ترجمة وتحرير: نون بوست
خلال الأسبوع الماضي، راج مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي السعودية يصور ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وهو يتوعد بشن هجوم ضد أكبر منافسي بلاده ونقل المعركة “داخل إيران”. وقد أخذ مقطع الفيديو، الذي مرّ على تسجيله قرابة ثمانية أشهر، بعدا جديدا مهما، خاصة في الوقت الذي تنتشر فيه الاحتجاجات العنيفة في جميع أنحاء إيران.
لكن، ليس من الواضح بعد ما إذا كان للمملكة العربية السعودية يد في إثارة هذه الاحتجاجات، كما يزعم قادة الجمهورية الإسلامية. في المقابل، يبدو أن الحاكم السعودي، وبحكم الأمر الواقع، قد اتخذ عدة خطوات إقليمية ضد إيران، إلا أنه لم ينتصر عليها بعد. وعلى الرغم من أن أعداء الأمير لم يبدوا أي اهتمام أو انزعاج مما تقوم به السعودية، إلا أن القلق بدأ يتسلل إلى قلوب حلفاءه.
بدءا من العالم السني العربي، الذي يمثل المجال الطبيعي للنفوذ السعودي، ووصولا إلى الولايات المتحدة وأوروبا، نأى بعض الدبلوماسيين بأنفسهم عن مشاريع المملكة، في حين أعرب البعض الآخر عن معارضتهم لها. وبالنسبة لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، اتسمت سنة 2017 بتحقيقه لنتائج متباينة، حيث تمكن في الداخل من إقصاء منافسيه على العرش، وهو ما ساعده في تسلق سلم المناصب في الدولة بسرعة. خلافا لذلك، واجهت مبادرات الأمير عرقلة واسعة خاصة في اليمن وقطر ولبنان، والدول الإقليمية، حيث يسعى السعوديون إلى فرض قيادتهم في ظل اعتقادهم بتنامي نفوذ إيران داخلها.
أدت لعبة نفوذ بن سلمان في الشرق الأوسط إلى نتائج عكسية، حيث انتهت بعودة الحريري إلى منصبه، حتى أن اللبنانيين السنة انتقدوا بشدة الأساليب العنيفة التي تعتمدها السعودية من أجل فرض نفوذها في المنطقة
في هذا السياق، أفاد مؤسس شركة “أليف الاستشارية” في نيويورك، هاني صبرا، أن “سياسات محمد بن سلمان المحلية والإقليمية تسير على الوتيرة ذاتها، فضلا عن أنها تعد جريئة. وأضاف صبرا أنه “على الصعيد المحلي، عملت هذه السياسات بشكل جيد بالنسبة له حيث استطاع مراوغة أقربائه الذين يتمتعون بنفوذ كبير في بلاده. بيد أنه على الصعيد الدولي، كان ينجر عن النهج الذي يتبعه بن سلمان الكثير من المخاطر التي تزداد تدريجيا”.
الأعداء الرعاع
أثّرت الحرب في اليمن على العديد من المدن السعودية، حيث أطلق المتمردون الحوثيون، الذين تفيد السعودية أنهم يحظون بدعم إيراني، صاروخين على الرياض منذ شهر تشرين الثاني/نوفمبر. وعلى الرغم من أن تلك الهجمات تسببت بأضرار محدودة، إلا أنها كانت بمثابة تذكير على أنه، وبعد قرابة ثلاث سنوات من القصف على اليمن، لم يعد أعداء السعودية مجرد مقاتلين رعاع يرتدون الصنادل ويحملون سلاح كلاشنكوف.
ضمن هذه المعركة، لم يكن من السهل على السعوديين جذب اهتمام حلفائهم إلى الحروب التي يخوضونها. وعلى سبيل المثال، لم تظهر مصر، التي تعتمد بشكل كبير على الأموال السعودية، أي حماس يذكر لإرسال جنودها إلى اليمن، أو لخطة الأمير بن سلمان الأوسع لمكافحة إيران. أما في لبنان، كان تدخل السعودية سياسيا وليس عسكريا، حيث مثلت الاستقالة غير المتوقعة لرئيس الوزراء، سعد الحريري، خلال زيارته للرياض في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي محاولة سعودية لإضعاف حليف إيران، حزب الله اللبناني.
والجدير بالذكر أن الحريري، الذي يُعتبر من حلفاء السعودية، كان يعمل جنبا إلى جنب مع الميليشية الشيعية في الحكومة، بيد أنه أصبح يراها في الوقت الراهن بمثابة تهديد مرعب. وفي الواقع، أدت لعبة نفوذ بن سلمان في الشرق الأوسط إلى نتائج عكسية، حيث انتهت بعودة الحريري إلى منصبه، حتى أن اللبنانيين السنة انتقدوا بشدة الأساليب العنيفة التي تعتمدها السعودية من أجل فرض نفوذها في المنطقة. فضلا عن ذلك، لم تثر هذه الأساليب إعجاب حلفاء السعودية في أوروبا والولايات المتحدة.
ساهم التحالف الذي أقامه الأمير بن سلمان، مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في تشجيعه على اتخاذ المزيد من الخطوات، من منطلق العداء المشترك بينهما إزاء إيران
تجدر الإشارة إلى أن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، تدخّل مباشرة لحل معضلة الحريري، فضلا عن أن وزير الخارجية الأمريكية، ريكس تيلرسون، وجه انتقادات لاذعة للمملكة العربية السعودية مؤكدا على أن المملكة يجب أن “تفكر في عواقب” أفعالها. علاوة على ذلك، قال تيلرسون إن “اليمن ولبنان وقطر تعد ضحايا الحصار الاقتصادي الذي تقوده السعودية منذ شهر حزيران/يونيو الماضي، حيث تهدف المملكة من خلال هذا الإجراء إلى معاقبة المملكات الخليجية على جرائم تشمل حتى العلاقات الودية التي تربطها بإيران”.
في الأثناء، لم تتوطد هذه العلاقات الودية إلا نتيجة الحظر المفروض على هذه الدول. ومن جانبها، أعربت كل من الكويت وعمان، العضوتين في “نادي الملوك الخليجيين”، عن عدم ارتياحهما للنمط الجديد الحازم للقيادة السعودية. أما تركيا، الدولة السنية القوية التي كانت تربطها علاقات مقربة بالسعوديين، فقد فضلت الوقوف في صف القطريين، عن طريق توظيف النزاع كفرصة لتعزيز العلاقات العسكرية والتجارية مع قطر.
“هتلر الشرق الأوسط”
من جانب آخر، ساهم التحالف الذي أقامه الأمير بن سلمان، الذي يُطلق عليه المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية اسم “هتلر الشرق الأوسط”، مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في تشجيعه على اتخاذ المزيد من الخطوات، من منطلق العداء المشترك بينهما إزاء إيران. وفي سياق متصل، أوضح المختص في شؤون الشرق الأوسط بجامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة، جيمس دورسي، أن “الزعيم السعودي يواجه خطر إضعاف نفوذه خاصة إذا حاول استخدام الاحتجاجات الإيرانية كفرصة لتقويض النظام في طهران”.
وأضاف دورسي أن “إيران تريد بلا شك تجنب المواجهة المباشرة مع السعودية، إلا أنها تمتلك القدرة على الرد عليها من خلال وكلائها في لبنان والعراق، وإثارة اضطرابات في صفوف الشيعة في البحرين وداخل السعودية نفسها”. كما أردف دورسي أن “تراجع السعودية عن تنفيذ مخططاتها يعتمد على الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لاحتواء النفوذ الإيراني والتي تعد “إستراتيجية ذات خطورة عالية”، نظرا لأن ترامب يحظى بالقليل من الدعم الدولي. فبعد الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، واختلاف آراء المجتمع الدولي حول الإتفاق النووي الإيراني، أصبحت الولايات المتحدة معزولة.
يحاول الأمير بن سلمان، البالغ من العمر 32 سنة، التفرد عن الزعماء السعوديين السابقين ووالده البالغ من العمر 81 سنة، وفقا لما أفاد به الضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية، بول بيلار
دبلوماسية دفتر الشيكات
على الصعيد المحلي، حقق الأمير بن سلمان نجاحا أكبر على مستوى تنفيذ جدول أعماله، حيث يرى أن إجراء إصلاح اقتصادي جذري في البلاد بات ضروريا لإنهاء عقود من اعتماد المملكة على عائدات النفط. وبغية تأمين مكانته كوريث من دون منازع لعرش والده، الملك سلمان، أطلق الأمير حملة لمكافحة الفساد، احتجز بموجبها العشرات من صفوة رجال الأعمال في البلاد. بالإضافة إلى ذلك، قام بتخفيف بعض القواعد الدينية الصارمة في المملكة، ووضع خططا لبيع أصول الدولة، وتعزيز الصناعات الخاصة، فضلا عن تقليص حجم الإنفاق العام.
في الواقع، قد تكون هناك دوافع مماثلة تقف وراء السياسة الخارجية الجديدة للمملكة. وفي هذا الصدد، أفاد المدير التنفيذي لمعهد الجزيرة العربية في واشنطن، علي الشهابي، المقرب من القصر الملكي، أن “الأمير بن سلمان يريد التخلي عن دبلوماسية “دفتر الشيكات” التي لم تحقق أي نتائج تُذكر”.
كما أوضح الشهابي، من خلال رسالة الكترونية، أن “القادة السعوديين دفعوا مليارات الدولارات من المساعدات إلى أصدقائهم، واستخدم كثير منهم هذه الأموال لتمويل أجنداتهم السياسية. وفي مواجهة التهديدات المتنامية بسرعة، خلص الملك وولي العهد إلى أن المملكة العربية السعودية لم تعد قادرة على الاعتماد على سياسات عفا عليها الزمن”.
قال الضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية، بول بيلار:”من المحتمل أن بن سلمان يشعر بأمس الحاجة إلى ترك بصمته ليظهر نفسه على أنه شخص مسؤول، وليس خصما ضعيفا”
“أمير غير مهتم”
في الوقت الذي لا تتجاوز فيه القوة المطلقة التي يتمتع بها بن سلمان حدود المملكة، لا يهتم الأمير بالنهج المختلف المطلوب اتباعه على مستوى السياسة الخارجية، وفقا لما أفاد به هاني صبرا. وأضاف المصدر ذاته أن “محمد بن سلمان ليس مدركا تماما أو لا يهتم بتفاصيل الظروف المحلية في دول المنطقة الأخرى. ويمثل هذا السبب الجذري الذي يقف وراء جميع المشاكل التي تحدث”.
في الماضي، اكتشف الحكام العرب الأشداء أن تحقيق النجاح المحلي، أي تعزيز سلطتهم وثروتهم، فضلا عن تهميش أعدائهم، لم يسمح لهم بإعادة تشكيل الشرق الأوسط بالطريقة التي أملوا فيها. وعلى سبيل المثال، لم يتمكن جمال عبد الناصر المصري من تحقيق الفوز في حرب اليمن، ثم تكبد هزيمة مريرة على يد إسرائيل خلال سنة 1967. فضلا عن ذلك، حكم صدام حسين العراق لعقود، لكن مُنيت سياسته الخارجية، بما في ذلك الهجوم الذي وقع سنة 1980 على إيران وغزو الكويت خلال سنة 1990، بفشل ذريع.
في الأثناء، يحاول الأمير بن سلمان، البالغ من العمر 32 سنة، التفرد عن الزعماء السعوديين السابقين ووالده البالغ من العمر 81 سنة، وفقا لما أفاد به الضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية، بول بيلار، الذي يعمل أستاذا في جامعة جورجتاون. وأردف بيلار أنه “من المحتمل أن محمد بن سلمان يشعر بأمس الحاجة إلى ترك بصمته ليظهر نفسه على أنه شخص مسؤول، وليس خصما ضعيفا. ويعني ذلك أنه سيكون بحاجة أكبر من القادة الآخرين إلى مواجهة المزيد من المخاطر، بيد أن تعريض نفسه لمجازفات أكبر قد يترتب عنه تكبد المزيد من الإخفاقات”.
المصدر: بلومبيرغ