ترجمة وتحرير: نون بوست
بإمكانك تخيل الكم الهائل من المكالمات الهاتفية بعد ظهور رئيس الأركان السابق لحرب القوات المسلحة المصرية، الفريق سامي عنان، كمنافس ثالث ثقيل الوزن في سباق الترشح للانتخابات الرئاسية في مصر. في الأثناء، تعمل المخابرات العسكرية الموالية للرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، لساعات إضافية من أجل تسيير الدمى الخاصة بها في وسائل الإعلام.
“لقد جعلنا هذا الأمر هيّنا، ليسهل عليك فهمه”
“أجل، سيدي”
“هناك ثلاثة أمور هامة، عنان وعمره وإصابته بالزهايمر، هل فهمت ذلك؟ عنان يقوم بترديد الكلمات لأنه ينسى أنه قالها سابقا، بينما يتكلم الرئيس بطلاقة. ويجلس عنان على كرسي متحرك، في حين يتنقل الرئيس على حصان أبيض مثل القذافي، لا، إنسى القذافي، بل مثل بوتين، هل تتذكر المشهد الذي يظهر فيه بوتين عاري الصدر ممتطيا جواده؟ الشباب مقابل المسنين، فهمت ذلك؟”
“نحن نعمل على ذلك، سيدي”
رجل ميت يمشي
يعتبر عنان المنافس الثالث الذي تحدثت عنه منذ حوالي السنة، عندما كتبت أن السيسي كان بمثابة الرجل الذي يمشي ليلقى حتفه، فضلا عن مقارنته بالملك سليمان، الذي مات بعد تشبثه بطاقمه القديم. في الوقت ذاته، لم يكن هناك من يعلم بشأن موت الملك عدا النمل الأبيض، الذي كان ينخر عصاه الأسطورية. ومنذ ذلك الحين، أصبح النمل الأبيض الذي يتغذى على سلطة السيسي أقرب إلى كرسي الرئاسة، حيث اقترب رئيس الوزراء المصري السابق، أحمد شفيق، رفقة ابنته من السلطة قبل أن يتم ابتزازه بواسطة أشرطة جنسية وتهم فساد، مما أدى إلى انسحابه من سباق الترشح للرئاسة.
تودد شفيق إلى كل من المعارضة العلمانية والإسلامية، بينما قام كل من المسار الثوري والحرس القديم، الاتجاهين المتضادين في كنف جماعة الإخوان المسلمين، بالتعامل مع شفيق
في الواقع، أنشأ شفيق قائمة موسعة من الداعمين المحتملين، وفي مقدمتها بعض الأطراف من صلب الحكومة على غرار بعض الجنرالات المنتمين للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، فضلا عن العاملين في المخابرات المركزية، الذين وصفهم الكابتن أشرف الخولي “بالأنذال” أثناء إصدار التعليمات للمذيع التلفزي عزمي مجاهد، حول كيفية وصف هذه الأطراف.
إلى جانب ذلك، تضمنت هذه اللائحة نخبة رجال الأعمال الذين تجمعهم روابط سابقة مع عائلة حسني مبارك، وهو أمرا غير مفاجئ، خاصة أن يدين شفيق بالفضل للرئيس المصري السابق في خط مسيرته المهنية. لكن ما يثير الاهتمام الزيارات التي قام بها ممثلون عن كنيسة الأقباط، فضلا عن زيارات سليمان الأنصاري، مؤسس لجنة العلاقات العامة السعودية الأمريكية التي تتخذ من واشنطن مقرا لها، والذي يعتبر مساعدا لولي العهد محمد بن سلمان.
في الأثناء، تودد شفيق إلى كل من المعارضة العلمانية والإسلامية، بينما قام كل من المسار الثوري والحرس القديم، الاتجاهين المتضادين في كنف جماعة الإخوان المسلمين، بالتعامل مع شفيق. أما عبد الفتاح السيسي فقد واجه خطرا داخليا عندما قام شقيق زوجته، الجنرال محمود حجازي، بتقديم نفسه على أنه الرئيس المصري القادم أثناء رحلته إلى واشنطن، وهو ما استوجب تنحية رئيس أركان حرب القوات المصرية من منصبه فور عودته من العاصمة الأمريكية. ولم يتضح بعد ما إذا كان حجازي يتحدث عن الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة أو اتخاذ طريق أكثر مباشرة.
الاقتصاد أولا
يعتبر كل من عنان وشفيق وحجازي من الأشخاص المقربين من السيسي. في المقابل، لا يجب أن يذرف أي أحد دمعة واحدة من أجل محمد مرسي، رئيس الإخوان المسلمين المخلوع الذي قام بسجن 50 ألف سياسي، لكنهم لم يعودوا مدعاة للقلق بعد الآن. وتستمر إدارة السيسي السيئة، حسب منظورهم، في تهديد ما هو أكبر من مجرد حركة سياسية، حيث يقوم بتهديد الدولة بأكملها. هل وصلت الأمور لهذه الدرجة من السوء حقا؟
الفريق سامي عنان، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية خلال زيارته لمركز اقتراع في القاهرة، في أيار/ مايو سنة 2012.
عموما، تتصدر الإدارة الاقتصادية السيئة لائحة الإخلالات، على الأقل بالنسبة لمؤيديه، السعودية والإمارات، القلقين حيال هذا الشأن. وحسب تقديرات البنك المركزي المصري، قامت كل من السعودية والكويت والإمارات بتقديم 12 مليار دولار على شكل مساعدات، فضلا عن 6.2 مليار دولار على شكل استثمارات في مصر منذ سنة 2013. ومن المرجح أن هذه الأرقام في الحقيقة أكثر ارتفاعا من القيمة المذكورة.
من جهته، قام أمير دبي ورئيس الوزراء الإماراتي، محمد بن راشد آل مكتوم، بكشف الحقيقة من خلال تصريحه بأن الإمارات وحدها منحت مصر 14 مليار دولار خلال سنتين فقط. وتتناسب هذه الأرقام مع سلسلة من الإحصائيات التي تم استخلاصها من محادثات مسربة وموثقة بين الرئيس ورئيس الأركان آنذاك، كامل عباس، التي تشير إلى أن المساعدات المقدمة لمصر تقدر بحوالي 50 مليار دولار.
بعد شهر واحد من تسريب المحادثات في شباط / فبراير من سنة 2015، تعهدت دول الخليج الثلاث بتقديم مساعدات بقيمة 15.2 مليار دولار. وإذا قمت بإضافة هذا المبلغ إلى ستة مليارات دولار التي استلمتها مصر على شكل قرض يمتد على ثلاث سنوات من طرف صندوق النقد الدولي، فإن المبلغ الجملي سيتجاوز 70 مليار دولار على مر السنوات الخمس الماضية. في الوقت ذاته، بينت الأشرطة نفسها قيام السيسي بالسخرية من الدول المانحة، وقال “لديهم أموال مثل الأرز”. لكن الحال لم يعد كما في السابق في السعودية. ويبدو تساؤل هذه الدول منطقيا حول كيفية إنفاق السيسي لكل هذه الأموال.
في سياق مغاير، أدى تعويم الجنيه المصري في تشرين الثاني/ نوفمبر من السنة الفارطة، الذي جاء بسبب ضغوط من صندوق النقد الدولي على حكومة القاهرة، إلى ارتفاع احتياطي العملة الأجنبية من 19 مليار دولار إلى 36.7 مليار دولار مع نهاية شهر تشرين الأول/ أكتوبر. لكن هذه الخطوة أدت إلى ارتفاع نسبة التضخم إلى حدود 30 في المائة.
سجل مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية تنفيذ قرابة 1165 عملية مسلحة بين سنة 2014 و2016، ما يعني أنه كان تم تنفيذ عملية واحدة يوميا لمدة ثلاث سنوات
في شأن ذي صلة، نقلت صحيفة “فايننشال تايمز” ما ورد على لسان ابراهيم سودان، “لقد رفعنا الأسعار بنسبة 15 في المائة في المتوسط لأن القدرة الشرائية للمستهلكين لا يمكن أن تتحمل أكثر من ذلك، بينما كان من المتوقع أن تكون الزيادة أكثر من 30 في المائة”. من جانب آخر، تكافح قناة السويس الجديدة، التي افتتحت قبل سنتين بتكلفة ثمانية مليارات دولار، للحفاظ على الإيرادات السنوية التي تجنيها، ناهيك عن الجهود الحيثية التي تبذل من أجل مضاعفتها، للوفاء بالوعود الذي قُطعت في ذلك الوقت.
عدم الاستقرار
اضطر السيسي إلى فرض المزيد من القوة من أجل إحكام قبضته على شعبه. وفي الوقت الذي أدان فيه المجتمع الدولي إيران بسبب سحقها للمتظاهرين، قتل النظام عددا كبيرا من المواطنين شنقا، علما بأن جريمتهم كانت المشاركة في الاحتجاج، لتشهد بذلك مصر أكبر عملية إعدام جماعية في التاريخ الحديث.
بينما يستخدم النظام المصري المزيد من القوة، تتزايد الهجمات التي تستهدف الجيش والشرطة. فقد سجل مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية تنفيذ قرابة 1165 عملية مسلحة بين سنة 2014 و2016، ما يعني أنه كان تم تنفيذ عملية واحدة يوميا لمدة ثلاث سنوات.
في سياق متصل، أورد أستاذ الدراسات الإستراتيجية والناشط الديمقراطي المصري عمر عاشور، “قد يكون فتك تلك الهجمات من أسوأ البيانات التي تم تسجيلها، فقد نفذ أسوأ هجومين إرهابيين في تاريخ مصر الحديث في ظل النظام الحالي؛ تفجير طائرة متروجيت الروسية (224 ضحية) وهجوم مسجد الروضة (305 ضحية على الأقل)”.
في سيناء، كثف المسلحون هجماتهم الرامية لاستهداف المدنيين.
كما أضاف المصدر ذاته أن “الهجوم الأخير كان أشد فتكا بحوالي خمس مرات مقارنة بأسوأ الهجمات التي ارتكبت تحت نظام الرئيس مبارك (57 ضحية في مذبحة الأقصر سنة 1997)، وأفتك بتسع عشرة مرة مقارنة بأسوأ هجوم شهدته البلاد في عهد مرسي (مقتل 16 جنديا في كرم أبو سالم خلال سنة 2012)”.
على الصعيد الإقليمي، وعلى الرغم من مرور خمس سنوات من التدخل المصري العسكري السري والعلني في ليبيا، لم يتمكن النظام من تأمين ليبيا عن طريق دعم حليفها الجنرال خليفة حفتر. فضلا عن ذلك، تتصاعد الأعمال العدائية الدبلوماسية مع السودان، جارتها الجنوبية على النزاع الحدودي والمياه. وأما الجهة الشرقية، فأصبحت الحملة المسلحة في سيناء أكثر قوة من أي وقت مضى.
على ضوء كل هذه المعطيات، من المحتمل أن يكون ترشيح أحمد شفيق أو سامي عنان جذابا لمؤيدي مصر في الخليج. وعلى العموم، سيتمكن هؤلاء المرشحين من فرض سيطرتهم على الرئاسة في حين سيبقى الجيش تحت سيطرة مصر. ومع ذلك، يمكن اعتبار وجود مسار سياسي في حال تم الإفراج عن الكثير من المساجين، والسماح للعديد من المنفيين بالعودة إلى البلاد. من جهة أخرى، لن يكون استبدال السيسي بمثابة حركة ثورية، وإنما سيكون بمثابة إعلان عن بداية العودة إلى أيام مبارك.
سيؤدي المسار الحالي الذي تتخذه مصر إلى إضعاف الدولة وتفكك أكثر الدول العربية اكتظاظا بالسكان في نهاية المطاف
في هذه الحالة، وفي ظل تدهور تدهور الأوضاع خلال فترة حكم السيسي، ستبدو مرحلة الاستبداد العملي التي عاشتها مصر في عهد مبارك، وكأنها فترة ازدهار وتقدم. إذا لماذا لم يحدث ذلك؟
تطويع الرأي العام العربي
لا يزال السيسي، الطاغية، يخدم مصالح كلا من إسرائيل والولايات المتحدة والسعودية. وعموما، لن يحظى ترشح شفيق أو عنان، أو أي بديل آخر عن الجيش، بالضرورة بدعم الرأي العام المصري، بل سيساهم ذلك في إقناع وتطويع الشارع العربي لصالح تسليم القدس الشرقية إلى إسرائيل. وتجدر الإشارة إلى أن هذه السياسة ستواجه عائقا أساسيا يتمثل في الشارع العربي.
يدين مؤيدو الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي في تركيا عمليات القتل الأخيرة في القاهرة، التي جدت خارج السفارة المصرية في أنقرة، خلال شهر تموز/ يوليو سنة 2013.
كان هذا هو جوهر التغطية الإعلامية التي قام بها أحد الموظفون الأمنيون بالإضافة إلى مضيف برنامج تلفزيوني، والتي تم تسريبها إلى صحيفة نيويورك تايمز. كما تناولت بعض الأصوات الأخرى التي كان من المسموح لها أن تعبر عن صوتها على غرار يوسف زيدان، الروائي والباحث المصري هذا الموضوع. وفي الحقيقة، تقوم أطروحة زيدان على أن المسجد الأقصى، يعد “أبعد” الأماكن المقدسة الإسلامية الثلاثة، حيث لا يقع في مجمع الحرم الشريف في القدس، فضلا عن أن القدس ليست مدينة مسلمة مقدسة، بالنسبة له.
في الإطار ذاته، أعربت السفارة الإسرائيلية في القاهرة عن شكرها لزيدان على تصريحاته، إلا أن تلك التصريحات لم يتم بثها على التلفزيون المصري. ويعتبر زيدان مثله مثل أي شخص آخر، يقدم ولاءه لإسرائيل. في المقابل، لن تنجح كل هذه الفرضيات. ولذلك، يعد السبيل الوحيد لتعافي مصر من دوامة الموت التي دخلت فيها في استعادة قيادتها وسيادتها واقتصادها وبرلمانها وديمقراطيتها في نهاية المطاف.
في الحقيقة، سيؤدي المسار الحالي الذي تتخذه مصر إلى إضعاف الدولة وتفكك أكثر الدول العربية اكتظاظا بالسكان في نهاية المطاف. وفي هذا الشأن النقطة، تجدر الإشارة إلى ما جاء على لسان السيسي في حديثه عن مصر، حيث قال: “نحن لسنا دولة حقيقية، نحن أشباه دولة”. وهذا ما يمكن أن يكون آخر تكهنات السيسي التي لن تتحقّق إلا في مخيلة صاحبها.
المصدر: ميدل إيست آي