يبدو أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، يعلم جيدًا أن العد التنازلي لبقائه على كرسي الرئاسة الفلسطينية وزعامة حركة “فتح” بدأ فعليًا، فحاول خلال خطابه المطول الذي استمر لأكثر من ثلاث ساعات متواصلة أن يكشف المستور قبل اقتراب موعد الرحيل.
لأول مرة يصرح الرئيس أبو مازن، في خطابه بالجلسة الافتتاحية لاجتماع المجلس المركزي في مدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة التي عقدت أمس الأحد، بأنه تلقى عرضًا بإعلان بلدة “أبو ديس“ قرب القدس المحتلة عاصمة للدولة الفلسطينية، وقال عباس في خطابه: “يعرضون علينا حاليًّا أن تكون أبو ديس عاصمتنا وأبلغنا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أننا لن نقبل مشروعه وصفقة القرن هي صفعة وسنردها”.
كما انتقد عباس بشكل حاد رفض حركتا “حماس“ و“الجهاد الإسلامي“ المشاركة في اجتماعات المجلس المركزي احتجاجًا منهما على مكان استضافة الاجتماعات، كما وجه هجومًا عنيفًا على القيادي في حركة حماس محمود الزهار، واصفًا إياه بـ”صاحب اللسان الطويل”.
وتابع عباس قوله: “نحن لا نأخذ تعليمات من أحد، ونقول “لا” لأي كان إذا كان الأمر يتعلق بمصيرنا وقضيتنا وبلدنا وقضيتنا وشعبنا، لا وألف لا”، وقال: “قلنا لا لترامب ولن نقبل مشروعه، وصفقة العصر هي صفعة العصر ولن نقبلها”.
أكدّت الفصائل أن خطاب عباس تعبير عن “حالة الانحطاط“ التي وصلت إليها السلطة الفلسطينية في واقعها السياسي والأزمة التي يعيشها محمود عباس
وفي إشارة إلى تغريدات ترامب وتهديده بقطع المساعدات عن السلطة واللاجئين، قال عباس:”ما يُحمّلونا جَميلة (أي منة) بدفع أموال لنا”، وبشأن رفض المنظمة للمفاوضات، قال: “يخرب بيتك (موجهًا الحديث لترامب)، من متى رفضنا المفاوضات، فقد ذهبت لأمريكا 4 مرات وأنا جاهز للصفقة، التي بان أنها “صفقة”، هذا عيب”.
لماذا غضبت الفصائل؟
الفصائل الفلسطينية قللت من أهمية خطاب الرئيس عباس، مؤكدة أن الخطاب جاء دون مستوى التهديدات التي تواجه القضية الفلسطينية، وتعبير عن حالة الفشل والإحباط التي منيت بها السلطة الفلسطينية. وأكدّت الفصائل أن خطاب عباس تعبير عن “حالة الانحطاط“ التي وصلت إليها السلطة الفلسطينية في واقعها السياسي والأزمة التي يعيشها محمود عباس، بحسب تعبيرهم.
وهنا يقول محمود الزهار عضو المكتب السياسي لحركة حماس إن حركته المشاركة في اجتماعات المجلس المركزي، لأنه عقد في ظروف أرادت حركة فتح من خلاله أن يتحول إلى أداة لتمرير صفقة القرن، مشددًا على رفض حماس لأي قرارات يتخذها المركزي من شأنها أن تنتقص من شبر واحد في الأرض الفلسطينية.
ورفض الزهار تصريحات الرئيس عباس وهجومه عليه، التي وصفها بـ”الكذب الفاضح الذي يدلل بأن أبو مازن لا يستقيم مع أي أخلاق وطنية أو عربية” حسب وصفه. وقال الزهار: “أتحدى أن يأتي عباس بشاهد عدل على كل كلمة كذب بها في خطابه، فهو لم يستشرنا أبدًا في موضوع الانتخابات ولم يكن يرغب في دخولنا بها، وكان يرغب في التعامل مع الحركة وفق نظرية الاحتواء التي أطلقها بيل جروس التي نصح فيها السلطة وحركة فتح بالسماح لحركة حماس دخول الانتخابات واحتواء قرارها السياسي من خلال وجودها كأقلية، إلّا أن النتائج جاءت عكس ما يرغبون به ويخططون له”.
وأشار الزهار إلى أن منظمة التحرير التي يتحدث عباس باسمها تنازلت عن الأرض، ويدعي تمثيل الشارع في وقت تعاونت فيه مع العدو ضد المقاومة واعتقلت المقاومين”، مشددًا “أن عباس وفريقه لا يعبران إلا عن برنامجهما السياسي فقط”.
وختم الزهار قوله بأن “مشروع محمود عباس ومنظمته وصل إلى الحضيض بعد ضياع القدس واعتبارها عاصمة للكيان”، لافتًا “كان يعرف عباس هذه الخطوة مسبقًا باعتراف مسؤولي السلطة”.
حركة الجهاد الإسلامي، بدورها وصفت على لسان ممثلها في طهران ناصر أبو شريف، خطاب عباس، دون “مستوى التحديات والتهديدات التي تواجه القضية الفلسطينية”. وقال أبو شريف إن “عباس عطّل كل الفرص التي كان من الممكن خلالها تفعيل المؤسسات الوطنية، وهو المسؤول بشكل كبير عن حالة التشرذم التي يعاني منها الواقع الفلسطيني”، مشيرًا إلى أنه لم يكن هناك أدنى توقع أن يغادر عباس سقف أوسلو.
وذكر أبو شريف أن الفصائل الفلسطينية برمتها مجمعة على الانتفاضة الشعبية، والمجلس المركزي في جلسته السابقة دعا إلى وقف التنسيق الأمني، “لكن السؤال أين السلطة الفلسطينية من تطبيق هذه الخيارات؟”.
وأشار القيادي إلى أن المخاطر الإسرائيلية لا يمكن أن تواجه إلى انتفاضة شعبية حقيقية مدعومة من الجميع، مشيرًا إلى أن السلطة لم تنخرط لهذه اللحظة بشكل عملي في فعاليات الانتفاضة الشعبية، بل تواصل تنسيقها الأمني مع الاحتلال، وفقًا لاعترافات قيادات إسرائيلية لم تنكرها السلطة. مستهجنًا أن تستثني مخرجات “المركزي” أي دعوة لرفع العقوبات عن غزة، في وقت تواصل فيه “إسرائيل” عدوانها على كل الأرض الفلسطينية وتستهدف الوجود الفلسطيني.
من جهته، علقّ القيادي بالجبهة الشعبية رباح مهنا على خطاب عباس بالقول إن “عباس استغرق أكثر من 3 ساعات في خطابه الذي ألقاه كدرس في التاريخ ولم يتحدث عن موضوع المجلس المركزي إلا في الدقائق العشرة الأخيرة”.
وأضاف مهنا: “كما هو متوقع تحدث بصيغ مبهمة غير محددة ولا تنسجم مع خطورة ما تتعرض له القضية الفلسطينية”، مطالبًا رفاقه المشاركين في جلسات المركزي بالتطرق للعقوبات المفروضة والإجراءات الظالمة التي اتخذها عباس ضد غزة.
من جانبها وصفت حركة الأحرار خطاب عباس بـ”التافه والعاجز”، قائلة إن “عباس يجترّ لغة العجز ورسالة تطمين للأمريكان والعدو الصهيوني من خلال تغييب عناصر القوة الفلسطينية وإسقاط لخيار المقاومة”.
إشارات خطيرة
وبنظرة تحليله لخطاب الرئيس عباس ومخرجاته، رأى العديد من المحللين السياسيين، أن الرئيس عباس أعطى إشارات إلى عدم التعويل على الولايات المتحدة الأمريكية أو العرب في عملية السلام،على الرغم من أنه ما زال يراهن على المفاوضات وبأي شكل من الأشكال.
وقال الكاتب والمحلل السياسي الدكتور وجيه أبو ظريفة: “رغم طول الخطاب إلا أنه سياسيًا عالج كل القضايا المطروحة، وأجاب عن كل الأسئلة المطروحة وطنيًا وعلى المجلس المركزي أن يحول هذه التوجهات وغيرها إلى قرارات ملزمة ووضع آليات لتنفيذها بما يخدم مصالح الشعب الفلسطيني”.
وأوضح أبو ظريفة أن أول هذه القرارات الوحدة الوطنية وإعلاء راية الكفاح الوطني ومراجعة تقييمه موضوعيًا للفترة السابقة بأكملها والاستمرار في تطبيق اتفاقات المصالحة على طريق الوحدة الوطنية .
سميح خلف: “الرئيس عباس ما زال يراهن على المفاوضات وبأي شكل من الإشكال وتحدث عن المقاومة السلمية وهنا أوضح للبعض الذي لديهم التباس بين المقاومة السلمية والشعبية، المقاومة السلمية ترفض أي مظاهر من مظاهر العنف حتى الحجر!”
وذكر أبو ظريفة، أن هناك العديد من القرارات والمحاور أجاب عنها الرئيس عباس وهي أنه لا لصفقة القرن وأي صفقة تنتقص من حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وكذلك عدم القبول بأي وساطة أمريكية منفردة بأي حال من الأحوال ولم تعد وسيطًا في أي مفاوضات.
مواصلا حديثه “وعلى الاحتلال أن يدفع كلفة استمراره وعلى الجميع أن يعمل على زيادة كلفة الاحتلال والاستيطان والمقاومة والانتفاضة الشعبية جزء من إستراتيجية شعبنا، ويجب إعادة النظر في الاتفاقات المتبادلة والاعتراف بين الجانبين”.
من جهته عقب الكاتب والمحلل السياسي سميح خلف قائلًا: “الرئيس عباس ما زال يراهن على المفاوضات وبأي شكل من الإشكال وتحدث عن المقاومة السلمية وهنا أوضح للبعض الذي لديهم التباس بين المقاومة السلمية والشعبية، المقاومة السلمية ترفض أي مظاهر من مظاهر العنف حتى الحجر، أما المقاومة الشعبية أن يستخدم الشعب كل ما لديه من أدوات المقاومة وتطويرها وصولاً لتحقيق الهدف.
وعن أهم ارتكازات الرئيس عباس في خطابه قال خلف:” ارتكازات تاريخية تؤكد الوجود التاريخي للشعب الفلسطيني ولا وجود لما يسمى دولة لليهود على أرض فلسطين، وارتكازات سياسية تشمل إعادة تقييم أوسلو ولا يمكن أن يكون احتلال من دون كلفة، والتمسك بقرارات المجلس الوطني عام 1988، وكذلك رعاية دولية لعملية السلام، ورفض الوساطة الأمريكية، والتأكيد على محاربة الإرهاب.
مضيفًا “وهناك مؤشر سياسي مهم عندما قال عابرًا: “قد لا تروني ثانية”، ويبدو أن هناك ما يحدث دوليًا وإقليميًا مع عباس ولذلك أطلق عنان أبجدياته ضد ترامب وبريطانيا وأنظمة عربية، والتوجه للانتماء والالتحاق للمؤسسات الدولية، وتأكيده على المقاومة السلمية”.