ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب: ويليام برنز وجيك سوليفان
منحت المظاهرات الأخيرة في إيران فرصة جديدة للسياسة الأمريكية، ولكنها ليست كتلك التي خطط لها دونالد ترامب بشكل غريزي. فخلال الأيام القليلة القادمة، سيجد ترامب نفسه مجبرا على أن يقرر ما إن كانت الولايات المتحدة ستواصل التزامها بالاتفاق النووي. وقد يصرح ترامب وفريقه بجنونية مواصلة الاتفاق مع نظام يمارس القمع ضد المتظاهرين في إيران. ولكن قد يمس هذا من هدفنا الإستراتيجي، وسنصبح نحن المشكلة وليس ذلك النظام ضعيف الشرعية والمغضوب عليه شعبيا.
إلى جانب ذلك، سيضر اتخاذ مثل هذه الخطوة بالفرص التي تتيحها السياسة الحقيقية السابقة لنا، تلك المتعلقة بتجديد الضغوط الدولية ضد القيادات الإيرانية التي تهدد شعبها والمنطقة، مع مواصلة تضييق الخناق حول مطامح إيران النووية. كما يمكن لإدارة ترامب أن تعيد من جديد السياسة الإيرانية إلى المسار الذي يضع واشنطن في منصب القيادة، وطهران في موقع الدفاع الدبلوماسي عن النفس.
في الواقع، يمنحنا الاتفاق النووي الحق في اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد الحكومة الإيرانية في حال ارتكبت مخالفات لا صلة لها بالمشروع النووي. فلا شيء مستراب إن دعمنا الاتفاق النووي ومررنا مقاييس اقتصادية جديدة تستهدف منتهكي حقوق الإنسان في إيران على سبيل المثال، أو استهداف الفاعلين من خارج إيران من بين هؤلاء الذين يزودون النظام الإيراني بالخدمات الأمنية بهدف إنهاء القمع الشعبي. وقد تزيد مقدرتنا على إقناع شركائنا الأوروبيين أو غيرهم للانضمام إلينا في هذا المضمار إن لم نتخل عن الاتفاق النووي.
يجب على الإدارة الأمريكية أن تبعث برسالة لشركائها الأوروبيين تؤكد فيها أنها ستواصل تعزيز الاتفاق، وأنها تتوقع منهم أن ينضموا إليها في حملة منع النظام الإيراني من قمع شعبه في الداخل والخارج
عوضا عن تحويل الاقتصاد الإيراني إلى قوة ماحقة داعمة للنظام واستقراره، منع الاتفاق النووي النظام من التعلل بأن الضغوط الخارجية هي سبب الظروف المزرية التي يعيشها غالبية الشعب الإيراني، في حين أنها بالأساس نتاج الفساد، وسوء إدارة والتفاوت في توزيع موارد البلاد. وبعد سنتين من الإعداد للاتفاق النووي، أصبح نظام الملالي في طهران في وضعية حرجة. كما تحققت أبرز مخاوف المرشد الأعلى خلال مفاوضات الاتفاق النووي، خاصة أن الاتفاق قد أظهر نقاط ضعف النظام وهشاشته، على عكس ما كان متوقعا منه.
حيال هذا الشأن، يجادل البعض بأن إحياء العقوبات النووية سيعجل بسقوط النظام من خلال ممارسة الضغوطات الاقتصادية. هذا في أفضل حالاته سيكون مجرد تخمين، فعند تنفيذ تلك العقوبات ستتضاعف مخاطر تصلب الحكومة الإيرانية وسيفرز ذلك معسكرين “نحن وهم” في الداخل الإيراني، ما سيصرف الأذهان عن الحقيقة الواضحة لهذه الاحتجاجات. كما سيتعاظم خطر آخر بإشعال فتيل حرب عالمية جديدة تبحث عن المخطئ، أهي طهران أم واشنطن، في حين سيتخذ بقية العالم موقف المتفرج.
في نهاية المطاف، سيمنح هذا الوضع إيران الحق في التخلي عن أصفاد الاتفاق النووي، ما سيسرع في نشوب أزمة نووية في الشرق الأوسط في الوقت الذي نحاول فيه السيطرة على الوضع في شبه الجزيرة الكورية.
في المقابل، يجب على الإدارة الأمريكية أن تبعث برسالة لشركائها الأوروبيين تؤكد فيها أنها ستواصل تعزيز الاتفاق، وأنها تتوقع منهم أن ينضموا إليها في حملة منع النظام الإيراني من قمع شعبه في الداخل والخارج. وكلما صعّدت إيران من تصديها للمتظاهرين، صعّدنا من الضغوط، باستخدام العقوبات التي بين يدينا غير المنصوص عليها في الاتفاق النووي.
من المؤكد أن توجيه دعم ذكي للشعب الإيراني ولمصالحنا الإستراتيجية بالقدر القليل الذي لا يهدد إيران، سيزيد من عبء النظام، عوضا عن نشر تغريدات تزيد من الاحتقان
في هذا الصدد، يجب أن نفعل كل ما بوسعنا من أجل أن تكون إداناتنا العلنية صادرة في سياق دولي وليست إدانات فردية. كما يجب أن نواصل البحث عن جميع السبل التي تجعل الشعب الإيراني موصولا بمواقع التواصل الاجتماعي وتكنولوجيا المعلومات، ليتواصل فيما بينه ومع بقية العالم. بالإضافة إلى ضرورة تحلي الإدارة بالحكمة في توظيف هذه المناسبات لرفع الحظر عن الرحلات الإيرانية للولايات المتحدة، من أجل عدم حرمان المتظاهرين من الدراسة هنا أو زيارة الأقارب.
فضلا عن ذلك، يجب أن يرافق هذه الحملة معطى آخر كان غائبا في تعليقات الإدارة الأخيرة، وهو التواضع. فبدل وضع التقدير المناسب وحدود الإمكانيات لهذه اللحظة، قام الرئيس ونائبه ومن لف لفهم باستغلال الفرصة لتسجيل أهداف سياسية على حساب الرئيس السابق باراك أوباما، محاولين استخلاص الدروس من مظاهرات سنة 2009 واستعراض عضلاتهم حول كيفية توجيه الأحداث في إيران.
بناء على ذلك، من المؤكد أن توجيه دعم ذكي للشعب الإيراني ولمصالحنا الإستراتيجية بالقدر القليل الذي لا يهدد إيران، سيزيد من عبء النظام، عوضا عن نشر تغريدات تزيد من الاحتقان، أو الإقدام على جنونية كإلغاء الاتفاق النووي الذي سيزيد من صلابة خصمنا.
مما لا شك فيه، إن الرقص على أكثر من حبل ميزة دبلوماسية أمريكية فعالة، كما فعل الرئيس رونالد ريغن خلال تعامله مع الاتفاقات الصعبة للسيطرة على الأسلحة مع الاتحاد السوفيتي، مع ممارسة الضغط حول انتهاكات حقوق الإنسان، والدفع بالمجتمع الدولي للضغط على الاتحاد والتقليل من مخاطره. لذلك، لا بأس بإتباع هذا النموذج خاصة وأن التناقض الإيراني في الداخل أصبح غاية في الوضوح.
المصدر: واشنطن بوست