ينطلق بعد أيام سباق الانتخابات الرئاسية لعام 2018، ويحاول الكثيرون أن يحددوا موقفهم من الآن: إما بالمقاطعة أو المشاركة بدعم أحد المرشحين، في هذا الإطار يجب دراسة الوضع الحاليّ داخليًا وإقليميًا لمعرفة تبعات كل قرار حتى نستطيع أن نتخذ الخيار الأمثل في ضوء المتغيرات من حولنا.
أولاً.. الوضع الداخلي
هو وضع متأزم ومغلق أمام أي فرصة للمشاركة والمنافسة، فالدولة البوليسية القمعية تضغط بقوة من أجل تمرير هذه الانتخابات “بلا نفس” كما ورد في تسريبات الضابط أشرف الخولي للإعلاميين، وذلك من أجل إظهار شعبية مصطنعة وانتخابات شكلية يفوز بها السيسي بلا مخاطرة.
لذلك سعى بكل قوة لإزاحة شفيق من الانتخابات بمساومته على وضعه القانوني ووضع أسرته وتهديده، ونجح بالفعل في تخويفه وإثنائه عن الدخول في السباق الرئاسي، وقد أظهرت التسريبات ما كان معروفًا من قبل من دعم جهات سيادية كالمخابرات العامة لترشح شفيق.
لذا لا يستبعد أن تدعم تلك القوى المناوئه للسيسي التي تخشى من طريقة إدارته في الحكم أو حتى تخشى على مصالحها ونفوذها، مرشحًا آخر، وما الحديث عن ترشح عنان سوى بالونة جديدة لاختبار قوة السيسي وقدرته على إزاحة مرشح قوي آخر من طريقه؟
يعتبر رجال أعمال مبارك ومناصروه في الدولة العميقة وقود أي عملية إزاحة للنظام الحاليّ مقابل نظام جديد يعيد لهم نفوذهم القديم ويحمي مصالحهم من قرارات السيسي المتخبطة والمتعجلة خاصة في المجال الاقتصادي
خريطة القوى المحتملة
– من داخل النظام (المناوئة للسيسي)
– المخابرات العامة التي بدا منذ بداية الانقلاب أن هناك صراعًا بينها وبين المخابرات الحربية ومن ورائها السيسي، وبدأ قائد الانقلاب عمليات الإقالة والنقل والإبعاد لكثير من عناصرها كان آخرهم وائل الصفتي مسؤول متابعة الملف الفلسطيني في المخابرات.
– شخصيات عسكرية محتملة: كثير من الشخصيات العسكرية قد تميل أو تدفع في اتجاه ضد السيسي “يتغدوا بيه قبل ما يتعشى بيهم”، منهم على سبيل المثال صدقي صبحى وزير الدفاع التي قد تكون عملية صاروخ الكورنيت بمطار العريش إحدى محاولات السيسي للإطاحة به.
كذلك هناك شخصيات تمت إقالتهم قد تسعى للثأر منهم الفريق محمود حجازي رئيس الأركان السابق أو حتى عدد من أعضاء المجلس العسكري القديم الذين تم الإطاحة بهم واحدًا تلو الآخر منذ جلس السيسي على عرش مصر.
– رجال مبارك
يعتبر رجال أعمال مبارك ومناصروه في الدولة العميقة وقود أي عملية إزاحة للنظام الحاليّ مقابل نظام جديد يعيد لهم نفوذهم القديم ويحمي مصالحهم من قرارات السيسي المتخبطة والمتعجلة خاصة في المجال الاقتصادي الذي يؤمم كل المصالح والبيزنس لصالح المؤسسة العسكرية.
المتغيرات تقول إن تمكُن محمد بن سلمان ومحمد بن زايد يزيد من اطمئنان السيسي على استمرار دعمه، بالإضافة لدعم الرئاسة الأمريكية الجديدة الممثلة بترامب ومن ورائه الحليف الصهيوني
أخيرًا تأتي الحلقة قبل الأخيرة في المشهد السياسي وهم الأحزاب والتيارات الداعمة لثورة 25 يناير، لكنها شاركت في الانقلاب على حكم الرئيس محمد مرسي وبينها وبين التيار الإسلامي عداء وإن كان قلت حدته الآن بسبب تشاركهم في المظلومية من نظام عبد الفتاح السيسي.
وهم وإن كانوا قلة لكنهم نجحوا الآن في صناعة رموز تصدرت المشهد المعارض، بل ونجحوا في الدفع بخالد علي إلى سباق الانتخابات الرئاسية وإن كان هناك شكوك عن قدرته على الاستمرار في ظل المنظومة القمعية خاصة في ظل حكم قضائي معلق فوق رقبته يستطيع الإطاحة به في أي وقت إذا أحس النظام منه بأدنى خطر.
لكن هذا التيار نجح على الأقل في صناعة قائد والالتفاف حوله وحشد طاقات أبنائه على قلتهم في اتجاه ما يرونه مناسبًا.
أخيرًا يأتي التيار الأكبر للأمة وهو التيار الإسلامي وأقل ما يوصف به وضعه بالمزري والمهترئ بلا رؤية ولا قائد، وإن كانت سكاكين النقد الذاتي وجلد الذات التي يمارسها أبناؤه عليه تتجاهل المتغير الأكبر الذي حل بهذا التيار من قتل واعتقال معظم القيادات الفاعلة من الإسلاميين والباقي بين مطارد ومنفي.
كما أن جماعة الإخوان المسلمين (قلب هذا التيار) فرقتها الانقسامات لمن تبقى من أعضائها، وتصلبت شرايين تلك الجماعة باختفاء القيادة الشورية وتمسك قيادات كبيرة السن متجمدة العقل والتفكير بمفاصل ما تبقى من نفوذ التنظيم ومصادر التمويل لتضمن الاستمرار على الكراسي.
– قوى الخارج
هذه اللقطة العامة لوضع الداخل المصري الآن، أما خارجيًا فالوضع أشد صعوبة، فالأطراف الإقليمية الداعمة للثورة المصرية تتعرض لأكبر عملية حصار بهدف زحزحة مواقفها السياسية أو على الأقل تقليل الدعم للمعارضين، فمن حصار قطر إلى إشغال تركيا بأزمات وحروب إقليمية، نجد الملف المصري بات خارج أولويات تلك القوى.
المقاطعة في حد ذاتها كموقف أخلاقي شيء جيد، لكنه لا يفيد في رأيي والنظام القمعي في مصر لا يضره تعرية ولا فضح
أما الأطراف الإقليمية الداعمة للسيسي، فالمتغيرات تقول إن تمكُن محمد بن سلمان ومحمد بن زايد يزيد من اطمئنان السيسي على استمرار دعمه، بالإضافة لدعم الرئاسة الأمريكية الجديدة الممثلة بترامب ومن ورائه الحليف الصهيوني.
نحن إذًا أمام وضع دولي لن يقبل بتغيير المشهد المصري تغييرًا دراماتيكيًا، لكنه قد يقبل بتغيير شكلي يفك الأزمة المصرية ويفرغ طاقة الغضب المتصاعدة الآن داخل المجتمع المصري التي تؤذن بانفجار لا يريده الجميع.
ماذا نفعل؟
أخيرًا نأتي للسؤال الصعب وهو: ماذا نفعل الآن في مشهد انتخابات الرئاسة؟ وهل للتيار الإسلامي تأثير في المشاركة؟ وهل المقاطعة أفضل؟ أنا أرى أن هناك فرصة ضعيفة للتغيير من الوضع السيء الحاليّ إلى وضع أقل سوءًا يتدارك بعضًا من الانهيار والتفريط الذي حققه السيسي في ملفات حيوية كملف سد النهضة والجزر والانهيار الاقتصادي، كما يستطيع أن يفك الأزمة الإنسانية البشعة الناتجة عن طابور الإعدامات والاعتقالات التي تضغط على آلاف الأسر من أبناء التيار الإسلامي وتعتبر أي فرصة للتخفيف عنهم أو الإفراج عنهم واجب علينا أن نسعى إليه في ظل ضعف الفرص الأخرى.
إذا لم نجد هذا المرشح، فندعو الشعب إلى المقاطعة ولكن في إطار تصور ورؤية يجب أن نضعها لإزاحة هذا النظام، يشاركنا فيها الشعب المصري، وعلينا منذ الآن البحث عن قيادة نلتف حولها تمثل التيار الإسلامي والثورة في معركة التغيير
المقاطعة في حد ذاتها كموقف أخلاقي شيء جيد، لكنه لا يفيد في رأيي والنظام القمعي في مصر لا يضره تعرية ولا فضح، لكن أرى أن واجب الوقت هو اللعب على الخلاف داخل النظام ومحاولة الاستفادة منه.
وعليه علينا أن ننتظر حتى تعلن القائمة النهائية للمرشحين، فإذا وجدنا منافسًا يستطيع أن يكون لديه فرصة سواء بدعم داخلي من النظام أو بتأييد دولي نستطيع أن ندفع وراء تأييده، مع محاولة التواصل لأخذ ضمانات بخصوص الحريات والمعتقلين والتحرك إيجابيًا في الملفات الخطرة على مصر وفي المقدمة منها سد النهضة وعدم إخلاء سيناء من سكانها والموقف من القدس.
وإذا لم نجد هذا المرشح، فندعو الشعب إلى المقاطعة ولكن في إطار تصور ورؤية يجب أن نضعها لإزاحة هذا النظام، يشاركنا فيها الشعب المصري، وعلينا منذ الآن البحث عن قيادة نلتف حولها تمثل التيار الإسلامي والثورة في معركة التغيير.