في الأيام الأخيرة تصاعدت حدة التصريحات والتهديدات التي صدرت عن المسؤولين الفلسطينيين، للرد على التوجهات الأمريكية والإسرائيلية ضد قضيتهم، خاصة بعد قرار واشنطن الاعتراف بالقدس عاصمة لـ”الدولة العبرية”، وتوقيع قرار نقل السفارة الأمريكية إليها، والمصادقة على ضم الضفة الغربية لـ”إسرائيل”.
لكن ما كان ملفتًا للانتباه من كل تلك التصريحات اتفاق بعض المسؤولين الفلسطينيين على التوجه الرسمي لإعلان “السلطة الفلسطينية دولة تحت الاحتلال الإسرائيلي”، وهذا الأمر دفعنا للتوقف عنده ومحاولة تفسيره والنتائج السياسية والقانونية المترتبة عليه، وطبيعة المرحلة المقبلة في حال تنفيذ هذا القرار.
ومن المقرر أن يصدر قرار إعلان “السلطة الفلسطينية دولة تحت الاحتلال الإسرائيلي”، خلال اجتماع المجلس المركزي المقرر في مدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة، يومي 14 و15 من الشهر الجاري، بمشاركة القوى والفصائل الفلسطينية كافة.
القرارات الحاسمة
أحمد مجدلاني عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أكد أن المجلس المركزي سيتخذ قرارات حاسمة منتصف الشهر الحاليّ، تنقل السلطة الفلسطينية من مرحلة إلى مرحلة جديد، موضحًا أن القرارات المقرر البت فيها ستتبعها إجراءات قانونية وسياسية ودبلوماسية، وهناك سلسلة من الإجراءات المعدة وأخرى سيتم تفعيلها قريبًا.
مجدلاني: “إسرائيل ومنذ عام 2010 تعمل من خلال الإدارة المدنية على استرجاع كل السلطات المدنية التي أحيلت للسلطة
وتعتزم السلطة الفلسطينية – حسب مجدلاني ـ إنهاء العلاقات التعاقدية مع “إسرائيل” بكل تفاصيلها، وإقرار أن حكومة “إسرائيل” الحاليّة لم تعد شريكًا في عملية السلام، وواشنطن لم تعد مؤهلة لرعاية عملية السلام، ونبحث عن صيغة دولية جديدة.
كما تتجه لتغيير طابع ووظيفة السلطة الوطنية الحاليّة، وتحويلها من سلطة انتقالية إلى دولة تحت الاحتلال، والمطلوب تمكين السلطة من ممارسة سيادتها على الأرض المحتلة، كما أنه من المرجح إلغاء الاعتراف المتبادل بين “إسرائيل” وفلسطين.
وذكر مجدلاني أن السلطة الفلسطينية تبحث عن وضع قانوني جديد في إطار الشرعية الدولية والعربية، قائلاً: “نريد مسارًا آخر لعملية تفاوضية برعاية الأمم المتحدة ومشاركة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، صيغة تشبه صيغة 5 +1 التي رعت الاتفاق النووي الإيراني وتؤدي في النهاية إلى إنهاء الاحتلال”.
وكشف مجدلاني أن الدول الكبرى وعلى رأسها الصين وروسيا تؤيد هذا المقترح ومستعدة لمثل هذه الصيغة وإقرارها في مجلس الأمن والأمم المتحدة، إلا أن الولايات المتحدة مصرة على احتكار العملية السياسية.
ويقول مجدلاني إن “الولايات المتحدة مصرة على احتكار العملية السياسية وتعتقد أنها الطرف الوحيد الذي باستطاعته تقديم مبادرة سياسية يتعامل معها العالم”.
وعن ردة فعل الجانب الإسرائيلي في حال اتخذت القرارات سالفة الذكر التي تعني بطريقة أو بأخرى حل السلطة، قال مجدلاني إن “(إسرائيل) ومنذ عام 2010 تعمل من خلال الإدارة المدنية على استرجاع كل السلطات المدنية التي أحيلت للسلطة”.
وأضاف: “أي إجراء ممكن أن تتخذه “إسرائيل” متوقع، حتى لو أعادت احتلال الضفة ودمرت المؤسسات، ليكن الصراع على السلطة بين دولة تحت الاحتلال ودولة واقعة تحت الاحتلال”.
الجدير بالذكر أن اتفاق أوسلو هو إعلان مبادئ للسلام الفلسطيني الإسرائيلي والاتفاق الانتقالي (العلاقة التعاقدية) التي حددت بأربع سنوات شمل ثلاثة بنود: أولها اتفاق باريس الاقتصادي الذي حدد العلاقة الاقتصادية بين الطرفين، ومرحلة نقل الصلاحيات إلى السلطة، مرحلة الترتيبات الأمنية المشتركة (التنسيق الأمني والمدني).
وهنا يقول مجدلاني: “المسار السياسي السابق انتهى والمرحلة الانتقالية التي حددت بأربع سنوات لقيام الدولة الفلسطينية انتهت، ونحن الآن نبحث عن صيغة انتقالية جديدة بديلة عن المرحلة الانتقالية السابقة تستند إلى القرارات الأممية التي تعترف بفلسطين كدولة على حدود 67”.
قال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات: “المجلس سيناقش تحديد العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي بأشكالها كافة ومواجهة القرار الأمريكي بشأن القدس”
هل سيُلغى اتفاق أوسلو؟
وفي ذات السياق، أوضح عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واصل أبو يوسف، من فلسطين المحتلة، أن اجتماع المركزي يعد محطة مهمة في سياق مواجهة المخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية، عبر إيجاد إستراتيجية وطنية بآليات محددة ضمن المستويات السياسية الدبلوماسية والقانونية الأممية”.
أبو يوسف أكد أن خطوات التحرك تتمثل في بحث إلغاء اتفاق أوسلو، عام 1993، ووقف التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وإلغاء الاتفاقيات السياسية والاقتصادية، تنفيذًا لقرارات المجلس المركزي في دورته التي عقدت في مارس/آذار عام 2015.
لافتًا إلى “بحث تغيير وظائف السلطة الفلسطينية، بحيث يتم تحويلها من سلطة تحت الاحتلال إلى نواة نحو الدولة، في ظل التوجه الفلسطيني صوب الأمم المتحدة لطلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين، ونيل الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس المحتلة”.
وأكد القيادي ضرورة “استمرار الجهود الفلسطينية على المستوى الدولي لمواجهة محاولات طمس القضية الفلسطينية وإحالة الملفات مثل الاستيطان، إلى المحكمة الجنائية الدولية، والانضمام إلى المؤسسات والوكالات الدولية التي كانت الولايات المتحدة تحظر الانضواء الفلسطيني إليها”.
من جانبه، قال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات إن “المجلس سيناقش تحديد العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي بأشكالها كافة ومواجهة القرار الأمريكي بشأن القدس”.
ساءت العلاقات بين الفلسطينيين وواشنطن في مطلع الشهر الماضي بعدما اعترف ترامب بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”، مما فجر غضبًا في أنحاء العالم العربي وأيضًا مخاوف بين حلفاء واشنطن الغربيين
وأضاف عريقات أنه “لا معنى لدولة فلسطينية من دون أن تكون القدس عاصمة لها”، مضيفًا أن الإدارة الأمريكية الحاليّة تريد فرض إملاءات على القيادة الفلسطينية، وذلك بتبنيها الموقف الإسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية من خلال المطالبة بإلغاء وكالة “الأونروا” وقطع المساعدات وتجويع اللاجئين وإغلاق المدارس”.
تصعيد أمريكي
ساءت العلاقات بين الفلسطينيين وواشنطن مطلع الشهر الماضي بعدما اعترف ترامب بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”، مما فجر غضبًا في أنحاء العالم العربي وأيضًا مخاوف بين حلفاء واشنطن الغربيين.
إذ أكد عباس في 22 من ديسمبر/كانون الأول إثر لقاء مع ماكرون في باريس أن الفلسطينيين لن يقبلوا “أي خطة” تقترحها الولايات المتحدة للسلام في الشرق الأوسط بعد اعترافها بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”، كما أعلن عقب قرار ترامب بشأن القدس أن الولايات المتحدة لم تعد وسيطًا نزيهًا في عملية السلام.
ولكن في نهاية 2017 قال السفير الأمريكي لدى “إسرائيل” ديفيد فريدمان في مقابلة مع صحيفة جروزاليم بوست الإسرائيلية معلقًا على التوجه الفلسطيني لاستبدال الرعاية الأمريكية لعملية السلام بأخرى دولية: “(إسرائيل) لن تشارك في عملية سلام تحت رعاية أي دولة أخرى غير أمريكا”.
وتحاول واشنطن الضغط على الفلسطينيين للقبول بالمسار الذي ترسمه لعملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين الذي تنحاز فيه لصالح الجانب الإسرائيلي لا سيما بعد اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”، وكان آخر هذه الضغوط إعلان الولايات المتحدة تجميد 125 مليون دولار من التمويل الذي تقدمه لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
يشكل وضع القدس أحد أكبر القضايا الشائكة لتسوية النزاع بين “إسرائيل” والفلسطينيين
ولكن الرئاسة الفلسطينية ردت بأن القدس “ليست للبيع” بعد تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوقف المساعدة المالية الأمريكية التي تزيد على 300 مليون دولار سنويًا للفلسطينيين.
وكان قرار ترامب في السادس من كانون الأول/ديسمبر الاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل” مخالفًا للسياسة الأمريكية التي كانت متبعة حتى الآن، فالرؤساء الذين سبقوا ترامب من بيل كلينتون إلى جورج بوش قطعوا الوعد نفسه لكنهم تراجعوا عن تنفيذه عند توليهم المنصب.
واحتلت “إسرائيل” القدس الشرقية عام 1967، وأعلنتها عاصمتها “الأبدية والموحدة” في 1980 في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي بما فيه الولايات المتحدة، ويتمسك الفلسطينيون بالقدس الشرقية عاصمة لدولتهم المأمولة استنادًا لقرارات المجتمع الدولي، ويشكل وضع القدس أحد أكبر القضايا الشائكة لتسوية النزاع بين “إسرائيل” والفلسطينيين.
وتعتبر “إسرائيل” كل القدس عاصمة لها بينما تريد السلطة الفلسطينية “القدس الشرقية” عاصمة للدولة التي يريدون إقامتها في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة.