ترجمة وتحرير: نون بوست
تخوض الإمارات العربية المتحدة بالاشتراك مع المملكة العربية السعودية عمليات عسكرية ضد الحوثيين على الأراضي اليمنية. كما تسعى الإمارات إلى السيطرة على الموانئ البحرية اليمنية باستخدام أساليب مشبوهة.
بتاريخ 14 أيار/ مايو من سنة 2017، اقتحم مسلح إحدى مقاهي الإنترنت بمحافظة عدن الواقعة بجنوب اليمن، فيما وقف ثلاثة مسلحين آخرين على مدخل المحل. وأسفرت عملية الاقتحام عن مقتل طالب يبلغ من العمر 24 سنة، يدعى أمجد عبد الرحمان، متأثرا برصاصة استقرت في رأسه. في تلك الحادثة، هدد الرجل المسلح كل المتواجدين في مقهى الإنترنت بالقتل في حال أبدوا أي حركة. وبعد ساعات من هذه العملية، حل أعوان الشرطة بمسرح الجريمة دون أن يبادروا بأية ردة فعل.
تجدر الإشارة إلى أن أمجد عبد الرحمان ناشط سياسي ذو توجهات يسارية وعلمانية، فضلا عن أنه صاحب مقهى الإنترنت الذي جدت فيه جريمة القتل. في السابق، تعرض أحد أصدقاء عبد الرحمان لعملية قتل بالطريقة نفسها، فمن هم المجرمون؟
تحاول الإمارات العربية المتحدة تلميع صورتها أمام الغرب عن طريق لوبيات مأجورة، لتبرز نفسها في شكل قوة تدعم الاقتصاد الحر والأنظمة العلمانية، فضلا عن أنها تعد وجهة مفضلة بالنسبة للسياح
على خلفية هذه الحادثة، وجه بعض الناشطين السياسيين أصابع الاتهام إلى أحد قياديي القوات الأمنية الخاصة، الإمام النوبي، علما وأن هذه القوات تتلقى الأموال والأسلحة من قبل الإمارات العربية المتحدة. وخلال تدخلها العسكري في الأراضي اليمينة، بسطت الإمارات العربية المتحدة نفوذها على محافظة عدن بالتعاون مع حلفائها المحليين، وذلك بشكل جزئي.
في الواقع، تعتبر قوات الإمام النوبي جزءا من قوات الحزام الأمني التي أحدثتها الإمارات العربية المتحدة، والتي ساهمت في خلق مناخ من الفوضى في محافظة عدن سعيا للسيطرة عليها. وبعد مقتل عبد الرحمان، تعرض أربعة أشخاص من أصدقاء الضحية للخطف من قبل قوات النوبي.
في هذا السياق، روى أحد الأشخاص المخطوفين، يدعى هاني الجنيد، حيثيات عملية الخطف، حيث أفاد بأن عناصر من قوات النوبي اعتقلته رفقة أصدقائه واحتجزتهم في زنزانة قذرة تفتقر للمرافق الصحية. في الأثناء، هددت هذه القوات الناشط اليمني بالتعذيب بشكل أكثر وحشية من تنظيم الدولة. ولعل الأمر الأكثر فظاعة هو أن هذه القوات حاولت تنفيذ تهديدها في إحدى المناسبات. وإلى حد الوقت الراهن، يشكو الجنيد من آلام الظهر جراء التعذيب الوحشي الذي تعرض له.
خلال عمليات التعذيب، كانت قوات النوبي تحاول إجبار الجنيد على الاعتراف بالإلحاد ومن ثم إعدامه. لعل الأمر المثير الاستغراب هو أن هذه القوات تتباهى بحصولها على تمويلات من قبل الإمارات العربية المتحدة، مقابل تفنيدها للشائعات المتعلقة بتلقي أوامر من طرف الإماراتيين.
قوات الحزام الأمني بقيادة الإمارات العربية المتحدة تضم بعض الانفصاليين الذين يشكلون تهديدا على وحدة البلاد، إلى جانب عدد من العناصر السلفية والجماعات المتطرفة
في الحقيقة، يعود الفضل في بقاء الجنيد ورفاقه على قيد الحياة إلى شيوخ القبائل الذين تدخلوا من أجل إطلاق سراح المعتقلين. وبعد إطلاق سراحه، فر الجنيد إلى القاهرة، بينما رفضت قوات النوبي دفن الضحية أنور عبد الرحمان في المقبرة بتعلة أنه ملحد، شريطة أن يدفن في مكان سري.
في الوقت الراهن، تحاول الإمارات العربية المتحدة تلميع صورتها أمام الغرب عن طريق لوبيات مأجورة، لتبرز نفسها في شكل قوة تدعم الاقتصاد الحر والأنظمة العلمانية، فضلا عن أنها تعد وجهة مفضلة بالنسبة للسياح. علاوة على ذلك، تعلي الدول الغربية من شأن الإمارات باعتبارها شريكا في مكافحة الإرهاب، علما وأن بعض الدول الغربية أشادت بالجهود الإماراتية في الحرب اليمنية. في هذا السياق، أطلق وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، على الإمارات العربية المتحدة لقب “أسبرطة الصغيرة”.
مع ذلك، لا يعكس التدخل العسكري في اليمن الصورة الإيجابية التي تحاول الإمارات ترويجها. فقوات الحزام الأمني بقيادة الإمارات العربية المتحدة تضم بعض الانفصاليين الذين يشكلون تهديدا على وحدة البلاد، إلى جانب عدد من العناصر السلفية والجماعات المتطرفة، على غرار قوات الإمام النوبي. في هذا الصدد، أفاد أحد السياسيين اليمنيين المحايدين بأن “السلفيين يعدون الطرف الأقوى في صلب قوات الحزام الأمني، علما بأن هذه القوات تتكون من أكثر من عشرة آلاف فرد مسلح يتلقون دعما ماليا من الإمارات، لتكون هذه القوات بمثابة قنبلة موقوتة”.
حركة الإخوان المسلمين، الدابة السواء
خلال الصائفة الماضية، فرضت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة حصارا على قطر بدعوى دعم المتطرفين. وقد أثارت الرياض جدلا واسعا حول الاتهامات التي وجهتها لقطر بدعم المتطرفين خاصة وأن السعودية نفسها تصدّر فكرا متطرفا شبيها بفكر تنظيم القاعدة. ومن جهتها، تدعم الإمارات العربية المتحدة الأنظمة العلمانية غير الديمقراطية.
بهدف التفرغ لمحاربة حركة الإخوان المسلمين، التي تعتبر بمثابة الدابة السوداء بالنسبة لأبوظبي، تحالفت الإمارات العربية المتحدة مع المتطرفين. وبينما تساند أبوظبي الحكام العسكريين في مصر وليبيا، بادرت بالتحالف مع السلفيين من أجل القضاء على هذه الحركة. وعلى هذا الأساس، ترى الإمارات أن السلفيين، الذين لا يحملون توجهات سياسية، أقل خطرا من الإخوان المسلمين الذين يحملون أجندات سياسية واضحة. ولعل ذلك ما أكده الباحث في شؤون دول الخليج، كريستيان كواتس أولريخسن، الذي قال إن “الإمارات عمدت إلى التحالف مع القوى المتطرفة في بعض الدول للقضاء على حركة الإخوان المسلمين”.
في بداية الحرب اليمنية، عللت الإمارات العربية المتحدة تدخلها العسكري في اليمن بالرد على الحوثيين المتحالفين مع إيران. وفي نهاية سنة 2014، توسع الحوثيون في العاصمة اليمنية صنعاء بعد احتلالها. وفي السنة الموالية، أحدثت الإمارات بالشراكة مع المملكة العربية السعودية التحالف العربي ضد الحوثيين. ومؤخرا، أصبحت حركة الإخوان المسلمين في اليمن في صف التحالف العربي ضد الحوثيين.
إلى جانب ذلك، نجح التحالف العربي ضد الحوثيين بمساعدة قوات التدخل الإماراتية في طرد الحوثيين من مدينة عدن، في حين لا زالت العاصمة صنعاء تحت سيطرة الميليشيات الحوثية. وعموما، دُمر اليمن دون أن ينهزم الحوثيون، فيما اندلع صراع بين خصوم الحوثيين.
قامت الإمارات ببناء قاعدة عسكرية فوق جزيرة “سقطرى” اليمنية، ذات الموقع الإستراتيجي المتميز أمام مضيق باب المندب
أما أبوظبي فكانت تسعى وراء هدف آخر، حيث بين أولريخسن أن “الإمارات استغلت الحرب اليمنية من أجل إقامة منطقة نفوذ خاصة بها”. وفي الوقت الحالي، لا تسيطر الإمارات على مدينة عدن فسحب، التي تعتبر منافسا قويا لميناء دبي البحري “جبل علي”، وإنما تمكنت أيضا من فرض سيطرتها على موانئ مدينتي المكلا والشحر اليمنيتين بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية.
فضلا عن ذلك، قامت الإمارات ببناء قاعدة عسكرية فوق جزيرة “سقطرى” اليمنية، ذات الموقع الإستراتيجي المتميز أمام مضيق باب المندب. ومن جهة أخرى، شاركت القوات الإماراتية في الاستيلاء على ميناء “المخا” اليمني. وبالتالي، أصبحت الإمارات تسيطر على كافة الموانئ اليمنية بصورة مباشرة وغير مباشرة، باستثناء ميناء الحديدة.
في الواقع، يمتد نفوذ الإمارات إلى أبعد من الموانئ البحرية في اليمن. فالإمارات تضع يدها على الموانئ البحرية الواقعة على قناة السويس في مصر، وموانئ الهند، وكافة موانئ البحر الأبيض المتوسط، بالإضافة إلى موانئ دول القرن الأفريقي. وفي الربيع الماضي، حصلت شركة موانئ دبي العالمية، المملوكة لإمارة دبي، على حق تطوير ميناء مدينة بربرة في الصومال.
بهدف التفرغ لمحاربة حركة الإخوان المسلمين، التي تعتبر بمثابة الدابة السوداء بالنسبة لأبوظبي، تحالفت الإمارات العربية المتحدة مع المتطرفين
والجدير بالذكر أن الإمارات تمتلك عقودا طويلة الأجل في نفس المنطقة لبناء قواعد عسكرية جوية وبحرية. في سياق مغاير، أجلت الإمارات هجومها على مدينة الحديدة اليمنية، التي تقع تحت سيطرة الحوثيين، في السنة الماضية، على خلفية تحذيرات الأمم المتحدة من كارثة إنسانية، إلا أنها تخطط لتنفيذ ذلك الهجوم.
شبكة السجون السرية الإماراتية في اليمن
تتواجد الإمارات داخل الأراضي اليمنية سواء بقواتها وجنودها المرتزقة أو من خلال دعمها لحلفائها الضالعين في الحرب هناك. ففي البداية، كانت الإمارات تطمح للتدخل من أجل إعادة إعمار اليمن، إلا أن كل تلك النوايا تجاه اليمن تبدلت بعد أن أصبح الوضع أكثر فوضوية بصورة غير متوقعة.
حيال هذا الشأن، كشف تقرير من وكالة “أسوشيتد برس” الإخبارية أن الإمارات قامت بإنشاء قرابة 18 سجنا سريا داخل اليمن. كما كشف التقرير عن أساليب التعذيب القاسية المعتمدة داخل تلك السجون، بما في ذلك “شوي المساجين”، حيث يربط المساجين في أسياخ حديدية شبيهة بأسياخ طهي الطعام، ثم يتم شويهم فوق النيران.
بالطبع، تنكر أبوظبي وجود هذه السجون، علما بأن القوات الأمريكية هي من تستجوب المساجين داخل هذه السجون في إطار حملتها لمكافحة الإرهاب، ولا يرغب الأمريكان بأي حال من الأحوال أن تفضح ممارساتهم ضد المساجين.
في الوقت الحالي، تضغط الإدارة الأمريكية على الإمارات من أجل التركيز على محاربة تنظيم القاعدة. وبالفعل، تمكنت الإمارات من الاستيلاء على مدينة المكلا الساحلية بمساعدة القوات الأمريكية وطرد مقاتلي القاعدة
عموما، تتعاون واشنطن مع الإمارات منذ فترة من أجل محاربة تنظيم القاعدة في اليمن. ولكن في الحرب اليمنية الأخيرة، قدمت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا والإمارات الدعم اللازم للمتطرفين من السنة على غرار مقاتلي تنظيم القاعدة، بهدف قتال الحوثيين الشيعة. وفي سنة 2016، كشفت تقارير صادرة من هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” أن تنظيم القاعدة يقاتل في اليمن جنبا إلى جنب مع قوات التحالف، ما أدى إلى انتشار عناصر تنظيم القاعدة على نطاق واسع داخل البلاد.
في الوقت الحالي، تضغط الإدارة الأمريكية على الإمارات من أجل التركيز على محاربة تنظيم القاعدة. وبالفعل، تمكنت الإمارات من الاستيلاء على مدينة المكلا الساحلية بمساعدة القوات الأمريكية وطرد مقاتلي القاعدة. كما استطاعت القوات الإماراتية استعادة محافظة شبوة من يد تنظيم القاعدة، بينما أكد المراقبون أن الاستيلاء على المحافظة تم دون أي مقاومة، حيث خرج مقاتلو تنظيم القاعدة من المدينة بالتفاوض.
في المقابل، فشلت القوات الإماراتية بمساعدة القوات الأمريكية في استعادة محافظة البيضاء من يد تنظيم القاعدة في مطلع سنة 2017، وأسفرت هذه العملية الفاشلة عن مقتل عشرة أطفال دون سن 13، فضلا عن مقتل جندي أمريكي من قوات النخبة. ومن سخرية الأقدار أن الإمارات لعبت دورا بارزا في استيلاء الحوثيين على العاصمة اليمنية، صنعاء، على الرغم من أنها تقود الحرب ضدهم هذه الأيام.
بناء على هذا المعطى، تعجب الكثيرون من سهولة استيلاء الميليشيات الشيعية على العاصمة اليمنية. وقد تبين أن الرئيس اليمني نفسه ساعدهم في ذلك، ولم يجدوا أي مقاومة تذكر، باستثناء قوات الإخوان المسلمين في اليمن، التي فشلت في النهاية من صدهم.
بعد مقتل علي عبد الله صالح، باتت الإمارات تسعى إلى التقارب مع ألد أعدائها، الإخوان المسلمين، من أجل محاربة الحوثيين، بعد أن كانت تسعى للتخلص منهم. ويعتبر ذلك دليلا على أن الإمارات فشلت في تقييم الوضع الحقيقي لليمن
بما أن عبد ربه منصور هادي كان يخشى من منافسة الإخوان المسلمين له، ساعد الحوثيين في التخلص منهم، مستغلا العداء بين الطرفين. ووفقا لمصادر موثوقة، كان هناك اتفاق بين الإمارات والحوثيين من أجل الاستيلاء الحوثيين على صنعاء. ويؤكد بعض المراقبون أن الاتفاق لم يكن مع الإمارات وحدها، وإنما مع بعض الدول الأخرى المجاورة لليمن.
لقد كان الهدف منذ البداية القضاء على الإخوان المسلمين في اليمن، ولم يكن من المتوقع أن يبقى الحوثيون في العاصمة حتى الآن. وفي النهاية، تغيرت أطراف المعادلة باستيلاء الحوثيين على الحكم، وهروب عبد ربه منصور هادي إلى الرياض ليبقي هناك حتى اليوم.
حتى في ظل وجود حكومة رسمية تدعمها الإمارات، لن ترضى الإمارات بهادي حليفا لها؛ فعادة ما تعيق عودته إلى العاصمة المؤقتة عدن. وعوضا عن ذلك، تدعم الإمارات السلفيين والانفصاليين في اليمن، الذين يعتبرون ألد أعداء هادي. وحتى الآن، تعيش عدن في حالة من الفوضى، حيث باءت جميع المحاولات من أجل عودة النظام والهدوء للمدينة بالفشل.
تحالفات غير منطقية
وضعت الإمارات ثقتها في الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، الذي كان رهانا خاسرا بالنسبة لها. فقد نقض الحاكم المستبد السابق لليمن عهده مع الحوثيين، الذين تحالف معهم لفترة مؤقتة، ليعود مرة أخرى لأحضان التحالف الديمقراطي. لفترة طويلة، حافظت الإمارات على اتصالها بصالح، خاصة بعد الإطاحة به في الربيع العربي. وكانت تطمح من حلال هذه الاتصالات إلى عودته إلى منصبه، إلا أن صالح لقي حتفه بعد فترة قصيرة من نقض عهده مع الحوثيين.
بعد مقتل علي عبد الله صالح، باتت الإمارات تسعى إلى التقارب مع ألد أعدائها، الإخوان المسلمين، من أجل محاربة الحوثيين، بعد أن كانت تسعى للتخلص منهم. ويعتبر ذلك دليلا على أن الإمارات فشلت في تقييم الوضع الحقيقي لليمن.
المصدر: نويه تسوريشر تسايتونغ