في ظل استمرار الأزمة السورية وتأثيرها بشكل مباشر على الدول المجاورة خاصة لبنان وتركيا والأردن والعراق، ومع استمرار نزوح أعداد كبيرة من السوريين منذ اندلاع الثورة منذ أكثر من سبع سنوات، تتجلى الأهمية الإستراتيجية للمعابر الحدودية في مسار الأزمة، لا سيما فيما يتعلق بوضع النازحين وهروب وإدخال المساعدات الإنسانية، خاصة للمناطق المحاذية للحدود التي تضج بالنازحين المهجرين من قراهم في الخيام المبعثرة قرب الحدود السورية وعلى وجه الخصوص الحدود المحاذية لتركيا في الشمال السوري من حلب وإدلب.
المعابر التي تعد المغذي الوحيد لريف حلب الشمالي التي حررت من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في أواخر العام 2016 ، ضمن عمليات “درع الفرات” المدعومة تركيًا.
فيما تتصدر المعابر الحدودية مع تركيا، الأولى من ناحية عملها، لا سيما أنها استقبلت أعدادًا هائلة في بداية الثورة وخاصة بعد قصف المدن من النظام السوري من براميل متفجرة وصواريخ ارتجاجية خلفت مئات الشهداء والجرحى والمهجرين الذين وصلوا شتى بقاع العالم، عبر تركيا على وجه الخصوص.
يذكر أن تلك المعابر التي حررت من فصائل المعارضة عام 2012، أكسبت المنطقة أهمية كبيرة، وبعد تعرضها لهجمات تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وسيطرته على معبري جرابلس ومعبر الراعي في الشمال الشرقي لمدينة حلب السورية، آنذاك أغلقت تلك المعابر من الجانب التركي طوال سيطرة التنظيم، فيما استمر عمل معبر باب السلامة الواقع شمالي مدينة أعزاز الحدودية الذي كان يغذي المنطقة في أثناء سيطرة التنظيم على أغلب الريف الحلبي من جهة وقوات سوريا الديموقراطية من جهة أخرى، حين كانت مناطق المعارضة تتمثل بـ”أعزاز ـ مارع” وريفهما، اللذين بقيا يواجهون التنظيم قرابة عامين، إضافة لمواجهة قوات سوريا الديموقراطية.
استلمت الحكومة السورية المؤقتة معبر باب السلامة الحدودي مع تركيا في 10 من أكتوبر/تشرين الأول 2017، الذي تولت إدارته في السنوات الماضية “الجبهة الشامية” إحدى الفصائل المعارضة المنضوية الآن تحت هيئة الأركان التي تتبع للحكومة السورية المؤقتة
وتعد المعابر الممر الرئيسي للسوريين الذين باتوا في ريفي حلب الشمالي والشرقي الذي أكسبته أهمية تجارية في الوقت الراهن بسبب افتتاح عدة معابر أخرى مع ميليشيا سوريا الديموقراطية التي يصدر منها المواد الغذائية التي تدخل عبر تركيا إلى ريف حلب الشمالي ثم منبج وصولًا بالحسكة والقامشلي ثم العراق إضافة إلى المعابر التي تمر بمدينة عفرين وصولًا بريف حلب الغربي ثم إدلب، وكذلك بالعكس بدخول المحروقات إلى ريف حلب الشمالي ثم إدلب عن طريق المعابر التي فتحت مع الميليشيات.
معبر باب السلامة الحيوي
يعد معبر باب السلامة ذا أهمية بالغة كونه لم يغلق أمام التجارة إلا لأيام عديدة على مدار السبع سنوات الفائتة، إضافة إلى أنه يعتبر بوابة الريف الشمالي إلى تركيا، وفي حديث خاص لمدير المعبر العقيد قاسم القاسم قال: “معبر باب السلامة يعمل بشكل طبيعي، خاصةً دخول البضائع إلى الأراضي السورية، وكذلك من الأراضي السورية إلى الأراضي التركية بموافقة وزارة التجارة التركية وخاصة بعد تسلم الحكومة السورية المؤقتة إدارة المعبر”.
فيما استلمت الحكومة السورية المؤقتة معبر باب السلامة الحدودي مع تركيا في 10 من أكتوبر/تشرين الأول 2017، الذي تولت إدارته في السنوات الماضية “الجبهة الشامية” أحد الفصائل المعارضة المنضوية الآن تحت هيئة الأركان التي تتبع الحومة السورية المؤقتة.
وأضاف العقيد قاسم: “يعمل الجانب التجاري فقط، في حين لا يستطيع السوري الذي يحمل جواز سفر العبور من الأراضي السورية إلى تركيا، إضافة أنه يمكنه العبور من تركيا إلى سوريا”، وأكد “تسعى الحكومة السورية المؤقتة التواصل مع الجانب التركي لفتح المعبر المدني أمام السوريين الذين يحملون جواز سفر”.
سبق افتتاح معبر حوار كيليس العسكري في ريف حلب، افتتاح معبر مماثل له في ريف إدلب وهو معبر أطمة للأغراض العسكرية والإنسانية
وأوضح قاسم: “عائدات المعبر تعود للحكومة السورية المؤقتة التي ستستخدمها في المشاريع الخدمية والصحية والتعليمية والعسكرية الخاصة بالمناطق المحررة، إضافةً إلى أن الرسوم منخفضة جدًا، علمًا أن النظام السوري قبل تحرير المعبر من قبل قوات المعارضة كان يأخذ أموالًا هائلة للجمارك أما الآن لا يساوي 10% مما كان يأخذه”.
وأكد خروج المواد التجارية خارج سيطرة الجيش السوري الحر من معابر تعود للفصائل المنضوية تحت مظلة هيئة الأركان، فيما يعتبر معبر باب السلامة من فئة (أ).
معبر جرابلس الحدودي مع تركيا
عندما سيطرت المعارضة في معركة “درع الفرات” على مدينة جرابلس، استؤنف عمل المعبر لدخول المساعدات الإنسانية والإسعاف، ودخول السوريين الراغبين بالعودة إلى ديارهم، ويتم إيداع عائدات المعبر في بنك “زراعات” التركي باسم المجلس المحلي للمدينة لتغطية النفقات التشغيلية وتمويل المشاريع الخدمية والتعليمية والصحية، ولكن المعبر لا يمتلك موازين تنافسية كباقي المعابر الأخرى.
وسبق افتتاح معبر حوار كيليس العسكري في ريف حلب، افتتاح معبر مماثل له في ريف إدلب وهو معبر أطمة للأغراض العسكرية والإنسانية، نهاية العام 2014، لتتخلص تركيا من تحكم “أحرار الشام” وفصائل إسلامية أخرى في معبر باب الهوى.
وأوضح الرائد محمد أن معبر الراعي يتمتع بموقع إستراتيجي في وسط منطقة “درع الفرات” في ريف حلب، والمنطقة باتت مهيأة أمنيًا لافتتاح معبر متميز
المعبر المدني الأول بعد طرد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”
سعت الجهات المسؤولة في ريف حلب الشمالي بعد موافقة تركية على تأهيل معبر بلدة الراعي إلى أول معبر مدني وتجاري، شمال حلب، فيما ذكر ناشطون أن تصنيف المعبر الحدودي مع تركيا رفع إلى فئة (أ) استعدادًا لفتحه معبرًا مدنيًا رئيسيًا في المنطقة.
ويتميز المعبر بإدارة جمركية ومن المتوقع افتتاحه في يونيو/حزيران المقبل، ومن المفترض أن يقدم أفضل الخدمات لأصحاب المعاملات بمهنية وبمستوى من الشفافية والتوثيق والالتزام بالمعايير القانونية الدولية والاتفاقيات الجمركية الدولية.
ومن الأهداف التي ترغب الإدارة في تحقيقها تشجيع الاستثمار وتعزيز قدرة الصناعة المحلية ورفع كفاءة الاقتصاد وتسهيل حركة التبادل التجاري ورفد الخزينة بالإيرادات.
وقال قائد الشرطة والأمن العام في بلدة الراعي: “سيتم تعيين قاضٍ جمركي كمدير لمعبر الراعي، وكذلك مجلس إدارة موسع وسوف تشارك الشرطة في إدارته وحمايته وإدارة الوضع الأمني فيه، كذلك تطمح إدارة معبر الراعي لخلق أكثر من 200 فرصة عمل للشباب السوري خلال الفترة القادمة.
وأوضح الرائد محمد أن معبر الراعي يتمتع بموقع إستراتيجي في وسط منطقة “درع الفرات” في ريف حلب، والمنطقة باتت مهيأة أمنيًا لافتتاح معبر متميز، فالمعبر سيكون في البداية مخصصًا للتجارة، وخلال الفترة القادمة يمكن للمسافرين استخدامه، حتى أولئك الذين لا يحملون جوازات سفر سورية.
وأكد أن “قيادة الشرطة في الراعي تبحث أمر افتتاح فرع هجرة وجوازات من أجل تسهيل دخول المواطنين إلى تركيا في ظل غياب الجوازات النظامية، وقد ناقشنا الأمر مع والي كيليس وأبدى تقبلًا للموضوع”، وأشار إلى أن الرسوم الجمركية للصادرات والواردات ستكون رمزية ومشجعة، بهدف تحريك السوق وخلق جو من المنافسة، وسيتم توظيف عائدات المعبر المالية في مختلف المجالات الخدمية.
كان للمعارضة السورية اهتمام بالغ بالمعابر الحدودية مع دول الجوار على وجه الخصوص المحاذية للحدود التركية، واعتمدت عليها بشكل كبير في الدعم العسكري لها في محاربة قوات النظام وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” ومؤخرًا ميليشيا سوريا الديموقراطية
تدير فصائل المعارضة السورية، شؤون المعابر العاملة حاليًّا، ويخضع “باب الهوى” لإدارة “حركة أحرار الشام”، و”باب السلامة” لإدارة الحكومة السورية المؤقتة، و”جرابلس” لإدارة الشرطة والأمن العام في المدينة بالتعاون مع الفصائل والمجلس المحلي.
وفي حديث سابق للدكتور جواد أبو حطب رئيس الحكومة السورية المؤقتة، قال: “هناك مباحثات تجري مع الحكومة التركية، لتسيير المعابر الحدودية ضمن الأصول الدولية من قبل الحكومة، وهي جارية إلى الآن من أجل عملية تسيير المعابر، عن طريق الحكومة المؤقتة ممثلة بوزارة الداخلية وإدارة الهجرة والجوازات”.
من أبرز المعابر الحدودية مع تركيا التي تسيطر عليها المعارضة، معبر السلامة شمالي إعزاز في ريف حلب، ومعبر باب الهوى في ريف إدلب، من حيث حركة الدخول والخروج للمسافرين وحجم التبادل التجاري بالإضافة لحجم الدعم العسكري الذي يقدمه حلفاء المعارضة؛ السلامة وباب الهوى من الفئة (أ) بحسب التصنيف التركي للمعابر، أما معبرا جرابلس والراعي في ريف حلب وكسب في ريف اللاذقية، فهي للأغراض الإنسانية والعسكرية فقط، من فئة (ب).
إضافة لمعابر أخرى تحت سيطرة ميليشيا سوريا الديموقراطية (تل أبيض في ريف الرقة ورأس العين في ريف الحسكة ومعبر تل أبين في ريف حلب الشرقي ومعابر أخرى في القامشلي) وجميعها متوقفة عن العمل بسبب سيطرة ميليشيا سوريا الديموقراطية.
وكان للمعارضة السورية اهتمام بالغ بالمعابر الحدودية مع دول الجوار على وجه الخصوص المحاذية للحدود التركية، واعتمدت عليها بشكل كبير في الدعم العسكري لها في محاربة قوات النظام وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” ومؤخرًا ميليشيا سوريا الديموقراطية، ومن جانب آخر أصبحت المعابر تخلف توترًا بين الفصائل وتخلق مشاكل عديدة ومنافسة قوية سببت الاقتتال أكثر من مرة، فيما يحاول كل فصيل إدارة معبر حدودي باعتباره منفذًا حيويًا يعود بالنفع المادي والمعنوي للفصيل الذي يسيطر عليه.