ترجمة وتحرير: نون بوست
هل سبق وقمت بالبحث عن أسعار الرحلات الجوية أو الفنادق من خلال تطبيق على هاتفك الذكي، ثم قمت بعملية البحث ذاتها من خلال حاسوبك الشخصي لتجد أسعارا مختلفة تماما للأمر ذاته؟ في الحقيقة، ذلك تحديدا ما وقع لي مؤخرا حين كنت بصدد البحث عن عرض شامل لقضاء العطلة في مدينة نيويورك عن طريق تطبيق أوربيتز الخاص بهواتف “آي فون”.
بعد أن اتخذت قراري بشأن الفندق الذي سأقيم فيه، تصفحت موقع أوربيتز باستخدام حاسوبي الشخصي للحجز. ولكن، تفاجئت بأن العرض المدرج في الموقع أعلى سعرا، مقارنة بالعرض المدرج عبر تطبيق الهاتف الجوال، حيث بلغ الفارق في السعر 117 دولارا، أي بنحو 6.5 بالمائة، وذلك على الرغم من التطابق بين الرحلة الجوية والفندق ونوع الغرفة في كلا العرضين.
في الأثناء، أجريت بحثا سريعا لأكتشف أن هناك تباينا بين أسعار عروض الرحلات على موقع أوربيتز وبين الأسعار المعروضة على التطبيق الخاص بالشركة. وبعد ذلك، قمت باختبار آخر للعرض ذاته عن طريق هاتف صديقتي التي كانت تجلس بجانبي، لأكتشف أن سعر العرض وفقا للتطبيق على هاتفها كان أعلى بقدر 50 دولارا عن السعر الذي عرضه التطبيق على هاتفي، أي بزيادة بنسبة 2.8 بالمائة. ومن المثير للاهتمام أن شركة أوربيتز تدرك تماما ما يحدث، حيث تعلم بشأن تحذيراتي المستمرة لصديقتي حول دفعها لمبالغ إضافية مقابل كل شيء تقريبا.
بالاعتماد على بعض الخصائص في التصنيف، على غرار الاختلاف بين التطبيق والموقع، فضلا عن اشتراك الحرفاء في الخدمة من عدمه، توجد أسعار مشخصنة تتم منذ البداية
عند قيامي بمشاركة هذه النتائج مع إكسبيديا، الشركة الأم لأوربيتز، أخبرني المتحدث الرسمي باسم الشركة أن التباين الذي تفطنت إليه بين الأسعار المعروضة على التطبيق وبين الأسعار المدرجة في الموقع الإلكتروني، يرجع إلى سماح مزودي الخدمة بعرض أسعار مختلفة على كل من مستخدمي تطبيقات الهاتف الذكي والأعضاء الذين سجلوا دخولهم إلى الموقع بصفة مجانية.
وفيما يتعلق بالمقارنة السابقة بين تطبيقي الهاتف الذكي، صرحت أوربيتز أن التباين بين الأسعار يعزى إلى اختبارات التي تعتمدها الشركة لتحليل البيانات، أو الحالات الشاذة التي تنشأ بموجب إدراج الملايين من الأسعار التي تتغير بصفة دورية بسبب نظام التسعير الديناميكي. في الوقت ذاته، بينت أوربيتز أنها لا تقوم بوضع أسعار متباينة بناء على طبيعة الجهاز أو نوع المتصفح أو نوع وعدد عمليات البحث.
عموما، بالاعتماد على بعض الخصائص في التصنيف، على غرار الاختلاف بين التطبيق والموقع، فضلا عن اشتراك المحترفين في الخدمة من عدمه، توجد أسعار مشخصنة تتم منذ البداية، حيث يتلقى بعض المحترفين عروضا مختلفة عن الآخرين. وتجدر الإشارة إلى أن محاولة تجار التجزئة لعرض أسعار مشخصنة يرجع بالأساس إلى انخفاض منحنى الطلب الذي يعتبر من أساسيات الاقتصاد. وينص هذا المفهوم على أن بعض العملاء على استعداد لدفع ثمن أعلى من الآخرين لقاء منتوج معين. بموجب ذلك، يسعى المدراء المسؤولون عن تحديد الأسعار إلى استغلال هذا الأمر من خلال تحديد وتضمين الثمن الذي يعتزم كل عميل دفعه.
نتيجة لذلك، يمكن جني أرباح قياسية من خلال العملاء المنتمين لأعلى منحنى الطلب، الذين يعطون قيمة عالية للمنتج. وفي الأثناء، يتم تقديم الخصومات بصفة حصرية للزبائن المستعدين لدفع ثمن أقل، وهو ما يؤدي إلى تحقيق المزيد من المبيعات، وبالتالي جني المزيد من الأرباح. عموما، ينتج عن هذا التوجه كسب قاعدة عملاء تؤمن أرباحا أكبر، مع وجود بعض المتسوقين الذين يدفعون أكثر من غيرهم.
يستطيع تجار التجزئة عبر الإنترنت إجراء تقييم إلكتروني لسمات وتحركات كل متسوق على حدة، وذلك بهدف إنشاء ملف تسعير يتيح وضع ثمن مشخصن لهذا المتسوق
يتم تكريس مبدأ التسعير المشخصن بصفة كبيرة في مجال بيع السيارات، حيث يسعى التجار إلى تحديد المبلغ الذي يعتزم كل عميل إنفاقه لشراء سيارة من خلال خوض مفاوضات فردية. ويتم إقرار الأسعار بعد تحديد الصفات الشخصية للعميل ومراقبة تحركاته، فضلا عن مظهره الخارجي ونوع السيارة التي يقودها. فضلا عن ذلك، يولي التجار الكثير من الانتباه إلى إجابات العملاء على الأسئلة التي قد تبدو بريئة. وتتمحور هذه الأسئلة، عادة، حول مكان سكنه أو عمله.
من جانب آخر، ينتبه رجال المبيعات إلى سلوك الحريف، على غرار السيارات التي تلفت انتباهه، فضلا عن طريقة تصرفه خلال المفاوضات، أي ما إذا كان غير مبالي أو مندفع. في الأثناء، يساهم تقييم شخصية كل عميل على حدة، بالإضافة إلى تصرفاته في خلق ملف تسعير خاص بالحريف. وفي هذا الصدد، بإمكاننا اعتبار هذا الملف بمثابة اختبار كشف كذب قادر على تحديد أعلى ثمن يستطيع كل عميل دفعه.
على نحو مماثل، يستطيع تجار التجزئة عبر الإنترنت وضع ملف تسعير للمتسوقين. فتماما مثلما تعكس ملابس العميل وضعه المادي، تؤمن طريقة ولوجه إلى المتجر الإلكتروني، أدلة تحدد السعر المناسب الذي سيتم عرضه عليه. إضافة إلى ذلك، توفر عدة عوامل أخرى أدلة حول العميل، على غرار موقعه المحدد، وسيلة اتصاله سواء كانت هاتفا أو حاسوبا محمولا أو مكتبيا، فضلا عن طريقة ولوجه للمتجر الإلكتروني سواء من خلال التطبيق أو من خلال الموقع الإلكتروني، أو بالنظر لبرنامج التشغيل خاصته.
في الوقت ذاته، تقدم نشاطات المتسوق دلائل متعددة، حيث يلقي التجار بالا للمنتجات الأخرى التي يبحث عنها المتسوقون، فضلا عن عدد المرات التي قاموا خلالها بزيارة الموقع. وعلى غرار بائعي السيارات، يستطيع تجار التجزئة عبر الإنترنت إجراء تقييم إلكتروني لسمات وتحركات كل متسوق على حدة، وذلك بهدف إنشاء ملف تسعير يتيح وضع ثمن مشخصن لهذا المتسوق.
سيسعى المتسوقون الذين يتسمون بالذكاء إلى المساومة من خلال الاطلاع على ثمن المنتجات في مواقع أخرى وحذف سجلات التصفح، فضلا عن التصفح عن طريق تطبيقات الهاتف الذكي والقيام بعمليات بحث متعددة.
في المقابل، يتمحور السؤال الرئيسي حول مدى أخلاقية التسعير المشخصن، سواء في المتاجر أو عبر الإنترنت. فقد تؤدي الجهود التي يبذلها الباعة من أجل تحديد الأسعار، عن غير قصد، إلى نتائج غير عادلة. في هذا الصدد، بينت دراسة قامت بها منظمة “برو بوبليكا” أن إستراتيجية “برينستون ريفيو” لفرض قيمة ضرائب تختلف باختلاف الرمز البريدي، جعلت الآسيويين يدفعون مبالغ مضاعفة مقارنة بغيرهم. في سياق متصل، أوضحت دراسة اقتصادية كلاسيكية حول مفاوضات شراء السيارات أن الثمن الأولي لشراء السيارات الذي يعرض على النساء سوداوات البشرة كان أكبر بثلاث أضعاف من المبلغ المعروض على الرجال البيض.
في الوقت الراهن، تبقى عملية رواج سياسة التسعير المشخصن التي يتبناها تجار التجزئة عبر الإنترنت، منوطة بالمتسوقين. هل سيكون المتسوقون مرتاحين إزاء الأسعار التي يتم عرضها عليهم والتي قد تكون أعلى من الأسعار التي تعرض على الآخرين؟ وهل سيستغل المشترون “المساومات الإلكترونية” لخداع الباعة؟ ففي المقام الأول، يقوم تجار التجزئة أولا بالتفاوض مع الزبائن حول الثمن الذي يتوجب دفعه بناء على ملف التسعير المشخصن التابع لهم.
من جهتهم، سيسعى المتسوقون الذين يتسمون بالذكاء إلى المساومة من خلال الاطلاع على ثمن المنتجات في مواقع أخرى وحذف سجلات التصفح، فضلا عن التصفح عن طريق تطبيقات الهاتف الذكي والقيام بعمليات بحث متعددة. وقد يقوم هؤلاء المتسوقون بدعوة أصدقائهم في مدن أخرى للتحقق من ثمن غرض معين. ولكن هل من الممكن أن يسأم هؤلاء المتسوقون من سياسة الباعة المتمثلة في اعتماد التسعير المشخصن وينأون بأنفسهم عن المتاجر الإلكترونية؟
تجدر الإشارة إلى أن موقع أمازون يسعى لتعميم ثمن منتجاته بالنسبة لجميع العملاء. لكن السؤال المطروح يتمثل في ما إذا كان التجار الآخرون سيعتمدون سياسة مشابهة وقائمة على الشفافية؟ وفي حين يعتبر مصير التسعير المشخصن الإلكتروني غير واضح، تظل حقيقة ظاهرة للعيان، ألا وهي أنه من الضروري تحذير المشترين الذين يتصفحون المواقع الإلكترونية، من هذا الأمر.
المصدر: هارفارد بزنس ريفيو