مقربة من شفيق، ومع شخصيات معارضة تتواجد خارج البلاد وعلى تواصل معه، وكذلك مع مصادر داخل مصر، وجميعهم أكدوا وجود حملة كان القصد منها منع شفيق من الترشح للانتخابات.
وقالت المصادر، التي اشترطت عدم الكشف عن هويتها، إن شفيق تواصل مع أعضاء في القوات المسلحة المصرية وفي الكنيسة القبطية وداخل جماعة الإخوان المسلمين سعياً لكسب الدعم والتأييد في تحديه للسيسي.
خلال تواصله مع أعضاء المعارضة المصرية، قال لهم(شفيق) إنه يقر بالحاجة إلى المصالحة، وبأنه يعتقد بأن “كثيرين” ممن هم داخل السجون لا ينبغي أن يظلوا هناك
مدعوم من قبل مبارك
وكانت حملة شفيق للترشح للانتخابات الرئاسية التي ستجري هذا العام قد اكتسبت زخماً في شهر سبتمبر من العام الماضي عندما وصلته تعهدات بالدعم من الرئيس السابق مبارك ومن عائلته ومن شركائه في الأعمال التجارية، وكذلك من بعض أجزاء الدولة العميقة.
ورد في التسريبات الأخيرة التي بثتها قناة مكملين ما يؤكد تمتع شفيق بالدعم داخل بعض أوساط المخابرات، حيث أشار ضابط الأمن الخولي إلى وجود “شر***ط” (عاهرات) داخل جهاز المخابرات يتعاطفون معه. لا يعرف تحديداً متى حصلت هذه المحادثات المزعومة.
فيما بعد تواصل شفيق مع تيار عريض من زعماء المعارضة المصرية، بما في ذلك قيادات من الإخوان المسلمين بشقيها المنقسمين الإصلاحي والقديم.
وكما نشر موقع ميدل إيست آي في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2015، ساورت الإمارات شكوك بشأن السيسي. ونفس الشيء بالنسبة للمملكة العربية السعودية التي ترى بأن السيسي لم يوفر الاستقرار الذي كانت مصر بحاجة إليه، ولم يقدم للرياض المساعدة التي كانت تحتاجها في حروبها الإقليمية، وبشكل خاص في اليمن.
وتفيد مصادر ميدل إيست آي بأن شفيق استقبل زواراً رفيعي المستوى في أبو ظبي ثلاث مرات في العام الماضي.
زاره في المرة الأولى مجموعة من الجنرالات المصريين من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وفي المرة الثانية سلمان الأنصاري، مؤسس لجنة شؤون العلاقات العامة الأمريكية السعودية التي تتخذ من واشنطن مركزاً لها والذي تحدث مع شفيق لثلاث ساعات، وفي المرة الثالثة مندوب عن الكنيسة القبطية في مصر.
كانت اتصالات شفيق مع واحدة من مجموعتي الإخوان المسلمين قد لفتت اهتمام أجهزة الأمن المصرية، فما كان من السيسي رداً على ذلك إلا أن شن حملة اعتقالات استهدفت هذه المجموعة بالذات داخل مصر
لم يحدث أن أياً من الزائرين صدر عنه تأييد علني لشفيق، إلا أن أحدهم، وهو مندوب الكنيسة القبطية في مصر، أخبر شفيق بأنه فيما لو أعلنت الإمارات عن دعمها له فإن الكنيسة ستدعمه.
خلال تواصله مع أعضاء المعارضة المصرية، كان شفيق يبلغهم بثلاث رسائل رئيسية. قال لهم إنه يقر بالحاجة إلى المصالحة، وبأنه يعتقد بأن “كثيرين” ممن هم داخل السجون لا ينبغي أن يظلوا هناك.
وثالثاً، قال شفيق، وهو طيار وقائد سابق في سلاح الجو المصري، إنه على رغم إقراره بأن الجيش المصري لعب دوراً أساسياً في الحياة السياسية في البلاد وينبغي أن يحافظ على هذا الدور، إلا أنه يرى بأن على الجيش “ان يأخذ خطوة الى الخلف قليلاً وبالتدريج”.
وقال شفيق إنه يرى ضرورة أن يخفف الجيش بالتدريج من قبضته التي أحكمها على الاقتصاد، وأن عليه أن يعيد المزيد من المشاريع التجارية إلى القطاع الخاص.
لم يدخل شفيق في التفاصيل، ولم يقل ما إذا كان يرى وجوب إطلاق سراح مرسي الذي خسر الانتخابات أمامه في عام 2012 بهامش ضئيل. ولم يقل ما العدد الذي ينبغي إطلاق سراحهم من ما يقرب من خمسين ألف سجين سياسي يقبعون الآن في سجون مصر.
وإنما عرضت النقاط الثلاث من خلال تصريحات صيغت بهدف إطلاق حوار سياسي وتشكيل بداية للمفاوضات.
وكانت اتصالات شفيق مع واحدة من مجموعتي الإخوان المسلمين قد لفتت اهتمام أجهزة الأمن المصرية، فما كان من السيسي رداً على ذلك إلا أن شن حملة اعتقالات استهدفت هذه المجموعة بالذات داخل مصر.
يقال بأن محمد بن زايد فوجئ بالبيان الذي نشرته رويترز وبالشريط الذي بثته قناة الجزيرة، حيث كان يتوقع، كما تقول المصادر، أن يبقى شفيق صامتاً
ثم ما لبثت هذه المجموعة أن انسحبت من المحادثات مع شفيق بعد أن هالها الثمن الباهظ الذي فرض عليها تكبده بسبب ذلك.
السيسي يتصل بمحمد بن زايد
قبل أيام من الموعد المقرر لسفر شفيق من الإمارات إلى باريس في السادس والعشرين من نوفمبر اتصل السيسي بمحمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، ليخبره بأن شفيق كان يخطط للقاء بشخصيات من المعارضة في باريس بما في ذلك شخصية قيادية داخل المجموعة الثانية من جماعة الإخوان المسلمين. وطلب السيسي من محمد بن زايد التدخل لمنع ذلك.
أخبرت المصادر موقع ميدل إيست آي بأن تلك المكالمة الهاتفية هي التي دفعت محمد بن زايد إلى منع شفيق من مغادرة البلاد. ويبدو أن شفيق، الذي فشل في إقناع السلطات الإماراتية بالسماح له بالمغادرة، أرسل بياناً إلى وكالة رويترز الإخبارية يعلن فيه عن عزمه خوض الانتخابات الرئاسية.
في تلك الأثناء أرسل شفيق شريط فيديو إلى قناة الجزيرة – والتي طالبت الإمارات بإغلاقها– يزعم فيه أن الإمارات العربية المتحدة منعته من السفر. وقال شفيق في ذلك الشريط إن الإمارات تتدخل في “الشؤون المصرية الداخلية”.
وأضاف: “أود أن أعرب عن امتناني لدولة الإمارات العربية المتحدة لاستضافتها إياي خلال الفترة الماضية، ولكني أعيد التأكيد على رفضي لتدخل الإمارات في الشؤون المصرية الداخلية كما أعترض على منعي من التنقل بحرية أو من ممارسة حقي الدستوري. لن أتراجع عن موقفي الذي أعلنت عنه سابقاً، وأنا على استعداد لمواجهة كافة المشاكل التي قد تعترضني. كما أناشد المسؤولين في مصر التدخل بسرعة لإزالة العوائق التي تحول بيني وبين حرية الحركة.”
في مصر اقتاد رجال المخابرات شفيق إلى أحد الفنادق، ورغم أنه كان قادراً على التواصل مع الناس وإجراء المكالمات الهاتفية إلا أنه ظل خاضعاً لرقابتهم
يقال بأن محمد بن زايد فوجئ بالبيان الذي نشرته رويترز وبالشريط الذي بثته قناة الجزيرة، حيث كان يتوقع، كما تقول المصادر، أن يبقى شفيق صامتاً.
فيما بعد، نفى وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش في سلسلة من التغريدات على حسابه في تويتر وجود أي عوائق تحول دون مغادرة شفيق لدولة الإمارات.
وقال قرقاش: إن الفريق أحمد شفيق لجأ إلى الإمارات هارباً من مصر إثر إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2012، وقدمنا له كل التسهيلات وواجبات الضيافة الكريمة، رغم تحفظنا الشديد على بعض مواقفه.
أخرجوا له من القديم
ثم ألقي القبض على شفيق، وحسب ما صرحت به محاميته دينا عدلي، تم ترحيله إلى مصر في الثاني من ديسمبر.
وفي مصر اقتاده رجال المخابرات إلى أحد الفنادق. ورغم أنه كان قادراً على التواصل مع الناس وإجراء المكالمات الهاتفية إلا أنه ظل خاضعاً لرقابتهم.
تظهر تسريبات قناة مكملين عدداً من الشخصيات الإعلامية وهم يتلقون تعليمات بالإمساك عن الهجوم على شفيق، ولكن طلب منهم أن يكونوا على أهبة الاستعداد لشن الهجوم عليه حينما تصلهم الإشارة بذلك.
ويرد في التسريبات أن الخولي يقول لعزمي مجاهد: “أريدك أن تجهز مقاطع فيديو سجلت له حينما كان يتحدث مع الإخوان المسلمين لأن ثمة تفاوض حالياً، ونريد أن نرى إلى أين نصل معه. إذا أصر على موقفه فسوف نخرج له القديم.”
في هذه الأثناء تخلص السيسي من تهديد كامن آخر لرئاسته. فقد ذكرت مصادر موقع ميدل إيست آي أن الجنرال محمود حجازي فصل من منصبه في رئاسة أركان القوات المسلحة بمجرد وصوله إلى القاهرة عائداً من الولايات المتحدة الأمريكية في شهر أكتوبر / تشرين الأول.
وذلك أن السيسي تلقى تقارير تفيد بأن حجازي تصرف في الولايات المتحدة كما لو كان الرئيس القادم لمصر، وكان ذلك هو سبب تنحيته.
حينها ربطت تنحيته في تقارير صحفية بالهجوم على موكب للشرطة في الصحراء الغربية قتل فيه خمسون من ضباط الشرطة.
المصدر: ميدل إيست آي
ترجمة وتحرير: عربي21