كما كان متوقعًا سابقًا، استهلت الجزائر السنة الجديدة بالاحتجاجات التي واجهتها السلطات بالقوة مختارة الحل الأمني على الحوار، مما ولد احتقانًا كبيرًا لدى المحتجين من الأطباء، تخشى السلطات أن يصل إلى باقي أطياف المجتمع، فتكون احتجاجات الأطباء فاتحة احتجاجات شعبية أخرى خاصة في ظل تململ الجبهة الاجتماعية على الأوضاع المرشحة للمزيد من التدهور، في ضوء المخططات التقشفية التي تبنتها الحكومة لمواجهة أعباء الأزمة الاقتصادية.
توسع رقعة الاحتجاجات
تتواصل التحركات والفعاليات الاحتجاجية للأطباء بالجزائر للمطالبة بإلغاء الخدمة المدنية المفروضة عليهم للعمل في المناطق البعيدة بعد إتمام الدراسة، حيث تظاهر أمس الثلاثاء آلاف الأطباء في مدينة وهران غرب البلاد.
وشارك قرابة سبعة آلاف من الأطباء الذين يواصلون الدراسة في الاختصاص ومسؤولو الأقسام الطبية والأساتذة وطلبة الطب والصيدلة في مسيرة جديدة أمس، بالجزائر، بعد شهرين من الإضراب عن العمل، في ظل تواصل تجاهل السلطات لمطالبهم.
أسفر التدخل الأمني عن إصابة 20 طبيبًا بجروح، بحسب تنسيقية الأطباء المقيمين الجزائريين، مما خلف احتقانًا كبيرًا في صفوف الأطباء
ومن أبرز مطالب الأطباء المقيمين “إلغاء الخدمة المدنية” التي تفرضها الحكومة على كل الأطباء المتخصصين بعد تخرجهم من أجل العمل في المناطق البعيدة، حيث لا يوجد أطباء مختصون، من سنتين إلى أربع سنوات، قبل أن يتمكنوا من العمل لحسابهم الخاص أو في المستشفيات والعيادات الحكومية أو الخاصة، كما يطالبون بتمكين الرجال منهم من ظروف استثنائية في الخدمة العسكرية، كالإعفاء في حال تجاوز سن الثلاثين مثلما استفاد منه بعض العاملين في قطاعات أخرى غير الصحة.
ويواصل الأطباء المقيمون في الجزائر، وهم الذين سبق لهم إكمال الدراسة في الطب العام لمدة سبع سنوات ويواصلون الدراسة للتخصص لمدة تصل إلى خمس أو ست سنوات بحسب الاختصاص، منذ قرابة شهرين إضرابًا عامًا في المستشفيات الجامعية، حيث توقفوا عن الدراسة والعمل، ويبلغ عدد الأطباء المقيمين في البلاد قرابة 13000.
قمع قوات الأمن للأطباء
يوم الأحد نظم الأطباء تجمعًا في مستشفى مصطفى باشا الجامعي، وهو الأكبر في العاصمة، شارك فيه نحو 500 شخص من أطباء مقيمين وطلاب في الطب، بينما بلغ عددهم الألف في قسنطينة، حيث شارك الأطباء المقيمون ومعهم أطباء مختصون وصيادلة وأطباء أسنان في وقفة احتجاجية في المستشفى الجامعي ابن باديس بعد أن منعوا من الخروج في مسيرة نحو وسط المدينة، وتكرر السيناريو ذاته في محافظة عنابة.
وكان هؤلاء، أوفر حظًا من زملائهم في العاصمة، ففي 3 من يناير/كانون الثاني صعّد الأطباء احتجاجهم بمحاولة الخروج في مسيرة في وسط العاصمة الجزائرية إلا أن الشرطة منعتهم بالقوة، مما أسفر عن إصابة 20 طبيبًا بجروح، بحسب تنسيقية الأطباء المقيمين الجزائريين، مما خلف احتقانًا كبيرًا في صفوف الأطباء.
رفض للاعتداءات
فض الأمن الجزائري احتجاج الأطباء داخل مستشفى مصطفى باشا، وسط العاصمة الجزائرية، خلف موجة استياء كبيرة في البلاد، حيث طالبت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، في بيان، الحكومة بفتح تحقيق في الاعتداءات التي تعرض لها الأطباء داخل الحرم الجامعي.
فيما أعلنت الكتلة الإسلامية بالبرلمان مساءلة رئيس الوزراء أحمد أويحي عن أحداث “تعنيف” الأطباء، الذين دخلوا أمس الأسبوع الثاني من الإضراب والمظاهرات، وعبرت المجموعات البرلمانية لأحزاب “حركة مجتمع السلم” و”جبهة القوى الاشتراكية” و”حزب العمال” و”التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية”، عن استيائها لما جرى للأطباء، وطالبت باستقالة وزير الصحة وإصلاح المستشفيات مختار حسبلاوي.
هذه ليست المرة الأولى التي يحتج فيها الأطباء المقيمون في البلاد، ويخرجون إلى الشارع للمطالبة بحقوقهم
من جانبها أدانت “عمادة الأطباء” ما أسمته بـ”ممارسات قمعية بوليسية أنزلتها الحكومة بخيرة النخبة الجزائرية”، ودعت إلى “الكشف عن الذين تورطوا في العنف بأن أصدروا أوامر إلى الشرطة لتدخل إلى المستشفيات لقمع المتظاهرين المضربين”.
وهذه ليست المرة الأولى التي يحتج فيها الأطباء المقيمون في البلاد، ويخرجون إلى الشارع للمطالبة بحقوقهم، فقد استطاعوا في فبراير/شباط 2011 أن يكسروا حاجز منع المسيرات في العاصمة الجزائر عندما نظموا احتجاجًا شارك فيه المئات وجاب شوارع العاصمة، للتأكيد على نفس المطالب التي ما زالت عالقة حتى اليوم رغم وعود السلطات بحلها.
احتقان اجتماعي
احتجاجات الأطباء وما لقيته من قمع أمني، من شأنه حسب متابعين للشأن العام في الجزائر أن يزيد التوتر الاجتماعي في البلاد، خاصة أنها تزامنت مع بدء العمل بالزيادات التي أقرتها الموازنة العامة للبلاد للسنة الحاليّة، وتتعلق هذه الزيادات بالبنزين والديزل المدعمة والهواتف الجوالة المستوردة والأجهزة الكهربائية المنزلية، فضلاً عن مواد أخرى.
تجمع للأطباء
للعام الثالث على التوالي، تستقبل الجزائر السنة الجديدة بإجراءات اقتصادية قاسية، يخشى الجميع أن تؤثر سلبًا على المقدرة الشرائية للجزائريين وأن تساهم في ازدياد الاحتقان الاجتماعي في هذا البلد الذي يعيش على وقع أزمة اقتصادية حادة نتيجة تراجع أسعار النفط في السوق العالمية.
وعبر عديد من الجزائريين، عن قلقهم الشديد من تزايد ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية التي لها علاقة حيوية بالحياة اليومية لهم، ويؤكد الجزائريون أن ما أقرته الموازنة العامة للبلاد للسنة الحاليّة لا يتناسب مع قدراتهم الشرائية في ظل الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يمرون بها.
الزيادة في الوقود انعكست على باقي الخدمات المتصلة كالنقل العمومي والنشاط الفلاحي
ويؤكد خبراء اقتصاد جزائريين، أن السنة الحاليّة من أعقد وأصعب السنوات التي تمر بها البلاد، نتيجة التدهور المنتظر في القدرة الشرائية وصعود مؤشرات التضخم وارتفاع أسعار بعض المواد الاستهلاكية والخدمات، بشكل لافت قد يؤدي إلى انفجار الوضع في البلاد ويزيد من الاحتقان الاجتماعي الذي تعرفه منذ سنوات.
وشهدت مدينة بجاية والبويرة مطلع هذا الشهر احتجاجًا لأصحاب السيارات الخاصة ولبعض المواطنين الذين أغلقوا بعض الطرقات الحضرية والرابطة بين المحافظات، بعد إقرار الحكومة رفع أسعار بعض المواد الاستهلاكية، لا سيما الوقود والديازل، مما انعكس على باقي الخدمات المتصلة كالنقل العمومي والنشاط الفلاحي.
تجاهل السلطات
رغم ارتفاع حدة الاحتقان الاجتماعي في البلاد، لم تبد السلطات الحاكمة بكل أجنحتها أي اهتمام بذلك، ذلك أن جميعها مشغول بالمسائل السياسية في البلاد، على رأسها خلافة الرئيس المريض عبد العزيز بوتفليقة الذي يعاني من أزمات صحية متتالية منذ سنة 2013.
وتعرف الساحة السياسية الجزائرية هذه الأيام احتدام الجدال بين أذرع الحكم المختلفة، وصل حد تبادل الاتهامات بين قيادات الأحزاب الموالية (جبهة التحرير الوطني، التجمع الوطني الديمقراطي)، وذلك مع اقتراب نهاية الولاية الرابعة للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة التي تنتهي السنة المقبلة.
الوزير الأول أحمد أويحي
ويرى عديد من المراقبين، أن طموح الوزير الأول أحمد أويحي زعيم التجمع الوطني الديموقراطي (ثاني أكبر حزب في الجزائر وحليف جبهة التحرير الوطني)، في الفوز بالرئاسة الجزائرية خلفًا للرئيس بوتفليقة الذي وصل لسدة الحكم سنة 1999، أثر على عمله الحكومي بشكل كبير، ذلك أنه توجه لمناكفة قيادة حليفه في الحكم عوض التوجه للإنصات لمشاكل الناس ومحاولة حلها.