ترجمة حفصة جودة
تعرضت القاعدة العسكرية الروسية الرئيسية في سوريا إلى سلسلة من الهجمات الغامضة ومن بينها هجوم بواسطة مجموعة من طائرات مسلحة صغيرة دون طيار، مما يكشف ضعف الوجود الروسي في البلاد رغم ادعاءات الرئيس فلاديمير بوتين الأخيرة بالنصر.
أثارت هذه الهجمات أيضًا عدة تساؤلات عن المسؤول عن تلك الهجمات الموجهة لأكبر قوة في البلاد في الوقت الذي تحاول فيه موسكو الحد من وجودها في سوريا.
في إحدى تلك الهجمات غير المعتادة هبطت أكثر من 10 طائرات مسلحة دون طيار من مكان مجهول على قاعدة حميميم الجوية شمال غرب محافظة اللاذقية حيث المقر الرئيسي للعمليات العسكرية الروسية في سوريا وبالقرب من القاعدة البحرية الروسية في طرطوس، قالت روسيا إنها أسقطت 7 طائرات من بين 13 طائرة دون طيار واستخدمت تدابير إلكترونية مضادة لإسقاط الـ6 طائرات الباقية بأمان، وقالت إن الهجوم لم يتسبب في أي خسائر خطيرة.
جاء هجوم الطائرات بعد أقل من أسبوع من مقتل جنديين روسيين في هجوم بقذائف الهاون على نفس القاعدة الذي يبدو أنه تسبب في بعض الخسائر في ممتلكات الجيش الروسي، وأنكرت وزارة الدفاع الروسية تقريرًا نشرته صحيفة “كورمسانت” الروسية بأن 7 طائرات خرجوا من العمل بعد هجوم بقذائف الهاون من بينهم طائرتين مقاتلتين من طراز “Su-35” و4 طائرات هجومية من طراز “Su-24″، هذه الخسائر تعد أسوأ ما تعرضت له القوات الجوية الروسية منذ عقود، ونشر صحفي روسي صورًا لتلك الأضرار التي تؤكد تعرض بعض الطائرات لها.
تعد قاعدة حميميم مركز العمليات الروسية العسكرية في سوريا
يبدو أن هجوم الطائرات والهاون يمثل أكبر الاعتداءات التي تعرضت لها المقرات الروسية في سوريا منذ تدخلها العسكري في سبتمبر 2015 الذي نجح بشكل كبير في تحقيق أهدافه في دعم حرب الرئيس بشار الأسد لقمع 7 سنوات من الثورة ضد حكمه، وأفادت وكالات الأنباء الروسية عن وقوع هجوم من طائرتين دون طيار ضد مواقع روسية في محافظتي حمص واللاذقية، فضلاً عن الهجوم الذي وقع ضد قاعدة حميميم في الأسبوعين الماضيين.
يقول مكسيم سوشكوف من مجلس الشؤون الدولية الروسية ويكتب في صحيفة “المونيتور”: “تعد قاعدة حميميم مركز العمليات الروسية العسكرية في سوريا، وتقع في عمق الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة السورية، وحتى وقت قريب كانت محصنة ضد أي هجوم، لقد كانوا يعتقدون أنها قاعدة آمنة لكن يبدو الآن أنها أصبحت ضعيفة”، والسؤال المطروح الآن في موسكو: هل أمّن الجيش الروسي القاعدة بشكل كاف، أم أنه فشل في الكشف عن امتلاك خصومه لتكنولوجيا جديدة؟
تقول جينيفر كافاريلا من معهد دراسات الحرب في واشنطن إن الهجمات تثير تساؤلات أيضًا بشأن استمرار المكاسب الروسية في سوريا، في شهر ديسمبر زار بوتين قاعدة حميميم وقال إن روسيا ستبدأ في الحد من وجودها لأن الحرب قد انتهت في سوريا بشكل أساسي.
إحدى الطائرات دون طيار التي أسقطتها قاعدة حميميم
وتضيف كافاريلا: “لكن الأحداث الأخيرة تقول بأن أيًا كان من قام بتلك الهجمات فبإمكانه اختراق مناطق النظام وإيقاع الخسائر في الجانب الروسي، لذا فالمكاسب التي حققها النظام ليست آمنة ومعرضة لأن تكون مكاسب مؤقتة”.
السؤال الأكبر الذي يطرح نفسه الآن: من المسؤول عن ذلك؟ فالأمر الذي يجعل تلك الهجمات غير معتادة أنه لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنه، مما يثير الكثير من التكهنات في وسائل الإعلام الروسية والسورية بشأن منفذي تلك الهجمات.
اتهمت وزارة الدفاع الروسية الولايات المتحدة بمسؤوليتها عن هذا الهجوم، قائلة إن هذا الهجوم يتطلب مستوى عاليًا من الخبرة لا تمتلكه أي من الجماعات المسلحة في المنطقة، والأمر الذي ضاعف من تلك الشكوك أن الوزارة قالت في صفحتها على فيسبوك إنها شاهدت طائرة استطلاع أمريكية من طراز “بوسيدون” تحلق في السماء لمدة 4 ساعات في أثناء هجوم الطائرات دون طيار.
أقرب موقع لتنظيم الدولة يبعد مئات الأميال عن قاعدة حميميم، مما يجعل تنظيم الدولة الأقل احتمالية في تنفيذ هذا الهجوم
قال إريك باهون المتحدث الرسمي باسم البنتاغون إن هذه الادعاءات كاذبة تمامًا، وأضاف أن تنظيم الدولة استخدم الطائرات دون طيار ضد القوات المتحالفة مع الولايات المتحدة في شرق سوريا والعراق، وهذه الطائرات الصغيرة دون طيار يمكن الحصول عليها تجاريًا بكل سهولة.
لكن أقرب موقع لتنظيم الدولة يبعد مئات الأميال عن تلك المحافظة الساحلية الغربية حيث تقع قاعدة حميميم، مما يجعل تنظيم الدولة الأقل احتمالية في تنفيذ هذا الهجوم، علاوة على ذلك، فمعظم الطائرات دون طيار التي استخدمها تنظيم الدولة لم يتجاوز مداها كيلومترين وفقًا لتحليل أجرته مجموعة “IHS Markit” للاستشارات، قالت وزارة الدفاع الروسية إن الطائرات المستخدمة في هجوم حميميم جاءت من مسافة ما بين 50 إلى 100 كيلومتر مما يجعل الأمر أكثر تعقيدًا ويوسع دائرة المشتبه بهم.
قال سوشكوف إن إحدى جماعات المعارضة السورية العديدة هي بالتأكيد المسؤولة عن ذلك، لكن هذه الجماعات المعروفة لا يقع أي منها في نطاق قذائف الهاون بالنسبة للقاعدة، كما أن هذه الجماعات دائمًا ما تعلن مسؤوليتها عن أي عمليات تقوم بها، إنها تنشر كل شيء على الإنترنت متباهية بذلك.
من بين النظريات المنتشرة على نطاق واسع أن مجموعة من العلويين الساخطين من طائفة الأسد مسؤولون عن هذا الهجوم
من بين النظريات المنتشرة على نطاق واسع أن مجموعة من العلويين الساخطين من طائفة الأسد مسؤولون عن هذا الهجوم، فقد نُشر بيان على الإنترنت باسم جماعة غامضة تُسمى “حركة العلويين الأحرار” وقد حذرت فيه العلويين الذين يدعمون النظام من أن هذا الهجوم يثبت أن نظام الأسد ليس آمنًا، لكن الحركة لم تعلن مسؤوليتها صراحًة عن هذا الحادث، وقال عدد من أعضاء العلوية المعارضة إنهم لا يعتقدون بأن تلك الحركة حقيقة ويشكون في أنها تابعة لوكالة مخابرات أجنبية تسعى لخلق وجود حالة من الصراع بين الموالين للنظام.
أما وكالات الأنباء السورية المعارضة فتقول إن ميليشا مدعومة من إيران تقاتل في جانب النظام وتقع في التلال التي تسيطر عليها الحكومة بالقرب من القاعدة هي المسؤولة عن ذلك، وطبقًا لهذه النظرية، فإيران تسعى لإحباط الجهود الروسية لفرض تسوية سلمية في سوريا من شأنها أن تقوض المصالح الإيرانية.
يقول سوشكوف: “حتى الآن لا مزيد من النظريات، لكن الأمر ما زال غامضًا حتى هذه اللحظة”.
المصدر: واشنطن بوست