ترجمة وتحرير: نون بوست
في لحظة عابرة يوم الثلاثاء، أشار الرئيس ترامب إلى أنه سيتخذ القرار الصحيح فيما يخص موضوع الهجرة. وفى اجتماع استمر لحوالي 90 دقيقة مع الجمهوريين والديمقراطيين داخل أروقة الكونغرس الأمريكي، والذي عرض جزء كبير منه على شاشات التليفزيون، قال ترامب إنه “سيكون مستعدا لتلقي الانتقادات اللاذعة التي ستلي إعلانه عن اتفاق واسع المجال يخص مسألة المهاجرين وهو قرار تحتاجه البلاد، في تقدير ترامب، بشكل عاجل رغم ما سيخلفه من استياء بين صفوف مؤيديه”.
لكن للأسف، عادت شخصية دونالد ترامب المعهودة لتظهر من جديد بعد مرور يومين على تصريحاته الشهيرة التي نعت فيها الدول التي يأتي منها المهاجرون “ببؤر القذارة”، متسائلا حول سبب قبول الولايات المتحدة مهاجرين من أماكن على غرار هايتي أو أفريقيا بدلا من بلدان شمال أوروبا. وليس ذلك فحسب، بل نشر أيضا تغريدة على تويتر ليعيد على مسامعنا مطالبه المملة بضرورة بناء الجدار العازل على طول الحدود المكسيكية.
في الحقيقة، استطاع ترامب أن يتركنا في وضعية تخبط غير مسبوقة تجاه قضية الهجرة، وذلك بغض النظر عن محاولاتنا لتناسي حقيقة أن النرويجيين لا يتوقون بتاتا لمغادرة المكان الأسعد على وجه الأرض حسب الدراسات والقدوم إلى الولايات المتحدة من جهة، بالإضافة إلى سعينا الحثيث لتجنب الخوض في تلك الأسئلة التي ظهرت مؤخرا والتي تتعلق بلياقة ترامب البدنية، من جهة أخرى.
من أين نبدأ إذن؟ ماذا عن إجراء عملية رصد بسيطة تفيد بأن رئيس الولايات المتحدة عنصري، ومحاولة التمعن أكثر في تاريخ الولايات المتحدة الطويل والمشين للغاية في التمييز ضد المهاجرين على أساس العرق أو الأصل القومي. يبدو أن السيد ترامب عازم على تقويض الجهود التي بذلها الرؤساء الذين سبقوه والمنتمين لكلا الحزبين الحاكمين في العقود الأخيرة لتلافي ذلك التاريخ المخزي.
حاولت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة رسم صورة معينة لها، بين الدول، تؤكد عبرها على احتضانها لمثل عليا على غرار مبدأ المساواة
نفى ترامب إدلائه بأي تعليقات جارحة يوم الجمعة، بيد أن السناتور، ريتشارد دوربين، المنتمي للحزب الديمقراطي في إلينوي، الذي حضر الاجتماع، أكد أن الرئيس قد أفصح فعلا عن تصريحات تعكس مشاعر الكراهية مرارا وتكرارا خلال ذلك الاجتماع. ولا يخفى على أحد أن الرئيس قد بدرت عنه مثل هذه الإفادات فعلا. فدعونا لا ننسى أن ترامب ليس عنصريا، وجاهلا، وغير كفء وغير مرغوب فيه فقط، بل إنه كاذب أيضا.
حتى المدافعون الأكثر شراسة على الرئيس لم يكلفوا أنفسهم عناء إنكار هذه التصريحات، بل حاولوا تبريرها وتذكيرنا بأن تلك الأماكن مثل هايتي تعد فعليا أماكن رهيبة، ناهيك عن أن العديد من الأميركيين الذين ولدوا في الولايات المتحدة ينحدرون من نسل المهاجرين الذين فروا من البلدان التي كانت تعتبر بمثابة جحيم في ذلك الوقت، بما في ذلك النرويج، وتحديدا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
لا يستطيع أحد الإنكار بأن هايتي وبعض هذه البلدان الأخرى تعاني في الوقت الراهن من مشاكل عميقة. وبطبيعة الحال، غالبا ما تكون هذه المشاكل نتيجة مباشرة لسياسات الولايات المتحدة والدول الأوروبية. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تم اختطاف واستعباد مواطني هذه البلدان، ونهب مواردها الطبيعية، ودعم الأنظمة الدكتاتورية والأنظمة الفاسدة التي تحكمها، فضلا عن السيطرة عليهم ماليا على مدار أجيال متعاقبة.
لقد حاولت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة رسم صورة معينة لها، بين الدول، تؤكد عبرها على احتضانها لمثل عليا على غرار مبدأ المساواة. في المقابل، يروي التاريخ الطويل قصة مختلفة تماما. فقد كشف علماء الاجتماع على غرار “ديفيد سكوت فيتزجيرالد” و”ديفيد كوك مارتن” أن الولايات المتحدة كانت رائدة في تبني سياسات الهجرة التمييزية القائمة على العنصرية في القارة الأمريكية في أواخر القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر.
أنهت إدارة ترامب وضعية الحماية الوقتية لحوالي 60 ألف مهاجر من الهايتيين، كما قامت الإدارة يوم الاثنين بحرمان ما حوالي 200 ألف مواطن سلفادوري من هذا الامتياز
فقبل مدة قصيرة على انتخابه رئيسا، تبنى ثيودور روزفلت هذه السياسة المقيتة التي حظيت بتأييد شعبي في ذلك الوقت، حيث اعتبر أنه يجب على الصينيين البقاء خارج الولايات المتحدة بتعلة أنهم عرق أقل قيمة. علاوة على ذلك، يجب على الأمريكيين أن يدركوا أن الحكومات الاستبدادية في كل من تشيلي وكوبا وأوروغواي قد سبقت الولايات المتحدة بعقود في إنهاء سياسات الهجرة العنصرية.
في الواقع، ساهم الاضطراب الحالي بشأن الهجرة في الخلط بين عدة قضايا منفصلة. ومن بين هذه القضايا “برنامج العمل المؤجل لترحيل الأطفال المهاجرين”، الذي وفر تصاريح عمل مؤقتة تحمي المهاجرين، الذين لا يملكون وثائق رسمية للإقامة من فئة الأطفال، الذين جلبوا إلى الولايات المتحدة، من الترحيل. وتعرف هذه الفئة بمصطلح “الحالمون”، نسبة إلى مشروع قانون “الحلم” ويبلغ عددهم حوالي 800 ألف. فضلا عن ذلك، توجد معضلة أخرى تتعلق ببرنامج وضع الحماية المؤقت الذي يسمح للأجانب الذين لا يملكون وثائق والذين كانوا في الولايات المتحدة عند وقوع كارثة أو نزاع في أوطانهم بالبقاء في البلاد.
في تشرين الثاني/ نوفمبر، أنهت إدارة ترامب وضعية الحماية الوقتية لحوالي 60 ألف مهاجر من الهايتيين، كما قامت الإدارة يوم الاثنين بحرمان ما حوالي 200 ألف مواطن سلفادوري من هذا الامتياز، حيث يقيم معظمهم في الولايات المتحدة منذ عقدين على الأقل. أما القضية الثالثة، فتتمحور حول مستقبل حوالي 11 مليون مهاجر لا يحملون وثائق إثبات هوية، جاؤوا إلى الولايات المتحدة ومكثوا فيها عقودا واندمجوا بشكل فعال في الحياة الأمريكية. في المقابل، يتضمن قرار إدارة ترامب شن حملة واسعة النطاق على هؤلاء.
أخيرا، ذلك الحلم الذي يحمله الرئيس الأمريكي ببناء الجدار. ما يثير القلق في الموضوع ليس الجدار، أو وصفه الأماكن التي يفد من المهاجرين “بالمقرفة”، واعتبارهم الحالمين أو السلفادوريين، ولكن القضية تتجسد في كل ما سبق ذكره، أي تلك النظرة المتعصبة التي يحملها الرجل عنهم.
دونالد ترامب أول رئيس أمريكي عنصري بامتياز، ولكنه شن حملة جذورها التعصب الصريح والإقصاء ورفع لواء الرفعة للعرق الأبيض
كل من تابع دونالد ترامب خلال السنوات الماضية يعلم هذا، كنا على علم بذلك منذ سنوات السبعينات، عندما تتبعته وزارة العدل هو ووالده مرتين بسبب رفضهما إيجار الشقق لذوي البشرة السمراء. كنا نعلم هذا منذ سنة 1989، عندما دعا من خلال إعلان صحفي احتل صفحة بأكملها إلى إعدام خمسة مراهقين سود ولاتينيين بتهمة الاغتصاب الوحشي لامرأة بيضاء في سنترال بارك. وفي حين حكم القضاء ببراءة المتهمين بعد تحليل الحمض النووي وتملك حقائق أخرى تثبت براءتهم، لم يعف ترامب عنهم، وقد صرح بذلك في الحملة الانتخابية 2016.
إلى جانب ذلك، كنا على يقين من ذلك عندما أطلق ترامب حملة انتخابية قوامها شيطنة المكسيكيين والمسلمين من خلال تعزيز الافتراءات التي تفيد بأن أول رئيس أمريكي أسود لم يولد في البلاد، أو عندما دافع عن مسيرة النازيين الجدد خلال الصيف الماضي ووصفهم “بالأشخاص العاديين جدا”.
في الشهر الماضي فقط، نشرت صحيفة “تايمز” تقريرا عن الاجتماع الذي عُقد في المكتب البيضاوي حول المهاجرين، قال فيه ترامب إن 15 ألف مواطن هايتي يعيش الآن في الولايات المتحدة الأمريكية جميعهم مرضى بالإيدز، كما أورد أن المهاجرين الأفارقة لن يعودوا أبدا إلى أكواخهم بعد أن رأوا الولايات المتحدة الأمريكية. ألم تفهم النمط بعد؟
مما لا شك فيه، دونالد ترامب أول رئيس أمريكي عنصري بامتياز. ولكنه شن حملة جذورها التعصب الصريح والإقصاء ورفع لواء الرفعة للعرق الأبيض. والإضافة إلى قاعدته المتشددة والمتناقصة، فإن تصريحات مثل تلك التي أدلى بها يوم الخميس تؤكد فقط تضامنه مع القضية. فعلى الأقل هذا ما رآه موقع النازيون الجدد “ذي دايلي ستورمر” وذكره على صفحته “هذا موقف مشجع ومثير ويشير إلى أن ترامب بشكل أو بآخر يحمل فكرتنا حول العنصرية والهجرة”.
يجب على المشرعين في أقل الاحتمالات الانضمام إلى تلك القوات التي تعمل على حماية الحالمين والسلفادوريين والهايتيين وغيرهم ممن تهددهم أعمال الإدارة الوحشية والفوضوية.
إن ذلك اللقاء الذي كشف عن سوقية ترامب، كان من المفترض أن يخاض فيه نقاش حول مقترحات الهجرة بين الحزبين، الذي أعده السيناتور الجمهوري عن ولاية كارولينا الجنوبية، ليندسي غراهام ودوربين. وقد ندد جمهوريان آخران، وهما جون كاسيتش وجيب بوش الابن، من خلال كتابة تقرير نشر في صحيفة تايمز في عددها الصادر يوم الخميس، يدينان فيه الطرد القسري للمهاجرين غير الحاملين لوثائق هوية، من الذين اتخذوا من الولايات المتحدة ملجأ لهم. فلا ينبغي أن يكون هذا القرار صعبا في وقت يشهد فيه الاقتصاد الأمريكي نموا بشكل متواضع ومنتظم مع انحسار معدل البطالة بنسبة أربعة بالمائة.
بدلا من ذلك، يمضي الجمهوريون في الكونغرس معظم وقتهم في إيجاد طرق لتجنب الحديث عن رئيسهم المباشر المتعصب، بل لقد زعم بعضهم أنه لم يسمع بعد ما قاله ترامب، بينما قدم آخرون دفاعات فاترة عن حديثه “غير المستساغ”. كما وصف رئيس مجلس النواب بول ريان تعليقات السيد ترامب بغير المفيدة، متمنيا بكل وضوح أن يعود الرئيس للعمل على أجندته اليومية حول إثراء أغنى الأميركيين.
لقد قال ترامب بكل وضوح إنه لا يمتلك إجابات عملية حول الهجرة. وفي هذه الحالة، يتحتم على الكونغرس وضع حلول إنسانية طويلة المد، لذلك يكمن أفضل حل في تقديم مشروع قانون للهجرة من شأنه أن يحل جميع هذه الإشكاليات بشكل أفضل، ولكن يبدو هذا غير ممكن نظرا لمقاومة نشطاء مكافحة الهجرة في الكونغرس. من هذا المنطلق، يجب على المشرعين في أقل الاحتمالات الانضمام إلى تلك القوات التي تعمل على حماية الحالمين والسلفادوريين والهايتيين وغيرهم ممن تهددهم أعمال الإدارة الوحشية والفوضوية.
الصحيفة: نيويورك تايمز