ترجمة وتحرير: نون بوست
ألقت السلطات في إيران القبض على المتظاهرين، الذين كان جميعهم تقريبا من الشباب البالغين من حاملي الشهادات العلمية. ومن بين جميع الحقائق والأرقام المسربة عن البلاد خلال الأسبوع الماضي، أثارت حقيقة وردت على لسان وزارة الداخلية الإيرانية، تشير إلى أن أكثر من 90 في المائة من المحتجزين حتى اللحظة الراهنة يبلغون من العمر أقل من 25 سنة، جدلا كبيرا.
من بين أفضل الأجيال تعليما في تاريخ إيران، يفتقر أكثر من 70 في المائة من هذه النخبة، التي تتراوح أعمارهم بين 18 و24 سنة، المسجلين في مختلف الاختصاصات في التعليم العالي، إلى التشغيل. وتجدر الإشارة إلى أن هذه النسبة تمثل ثلاثة أضعاف المعدل الذي تم تسجيله منذ عشر سنوات فقط. كما لا يحظى 40 بالمائة من الشباب الإيرانيين، الذين يشكلون نصف سكان البلاد، بعمل أو دخل ثابت.
في الواقع، يقوم التصور التقليدي على أن الأعداد الهائلة للشباب الإيراني، التي تثير اضطرابات في البلاد، تشكل تهديدا حتميا على النظام الإسلامي. ومع ذلك، لا يزال من المبكر جدا أن نعرف ما سيحدث بشكل نهائي. فالاحتجاجات الأخيرة تطرح إمكانية أن يوفر الاختلاف في صلب أجيال ما بعد الثورة، خاصة في ظل ارتفاع معدلات التحاق الشباب بالتعليم العالي، أرضية سانحة للتنبؤ بشكل أفضل بالسياسات المثيرة للجدل مقارنة بعملية تصفية الحسابات، التي لطالما رُجح حدوثها. ولكن، لم يحدث ذلك بين الشباب الإيراني الذي يشهد طفرة كبيرة، ومؤسسي الثورة المتقدمين في السن.
خلافا للمتوقع، لا يحتج أحفاد مؤسسي الثورة للمطالبة بمزيد إتاحة فرص العمل لهم، بل لوفرتها وعدم السماح لهم بالاستفادة منها. ويعد هذا الجيل أول من يحصل على تعليم كامل، لكنه يرفض أن يسير على خطى أسلافه وأن يكون آخر من يحصل على وظيفة في هذه البلاد.
الحصول على شهادة جامعية يعد من التطلعات بعيدة المنال بالنسبة للأجيال الثالثة والرابعة للثورة
خلال سنة 2006، كان أقل من نصف الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و17 سنة يسيرون على المسار الصحيح للتخرج من المدرسة الثانوية في الوقت المحدد، الذين كان تقريبا ثلثهم يعيشون في المناطق الريفية. في المقابل، ترك أكثر من نصف هؤلاء الطلاب المدرسة بعد السنة الأولى من المدرسة الثانوية.
في مواجهة صعاب السوق الأكاديمي، اختار الأطفال الذين ولدوا خلال فترة حرب العراق أو بعدها مباشرة، مع أولئك الذين يقومون في الوقت الحالي بتكوين عائلات، أن يأخذوا فرصهم في سوق العمل عوضا عن اجتياز امتحان القبول في الجامعات، التي كانت تتراوح نسبة القبول فيها بين 10 و15 في المائة.
أما أولئك الذين اضطروا إلى البقاء في المدرسة ومواصلة تعليمهم، وجدوا أنفسهم طي النسيان، حتى أن الشباب الذين يتمتعون بمؤهلات عالية ويفتقرون للوظيفة، يعمل معظمهم في مجالات لا علاقة لها بالشهادات المتحصلين عليها. وتفضل هذه الشريحة البقاء في المنزل عوضا عن الخروج للشارع احتجاجا على غلاء الأسعار. كما تضع ثقتها، إن لم يكن في نظام الجمهورية الإسلامية، في الدراسة والتعليم العالي معتقدين أن هذا سبيلهم الوحيد للخلاص. وعلى الرغم من الصعاب التي يواجهونها إلا أنهم لا يزالون مُصرين على إكمال تعليمهم.
سنة 2005، تغيرت الظروف مع انتخاب محمود أحمدي نجاد. فقد عمدت إدارته، التي عقدت العزم على تأمين نواياها الحسنة الشعبوية، من خلال الزيادة في عدد الجامعات للتعليم عن بعد وبدوام جزئي، ما أدى إلى ارتفاع طاقة استيعاب الجامعات بثلاثة أضعاف بين سنتي 2005 و2011، من حوالي383 ألف مكان فقط إلى 1.1 مليون. كما استفاد من هذه المداخل الجديدة إلى التعليم الجامعي الفقراء الذين يقطنون في البلدات الصغيرة، الذين شكلوا القاعدة الانتخابية لأحمدي نجاد في السابق، ويقودون في الوقت الراهن الاحتجاجات.
بعد أربع سنوات من انتخابه لرئاسة الجمهورية، أدى تفكك تحالف شباب روحاني إلى تعقيد توافق الآراء المتزايد حول هذه الاحتجاجات المدفوعة بالدرجة الأولى بالفقر والغضب بسبب سوء إدارة الاقتصاد
في الحقيقة، إذا كان الحصول على شهادة جامعية يعد من التطلعات بعيدة المنال بالنسبة للأجيال الثالثة والرابعة للثورة، فقد أصبحت هذه الطموحات بحلول نهاية عهد أحمدي نجاد تمثل التزاما، وشرطا للعمل والزواج الذي ثَبُت بسرعة أنه يعتبر عبئا أكثر من وسيلة للمضي قدما. كما أكدت الكثير من الوقائع أن التحاق الشباب بالجامعات أصبح عبئا غير محتمل.
في ظل هذه الأوضاع، أصبحت الكثير من الأمور على المحك، لعل أبرزها الشروط المتغيرة للانتقال إلى مرحلة البلوغ، والقواعد الضمنية للعبة التي شكلت العقد بين الدولة والمجتمع، الذي يشتمل على الذهاب إلى المدرسة، والحصول على شهادة، وانتظار دورك للظفر بوظيفة. فضلا عن ذلك، تقدم طبيعة فئة المتظاهرين الحاليين أدلة دامغة على أن المواطنين الأصغر سنا في إيران يرفضون مواصلة اللعبة.
بعد أربع سنوات من انتخابه لرئاسة الجمهورية، أدى تفكك تحالف شباب روحاني إلى تعقيد توافق الآراء المتزايد حول هذه الاحتجاجات المدفوعة بالدرجة الأولى بالفقر والغضب بسبب سوء إدارة الاقتصاد. وفي حين فضل الأجيال الأكبر سنا من شباب ما بعد الثورة الإيرانية البقاء خارج دائرة الاحتجاجات، يضع أفراد من “الجيل الخامس” الذين يعدون من “الإيرانيين الذين صوتوا لصالح روحاني ولكن أصغر من أن يشاركوا في الحركة الخضراء، المسؤولية على عاتق السلطات، على نطاق لم يشهد له مثيل منذ سنة 2009.
في الواقع، هناك شعور بأن هذا الجيل يتسم بخصائص مختلفة عن سابقيه، التي نلتمسها في التقارير الصادرة عن الصحف الإيرانية. في هذا السياق، أفاد أحد النشطاء الإيرانيين في الحركة الخضراء “هذه المرة ليست حشودنا التي خرجت للتظاهر كما أننا لا نقاسمهم نفس المظالم ولا نشعر بالارتياح لهم”. وتابع المصدر ذاته، “تحاكي حيرتهم التحذيرات التي أتلقاها من المقابلات التي أجريها أثناء عملي الميداني في إيران. كما تحدثت شابة من الجيل الرابع عن نظرائها الأصغر سنا قائلة “لن أجرأ على العبث معهم، فهناك أمر مريب بشأنهم، فهم لا يريدون أخذ استشارة أحد”.
هؤلاء الإيرانيين الناشئين مستعدون لاتخاذ إجراءات مباشرة ضد حكومتهم، لكن ذلك لا يعني أنهم يريدون إسقاطها.
عموما، تتمتع هذه المجموعة بنوع من الحصانة. فقد كان 90 بالمائة منهم يناهز سنهم 17 سنة عندما وقعت الحركة الخضراء، حيث شهدوا عمليات القمع التي تعرضت لها الحشود المحتجة. وباعتبارهم أطفالا، كانوا يعتنون بأبناء عمومهم وأشقائهم الأكبر سنا، ويقدمون لهم وجبات خفيفة وأكواب الشاي، عندما كان هؤلاء يستعدون بفارغ الصبر لامتحان القبول الجامعي خلال سباق الدورات الدراسية. وكانوا حاضرين في تخرجهم وأصيبوا بخيبة أمل عندما رأوا عمل أقاربهم في مجالات لا علاقة لها بالشهادات التي تحصلوا عليها.
من هذا المنطلق، ليس من المستغرب أن يكون هذا الجيل غير راغب في قبول ظروفهم الحالية، نظرا لأنهم يعرفون أن الأمور من غير المرجح أن تتحسن بمجرد الحصول على شهادة جامعية، وهم موقنون من أن الحصول على قدر من التعليم سوف يضع حدا لفساد النخب التي لم تقدم أي حلول فعالة في إيران. وقد تمكن هذا الجيل من إحداث تغيير على الرغم من أن ثمن ذلك لا يمكن تحديده، فقد صرح روحاني في خطاب ألقاه يوم الاثنين أن “النظام السياسي لا يمكنه “فرض أسلوب حياة محدد على الأجيال المقبلة”.
حيال هذا الشأن، أورد روحاني أن “المشكلة تكمن في أننا نريد من الجيليْن القادميْن بعدنا العيش بالطريقة التي نرغب فيها”. إن هؤلاء الإيرانيين الناشئين مستعدون لاتخاذ إجراءات مباشرة ضد حكومتهم، لكن ذلك لا يعني أنهم يريدون إسقاطها. كما لاحظت في أماكن أخرى أن المواطنين قد خرجوا إلى الشوارع للحفاظ على النظام، ودفعه لاتخاذ تحركات تخدم مصالحهم ولا تتعارض معها. وفي الواقع، تملك إيران تاريخا طويلا حافلا بالاحتجاجات، بيد أنه ينبغي في الوقت الراهن أن يُنظر إليها على أنها سياسية بحتة من خلال وسائل أخرى، لتجنب التغيير الذي يتحقق من خلال السبل الضرورية.
المصدر: واشنطن بوست