قبل أيام من موعد الانتخابات الرئاسية المبكرة المقررة في 7 أيلول/ سبتمبر المقبل، تسارعت الترشيحات لخوض هذا الاستحقاق الذي يشهد عودة قوية لأبرز الأحزاب المعارضة التي قاطعت المواعيد السابقة، لتكون بذلك منافسة للرئيس الحالي عبد المجيد تبون الذي تشير أغلب التوقعات إلى أنه يتوجّه للبحث عن الفوز بولاية رئاسية ثانية.
وبعدما قاطعت أغلب أحزاب المعارضة الانتخابات الرئاسية لسنوات في عهد الرئيس السابق الراحل عبد العزيز بوتفليقة، لـ”عدم توفر شروط التنافس السياسي النزيه”، تعود هذه المرة لدخول المعترك الرئاسي الذي يعدّ ثاني استحقاق رئاسي بعد حراك 22 فبراير/ شباط 2019.
عودة
بعد 25 سنة من المقاطعة المتواصلة للانتخابات الرئاسية، قرر أقدم حزب معارض في الجزائر، جبهة القوى الاشتراكية (الأفافاس)، العودة لخوض أبرز استحقاق سياسي في البلاد، فقد أعلن المجلس الوطني للحزب المجتمع بمقرّه الوطني بالمرادية في أعالي العاصمة غير البعيد عن مقر الرئاسة الجزائرية، المشاركة في انتخابات 7 سبتمبر/ أيلول المقبل.
وتعود آخر مشاركة للأفافاس في الانتخابات الرئاسية لعام 1999، لمّا ترشح الزعيم المؤسس للحزب، الراحل حسين آيت أحمد، ضد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، لكنه انسحب رفقة مرشحين آخرين بعد اتهامهم الإدارة بتزوير الانتخابات مسبقًا لصالح بوتفليقة، الذي بقيَ بعدها في سدة الحكم لـ 4 ولايات متتالية كانت تجري خلال انتخابات صورية فقط.
وقال الأمين الوطني الأول للحزب يوسف أوشيش، إن مرشح الحزب سيُعرَف خلال مؤتمر استثنائي يعقد قريبًا، مشيرًا إلى أن قرار المشاركة “الاستراتيجي” يستجيب لـ 3 متطلبات هي الحفاظ على الدولة الوطنية، وتعزيز مؤسسات الجمهورية، والوقوف في وجه أولئك الذين يسعون للإضرار بالبلاد ووحدتها وسيادتها واستقرارها في سياق عالمي وإقليمي عالي المخاطر وغير معروف المآلات.
وبيّن أوشيش أن قرار الانسحاب وعدم المشاركة في الوقت الراهن والظروف الراهنة ليس من قناعة الحزب، لأن المقاطعة تخدم أكثر الأطروحات الأحادية على حساب التعددية السياسية والثقافية.
وستعرف هذه الانتخابات أيضًا مشاركة أكبر حزب إسلامي معارض في البلاد: حركة مجتمع السلم، والذي لم يخض سباق الرئاسيات منذ عام 1995 التي ترشح لها حينها الشيخ المؤسس الراحل محفوظ نحناح، وذلك بعد أن قرر مجلس الشورة ترشيح رئيس الحركة عبد العالي حساني شريف.
وقطع ترشيح حساني شريف الطريق على منافسه الرئيس السابق للحركة عبد الرزاق مقري، الذي كان يتطلع لأن يكون مرشحًا لإخوان الجزائر، باعتباره الأكثر تأثيرًا وقبولًا حسب مؤيديه، خاصة أن ترشيحه عام 2019 لم يكتمل بعد إلغاء الانتخابات جرّاء انطلاق الحراك الذي عارض ترشح بوتفليقة لولاية خامسة.
وقال حساني شريف إن هذا “الترشح هو ترشح للحركة وللوطن وللأمة ولهذا البلد”، مبيّنًا أنه لا يجري التفكير في الحركة “بمنطق الحزبية الضيقة ولا بمنطق المصالح والأشخاص، بل بضمير الأمة وضمير الوطن”.
وإضافة إلى التحاق أبرز حزبَين معارضَين في البلاد بالمشاركين في الرئاسيات المقبلة، أكدت أحزاب أخرى أيضًا خوضها هذا الاختبار السياسي كحزب العمال الذي سيرشح أمينته العامة لويزة حنون، وكذا زوبيدة عسول التي رشحها حزبها الاتحاد من أجل التغيير والرقي، فيما لم يتضح بعد موقف الأحزاب والشخصيات المعارضة الأخرى، كرئيسَي الحكومة السابقَين أحمد بن بيتور وعلي بن فليس.
ضمانات
لم يأتِ التحاق أقطاب المعارضة باستحقاق الانتخابات الرئاسية من فراغ، فهذا الإعلان جاء بعد لقاءات ومشاورات مع السلطة، في مقدمتها الرئيس تبون الذي التقى بشكل دوري مع مختلف الأحزاب كلما طلبت ذلك، إضافة إلى أن اللقاء الذي جمعه الثلاثاء الماضي مع 27 حزبًا ودام 8 ساعات استطاع أن يجعل مختلف التشكيلات السياسية تقتنع بأن الانتخابات المقبلة ستكون مخالفة لما جرى في العقدَين الماضيَين، وذلك بالحرص على حماية أصوات الناخبين وعدم تزوير نتائج الاقتراع.
وحسب ما تسرّب من هذا اللقاء، فإن الأحزاب طالبت الرئيس تبون بتعديل قانون الانتخابات قبل موعد الرئاسيات المقررة في 7 سبتمبر/ أيلول المقبل، وبالخصوص ما تعلق بخفض عدد التوقيعات الفردية المطلوبة في ملف الترشح للرئاسيات، والمقدَّرة في التشريع الحالي بـ 50 ألف توقيع في 29 ولاية على الأقل من 58 ولاية.
وطالبت الأحزاب تبون بتوفير شروط للتهدئة الاجتماعية، والتي ربطتها بالإفراج عن 230 معتقلًا تقول إن حبسهم جاء بسبب مشاركتهم في مظاهرات مرتبطة بحراك عام 2019، فيما تؤكد الحكومة أنه لا يوجد أي معتقل رأي في البلاد، لأن كل هؤلاء أُوقفوا بتهم لا علاقة لها بحرّية الرأي الذي يضمنه دستور 2020 الذي جاء بعد استفتاء دعا إليه الرئيس تبون.
وركزت الأحزاب أيضًا على ما وصفته بـ”رفع القيود عن وسائل الإعلام”، وهو اتهام تنفيه الحكومة، لكن بعد هذا اللقاء ومع اقتراب الرئاسيات عادت القنوات التلفزيونية الجزائرية للخوض في المشهد السياسي واستضافة رؤساء الأحزاب، بعدما غابت هذه المواضيع لفترة عن برامجها.
وتضاف التطمينات التي قدّمها تبون إلى تلك المقدَّمة من قبل رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي، الذي أكد يوم الأربعاء الماضي أن الاستحقاق الرئاسي المقبل سيجرى وفق شروط ومقاييس مثلى من حيث الشفافية والديمقراطية.
وقال شرفي: ”بعد الخبرة الكبيرة التي اكتسبتها السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، وما تمتلكه من موارد مادية وتكنولوجية وترسانة بشرية مكوّنة ومتمكنة، ستجعل من التزوير مستحيلًا خلال الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في السابع من سبتمبر المقبل”.
وتكمن أهمية إجراء الرئاسيات في ظروف بعيدة عن التزوير، في رفع معدل المشاركة في الانتخابات التي كانت نسبها هزيلة في المواعيد السابقة المتمثلة في الاستفتاء الدستوري، والانتخابات البرلمانية والمحلية، إضافة إلى أن ضمان الشفافية في عملية الاقتراع قد يعيد اهتمام الجزائريين بالسياسة بعدما طلقوها بالثلاثة جراء التزوير أو السطو على أصواتهم الذي كان يحدث في العقدَين الماضيَين.
منافسة حادّة
رغم عودة المعارضة للتنافس على الرئاسيات بأعرق وأثقل الأحزاب في البلاد، إلا أن حظوظها في الوصول إلى قصر المرادية تبقى صعبة، وبالخصوص بعدما بات ترشح الرئيس تبون لولاية ثانية شبه مؤكد.
ولم يعلن تبون حتى الآن ترشحه للرئاسيات بشكل رسمي، حيث قال في مقابلة تلفزيونية نهاية مارس/ آذار الماضي، لما سُئل بشأن هذا الموضوع، إن “الوقت لم يحن بعد”.
لكن الأحزاب المشاركة في الحكومة أعلنت الخميس تشكيلها “ائتلاف أحزاب الأغلبية من أجل الجزائر” الذي يرتقب أن يكون الداعم السياسي للرئيس تبون، رغم أن الأخير رفض خلال عهدته الأولى ربطه بأي تشكيل حزبي، وفضّل دعم المجتمع المدني على حساب الأحزاب كما تقول بعض الأحزاب المعارضة.
ويوم الجمعة الماضي أعلن رئيس حركة البناء الوطني (حزب إسلامي) ترشيح حزبه للرئيس تبون لولاية ثانية، وعلى الخط نفسه سار حزب التجمع الوطني الديمقراطي، حيث قال أمينه العام، مصطفى ياحي، إن تشكيلته السياسية ترشح هي الأخرى الرئيس تبون للانتخابات المقبلة، وكلا الحزبين عضوان في “ائتلاف أحزاب الأغلبية من أجل الجزائر”، الذي يضم أيضًا حزب جبهة التحرير الوطني صاحب الأغلبية في البرلمان والمجالس المحلية وجبهة المستقبل.
وبعيدًا عن الدعم الحزبي والجمعوي لتبون، فإن الرئيس الجزائري يملك أوراقًا أخرى تجعله في مرتبة متقدمة عن باقي خصومه لدى ترشحه أبرزها الجانب الاقتصادي، فقد قام بإصلاحات كثيرة مسّت قوانين الاستثمار الداخلي والأجنبي والنقد والصرف، وتأسيس المؤسسات الناشئة وقطاعات الصناعة والفلاحة والطاقة، إضافة إلى تحقيق البلاد في عهده صادرات خارج المحروقات بلغت 7 مليارات دولار، وهو رقم يعدّ إنجازًا بالنسبة إلى اقتصاد ظلّ لسنوات رهينًا لتقلبات أسعار النفط، حيت لم تتعدَّ مليارَي دولار في أحسن أحوالها سابقًا.
وتساعد الزيادات التي مسّت أجور العمال، وبالخصوص الحكوميين منهم، وإصدار قوانين أساسية منظِّمة لعمل الأطباء والأئمة والأساتذة الجامعيين وتحيين قانون المعلم، في رفع ثقة الطبقة الوسطى بإصلاحات تبون، إضافة إلى أن مواقفه الخارجية وبالخصوص من قضية التطبيع مع الاحتلال الصهيوني، والعمل على إعادة الجزائر للعب دورها الخارجي إقليميًا وعالميًا، كلها أوراق تبقي الرئيس الحالي في أحسن رواق للفوز بولاية ثانية في حال ما تأكد ترشحه لانتخابات سبتمبر/ أيلول المقبل.
من المؤكد أنه من السابق لأوانه توقع مجريات التنافس الرئاسي المنتظر، إلا أن التحاق حزبَي الأفافاس وحمس بالمشاركين فيها قد يعطيها زخمًا غاب عنها لعقود طويلة، وهي نقطة تصبّ في صالح الرئيس تبون كونها تظهره على أنه استطاع أن يوفر أجواء التنافس الرئاسي النزيه الذي غاب عن انتخابات الجزائر لسنوات.