نشرت المذيعة والطاهية الأمريكية راتيشل راي “تويتة” تتحدث فيها عن الحمص والتبولة والدوالي (ورق العنب) والفلافل بصفتها أكلات إسرائيلية، الحقيقة ليس من الواضح هل نشرت راي تلك الصور عن عمد منها لتأجيج رفض شعبي ضدها، أم عن جهل بإنتاج الحضارات الأخرى وخصوصًا بالمأكولات التي تتميز بها فلسطين .
الفلافل الشرقية.. أكلة إسرائيلية !
يطل علينا المتحدث لجيش الاحتلال الإسرائيلي أفيخاي أدرعي في فيديو بثه عبر صفحته في العام 2017 وأمامه مائدة تتضمن أطباقًا عربية أصيلة كورق العنب والتبولة والمسخن والقطائف والملوخية، ثم ينهي حديثه بوصفه الفلافل طبقًا إسرائيليًا مفضلاً !
يصف أدرعي نفسه والإسرائيليين بسكان الشرق الأوسط، وأن الأطباق هي أطباق شرقية مشتركة تساعد في تعايشنا – عرب وصهاينة – بشكل أفضل .
في عام 2000 شاركت “إسرائيل” في اليوم العالمي للمفتول بصته طبقًا إسرائيليًا، وفي إحدى زيارات الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى تل أبيب، قدم له وزيرًا صهيونيًا طبقًا من الشكشوكة بصفته طبقًا إسرائيليًا أيضًا، علق عليه بان كي مون بلغة عبرية صريحة أنه “لذيذ جدًا”.
حين وقعت النكبة استولى اليهود على العديد من القدور الفخارية الفلسطينية العائدة لأهالي القرى المهجرة، بعضها عُرض في متاحف عالمية بصفتها تراث إسرائيلي والبعض الآخر ظل في فلسطين ونُقل لمتاحف شيدها الاحتلال وعرضها منسوبة إليه
تسعى “إسرائيل” بكل قوتها من أجل إقناع العالم بأنها صاحبة حق وجود في فلسطين وأنها ضاربة في جذور التاريخ عبر تلفيق الموروثات الفلسطينية لنفسها، بعض الاحتفالات العالمية تقدم فيها المقلوبة كطبقٍ إسرائيلي رغم البديهية التي يمكن من خلالها الحكم بأن تلك أطباقًا ارتبطت بالمحاصيل والزراعة وفلاحين قضوا العمر جنبًا إلى جنب مع الأرض التي استخدموا كل خيراتها ودمجوها من أجل إخراج منتج نهائي يتمثل في طبخة اندمج فيها الأرز مع الباذنجان واللحم والحمص ليكون لدينا طبق “المقلوبة”.
هذا الأمر قد يكون بعيدًا جدًا عن الوافد الصهيوني الذي عاش حياته في روسيا أو بولندا أو ربما ألمانيا وأمريكا واعتاد طعامًا أوروبيًا، من الصعب التوقع بأن يقوم بنفسه بدمج تلك التوليفة الزراعية .
قضية تحويل التراث الفلسطيني وترقيعه في الثقافة الإسرائيلية من أجل أن يبدو تراثًا يهوديًا أصيلاً ليست وليدة اليوم، إنما ممتدة منذ أربعينيات القرن الماضي.
حين وقعت النكبة استولى اليهود على العديد من القدور الفخارية الفلسطينية العائدة لأهالي القرى المهجرة، بالإضافة للكثير من المشغولات النحاسية والمعدنية بعضها عُرض في متاحف عالمية بصفتها تراث إسرائيلي والبعض الآخر ظل في فلسطين ونُقل لمتاحف شيدها الاحتلال وعرضها منسوبة إليه .
يقول المؤرخ اللبناني فيليب حتى” :اليهود شعب همجي بلا حضارة، وكلما احتلوا منطقة سرقوا تراث أهلها ونسبوه إليهم .”
الكوفية الفلسطينية في “ديفيليه” صهيوني
في أحد عروض الأزياء الإسرائيلية خلال أسبوع تل أبيب للموضة، استعمل المصممان جابي بن حاييم وموكي هرئيل، نقوش الكوفية الفلسطينية الشهيرة ذات اللونين الأحمر والأبيض والأسود والأبيض وتحريفها بإدخال النجمة السداسية إليها واستعمال ألوان العلم الإسرائيلي “اللبني والأبيض” وتنفيذ تصاميم معاصرة ارتدتها العارضات اليهوديات، وكان حجة المصممان أن تلك الأزياء تساهم في التقارب والتعايش بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي.
ليست تلك المرة الوحيدة، بل عمدت مصممة أزياء أخرى لتحويل الكوفية لملابس مثيرة نشرتها عبر الإنترنت، مما أثار مشاعر الفلسطينيين حول العالم.
ميري ريجيف وزيرة الثقافة الصهيونية ارتدت فستانًا في إحدى المناسبات أيضًا مطبوعًا عليه صورة للمسجد الأقصى وأحد أشهر معالمه (مصلى قبة الصخرة) وجزء كبير من سور المسجد والمدينة المقدسة .
الكتب والمكتبات
فور دخول العصابات الصهيوينة للقرى الفلسطينية، لم يكتف المسلحون بقتل الأهالي وتهجيرهم، بل دخلوا البيوت وجردوها من كل محتوياتها (سجاد ومصابيح ولوحات وأجهزة ومقتنيات ذهبية أو ثمينة)، وأهم ما تم مصادرته هي مكتبات البيوت التي ضمت الكثير من المراجع العربية والأجنبية (كتب أدب وعلوم ودواوين شعر ومعاجم وقواميس وسير ذاتية وغيرها الكثير والكثير مما تم تحويله لما يعرف اليوم بمكتبة الجامعة العبرية) .
أهم المكتبات الشهيرة التي تم الاعتداء عليها بهذه الطريقة مكتبة السكاكيني ومكتبة نيقولا زيادة .
جنود صهاينة يجبرون فلسطينيين على نهب البيوت تحت تهديد السلاح
في موضوع سابق تعرضنا لاستيلاء العصابات الصهيونية على إنتاج العديد من المصورين الفلسطينيين قبل النكبة وتعمدوا إخفاء تراثهم في الأرشيف الوطني أو أرشيف وزارة الدفاع كخليل رعد وخليل رصاص وعلي زعرور وكريمة عبود ولم يكشف عنها إلا مؤخرًا بعد إفراج الأرشيف عنها.
يؤكد الأكاديمي وأستاذ التاريخ في جامعة الأزهر بغزة الدكتور رياض الأسطل أن الجماعات اليهودية منذ فجر التاريخ وقيام دولتهم المزعومة على الأراضي الفلسطينية تحاول جاهدة إقناع العالم بأنهم أصحاب الحق في المنطقة العربية، وخاصة بالأرض الفلسطينية عن طريق تزييف الحقائق وتزييف التراث لصالحهم.
ويضيف أن العقلية الصهيونية عقلية خبيثة تصطاد بالماء العكر وتحاول استغلال الفرص مهما كانت جدواها، وتقديم تلك الأكلات وتجبيرها للتراث اليهودي تحمل في طياتها رسالة من الصهيونية مفادها أننا أصحاب الحق بالأرض الفلسطينية وماضينا تليد في هذه المنطقة وأكلاتنا وتراثنا الغذائي شاهد على ذلك .
ويُشير أن “إسرائيل” تسعى إلى جانب سرقة المأكولات إلى سرقة الزي الفلسطيني )القمباز والثوب) وتسويقه على أنه تراث من الماضي اليهودي، مؤكدًا أن تلك الهجمة والسياسية البشعة تتطلب وقفة مؤسساتية جادة وفعالة تدحض الأكاذيب اليهودية وتؤرخ وتؤرشف للتراث الفلسطيني وتعمل على نشره بالعالم.
يتفاخر الصهاينة هذه الأيام ببرتقال يافا الذي يصدرونه، مدعين تطور نظم الزراعة الإسرائيلية التي أدت لإخراج منتج كهذا، متنساين أن برتقالها أصلاً تألق قبل مجيئهم لفلسطين بسنوات طوال
الدبكة
لم يتوقف الأمر عند المأكولات والملابس وحتى الكتب والمكتبات، بل امتد حتى للرقص، فسرق اليهود الدبكة الفلسطينية الشهيرة وحولوها للغة العبرية حتى أغنية “دالعونا” لم تسلم منهم، فتحولت لجزء من تراثهم بالقوة، بلا حساب لملكية فكرية ممتدة لآلاف السنين ولا احترام لعادات شعب وتراثه الممتد لأجيال .
حتى البرتقال
من أعظم ما اشتُهرت به فلسطين هو برتقال يافا، قبل النكبة كان ميناؤها يصدر للعالم آلاف الأطنان من البرتقال سنويًا، تحدثت عن جودة هذا البرتقال إذاعات بريطانيا وفرنسا، وكيف أن السوق تتعطش لهذا البرتقال اليافاوي الفواح .
البرتقال وبصفته الثمرة الرئيسية في تلك المدينة كان يتسلزم مجهودًا ووقتًا ويدًا عاملة تقدر بالآلاف من أبناء البلد إلا أن الأمر تجاوزهم لتمتد جنسيات العمال في بيارات البرتقال وحقوله لسكان الشام والعراق ومصر، جميعهم عملوا في فلسطين، في الحصاد والفرز والتعبئة والشحن للسفن .
كانت تلك التجارة رائجة جدًا ومزدهرة، وكان الفلاح الفلسطيني يبتكر طرق تطعيم وتطوير المنتج بشكل كبير، وفي سنة 1886 أرسل القنصل الأمريكي في القدس هنري غيلمان، تقريرًا إلى مساعد وزير خارجيته المستر ج. د. بورتر، أشاد فيه بالجودة العالية لبرتقال يافا، وبطرائق التطعيم المبدعة التي كان يستخدمها المزارع الفلسطيني، واقترح في تقريره أن يقتبس المزارعون الأمريكيون في فلوريدا أساليب زراعة البرتقال الفلسطينية.
بعد النكبة تغير كل شيء، طُرد الناس وقُلعت أشجار البرتقال ليُقام مكانها مستوطنات وشوارع، لم يكتفِ الصهاينة بهذا فقط، بل عمدوا لتحريف تاريخ المدينة ونسب تاريخ البرتقال لأنفسهم .
يتفاخر الصهاينة هذه الأيام ببرتقال يافا الذي يصدرونه، مدعين تطور نظم الزراعة الإسرائيلية التي أدت لإخراج منتج كهذا، متنساين أن برتقالها أصلاً تألق قبل مجيئهم لفلسطين بسنوات طوال، منذ نحو عشرين عامًا قام أحد المثالين الصهاينة بعمل تمثال “البرتقالة المعلقة” وهو هيكل دائري مجوف ومعلق زُرعت بدلاً منه شجرة برتقال وجعلها رمزًا وطنيًا ينسب البرتقال لهم .