هالني عند خروجي في رحلة عبر لصحراء إلى المنطقة الحدودية رفقة عدد من التشكيلات المسلحة المحلية، ذلك الاهتمام الكبير من قبل أفراد الكتائب بالتسلح وتعبئة خزانات أسلحتهم والتأكد من جاهزيتها.
يعتبر الهاجس الأمني عاملا مشتركا لدى جميع الساكنين بالمناطق القريبة من الشريط الحدودي، فالتشكيلات المسلحة تعيش أجواء من الحذر والترقب والاستعداد عند كل خروج، هنا يجب أن يكون كل شئ على مايرام، فرحلة الحدود تطول لأيام وربما لأسابيع، واتساع المنطقة يجعل كل السيناريوهات واردة وبقوة.
لا تزال الكتائب المحلية تفتقر للتنظيم الجيد وتعتمد بالدرجة الأولى على ولاء الأفراد المرتبط والمتشابك والمتقاطع مع عدة اعتبارات كالقبلية والمال في أحيان كثيرة، ولكنها مع ذلك تحاول أن يكون لها دور أكبر في ضبظ الحدود، اليوم نرافق إحداها في رحلة عبر الحدود الليبية النيجيرية.
المسافات بين المدن والقرى طويلة، وقد ينتهي النهار قبل أن يصل الرتل إلى قاعدة الويغ قادما من تجرهي حيث انطلقنا، تعتبر الويغ من أهم النقاط المسيطرة على الطريق الواصل إلى منفذ التوم الحدودي مع النيجر، حيث لا تتوقف الحركة عبر ذلك الطريق، كما تعتبر الويغ نقطة يرتاح فيها الكثير من العساكر القاصدين المنافذ الحدودية في الجنوب، حيث يقضون هنا ليلتهم لينطلقوا في الصباح الباكر بغية الوصول قبيل المغرب لمنفذ التوم.
ولكن الليل هنا لا يمضي بهدوء، فمن الوارد جدا أن يتم ضبظ مجموعات من المهاجرين غير النظاميين، الذين يدخلون في جنح الظلام عبر سيارات المهربين، ولكن التشكيلات المحلية لا تجد ما تفعله حيال هؤلاء فهي لا تملك الخبرة والدراية الكافية للتعامل معهم، كما لا تستطيع احتجاز تلك الكميات الهائلة من المهاجرين، عدا ذلك لا تملك هذه التشكيلات ما يخولها التعامل بحزم مع المهربين، لذا يبدو أن هذه المجموعة نجت وستكمل طريقها للداخل، رسالة هامة لحكومات ليبيا المتغافلة عن هذا المشهد.
على طول الطريق الحدودي تنتشر العديد من المطاعم الشعبية التي تقدم وجباتها للمسافرين، هنا كل شئ بثمن مغاير تماما، حيث يصل سعر قنينة النصف لتر من الماء إلى ثلاثة دينارات في هذه الأماكن.
صدام حسين وهو طبّاخ في مطعم شعبي على الطريق الحدودي، يعمل هنا منذ ثماني سنوات، وهو سعيد بتلك القفشات التي يجدها من زبائنه فور علمهم أن اسمه صدام حسين.
وأخيرا يصل الجميع إلى منفذ التوم الحدودي، والذي يسيطر على حركة المرور بين ليبيا ودولة النيجر، تبلغ المسافة بين المنفذ الليبي ونظيره النيجري 90كم وهي مقسمة مناصفة بين الطرفين، يعيش هذا المنفذ أسوأ حالاته فلا وجود لمكاتب ختم الجوازات بعد أن توقفت المنظومة أساسا، كما لا توجد أية إمكانيات لوجستية، ورغم ذلك يحافظ العاملون على توثيق وتسجيل عمليات الدخول والخروج والتي يبلغ متوسطها 150 مركبة يوميا.
يُخْرٍج منفذ التوم الحدودي العديد من الدوريات في المناطق الحدودية، ودائما ما يضبط شاحنات ومركبات مخالفة، وكالعادة لن يجد ما يفعله حيالها غير التسجيل والتوثيق، وفي بعض الأحيان يحتجز المنفذ بعض المركبات حيث يكمل سائقوها إجراءاتها من دولهم الأصلية.
قد تستغرب الكميات الهائلة من البضائع التي تحملها الشاحنات العابرة للصحراء الحدودية، بضائع مختلفة وغير متجانسة يتكدس فوقها العديد من المسافرين، تبلغ تكلفة السفر بهذه الطريقة مامقداره 600 دينار للراكب الواحد.
على بعد عشرة كيلومترات من مقر منفذ التوم يقع مبنى قديم للمنفذ يعود لفترة الاحتلال الإيطالي، اليوم صار المبنى مهجورا، ولكن كبار السن من السكان المحليين يروون تفاصيل كثيرة حول هذا البناء الذي كان شاهدا على تلك الحقبة، ساهمت إيطاليا وفرنسا في رسم الحدود التي لا تزال غير مرضية للطرفين حتى اليوم.
اعتاد أفراد الكتائب المحلية المبيت في الصحراء أثناء دورياتهم التي تجوب مساحات شاسعة، لا يكلف المبيت هنا الكثير، فراش وغطاء والقليل من الماء.
لا تتوقف الحياة في المنطقة الحدودية جنوب ليبيا، فمع إشراقة كل يوم تتجدد الآمال لدى الجميع بغد أفضل، فالكل هنا يمني النفس بأيام أكثر استقرارا وأمنا، آمال يدركون إنها لا تزال بعيدة وسط الفوضى السياسية التي تعيشها البلاد منذ سنين.
المصدر: ليبيا الخبر