ما الذي لا يستطيع الذكاء الاصطناعي فعله؟

image-1165216-860_galleryfree-ksjy-1165216

ترجمة وتحرير: نون بوست

من الواضح أن أجهزة التعلم الذاتي لم تعد في حاجة لنا، وقد أعلنت العديد من وسائل الإعلام في مطلع هذه السنة عن اختراع ذكاء يفوق الذكاء البشري. ولكن كيف هذا؟ منذ فترة، استطاع تطبيق يطلق عليه اسم “ألفا زيرو” تعليم نفسه لعبة الشطرنج في غضون ساعات قليلة، من خلال اللعب أمام نفسه لعدد لا يحصى من المرات. وخلال فترة قصيرة، استطاع التطبيق هزيمة أفضل تطبيقات الشطرنج الأخرى على مستوى العالم، علما بأن العقل البشري خرج من المنافسة مبكرا.

لكن، ما هي الخطوة التالية لهذا الذكاء الخارق الذي يتميز به التطبيق؟ هل يستطيع الحصول على بطولة العالم في لعبة البوكر؟ أو هل يستطيع هذا الذكاء الاصطناعي دراسة التشريع والقانون في ظرف أسبوعين؟ في الحقيقة، لا يمكن أن يتحقق شيء من هذا القبيل. في هذا السياق، قامت شركة “غوغل ديب مايند” بتطوير هذا التطبيق من أجل لعب الشطرنج فحسب، ولا شيء سوى الشطرنج. فهذا التطبيق لا يملك أي خبرة في أي مجال آخر، حتى أنه لا يتمكن من فهم لعبة بسيطة مثل “الرجل لا يزعجك”.

في الواقع، إن الأسوأ من ذلك أن أجهزة التعلم الذاتي لا تمتلك القدرة على تعليم نفسها خبرات في مجالات مشابهة للمجال الذي أُنشأت من أجله، بما في ذلك لعبة “الرجل لا يزعجك” البسيطة. فمن أجل تعلم مجال جديد، يتوجب على الشركة تطوير تطبيق جديد خاص به، حتى في المجالات التي تبدو فكرتها بسيطة للغاية، ما يعني أن الحديث عن حاسوب يطور نفسه بنفسه أمر سابق لأوانه. لذلك، يبدو أن هذه الصناعة تسير في طريق مسدود، واتضح مع مرور الوقت أن الذكاء الاصطناعي الذي أبهرنا، ليس إلا شخصا أبله محدود الآفاق.

 والجدير بالذكر أن شركة “غوغل ديب مايند” استطاعت تطوير تطبيق للعبة “غو” الشهيرة، يدعى “ألفا غو”. وبالفعل، هزم التطبيق بطل العالم في اللعبة هزيمة ساحقة. وتتكون لعبة غو من لوحة مقسمة لـ “19 ضرب 19 خانة”. وفي حال قمنا بإزالة صف كامل من اللعبة ليصبح عدد الخانات 18 ضرب 18، سيقف تطبيق “ألفا غو” عاجزا عن اللعب. كما استطاعت أجهزة الذكاء الاصطناعي المختلفة إتقان بعض ألعاب الفيديو القديمة، على غرار لعبة “سبيس إنفيدرز”، ولكن في حال قمنا بتغيير بكسل اللعبة أو استبدال لون بآخر فلن يتمكن الذكاء من متابعة اللعب.

يستطيع الإنسان العادي التعرف على المظلة بجميع أشكالها، وفي جميع الأوضاع سواء كانت مفتوحة أو مغلقة، في المقابل، يتعرف الحاسوب على الأشياء من خلال درجة سطوعها وألوانها، التي أدخلت له من خلال نماذج مختلفة لذلك الجسم، ومن ثمّ يبحث الحاسوب بين تلك البيانات المخزنة عن النموذج الأقرب

في المقابل، يستطيع الذكاء البشري التكيف مع أي تغيير يحدث في شكل اللعبة لأنه يدرك القواعد الأساسية للعب، ومن المرجح أن اللاعب لن يلاحظ أي تغير في الألوان من فرط حماسته أثناء اللعب. أما التطبيقات الذكية فلا تقوم إلا بالمهام التي أوكلت إليها، وفي حال طرأ تغيير بسيط في المهمة، تتوقف التطبيقات عن العمل على الفور. وبالطبع، لا عجب في ذلك، لأن الذكاء الاصطناعي لا يفهم ما الذي يقوم به.

لحسن الحظ، يستطيع الذكاء الاصطناعي القيام ببعض المهام وحده، التي تعتبر لب الذكاء الاصطناعي. فعلى سبيل المثال، يستطيع الحاسوب التفريق بين المظلات وأكواب القهوة من خلال إدخال الآلاف من الصور لهذه العناصر على الحاسوب، ووصفها بشكل صحيح، بالإضافة إلى بعض التدريب البسيط.

في البداية، يرتكب الحاسوب أخطاء فادحة. وبعد عدة محاولات، يعمل الحاسوب على تجنب الأخطاء الأولى التي وقع فيها، إلى أن تتحسن النتائج. وقد كانت النتيجة النهائية “مذهلة”، حيث استطاع الحاسوب التعرف على مظلة لم يرها من قبل. وبالطبع، تبذل هذه التطبيقات، التي تسمى “الشبكات العصبية”، جهدا كبيرا للغاية من أجل تحقيق تلك النتيجة. فعند كل محاولة، يقوم التطبيق بعمل ملايين الحسابات المترابطة وتعديل مساره من أجل أن يعطي نتيجة جديدة. وفي حال قلبنا المظلة رأسا على عقب، يبدأ التطبيق في التعرف عليها من جديد وكأنه يرى المظلة لأول مرة.

مما لا شك فيه، يستطيع الإنسان العادي التعرف على المظلة بجميع أشكالها، وفي جميع الأوضاع سواء كانت مفتوحة أو مغلقة، لأن كينونة ذلك الجسم معروف بالنسبة له. في المقابل، يتعرف الحاسوب على الأشياء من خلال درجة سطوعها وألوانها، التي أدخلت له من خلال نماذج مختلفة لذلك الجسم، ومن ثمّ يبحث الحاسوب بين تلك البيانات المخزنة عن النموذج الأقرب. باختصار، تحاول خوارزمية الحاسوب مطابقة وصف صورة مجهولة مع وصف لنموذج ما مخزن في بياناته.

تشير الأخطاء الواضحة للحاسوب إلى عدم قدرته على الفهم، فلا يوجد طريقة واضحة لشرح الخطأ

في الوقت نفسه، هناك أخطاء فادحة لا يمكن غض الطرف عنها، خاصة عندما يخلط الحاسوب بين فرشاة الأسنان وقبعة البيسبول. فقبل ذلك، قام مجموعة من الباحثين الأمريكيين بخداع نظام التعرف على الصور عند غوغل، حيث غير الباحثون بكسل صورة لمجموعة من المدافع الرشاشة بشكل واضح. وبينما تعرف عقل الانسان على الصورة ببساطة، أكد نظام التعرف على الصور عند غوغل أنها صورة طائرة مروحية.

بناء على ذلك، اعتبر الباحثون النتيجة ضربا من “الهلوسة”، حيث أكد الحاسوب في مرة أخرى أن هناك ظبيا بين تلك الأسلحة. ومن الممكن أن نقبل بتلك الهلوسات المضحكة مع الصور الخاصة، فالعم هانز لا يضيره شيء عندما يخبره الحاسوب أنه “فرقعة ألعاب نارية” في إحدى صوره أثناء الاحتفال برأس السنة. ولكن يزداد خطر هذه الهلوسات عندما يتعرف الذكاء الاصطناعي على مواد متفجرة أثناء فحص الحقائب في أحد المطارات على أنها دمية لدبّ.

على ضوء هذه المعطيات، تعد أخطاء العقل البشري أهون بكثير من هذه الأخطاء الكارثية، فهناك مبرر للأطفال عندما يلتبس الأمر عليهم في التمييز بين الكابياء الخنزيرية والهامستر، فكلاهما من الحيوانات ذات الفراء وتمسي على أربع. وعندما يشرح لهم شخص بالغ مواصفات الكابياء الخنزيرية يستطيعون التمييز بعدها بينهم بسهولة. ويمكن وصف ذلك الخطأ بأنه خطأ تعليمي للأطفال، فهو يندرج تحت الخبرات الجديدة التي يكتسبونها.

في الحقيقة، تشير الأخطاء الواضحة للحاسوب إلى عدم قدرته على الفهم، فلا يوجد طريقة واضحة لشرح الخطأ. في هذا السياق، تعتبر المصفاة أكثر ذكاء من الحاسوب، فعندما يقوم شخص ما بغربلة الرمال باستخدام المصفاة، تنتقي هذه المصفاة تلقائيا الحصى كبير الحجم لتحتفظ بها بعيدا عن الرمال. وغالبا، تكون النتائج المرجوة من المصفاة صحيحة. فهل قام أحد بتعليم المصفاة ما هو الحصى أو ما هي الرمال؟ بالطبع لا، فالمسألة هنا تتعلق بالأحجام، فهناك حد أقصى لحجم الحصى المسموح له بعبور فتحات المصفاة.

الحاسوب في حاجة إلى أن يرى مئات الآلاف من الصور من أجل التعرف على بيضة عيد الفصح الملونة، فضلا عن عدد لا يحصى من الدورات التدريبية

انطلاقا من هذا المثال، يمكن القول إن طريقة تعرف الحاسوب على الصور مشابهة لطريقة عمل المصفاة، حيث يقوم الإنسان بإدخال عدد عشوائي من الصور إلى الحاسوب، وعند كل عملية تعرف على الوجوه يبحث الحاسوب عن نموذج مماثل داخل الصور المخزنة في بياناته. كنتيجة لذلك، يمكن وصف الحواسيب ذاتية التعلم على أنها بناء ضخم يتكون من عدة طوابق من المصافي التي يتغير حجم فتحاتها تلقائيا وفق النموذج الذي يبحث عنه الحاسوب. ولكن، لا يمكننا أن نغفل عن النقطة الأساسية حول هذه الحواسيب، وهي أنها لا تمت بأي صلة للذكاء المستقل.

في المقابل، يبقى السؤال المطروح هنا، لماذا نعتقد أن هذه الحواسيب ذاتية التعلم قادرة على تعلم أي شيء؟ في الواقع، يعزى ذلك إلى أن كلمة “تعلم” لها أكثر من تفسير. فالتعليم عند الإنسان هو أن تنفتح أمامه عوالم جديدة. فعندما يرى الطفل بيضة ملونة لأول مرة، يخطر في ذهنه أن ما بداخلها له مذاق رائع عندما يطهى مع الملح، وأن البيضة تأتي من الدجاجة، وأن شقيقه الأصغر سيبكي عندما تكسر هذه البيضة على رأسه. والآن تعلم الطفل درسا جديدا حول البيض مفاده أن البيضة الملونة هي مجرد رمز للاحتفال بعيد الفصح.

لنحاول أن نخمن أن الحاسوب يعمل بنفس طريقة عمل دماغ الطفل. فعلى سبيل المثال، يتخصص أحد الحواسيب في فحص الوحمة التي يولد بها الانسان والاشتباه بأنها سرطان. فهل يستطيع الحاسوب تشخيص ذلك النوع من السرطان بأي طريقة واكتشاف علاج لذلك المرض فيما بعد؟

نحن نعتقد أن الحاسوب يفكر مثلنا. في الحقيقة، إن التعلم بعيون لا ترى العالم وعقل لا يفهم أبسط الأشياء، يفتقر لأبسط ما تحتويه مخيلة إنسان ساذج. تلك هي الطريقة التي تعلم بها الآلة نفسها، فهي تعمل فقط عندما تتوفر لها البيانات التي تسترجعها بهدف تدريب نفسها. في الواقع، أدرك الطفل أن البيضة مخصصة لعيد الفصح في ثوان معدودة. ولكن الحاسوب في حاجة إلى أن يرى مئات الآلاف من الصور من أجل التعرف على بيضة عيد الفصح الملونة، فضلا عن عدد لا يحصى من الدورات التدريبية.

الذكاء الاصطناعي محدود للغاية، لأن كل ما تحمله الحياة قابل للتغير

علاوة على ذلك، لا يفعل الحاسوب ذلك من تلقاء نفسه. فقبل ذلك، يقوم الباحثون بمعالجة بيانات الصور التي جمعوها قبل إدخالها للحاسوب. وفي الغالب، يعتبر ذلك عملا شاقا. فضلا عن ذلك، قد يستغرق إنشاء الحواسيب ذاتية التعلم شهورا وفي بعض الأحيان سنوات، بالإضافة إلى مجهود مجموعة عمل كبيرة من المختصين في المجال. وعموما، يقوم هؤلاء المختصون بخلق العديد من المسارات بغية الحصول على نتائج مقبولة في النهاية.

إن تحقيق الحواسيب ذاتية التعلم لهذه الانتصارات المبهرة في لعبتي غو والشطرنج، لا يعد من قبيل الصدفة. فالحواسيب لعبت أمام نفسها ملايين المرات وفي كل مرة تضع احتمالات الانتصار والهزيمة، حتى تمكنت في النهاية من معرفة الطرق الأمثل للفوز في اللعبة.

يرجع ذلك بالأساس إلى أن المعادلات الرياضية الموجودة في تلك الحواسيب متطورة للغاية، إذ أصبح طريق الفوز فيها واضحا، فألعاب الألواح تتكون من مجموعة ثابتة من الخانات والقواعد التي لا تتغير. فلا مجال لحركة أو لعبة غير متوقعة، على العكس تماما من حياتنا العادية. ففي لعبة الشطرنج، دائما نتحرك من الخانة “A4″ إلى الخانة “C6″ أو من الخانة “B1″ إلى الخانة “B7″. فالبيدق لن يتجاوز أبدا ما يقف أمامه، ولا تستطيع القلعة أن تغفل مسارها المحدد، أو أن يتحرك الوزير مثل الحصان.

لذلك، نعتبر أن الذكاء الاصطناعي محدود للغاية، لأن كل ما تحمله الحياة قابل للتغير. في النهاية، يعتبر التقدم التكنولوجي مفيدا للإنسان، فالبحث السريع عن نموذج وسط كمية هائلة من البيانات أصبح ضروريا. فضلا عن أن الحاسوب الآن يستطيع قراءة الشفاه، إلى جانب التطور المستمر في تقنية التعرف على الصور. وفي الأثناء، تعلم الحاسوب قراءة الشفاه من خلال أشرطة الفيديو التي تم إدخالها إليه، مضافا إليها ترجمة الكلمات.

استطاعت العديد من الشركات استخدام الذكاء الاصطناعي لصالحها، فقد اكتشفت شركة باي بال العديد من التعاملات المشبوهة على حسابها. ومن جانبها، استطاعت أمازون من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي التعرف على السلوك الشرائي السابق لعملائها من خلال تقديم إرشادات لهم حول المنتجات التي يستطيعون شراءها. أما في شركة غوغل، تعمل الشبكات العصبية للذكاء الاصطناعي على التأكد من دقة البحث، بالإضافة إلى المساهمة في توفير الطاقة في مراكز البيانات.

ما نتعلمه يصبح جزءا من معرفتنا ويكمّل ما تعلمناه في السابق، وقبل كل ذلك، نحن نفهم ما نتعلمه بالتالي، يزداد ذكاؤنا يوما بعد يوم، وفي سياق مغاير، لا يوجد طريقة يستطيع الذكاء الاصطناعي العمل بها وفقا لإرادته الشخصية

على المستوى الطبي، فتح الذكاء الاصطناعي مجالات جديدة. فعلى سبيل المثال، تستطيع التطبيقات ذاتية التعلم تشخيص سرطان الجلد من خلال مجموعة من الصور مثل أي طبيب مختصّ. فضلا عن ذلك، استطاعت هذه التطبيقات قراءة التخطيط الكهربائي لمرضى القلب بصورة أفضل من أطباء القلب أصحاب الخبرة الواسعة.

لكن لا شيء من شأنه أن يحل محل الطبيب حيث أن جل ما فعلته هذه التطبيقات هو توفير الجهد المبذول والكثير من الوقت في التعرف على بعض المعدلات في جسم الإنسان. بالطبع، سيتم تكليف هذه الأجهزة بمزيد من المهام في المستقبل، طالما أن الرغبة في الاكتشاف ما زالت موجودة لدى الإنسان. ولكن من المؤكد أن أي اكتشاف جديد لن يكون أذكى من الإنسان. فالآلات تفتقر دوما للطريقة التي تربط بها بين كل تلك الخبرات بهدف التعلم، مثلما يفعل الإنسان منذ قديم الأزل بلا كلل أو ملل.

فما نتعلمه يصبح جزءا من معرفتنا ويكمّل ما تعلمناه في السابق، وقبل كل ذلك، نحن نفهم ما نتعلمه بالتالي، يزداد ذكاؤنا يوما بعد يوم. وفي سياق مغاير، لا يوجد طريقة يستطيع الذكاء الاصطناعي العمل بها وفقا لإرادته الشخصية. فالشبكات العصبية تتقن المهمة التي أنشأت من أجلها فحسب. أما فيما يتعلق بالمهام الجديدة، فعليها أن تبدأ من الصفر. وبهذا، يسير الذكاء الاصطناعي كل مرة في طريق مختلف تماما عن السابق.

في هذا الصدد، يرى الباحثون أن المشكلة تكمن في أنهم يبحثون عن طريقة تعلم مشابهة للتعلم البشري. في الواقع، تعتبر الأفكار التي بنيت عليها التكنولوجيا الحديثة هي نفس أفكار تكنولوجيا العقود الثلاثة الماضية. وحيال تلك الأفكار، نشر عالم الحاسوب البريطاني، جيوفري هينتون، مقالا رائعا سنة 1986. وبالطبع، لم تكن الحواسيب في ذلك الوقت قادرة على فعل ما تفعله اليوم، حيث تستطيع تخزين الصور والأصوات والتسجيلات وبيانات أخرى لأغراض تدريبية.

في الحقيقة، يعتبر هينتون صاحب فكرة التعلم الذاتي للحاسوب حيث أن ما يحدث اليوم، يعد تطويرا لفكرته. في المقابل، ما زال هينتون يعتقد أن المستقبل يحمل الكثير. فليس من المعقول حتى الآن أن تطور الآلة من ذكائها بنفسها، في حين لا يملك أحد فكرة عن كيفية قيام الآلة بذلك حتى في وقتنا الحالي. لذلك، يعتبر أي حديث عن اختراع حاسوب يضاهي ذكاء الإنسان كلاما عبثيا حتى إشعار آخر.

المصدر: دير شبيغل