عرفت الجزائر أو ما كان يطلق عليها سابقًا اسم “المغرب الأوسط” تعاقب العديد من الحضارات والدول عليها منذ بداية التاريخ إلى الآن، تاركة وراءها عديد من المآثر التاريخية التي ظلت شاهدة عليها، من تلك الدول نجد الدولة الرستمية التي كانت أولى دول الإسلام في البلاد.
تأسيس الدولة الرستمية
إلى جانب الأغالبة بالقيروان (تونس) والأدارسة بفاس (المغرب)، تأسست الرستمية بـ”تيهرت” سنة 777 ميلاديًا وبقيت حتى سنة 909 ميلادية، عرفت الجزائر خلال هذه الفترة ازدهارًا فكريًا واقتصاديًا وتجاريًا كبيرًا.
تأسست هذه الدولة على يد عبد الرحمن بن رستم فرخزاد ويختلف المؤرخون في نسبه، فيرجعه ياقوت الحموي إلى مولى عثمان بن عفان وهو بهرام أحد أبناء كسرى يزدجرد، أما البكري وابن حزم فيرجعان نسبه إلى سلالة ملوك الأكاسرة الساسانيين الفرس، فيما يقول ابن خلدون إنه من أبناء رستم قائد الجيش الفارسي المشهور في معركة القادسية.
تولى حكم الدولة مجموعة من الأمراء كان آخرهم اليقظان بن أبي اليقظان
وتقول كتب التاريخ، إن تأسيس الدولة جاء بعد أن فرّ عبد الرحمن بن رستم من القيروان باتجاه تيهرت بالمغرب الأوسط (الجزائر)، عقب طرده من الأغالبة العباسيين، حيث توافد عليه مجموعة من العلماء من طرابلس وجبل نفوسة مكان انتشار المذهب الإباضي، ثم بويع له بالإمامة نظرًا لعلمه ومكانته وكان ذلك عن طريق الشورى.
وتعود صلة عبد الرحمن بن رستم مؤسس الدولة الرستمية بالمغرب الإسلامي، حسب المؤرخ التونسي عبد الرحمن بن خلدون، إلى طوالع الفتوحات الإسلامية، فقد ذهب عبد الرحمن بن رستم إلى إفريقية (تونس) وهو طفل فترعرع بالقيروان، فيما يقول الشماخي إن عبد الرحمن بن رستم سافر مع أمه إلى القيروان إثر زواجها من رجل هناك بعد أن توفي زوجها رستم بن بهرام.
عقب وفاته، تولى خلافة عبد الرحمن بن رستم ابنه عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم الذي بقي حاكمًا للدولة الرستمية ما يقارب الـ20 عامًا ليتولى من بعده ابنه أفلح بن عبد الوهاب الذي حكم الدولة الرستمية لأكثر من 50 عامًا ومن ثم تولى حكم الدولة مجموعة من الأمراء كان آخرهم اليقظان بن أبي اليقظان.
اتخاذ الفكر الإباضي فكرًا لها
في فترة حكم الدولة الرستمية، علا شأن الفرقة الإباضية، وهي إحدى فرق الإسلام القريبة من المذهب الشيعي، أطلق عليه هذا الاسم نسبةً إلى عبد الله بن إباض التميمي، وقد دخل مذهب الإباضية إلى إفريقية في النصف الأول من القرن الثاني، وانتشر بين البربر حتى أصبح مذهبهم الرسمي.
وتُنسَب هذه الفرقة إلى الخوارج، ولكنهم يغضبون كثيرًا حين يسمعون أحدًا ينسبهم إلى الخوارج، ويبرأون من تسميتهم بالخوارج ويقولون: نحن إباضية، كالشافعية والحنفية والمالكية، ويقولون: إنهم رُمُوا بهذا اللقب لأنهم رفضوا القرشيَّة، أي التزام كون الإمام من القرشيين.
” تيارت”.. عاصمة الرستميين
اتخذ الرستميون مدينة تيارت مقرًا لهم، وتسمى هذه المدينة باللغة البربرية قديمًا “تيهرت” أي اللبؤة وكان لها عدة تسميات أخرى من قبيل “تاهرت” و”تأقدمت” و”تاغزوت”، وعرفت هذه المدينة خلال الحكم الرستمي ازدهارًا كبيرًا، فقد بنيت فيها الدور والقصور والبيوت والأسوار الحصينة والمساجد إلا أن أغلبها وقع هدمه بالكامل من الدولة الفاطمية.
تعني “تيارت” أيضًا “المحطة”، فقد كانت منذ القدم محطة للمسافرين والتجار والجيوش
ويقول الرحالة “المقدسي” في وصف المدينة: “بلخ المغرب، قد أحدقت بها النهار، والتفت بها الأشجار، وغابت في البساتين، ونبعت حولها العين، وجل بها الإقليم، وانتعش فيه الغريب، واستطابها اللبيب، يفضلونها على دمشق وأخطأوا، وعلى قرطبة وما أظنهم أصابوا، هو بلد كبير، كثير الخير رحب، رقيق طيب، رشيق الأسواق، غزير الماء، جيد الأهل، قديم الوضع، محكم الرصف، عجيب الوصف … “.
أهرامات الجدار الأمازيغية
وتعني “تيارت” أيضًا “المحطة”، فقد كانت منذ القدم محطة للمسافرين والتجار والجيوش، فهي تقع على ممر جبلي إستراتيجي جعل منها نقطة مهمة لأي قوة تريد السيطرة على الأراضي المجاورة وكذا الطرق التجارية التي كانت تعبرها.
مكتبة “المعصومة”
نتيجة اهتمامهم بالعلوم والفكر، أنشأ الرستميون عديد من المكتبات العلمية الزاخرة بمختلف فنون العلم والآثار، ومن مكتباتها المشهورة مكتبة “المعصومة” التي كانت تحوي آلافًا من المجلدات والكتب، أوصلها بعض الباحثين إلى ثلاثمئة ألف مجلد، فكانت تحوي بين رفوفها كتبًا في علوم الشريعة من تفسير وحديث وفقه وتوحيد، وكتبًا في الطب والرياضيات والهندسة والفلك والتاريخ واللغة وغيرها من العلوم المختلفة، ولم تكن كتبها مقتصرة على مذهب بعينه بل كانت تجمع مؤلفات لمختلف المذاهب الإسلامية.
سرقة أغلب الكتب من مكتبات الرستميين
ومن المكتبات المشهور الأخرى أيضًا “خزانة نفوسة” الجامعة لآلاف الكتب، إلا أن جميعها تم هدمه من الفاطميين عند احتلالهم للجزائر، فيما قاموا بأخذ الكتب العلمية المهمة معهم إلى المهدية في تونس وإلى القاهرة في مصر.