تمتلئ شوارع إسطنبول القديمة باللوحات الجدارية وفن الجرافيتي، الذي يأخذ بالازدياد والانتشار أكثر فأكثر في المدينة حتى بات الفرد منّا يجده في جميع زواياها تقريبًا، لكن ربما تبقى مناطق تقسيم وكاراكوي وغلاطة وجيهانغير وموضة في كاديكوي، هي أكثر الأماكن اشتهارًا بمثل هذا النوع من الفنّ.
فلا بدّ وأنّك لاحظتَ العديد من الرسومات والحيطان الملأى بالألوان والزخارف أثناء تجوالك في شارع الاستقلال، أو أثناء صعودك نحو برج غلاطة الشهير، أو أثناء مرورك بمنطقتي كاراكوي وتوبهانة على ساحل البسفور.
تاريخ الجرافيتي والرسم على الحيطان في إسطنبول لم يكن مشرّعًا أو مسموحًا به طوال الوقت، فقد واجه الفنانون المختصون بهذا النوع من الفن صعوباتٍ جمّى في السابق، لا سيّما في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، لكنّ الآمر أخذ بالتغير شيئًا فشيئًا، فأضحى من العاديّ جدًا أنْ تجد من يمسك علب ألوان الرشّ في وضح النهار ويخرج ما في جعبته من فنّ على أحد جدران المدينة.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، فالعديد من بلديّات مدينة إسطنبول الكبرى أضف طابع الشرعية على هذا الفن، وباتت تشجّع فنانيه على ممارسة هواياتهم وإتاحة المجال لهم بهدف جعل جدران المدينة ملونة وسعيدة، خاصة مع ردّات الفعل الإيجابية التي يعطيها سكّان المدينة حيال ما يجدونه على الجدران.
لا يمكن التطرّق للحديث عن الجرافيتي في إسطنبول دون الحديث عن مؤسس هذا الفن في المدينة، تونش دينداش، أو كما بات يٌلقّب في هذا الوسط باسم “Turbo” أو “أبو الجرافيتي في إسطنبول”، إذ كان توربو أوّل من رسم على حيطان إسطنبول عام 1984، فقط باللونين الأبيض والأسود، لصعوبة توفّر ألوان الرش الأخرى آنذاك.
أنشأ توربو بمشاركة عددٍ من أصدقائه أول مجموعة مهتمة بالرسم على الحيطان في إسطنبول، وحملت اسم “S2K” اختصارًا لجملة “Shot to Kill“، والتي لا تزال فعّالة حتى الآن، ومن السهل على من يدقّق النظر في الحيطان هنا أن يجد تلك الأحرف الثلاثة بين الرسومات.
وبعد أكثر من 30 عامًا على أول جرافيتي في أزقة إسطنبول، أصبح الرسم على الجدران سائدًا في تركيا. بالإضافة إلى أنّ إسطنبول باتت تخصّص مهرجانًا سنويًّا لذلك. عوضًا عن الانتشار الكثيف لدورات الرسم على الجدرن والمتاجر المخصصة لبيع مستلزماته، أو حتّى الجولات السياحية والاستكشافية التي باتت تُخصص خلال الأعوام القليلة الأخيرة للتعرّف على هذا الفنّ والتجول بين أزقة المدينة المخبأة لاستكشافه.
رحلة الجرافيتي في إسطنبول لا تنتهي، لكن إنْ كان لديك وقت محدد في المدينة وتريد استكشاف حيطانها وجدرانها، فهناك خمس مناطق لا يجب عليك تفويتها، خاصّة وأنها تشكّل جزءًا من الطريق اليوميّ للسائح وبالتالي فيمكنه استكشاف الجرافيتي أثناء جولته السياحية المعتادة.
فلو كنتَ قريبًا من منطقة تقسيم أو شارع الاستقلال، فلا بدّ أن تلج في أحد الشوارع الخلفية، ولأكون أكثر دقة ومساعدة، ادخل من الزقاق الخلفي لمدرسة غلاطة سراي، واتجه نحو شارع Eski Cicekci St على سبيل المثال، وخذ جولةً فيما ستجده أمامك من رسومات وفنون.
أو قد تواصل السير نحو محطة مترو الأنفاق “Tünel” الواصل بين الاستقلال وكاراكوي، حيث يمكنك هناك أن تلمح الجرافيتي والرسومات الجدرانية في كلّ زاوية تقريبًا، ولا عجب أنّ السياح يفضّلون تلك المنطقة لالتقاط صورهم فيها.
وما إن وصلتَ كاراكوي، فكلّ ما عليك فعله هو إبقاء عينيك مرفوعةً للأعلى، فالكثير من البنايات العالية تحمل رسومات جدرانية نهايتها، عوضًا عن تلك الموجودة على مدّ النظر طبعًا.
أما كاديكوي، أكثر مناطق الجزء الآسيوي من المدينة حيويةً ونشاطًا، فلا تعجّ بالرسومات الجدارية مثل الاستقلال وكاراكوي، لكن على طبيعة الحال ستجد بين الزاوية والأخرى جرافيتي هنا أو هناك، واصل المسير على خط القطار القديم من مركز المنطقة باتجاه شارع موضة وتمتع بالرسومات.
أو بإمكانك التوجه نحو محطة القطار القديمة في المنطقة، “حيدر باشا”، والتقاط الصور للقطارات التي تقف مكانها منذ أعوام عديدة، لكنها باتت تشكّل لوحاتٍ فنية مميزة بعدما مسّتها أيادي فناني الجرافيتي وأضافوا عليها ألوانهم ورسوماتهم.
ولو كنتَ تعتقد أنك بحاجة للمساعدة أكثر في العثور على الأماكن تلك، فتطبيق “فن الشوارع في إسطنبول” أو “The Street Art Istanbul” كما تجده في متجر التطبيقات في هاتفك الذكي، يقترح أكثر من 50 موقعًا وزاوية تستطيع فيها استكشاف الجرافيتي وفنّ الرسم على الحيطان في المدينة، لا سيّما في الأحياء المخبّأة والشوارع الخلفية بعيدًا عن المواقع الرئيسية العامة.
بلال خالد، فنّان فلسطيني من غزة، استقرّ به الحال في إسطنبول منذ بضع سنوات، فما كان منه إلا أنْ يضع بصمته على حيطانها وجدرانها، خاصة وأنه يعتبر الجرافيتي رسالة يريد إيصالها للعالم فحواها أنّ فلسطين مليئة بالفنانين وأصحاب المواهب، لكنّ الحروب والظروف الصعبة تقف عائقًا أمامهم.
يميل بلال إلى إدخال فنّ الحروف العربية في لوحاته الجدارية، ويرى أنّ تفاعل سكّان إسطنبول مع ما يرسمه هو تفاعلٌ إيجابيّ بامتياز، فالكثير منهم يلتقطون الصور لها أو معها ويتبادلونها على مواقع التواصل الاجتماعي، أو حتى بات الكثيرون من الأشخاص يتواصلون معه طالبين منه رسم تلك الجداريات في بيوتهم أو تصميم لوحات يقتنونها ويعلّقونها في منازلهم.