بعد أقل من عشرة أيام على زيارته للإمارات التي تعد الثانية له في أقل من 3 أشهر تباحث خلالها سبل التعاون العسكري بين البلدين، حل الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، ضيفًا على نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، في زيارة أثارت الكثير من الجدل في التوقيت والدلالات.
اللقاء الذي عقده الرئيسان، أمس الثلاثاء، في القاهرة، هو الثالث من نوعه منذ عام 2014، يأتي وسط أجواء ملبدة بالغيوم، سياسيًا وعسكريًا، بين مصر وإريتريا من ناحية، والسودان وإثيوبيا من ناحية أخرى، وهو ما أحاط هذه الزيارة بسياج من الأهمية والترقب من الكثير من المتابعين للمشهد في العواصم الأربعة.
رسائل شديدة اللهجة حملها هذا اللقاء – وفق بعض المصادر الدبلوماسية المصرية – لكل من أديس أبابا والخرطوم تعكس تصاعد منحنيات التوتر في العلاقات في الوقت الذي تتناقل فيه بعض وسائل الإعلام هنا وهناك عن حشود عسكرية حدودية وتعزيزات مسلحة تنذر بقرع طبول الحرب في أي وقت.
مشهد ملبد بالغيوم
حالة من الضبابية تخيم على أرجاء المشهد السياسي والأمني في منطقة القرن الإفريقي خلال الأيام القليلة الماضية، كشفت بعض ملامحها مخرجات زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، للسودان قبل أيام، خاصة ما يتعلق باتفاقية جزيرة سواكن التي أثارت حفيظة القاهرة بشكل غير مسبوق، مما دفع منصاتها الإعلامية لتوجيه الاتهامات للخرطوم والتصعيد من حدة الخطاب الذي وصل إلى حد التهديد، مما دفع الأخيرة إلى استدعاء سفيرها لدى مصر للتشاور.
وبينما كانت تصعد القاهرة من هجومها على الخرطوم، كان رؤساء أركان الجيش السوداني والتركي والقطري في اجتماع تنسيقي داخل مقر القيادة العامة للقوات المسلحة بالسودان، اجتماع قيل إنه بَحَث التعاون العسكري، في الوقت الذي كانت تختتم فيه تمرينات عسكرية مشتركة بين القوات القطرية ونظيرتها السودانية على ساحل البحر الأحمر.
الانحياز السوداني لوجهة النظر الإثيوبية في ملف السد فسرته القاهرة بأنه “استعداء متعمد” من الخرطوم ضدها، يهدف إلى تهديد الأمن المائي المصري
وفور مغادرة أردوغان للخرطوم كان التحرك المصري الإماراتي لبحث تداعيات تلك الزيارة سريعًا، حيث توجه وزير الخارجية المصري سامح شكري، في زيارة خاطفة لأبو ظبي التقى خلالها نظيره الإماراتي عبد الله بن زايد، تباحثا كيفية مواجهة التحركات التركية في السودان، وبعدها بأيام قليلة كانت زيارة الرئيس الإريتري للإمارات أيضًا، في تزامن أثار العديد من علامات الاستفهام خاصة أنه لم يمر على زيارته السابقة، في أكتوبر/تشرين الماضي، التي التقى خلالها ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، أكثر من ثلاثة أشهر.
زيارة أفورقي للقاهرة جاءت بعد أيام قلية من إعلان والي ولاية كسلا السودانية آدم جماع، إغلاق جميع المعابر الحدودية السودانية مع إريتريا منذ مساء الجمعة الماضي، وهو القرار الذي فسرته بعض الوسائل الإعلامية كرد فعل على دفع مصر بالتنسيق مع الإمارات بتعزيزات مسلحة إلى قاعدة “ساوا” الإريترية.
هذه الأجواء غير المستقرة فرضت المزيد من الاهتمام المشوب بالترقب على لقاء السيسي – أفورقي وما يمكن أن يسفر عنه من تداعيات ومخرجات تنعكس بشكل أو بآخر على خريطة التوتر المشتعلة بين الدول الأربعة دون إغفال للدور الإماراتي في عملية التصعيد.
الرئيس الإريتري زار أبو ظبي نهاية ديسمبر الماضي
القاهرة – الخرطوم.. منعطف خطير في العلاقات
خلال العامين الأخيرين على وجه الخصوص دخلت العلاقات المصرية السودانية منعطفًا خطيرًا يهدد بمستويات مواجهة جديدة تفوق ما اعتاد عليه الجانبان الفترات الماضية، خاصة بعد استدعاء الخرطوم سفيرها لدى القاهرة للتشاور على خلفية ما تردد بشأن طلب مصر من إثيوبيا استبعاد السودان من مفاوضات أزمة سد النهضة، وإن نفت الخارجية المصرية هذه الأنباء، مؤكدة حرصها على المسار التفاوضي الثلاثي انطلاقًا من اتفاق المبادئ الموقّع في الخرطوم في مارس/آذار 2015.
التقارب السوداني التركي لم يكن السبب الوحيد لتفاقم التوتر مع القاهرة، فرغم ما أثاره من قلق لدى السلطات المصرية لا يعدو كونه مفجرًا لبراميل التصعيد الخاملة الذي أنشأها تعقّد مسارات التفاهم بشأن سد النهضة الإثيوبي، وما تبعها من تراشق إعلامي بين وزيري خارجية البلدين وأجهزة الإعلام الموالية لهما.
زيارة أفورقي للقاهرة جاءت بعد أيام قلية من إعلان والي ولاية كسلا السودانية آدم جماع، إغلاق جميع المعابر الحدودية السودانية مع إريتريا
الانحياز السوداني لوجهة النظر الإثيوبية في ملف السد فسرته القاهرة بأنه “استعداء متعمد” من الخرطوم ضدها، يهدف إلى تهديد الأمن المائي المصري كأحد أدوات الضغط على الإرادة المصرية في بعض الملفات الإقليمية، وهو ما نفته الخرطوم أكثر من مرة.
البوصلة الخارجية للسودان تحددها مصالحها القومية وفقط، ففي الوقت الذي فشل فيه النظام المصري في احتواء جارته وتذليل العقبات بينهما، دفعها إلى البحث عن مصالحها في عمقها الجنوبي عن طريق إثيوبيا التي قدمت لها يد العون والمساعدة ووقفت بجوار رئيسها ونظامه أمام الملاحقات الدولية والأممية وهو ما لم ينسه البشير مقارنة بموقف القاهرة على سبيل المثال، هذا بخلاف الاتهامات السودانية للجانب المصري بدعم المعارضة واستضافة قيادتها ودعمهم من أجل إسقاط النظام.
التطورات التي شهدتها المنطقة مؤخرًا والتغيير الواضح في ملامح خريطة التحالفات الإقليمية والدولية دفع السودان إلى تفعيل تقاربه مع تركيا وقطر على حساب المحور القديم (السعودية والإمارات)، وهو ما لم يروق للقاهرة بلا شك التي تنظر لكل من الدوحة وأنقرة وتحركاتهما في إفريقيا على وجه التحديد على أنه استهداف لأمنها القومي في ظل التوتر الذي تشهده العلاقات معهما.
كما أن استعادة نظام البشير نغمة المطالبة بحلايب وشلاتين الحدوديتين، على غرار تيران وصنافير، كان له تأثير كبير في تفاقم الأزمة بين الجارتين، خاصة بعد أن وصل الأمر إلى التلويح بتدويل الملف، وهو ما ردت عليه القاهرة ببعض التحركات الجنوبية كان آخرها إقامة صلاة الجمعة قبل الماضية من هناك “حلايب” في رسالة واضحة للخرطوم.
البعض ذهب إلى أهداف داخلية يسعى قادة البلدين إلى تحقيقها من وراء هذا التصعيد، على رأسها محاولة كل نظام إلى توسيع شعبيته الداخلية عبر خلق أزمة قومية جديدة تخفي الفشل الداخلي هنا وهناك، ومع ذلك فإن اللجوء إلى الخيار العسكري أمر مستبعد كما ذهب الكثير من المقربين من دوائر صنع القرار.
التهاب الحدود الإريترية السودانية
حالة من التوتر المتصاعد تشهدها الحدود السودانية الإريترية في أعقاب الحديث عن حشود عسكرية قدمتها مصر إلى أسمرة بهدف الضغط على حكومة البشير ودعم المتمردين.
هذه الأنباء دفعت الخرطوم إلى إغلاق المعابر الحدودية مع إريتريا، استنادًا إلى مرسوم من الرئيس السوداني عمر البشير، صدر في 30 من ديسمبر/كانون الأول الماضي، بإعلان الطوارئ في ولاية كسلا (شرق) الحدودية، ضمن ما تقول الخرطوم رسميًا إنها عملية لجمع السلاح، أطلقتها الحكومة قبل أربعة أشهر.
مراسل قناة “الجزيرة” في أديس أبابا، نقل عن مصادر خاصة أن تعزيزات عسكرية مصرية، تشمل أسلحة حديثة وآليات نقل عسكرية وسيارات دفع رباعي وصلت إلى قاعدة “ساوا” العسكرية في إريتريا التي تقع في إقليم “القاش بركة” المحاذي للسودان في حدوده الشرقية، وقالت المصادر إن اجتماعًا عُقد في القاعدة وضم عددًا من القيادات العسكرية والأمنية من مصر والإمارات وإريتريا والمعارضة السودانية ممثلة في بعض الحركات المتمردة في إقليم دارفور، وذلك حسبما أشار “نون بوست” في تقرير سابق.
التقرير نقل عن مواطنين سودانيين يقطنون ولاية القضارف السودانية التي تقع ضمن مثلث حدودي يضم أجزاءً من السودان وإثيوبيا وإرتريا، أنهم شاهدوا طائرات يشتبه أنها إثيوبية تقوم بطلعات جوية وعمليات تمشيط واسعة، ومنطقة المثلث الحدودي بين البلدان الثلاثة تقدر بـ20 كيلومترًا، حيث توجد “الحمرة” الإثيوبية وبالقرب منها توجد “حمداييت” السودانية، إلى جانب “أباي خديرة” الإثيوبية وبها معابر تؤدي إلى كل من السودان وإريتريا.
التحركات السودانية الأخيرة ضد مصر فيما يتعلق بملف حلايب وشلاتين فضلاً عن الانحياز للرؤية الإثيوبية في سد النهضة، قابلتها القاهرة بتحركات مضادة في كل من إريتريا وجنوب السودان وأوغندا
رئيس لجنة الإعلام في البرلمان السوداني الطيب مصطفى، عزز هذه الأنباء بقوله إن حشودًا عسكرية مصرية – إريترية وصلت إلى حدود البلاد الشرقية، ضمن خطة لخلق توترات في المنطقة، إلى جانب دعم المتمردين في الحدود الجنوبية، مضيفًا في تصريحاته لـ”الأناضول”: “لدينا معلومات مؤكدة بأمر الحشود، ودور مصر فيها”.
ومن ثم فإن الربط بين وصول تلك التعزيزات العسكرية المصرية لأسمرة وزيارة أفورقي لأبو ظبي مرتين خلال 3 أشهر آخرها قبل عشرة أيام، بجانب ما يثار بشأن حشود مسلحة كبيرة أرسلها السودان إلى شرق البلاد في ظل إغلاق الحدود مع إريتريا من جانب، والحدود الإثيوبية – الإريترية من جانب آخر، وزيارة الرئيس الإريتري للقاهرة ولقائه السيسي أمس، فإن الأمور تشير إلى أن الأجواء قد لا تبشر بخير.
الأحداث بمستجداتها الحاليّة قد تمضي نحو مواجهة شرقي السودان، إن استمرت وتيرة التطورات المتسارعة على الجانبين، خاصة وأن ما قد يزيد من احتمالات هذه المواجهة أن السودان وإريتريا، تعانيان حاليًّا من أزمات داخلية اقتصادية وأمنية وسياسية، وهو ربما يجعلهما تبحثان عن عدو خارجي، لصرف الأنظار عن أزماتهما المستفحلة كما تم التطرق إليه سابقًا.
حديث عن حشود عسكرية على الحدود بين إريتريا والسودان يلهب الأجواء
رسائل من القاهرة
زيارة أسياس أفورقي ولقاءه بالسيسي في قصر الاتحادية في ظل هذه الأجواء المشحونة في منطقة القرن الإفريقي حملت العديد من الرسائل إلى كل من أديس أبابا والخرطوم على حد سواء، فيما يشير إلى تحالف مصري إريتري في مواجهة أعداء مشتركين، السودان وإثيوبيا.
رسالة إلى أديس أبابا.. الرسالة الأولى التي حملتها زيارة أفوري كانت لإثيوبيا في المقام الأول، تتلخص في أن التقارب المصري الإريتري في حقيقته رد فعل على التعنت الإثيوبي في مسار سد النهضة خاصة بعد تجاهله للمطالب المصرية المتكررة التي تحذر من تهديد ملء خزان السد على الأمن المائي المصري.
هذه الرسالة تقود إلى احتمالية استخدام القاهرة لأسمرة كسلاح فعال في مواجهة أديس أبابا خاصة أن الرئيس الإريتري يعول على مصر كثيرًا في تطوير قدراته التسليحية والعسكرية، في مقابل تعويل القاهرة على إريتريا في تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين في مجالات التسليح والاستخبارات ومكافحة الإرهاب والأمن العام، ليبقى لها وجود قوي على بعد خطوات من الجارة الأكثر إزعاجًا لكلا البلدين، إثيوبيا.
يذكر أن إثيوبيا كانت قد وجهت اتهامات متكررة لنظام السيسي – آخرها العام قبل الماضي – بتقديم دعم سياسي وإعلامي للمعارضة الإثيوبية، وبصفة خاصة المطالبة باستقلال شعب الأورومو، واستغلال بعض المشروعات التي تقوم بها الحكومة في أراضي الأورومو لتأليب الرأي العام على الدولة المركزية، إلّا أن السيسي ووزير خارجيته سامح شكري نفيا ذلك رسميًا.
الأحداث بمستجداتها الحاليّة قد تمضي نحو مواجهة شرقي السودان، إن استمرت وتيرة التطورات المتسارعة على الجانبين
رسالة إلى الخرطوم.. الرسالة الثانية موجهة إلى السودان بصورة مباشرة، مفادها أن أي تحرك ضد القاهرة ربما يقابله تحرك مضاد عن طريق إريتريا خاصة بعد قرب الإمارات – الحليف الأبرز للسيسي – من الانتهاء من تدشين قاعدتها العسكرية في عصب الإريترية، التي بلا شك ستكون تحت أمر السلطات المصرية في أي وقت بحكم العلاقة القوية التي تجمع بين الجانبين.
التحركات السودانية الأخيرة ضد مصر فيما يتعلق بملف حلايب وشلاتين، فضلاً عن الانحياز للرؤية الإثيوبية في سد النهضة، قابلتها القاهرة بتحركات مضادة في كل من إريتريا وجنوب السودان وأوغندا، فضلاً عما يثار بشأن تزويد المتمردين بالأسلحة سواء كانت قادمة من القاهرة مباشرة أو عن طريق الحليف الليبي خليفة حفتر.
ومن ثم ورغم الصمت الإثيوبي- رسميًا – حيال التحركات المصرية الإريترية الإماراتية ضدها، واكتفاء الخرطوم بسحب سفيرها للتشاور، فإن الأجواء العامة تشير إلى أن الفترة القادمة قد تشهد مزيدًا من التوتر والتصعيد على الحدود السودانية الإريترية كورقة ضغط ضد كل من الخرطوم وأديس أبابا، ويبقى رد فعل الأخيرين ومدى رضوخهما لمثل هذه الضغوط الفيصل في حسم المعركة، سياسية كانت أو عسكرية.