ترجمة وتحرير: نون بوست
قال مدير مشروع مستشفى حيفا الخيري في مدينة غزة إن المستشفى تم إخلاؤه بالفعل عندما سقطت مقذوفات على المبنى يوم 27 كانون الأول/ ديسمبر. وقالت شيماء رأفت في رسالة صوتية، إنه كان يومًا “مرعبًا” حدث فيه القصف “في كل مكان وبشكل عشوائي”. وكانت تلك الغارة واحدة من بين حوالي 90 حادثة موثقّة شملت مستشفيات في غزة منذ بدء الحرب بين إسرائيل وحماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، هذا وفقًا لمعلومات من مصادر بما في ذلك مجموعات الإغاثة والمستشفيات التي حلّلتها صحيفة “واشنطن بوست”.
تصدّرت بعض هذه الهجمات، مثل الغارات الإسرائيلية على مستشفى الشفاء في مدينة غزة ومستشفى ناصر في خان يونس، عناوين الأخبار الدولية. والبعض الآخر – مثل تدمير مستشفى حيفا، الذي كان في السابق منشأة مزدحمة مكونة من ستة طوابق تخدم حوالي 9000 مريض شهريًا – لم يلاحظها أحد نسبيًا مع احتدام القتال
وجدت الصحيفة أنه من بين 36 مستشفى في غزة يتتبّعها مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، أربعة منها فقط لم يتم الإبلاغ عن تضررها بسبب الذخائر أو الغارات التي شنّتها قوات الدفاع الإسرائيلية أو خرجت عن الخدمة على مدى أكثر من سبعة أشهر من الحرب. ومن بين هذه المستشفيات، يوجد مستشفيان – مستشفى الكويت والهلال الإماراتي – في رفح. وفي وقت سابق من هذا الشهر، كان مستشفى النجار، الموجود أيضًا في المدينة الجنوبية حيث توسّع إسرائيل هجومها، آخر مستشفى يتم إغلاقه.
جعلت إسرائيل المستشفيات هدفًا رئيسيًا لحملتها العسكرية في غزة بعد بتعلّة أن حماس تستخدمها في نشاط مسلح، مما أدى إلى تهالك أو تدمير المرافق الطبية الأكثر أهمية في القطاع. (في هجوم حيفا، على سبيل المثال، قال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي إن الغارة كانت ضد هدف عسكري داخل المبنى). وفي حالات أخرى، تم قصف المستشفيات والعيادات كجزء من القتال بين الجيش الإسرائيلي وحماس.
لحِقت بالمستشفيات أضرار بسبب القصف البري والجوي الإسرائيلي، وكذلك بسبب الذخائر التي أطلقتها الجماعات الفلسطينية المسلحة، بما في ذلك الصواريخ التي سقطت على أراضي غزة، كما حدث على ما يبدو في المستشفى الأهلي في تشرين الأول/ أكتوبر. ولا يمكن في كثير من الأحيان تأكيد مصدر الضرر الناجم عن الذخائر، لأن صحيفة “واشنطن بوست” ووسائل الإعلام الأخرى غير قادرة على دخول القطاع.
قالت إسرائيل باستمرار إنها عندما تداهم المستشفيات أو تلحق بها أضرارًا فإن الهجمات تكون مبررة لأن حماس والجماعات المسلحة الأخرى متجذرة داخلها. وقد رفضت حماس والعاملون في المستشفيات الفردية هذه المزاعم. وقال الجيش الإسرائيلي في بيان أرسل عبر البريد الإلكتروني: “إن السمة الأساسية لاستراتيجية حماس هي استغلال المباني المدنية لأغراض إرهابية. …يجب أن يكون واضحًا أنه يُمنع منعًا باتًا إساءة استخدام المستشفيات لأغراض عسكرية، وتحويل المرضى إلى دروع بشرية”. كما اتهم الجيش الإسرائيلي حماس باحتجاز رهائن داخل المستشفيات. وقال إن ضرباته كانت دائمًا “ضرورة عملياتية”.
كانت الأدلة التي قدمتها إسرائيل علنًا في بعض الأحيان قاصرة عن دعم ادعاءاتها بشأن استخدام المستشفيات لأغراض عسكرية. وواشنطن بوست غير قادرة على التحقق بشكل مستقل منها. في شباط/ فبراير، قالت رافينا شامداساني، المتحدّثة باسم مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إنه يبدو أن هناك “نمطًا من الهجمات التي تشنها القوات الإسرائيلية على البنية التحتية المدنية الأساسية المنقذة للحياة في غزة، وخاصة المستشفيات”.
واعتبارًا من أيار/ مايو، كان هناك 15 مستشفى تعمل جزئيًا، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية والاتصالات من المستشفيات. وقد خرج بعضها عن الخدمة بعد أن تعرضت لغارة أو نظرا لتضررها، ولكن أعيد فتحها لاحقًا، مما تسبب في تقلب عدد المستشفيات العاملة طوال الحرب. كما أنشأت منظمات الإغاثة مستشفيات ميدانية داخل القطاع.
قالت جماعات الإغاثة إن المستشفيات العاملة مكتظة بشدة وتواجه نقصًا في الإمدادات المهمة مثل أدوية التخدير والمضادات الحيوية والشاش. وتعتمد الخرائط الواردة في هذه القصة على المعلومات الصادرة على مدار الحرب من قبل مجموعات الإغاثة (وكالات الأمم المتحدة بما في ذلك مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية ومنظمة الصحة العالمية وأطباء بلا حدود وهيومن رايتس ووتش وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني) بالإضافة إلى العاملين في المستشفيات والمنظمات التي تديرها، وتقارير وسائل الإعلام، ومجموعة الأبحاث غير الربحية “رؤية انعدام الأمن“، والجيش الإسرائيلي ووزارة الصحة في غزة. ولم تتمكن الصحيفة من التحقق بشكل مستقل من بعض البيانات.
ينص القانون الدولي الذي يحكم الحرب على عدم مهاجمة المستشفيات أثناء النزاعات. وتصبح أهدافًا حيوية فقط إذا تم استخدامها لارتكاب أعمال عنف وإذا اتخذت القوة المهاجمة تدابير لحماية المدنيين. وقالت شمداساني: “حتى لو ادعت إسرائيل أن منشأة طبية فقدت حمايتها نتيجة استخدامها في أعمال تضر بالقوات الإسرائيلية، فيجب عليها مع ذلك الالتزام بمبادئ الاحتياط والتناسب”.
لكن الدمار واسع النطاق الذي تعرضت له المنشآت منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر قد يعكس المعدل الإجمالي للدمار في غزة. يقول الخبراء إن المساكن دُمّرت بمعدل شدة لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية، كما تضرر ما يقارب 90 بالمائة من المباني المدرسية، وتضررت المدارس بشكل كبير. لقد تجاوز معدل فقدان البنية التحتية في الأشهر الأولى من الحرب الصراعات الأخيرة بما في ذلك في حلب السورية، والموصل العراقية.
تعرضت المجمعات الطبية في غزة لأضرار بسبب القصف بنفس المعدل تقريبًا الذي تعرضت له المباني الأخرى في الفترة ما بين 7 تشرين الأول/أكتوبر و7 تشرين الثاني/ نوفمبر، وذلك وفقا لتحليل أجرته جامعة ييل لصور الأقمار الصناعية ونُشر في أبريل/نيسان.
قالت المؤلفة الرئيسية دانييل بول، وهي عالمة أبحاث مشاركة في مختبر البحوث الإنسانية بجامعة ييل، في مقابلة إن دراسة متابعة تخضع لمراجعة النظراء، وجدت أنه خلال الأشهر اللاحقة كانت هناك زيادة بمقدار أربعة أضعاف في عدد الزيارات إلى المستشفيات التي تضرّرت بمعدل “مهم إحصائيًا” أعلى من المباني الأخرى. وأضافت: “حتى هجوم واحد يثير المخاوف بشأن القانون الإنساني الدولي”.
في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، اخترق مقاتلو حماس الجدار الذي يفصل بين غزة وجنوب إسرائيل ونفذوا هجومًا أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص، من بينهم أكثر من 300 جندي، وفقًا لإسرائيل. ومنذ ذلك الحين قُتل أكثر من 35.500 فلسطيني وجُرح ما يقارب 80 ألفًا آخرين، وذلك وفقًا لوزارة الصحة في غزة، التي لا تميّز بين المدنيين والمقاتلين ولكنها قالت إن غالبية القتلى هم من النساء والأطفال. وقالت إسرائيل إن أكثر من 280 من جنودها قتلوا منذ بدء عمليتها العسكرية في غزة.
جُذبت المستشفيات في غزة إلى الحرب منذ البداية. وتعرض المستشفى الإندونيسي في شمال القطاع لأضرار جراء غارة على محيطه في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وذلك حسب منظمة أطباء بلا حدود. وفي 17 تشرين الأول/ أكتوبر، أدى انفجار في المستشفى الأهلي العربي في مدينة غزة إلى مقتل ما لا يقل عن 100 شخص وتسبب في إدانة عالمية.
ألقت حماس باللوم على إسرائيل، ونفت إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة، مسؤوليتها. وقالت إسرائيل إن مصدر الذخيرة هو جماعة مسلحة تعمل في غزة تدعى حركة الجهاد الإسلامي. وخلص تحليل لصحيفة واشنطن بوست إلى أن المقاتلين في غزة أطلقوا وابلاً من الصواريخ باتجاه إسرائيل وفي اتجاه المستشفى الأهلي قبل 44 ثانية من الانفجار. وبدأ الجيش الإسرائيلي عمليته البرية في 27 تشرين الأول/ أكتوبر.
في تشرين الثاني/ نوفمبر، بدأ نمط تكرر ضد سبعة مستشفيات على الأقل، وذلك وفقًا لتحليل الصحيفة: الجيش الإسرائيلي يحاصر المبنى، ويمنع الحركة إلى الداخل أو الخارج – بما في ذلك – في خمسة أمثلة على الأقل – بنيران القناصة، وذلك وفقًا لوكالات الإغاثة التي لديها موظفون على أرض الميدان ووزارة الصحة في غزة؛ وفي كثير من الأحيان تسهيل عملية الإخلاء؛ ودخول المستشفى في مداهمة. وأبرز مثال على ذلك ما حدث في مستشفى الشفاء، أكبر منشأة طبية في غزة، الذي تمت مداهمته في تشرين الثاني/ نوفمبر.
في مستشفى النصر للأطفال في ذلك الشهر، أمر الجيش الإسرائيلي الموظفين بالإخلاء وحصلوا على تأكيدات بأنه سيتم الاعتناء بالأطفال الذين تركوهم، حسب ما أخبروا به صحيفة “واشنطن بوست”. وبعد أسبوعين، عاد صحفي فلسطيني إلى المبنى الفارغ ووجد الجثث المتحللة لأربعة أطفال تركوا وراءهم. وتم التحقق من مقطع الفيديو الخاص به للمشهد المروع بواسطة صحيفة “واشنطن بوست”. وفي وقت لاحق، شكك متحدث باسم الجيش الإسرائيلي في الرواية خلال جلسة أسئلة وأجوبة على وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي كانون الأول/ ديسمبر، وجد تحليل لصور الأقمار الصناعية نشرته صحيفة “واشنطن بوست”، أدلة على وجود عشرات الحفر الواضحة بالقرب من غالبية المستشفيات في شمال غزة، بما في ذلك 10 حفر تشير إلى استخدام قنابل تزن 2000 رطل، وهي الأكبر في الاستخدام المنتظم. وفي مطلع كانون الأول/ ديسمبر، استمرت العملية البرية للجيش الإسرائيلي، التي بدأت عند الحدود الشمالية للقطاع وانتقلت عبر مدينة غزة والقطاع الأوسط، إلى خان يونس، أكبر تجمّع سكاني في جنوب القطاع.
في شهر شباط/ فبراير، تمت مداهمة مستشفى ناصر، وهو المستشفى الأكثر أهمية في جنوب غزة، وتوقف عن العمل لعدة أشهر بعد حصار دام أسبوعًا على الأقل. وقال مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة – نقلًا عن وزارة الصحة في غزة – إن ثمانية مرضى في العناية المركزة توفوا بسبب نقص الأكسجين وغمرت مياه الصرف الصحي بعض الأقسام. وقالت الوزارة إن الجيش الإسرائيلي اعتقل حوالي 70 موظفا. ووصفت إسرائيل عمليتها بأنها “دقيقة وموجهة”. وأضافت أنها عثرت في المستشفى على أسلحة وأدوية مكتوب عليها أسماء الرهائن.
وتمت مداهمة مستشفى الشفاء، الذي استأنف تقديم خدمات محدودة، للمرة الثانية في آذار/ مارس بعد أن قال الجيش الإسرائيلي إن أعضاء حماس عادوا إلى المبنى. وبعد أيام من القتال العنيف، بقي المستشفى “هيكلا فارغا” بدون مرضى، وتضررت معظم المباني أو دُمرت، ومعظم المعدات غير صالحة للاستعمال أو تحولت إلى رماد، وذلك وفقا لمنظمة الصحة العالمية. ومن جهته، وصف الجيش الإسرائيلي عمليته بالدقيقة وقال إنه تم العثور على أسلحة وذخائر ومقاتلين في المبنى.
وفي شهر أيار/ مايو، بدأت إسرائيل إصدار أوامر بإخلاء جماعي من رفح، مما زاد المخاوف بشأن المستشفيين العاملين بشكل جزئي في تلك المدينة اللذين لم يتم الإبلاغ عن تعرضهما لأضرار أو مداهمات خلال الحرب. ويقع أحدهما، وهو مستشفى الكويت، داخل منطقة الإخلاء. وقال ممثل منظمة الصحة العالمية في المنطقة، ريك بيبركورن، للأمم المتحدة في جنيف هذا الشهر، إن منظمة الصحة العالمية “تشعر بقلق بالغ” بشأن احتمال شن عملية عسكرية إسرائيلية واسعة النطاق في رفح. وقال إن التوغل هو أمر “لن يتمكن النظام الصحي المتعثر من تحمله”.
المصدر: واشنطن بوست