مع انطلاق السنة الحاليّة، بدأت السلطات الموريتانية في تداول إصدار جديد من عملتها المحلية، وذلك في إطار الخطة الوطنية الهادفة إلى ترقية الاندماج المالي واحتواء النشاطات الاقتصادية غير المصنفة ومكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، حسب رئيس البلاد محمد ولد عبد العزيز، الأمر الذي أثار مخاوف بعض الأطراف الموريتانية.
نزع صفر من العملة
عملية تغير العملة المحلية التي تمت من خلال نزع صفر من الأوقية، بحيث تصبح مئة أوقية قديمة تساوي عشر أواق جديدة، تسعى من خلالها الحكومة الموريتانية إلى ملائمة وسائل الدفع مع مقتضيات الحداثة والتنافسية في الاقتصاد الوطني، فضلاً عن حماية العملة من التزوير ورفع قيمتها عن طريق خفض كمية النقد المتداول.
ويتكون الإصدار الجديد للعملة الموريتانية الذي تم إعلانه شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، من قطع نقدية تشمل خُمس أوقية وأوقية واحدة وخمس أواق وعشر أواق وعشرين أوقية، بينما تشمل الأوراق النقدية فئات خمسين أوقية ومئة أوقية ومئتي أوقية وخمسمئة أوقية وألف أوقية.
سيستمر التداول في الأسواق الموريتانية، بالنسختين الجديدة والقديمة من العملة حتى منتصف العام الحاليّ
وكان الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز قد أرجع قرار تغيير قاعدة الأوقية في خطاب مؤخرًا إلى “التوقعات الاقتصادية الواعدة واستقرار نسبة التضخم، وفي إطار الخطة الوطنية الهادفة إلى ترقية الاندماج المالي واحتواء النشاطات الاقتصادية غير المصنفة ومكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب”، وتؤكد السلطات أن الأوراق الجديدة المصنعة من البوليمر، أكثر متانة وقوة ضد التزييف.
وبحسب محافظ البنك المركزي عبد العزيز ولد الداهي فإن الهدف تعزيز قيمة العملة الوطنية عن طريق تشجيع استخدام قطع نقدية ذات عمر أطول، وتبسيط العمليات التجارية والمحاسبية، وزيادة الثقة في العملة الوطنية وتخفيض تكاليف وأمن المعاملات، وكانت السلطات الموريتانية قد أجرت أول عملية لتغيير العملات النقدية عام 2004 عندما استبدلت جميع الأوراق النقدية المتداولة منذ 1974 الذي تم فيه إنشاء العملة الوطنية والتخلص من الفرانك الإفريقي.
وسيستمر التداول في الأسواق الموريتانية، بالنسختين الجديدة والقديمة من العملة حتى منتصف العام الحاليّ، بعد ذلك ستتوقف البنوك الخاصة عن تغييرها؛ لتقتصر عملية تبديل الأوقية ابتداءً من الشهر السادس 2018 على البنك المركزي الموريتاني.
مجابهة التضخّم
فضلاً عن ذلك، تسعى السلطات الموريتانية من خلال تغير عملتها إلى مواجهة التضخم وارتفاع نسبته التي بلغت 2.7%، نهاية السنة الماضية، وأكدت مذكرة سابقة لصندوق النقد الدولي أن الوضع الاقتصادي في موريتانيا يتطلب مزيدًا من خفض قيمة الأوقية من أجل إنعاش النمو وتشجيع الاستثمار ومحاربة التضخم.
كما سبق أن دعا البنك الدولي الحكومة الموريتانية في تقرير سابق، إلى خفض قيمة عملتها المحلية (الأوقية) لتفادي ارتفاع نسبة التضخم، إلا أن نواكشوط قابلت ذلك بالرفض قبل أن تخضع في النهاية، على اعتبار أن تخفيض قيمة العملة يعتبر شرطًا أساسيًا على الدول التي ترغب بالاستمرار في الحصول على الدعم المالي من الصندوق.
تراجع قيمة العملة الموريتانية أمام العملات الأجنبية
وتشهد أسعار السلع الاستهلاكية ومواد البناء والكثير من السلع الأخرى، ارتفاعًا منذ أشهر يصل في المتوسط إلى نحو 12%، فسعر الأرز التايلاندي الذي تقبل عليه الأسر الموريتانية، ارتفع من 300 إلى 350 أوقية للكيلوغرام الواحد (من 70 إلى 82 سنتيمًا لليورو)، وقنينة الحليب النصف لتر، من 250 (0.58 سنتيمًا) إلى 300 أوقية، كذللك شهدت أسعار الإسمنت والحديد، ارتفاعًا من 10 إلى 12%.
مخاوف كثيرة
رغم التطمينات التي رافقت عملية تغيير العملة الصادرة عن الحكومة الموريتانية، لم تخف بعض الأطراف مخاوفهم من هذه العملية، وفي هذا الشأن حذر رئيس الحركة من أجل التغيير المعارضة، من انعكاسات خطيرة يتوقعها للتغيير الجاري للعملة، موضحًا في تصريحات صحافية أول أمس الثلاثاء “أن أي تغيير للعملة لا بد أن تكون له انعكاسات اجتماعية واقتصادية تكون مضاعفة إذا ما رافقها تخفيض سعر العملة”.
وبيّن فال أن “الانعكاسات ستشمل حاليًّا اضطرابًا في سوق الأوراق النقدية وصدمات لدى أصحاب الأرصدة النقدية الذين سيفاجأون بأن قيمة أموالهم انخفضت لعشر أصولها”، حسب قوله، مؤكّدًا “الانعكاس الأكثر خطورة، هو النزعة الدائمة إلى رفع الأسعار، بغض النظر عن تخفيض سعر العملة، لأن تغيير قيمة العملة يشجع على زيادات في الأسعار لا يكاد يشعر بها المستهلك المتعود على العملة القديمة، فزيادة عشر أواق من العملة الجديدة قد لا تصدم المستهلك بينما في الحقيقة زيادة مئة أوقية من العملة القديمة”.
يتوقّع خبراء اقتصاد موريتانيون، أن تسجّل قيمة العملة الموريتانية انخفاضًا كبيرًا أمام العملات الأجنبية خاصة اليورو والدولار الأمريكي
ومع بداية تداول هذه العملة الجديدة، عرف سعر بيع الخبز للعموم في عديد من المخابز في مختلف مدن وقرى موريتانيا، ارتفاعًا بعشرين أوقية من العملة الجديدة وهو ما يعادل 200 أوقية من العملة القديمة، مما يعني أن سعر الخبز قد تضاعف.
ويتوقّع خبراء اقتصاد موريتانيين، أن تسجّل قيمة العملة الموريتانية انخفاضًا كبيرًا أمام العملات الأجنبية خاصة اليورو والدولار الأمريكي، وبلغ سعر بيع اليورو الواحد، بداية السنة الحاليّة، 429.51 أوقية، مقابل 376.72 أوقية بتاريخ 2 من يناير/كانون الثاني سنة 2017، وهو ما يمثل انخفاضًا في قيمة الأوقية بنسبة 14% خلال سنة واحدة.
ضغط من الجهات والصناديق المانحة
يرى خبراء، أن قرار السلطات الموريتانية تغير العملة المحلية، والتخفيض في قيمتها يأتي في إطار الإجراءات التي تفرضها الجهات والصناديق المانحة، على رأسهم صندوق النقد الدُّولي على الحكومة الموريتانية الذي أعلن في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إبرامه اتفاقًا مبدئيًا مع موريتانيا لمنحها قرضًا بقيمة 162.8 مليون دولار على مدى 3 سنوات، من أجل دعم برنامج الإصلاحات الاقتصادية في هذا البلد.
تراجع المقدرة الشرائية للمواطن الموريتاني
ويؤكّد هؤلاء الخبراء، أن سلطات البلاد تتجه إلى تخفيض قيمة العملة المحلية بشكل تدريجي حتى لا تؤثر بشكل كبير في زيادة أسعار المواد الأساسية خاصة أن البلاد تستورد نحو 70% من حاجياتها من المواد الأساسية الغذائية والخدمية والتجهيزية.
ويقول صندوق النقد الدولي، إنه يرمي من خلال دعمه السلطات الموريتانية إلى “تعزيز نمو شامل ومتنوع، والمحافظة على استقرار الاقتصاد الكلي واستعادة قدرة موريتانيا على تحمل الديون وخفض الفقر“، مؤكّدًا أنه يتعين على موريتانيا “تطهير المالية العامة” للدولة لتعزيز قدرتها على تحمل الديون وخلق الحيّز المالي اللازم لزيادة الإنفاق الاجتماعي والاستثمار في البنية التحتية.