القصة (من دون حرق أحداث)
تبدأ الأحداث في الرابع عشر من يناير 2011، الرائد نور الدين مصطفى يعمل في مباحث قسم قصر النيل، مصدر رزقه الأساسي قائم على الإتاوات أو بالعامية “تقليب جيوب العامة”، يرسله عمه اللواء كمال مصطفى للتحقيق في قضية مقتل المطربة لالينا التي عثر عليها مذبوحة في فندق النايل هيلتون بالقاهرة بعد اكتشاف جثتها على يد عاملة النظافة سلوى.
يكشف نور الدين تورط رجل الأعمال وعضو مجلس الشورى حاتم شفيق في علاقة عاطفية مع المطربة من خلال صور فوتوغرافية وجدها في حقيبة الضحية.
عندما يبدأ نور الدين التحقيق في القضية مع حاتم، تأتيه الأوامر بأن يتخلى عن القضية ذلك أنها حفظت وأغلقت، على جانب آخر سلوى اللاجئة السودانية هي الشاهدة الوحيدة على الجريمة والوحيدة التي تعرف هوية القاتل، مما يضع حياتها في خطر داهم، فهل سيستطيع نور حل القضية والقبض على الرجل الكبير حاتم شفيق؟ هل ستنجو سلوى بحياتها وتدل نور على مبتغاه؟ وما علاقة ثورة 25 يناير بالقضية؟
– “بابا أنا جالي قرشين، إيه رأيك نروح المستشفى؟”.
– وحياة النبي كده ما تقوليش حبيبي إيه.. جالي قرشين! خليك كده حلو وقول سرقت قرشين! (حوار نور الدين مع والده)
السيناريو
ينتمي الفيلم لنوعية أفلام النوار والتحقيقات، حيث يقوم بطل الفيلم طوال الأحداث بمحاولة حل لغز جريمة، ويتميز بطل أفلام النوار باللامبالاة وبرود المشاعر وتهكمه على الآخرين، وفي بعض الأحيان يكون بطل النوار فاسد الذمة والضمير.
جرت العادة في أفلام النوار أن يتورط البطل جنسيًا مع فتاة جميلة تكون لها علاقة بالقضية التي يحقق فيها، وتسبب هذه العلاقة في انتكاسة للبطل سواء حين تموت البطلة على يد خصومه أو حينما يكتشف تعاون الفتاة مع خصومه ضده.
استوحى طارق صالح قصة الفيلم من قضية مقتل المغنية اللبنانية سوزان تميم عام 2008 التي أدين فيها ضابط أمن الدولة السابق محسن السكري ورجل الأعمال وعضو مجلس الشورى آنذاك هشام طلعت مصطفى بالسجن. مشكلة فيلم “اللي حصل في الهيلتون” أنه التزم التزامًا دقيقًا بوصفة أفلام النوار القديمة.
لم يحاول المخرج طارق صالح التجديد في الوصفة أو الاستثمار في شخصية نور الدين على الجانب النفسي بحيث تكون مثيرة أو على الجانب العاطفي فيتفهم المشاهد دوافعه، على العكس، اعتمد طارق صالح على الوصفة وعلى خلفية 25 يناير في القصة وظن أنها ستكون كافية لجذب المشاهد.
نتيجة لذلك جاء الفيلم باهتًا ومتوقعًا تمامًا بالأخص لدى مشاهد أفلام النوار المتمرس أو على الأقل المشاهد الذي تربى على المسلسلات الجريمة الأمريكية مثلCSI وLaw & Order.
شخصية نور الدين هي قالب لشخصية بطل النوار التقليدي: فاسد ومتهكم ولامبالٍ ويعاني الوحدة وفاقد الاحترام لذاته، المميز هنا أن نور الدين ضابط مصري محتقر من الكل سواء العامة أم حتى من أقرب الناس لديه مثل والده وأخيه.
خط سلوى اللاجئة السودانية هو أفضل ما بالفيلم وأنقذه من الرتابة والملل، فهي تحاول طوال الفيلم البقاء حية، هذا غير أنها كانت مرآة لمعاناة اللاجئين الأفارقة في مصر، تلك المعاناة التي لم تجسد في أي فيلم روائي مصري طويل حتى الآن.
جسد النص أغلب أفراد الشرطة المصرية كلصوص وفاسدين، القانون بالنسبة لهم ما يدخل في جيوبهم من أموال، وبالتالي الحصول على العدالة من نظام كهذا مستحيل، وهنا يأتي الحل بالنسبة لطارق صالح في ثورة 25 يناير.
الشخصيات والتمثيل
جسد الممثل اللبناني فارس فارس نورالدين بشكل مقبول، إلا أنه لم يستطع أن يجعل المشاهد يتعاطف مع قضيته بسبب السيناريو المقيد به، فجاء أداؤه جيدًا على المستوى الشكلي فقط من حيث اللهجة المصرية وتفاعله مع البيئة المحيطة به.
ياسر علي ماهر كان الأفضل أداءً، فشخصية كمال مصطفى رغم فسادها، تحب نورالدين كثيرًا وتعطف عليه، كاريزما ياسر ممتازة، ومعروف بذلك منذ ظهوره في المسلسلات المصرية، ودائمًا ما توظف جيدًا عندما تسند له أدوار القادة، سواء كانوا لواءات أم رؤساء مثل دوره الشهير في مسلسل فارس الرومانسية (قصة يوسف السباعى) الذي أدى فيه دور الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
ماري مالك وفقت في أول أدوارها، رغم أن شخصيتها مسطحة وغامضة، فإن تجسيدها حالة الخوف والهلع التي تعيشها الشخصية، ومحاولتها التأقلم في بيئة لا تتقبل الآخر بسهولة كان تجسيدًا بارزًا وخلق تعاطفًا معها.
الإخراج والتصوير
كان من المقرر تصوير الفيلم في القاهرة وسلم طارق صالح نسخة سيناريو للرقابة مختلفة عما كان ينتوي تصويره، إلا أن الأمن الوطني كشف أمره ومنعه من تصوير الفيلم.
اضطر طارق صالح على إثر ذلك للسفر للمغرب من أجل تصوير الفيلم هناك، لذلك تحدي طارق صالح الأول كان في إعادة خلق قاهرة 2011 في المغرب.
قال طارق صالح عن أسباب صنع الفيلم: “بعد الثورة ظهرت عدة أفلام مصرية كانت مثيرة للاهتمام، إلا أن صناعها واجهوا قيودًا أزعم أنها لم تكن لتواجهني كوني مواطنًا أوروبيًا، أي مخرج مصري كان سيخرج هذا العمل كان سينتهي به الأمر كلاجئ، وهو وضع لا يطمح له أحد، لذلك لم يكن فقط من حقي صناعة الفيلم بل واجبًا عليّ”.
نجح صالح بالتعاون مع المشرف الفني روجر روزنبيرج في تخطي تلك العقبة، فالمشاهد المصري لن يشعر مطلقًا أن بأن الفيلم ليس في مصر. فقد اعتمد صالح ومدير التصوير بيير أيم على التصوير بعمق ميداني بسيط بحيث لا تظهر البيئة الخارجية ويقع التركيز على الممثل، وجمع ذلك بلقطات صورتها وحدة ثانية بالقاهرة، مما خلق الإيهام بأن الأحداث صورت في مصر.
المشكلة أن الأحداث التي أغلبها تتمحور حول العالم السفلي والكباريهات، أعطت الفيلم حسًا استشراقيًا، فلم يصل للمشاهد بشكل كافٍ حالة الغليان التي كان الشعب المصري فيها إبان يناير 2011.
بشكل أبسط، اهتم صالح على شكل الصورة والأسلوب على حساب المضمون، فأصبحت 25 يناير محشورة في سياق الأحداث، فهي العنصر الوحيد الذي أعطى القصة بعض التميز، ولولاها ولولا اسم طارق صالح الكبير، لأصبح هذا الفيلم نسيًا منسيًا.
مونتاج الفيلم متأثر بخلفية طارق صالح الوثائقية، حيث تبدأ المشاهد بتفاصيل دقيقة للمكان ثم تنتقل بعدها لصورة أوسع كي نعرف أين نحن وماذا يحدث، إلا أنه أيضًا كالسيناريو لم يعمل على التركيز على اللحظات العاطفية والإنسانية للأبطال، وركز أكثر على البيئة وشكل الفيلم.
تأثر صالح بأسلوب المخرج الأمريكي ديفيد فينشر صاحب روائع سبعة (Se7en) ونادي القتال (Fight Club) في اختيار لوحة لونية معتمدة على الأخضر والأزرق الغامق، وأسلوب الإضاءة المعتمد على الظلال الحادة في العديد من المشاهد. حتى مشهد النهاية متأثر جدًا بمشهد نهاية فيلم سبعة (Se7en) في الشكل وحركة الكاميرا واختيار البيئة.
طارق صالح مخرج سويدي من أصول مصرية، هاجر للسويد في سن صغيرة وعمل في مجال الجرافيتي والتحريك قبل الاتجاه للإخراج عام 1989، رسم صالح لوحة للجرافيتي في سن التاسعة عشر سميت بلوحة Fascinate، هذه اللوحة لفتت الأنظار إليه كموهبة فنية استثنائية، ولاحقًا قامت السلطات السويدية بحفظها وحمايتها لتصبح أقدم لوحة جرافيتي في التاريخ المعاصر.
عمل بعدها في إخراج الأفلام الوثائقية ثم اتجه للأفلام الروائية وأخرج أفلام Metropia وTommy الملاحظ هنا أن أبطال أفلام صالح دائمًا ما يحاربون قوى أكبر منهم من أجل تغيير البيئة المحيطة بهم.
عرض الفيلم في مهرجان صاندانس في يناير 2017 وانقسم النقاد بشأن جودة الفيلم ومحتواه، رغم ذلك اقتنص الفيلم الجائزة الكبرى في فئة السينما العالمية، ورشح طارق صالح بعدها لإخراج حلقة في المسلسل الأمريكي الشهير ويست ورلد West World.
كان مقررًا عرض الفيلم في بانوراما الفيلم الأوروبي إلا أنه منع من العرض لعدة أسباب أبرزها إظهار الشرطة المصرية بشكل مسيء في وقت تتعرض فيه الدولة المصرية لحرب شرسة من قوى الإرهاب المتطرف. الطريف أنه بعد منع الفيلم في مصر تم تسريبه على الإنترنت بعدها بفترة قصيرة.
إعلان الفيلم